إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

المجتمع المدني و.. الوزيرة

قرأت قصة قررت بعدها أن أطلق السياسة بالثلاثة وأن أقاطع أي سياسي يجري أمامي بالحديث عن زراعة البطاطا في بولندا، أو عن عدد النحلات المسموح لليعسوب بأن يلقحها قبل أن تقرر النحلات قتله.

القصة قرأتها في صحيفة "صانداي ماغازين" وملخصها أن بريطانيا، عن بكرة أبيها وأمها، قامت بثورة سوف تستمر رياحها عاصفة حتى نهاية العام الدراسي الجاري، وربما تمتد إلى العام المقبل، ضد وزيرة الاقتصاد في الحكومة العمالية باتريشيا هويت.

الجريمة التي ارتكبتها هويت هي أن ولدها حصل على قبول في ثانوية "وليام اليس" في شمال لندن، وهي مدرسة محترمة وحازت تقدير ممتاز من قبل مراكز التفتيش التربوي.

أين الجريمة إذن؟ هل كانت علاماته ساقطة ولا تؤهله للالتحاق بالثانوية، أم أنه حصل على شهادة مزورة، أم..؟ لاشيء أبدا من كل هذا فابن الوزيره علاماته جيدة، وأوراقه سليمة، ولكن المشكلة هي أن منزله يقع على بعد ميل ونصف الميل من المدرسة، وكان بإمكانه أن يختار واحدة من أربع مدارس لا تبعد عن منزله بأكثر من ميل، ولكن لأن سمعة تلك المدارس التعلمية "مش ولابد" فإن أمه الوزيرة اختارت له المدرسة البعيدة واستطاعت أن تحصل له على مقعد فيها.

ومن هنا بدأت الثورة، شعبياً وأكاديميا، وهرولت وسائل الإعلام تتابع الفضيحة، حيث تبين، كما يقول مدير المدرسة، أنه وعلى مدى الـ11 عاما الأخيرة فإن المدرسة لم تقبل تلاميذ تبعد بيوتهم عن المدرسة أكثر من ميل واحد، إلا إذا كان التلميذ المعني متفوقا في الموسيقى، وهي إحدى ميزات المدرسة، أو كان معاقا، أو كان لدية شقيق في المدرسة.. وكلها شروط لا تتوافر في ابن الوزيرة.. ومن هنا ثارت ثائرة الأجهزة الأكاديمية على هذا الخرق المفضوح لقوانينها.

ثم جاءت ثورة الأمهات اللواتي تقع منازلهن بالقرب من المدرسة المعنية، ولم تتوافر لأبنائهن مقاعد في المدرسة، وقالت إحداهن في رسالة إلى مدير الثانوية: آسفة أنني لست وزيرة ولكن ابني يملك حقا أكبر في الحصول على مقعد لأن منزلي لا يبعد عن مدرستك إلا نصف ميل.

صحف التابلويد أطلقت المانشيتات على صفحاتها الأولى: وزيرة الواسطة، وابن الوزيرة المدلل. و: أين حقوق المجتمع المدني يا وزيرة الاقتصاد؟ وكان هذا المانشيت الأخير جارحا لأن هويت قبل أن تصبح وزيرة كانت من أبرز القيادات في الدفاع عن المجتمع المدني في مواجهة الحكومة.

هل نتحدث بعد هذا في السياسة والفرق بين العمال والمحافظين أو الفرق بين الاشتراكية والرأسمالية؟

المجتمع المدني هو الأساس أما إذا شئتم الحديث في السياسة فسوف أختار الحديث عن زراعة البطاطا في بولندا.

 

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات