سميح القاسم وجهاد فاضل

سميح القاسم وجهاد فاضل
        

  • لا أريد إلقاء اليهود في البحر ولا أريدهم أن يرموني في الصحراء
  • يجب أن تتشارك كل الأقليات في العالم العربي في بناء حضارة عربية جديدة
  • الإبداع عمل إنساني ولست مع الشعور بالنقص المطلق تجاه كل ماهو أوربي

          بدأ هذا الحوار مع الشاعر الفلسطيني سميح القاسم، المقيم في مدينة الرامة بالجليل في فلسطين المحتلة، بالسؤال التالي: قبل أيام سمعت في إحدى الفضائيات العربية امرأة من غزة تنتحب وتولول وسط مظاهرة حاشدة، وفي صوت يحرق القلب: «راحت فلسطين.. راحت فلسطين»، فهل راحت فلسطين نهائيًا كما تقول هذه المرأة أم أنها ستعود برأيك؟ وعلى أي صورة؟ وتخلل الحوار مع سميح القاسم سؤال آخر ذو طابع فجائعي، مأساوي أيضًا، ولكن حول الشعر العربي هذه المرة. قلت لسميح القاسم: كثيرًا ما يتمتم العربي بعد أن يقرأ أو يلمح في الجريدة أو المجلة، قصيدة حديثة: «راح الشعر! راح الشعر»... فهل راح الشعر العربي برأيك، أم أنه بخير وصحة وعافية؟

          لسميح القاسم رؤيته الخاصة لمستقبل فلسطين. إنه يرى فيها بلدًا يتعايش فيه بسلام وبأخوة الشعبان المتصارعان عليها الآن. فإسرائيل الدولة العنصرية غير قابلة للحياة لا لأننا نريد أن نلغيها، بل لأنها مضطرة لإلغاء ذاتها في نهاية المطاف. لقد أوقعت نفسها في حالة الجزيرة، التي يتحدث عنها المثل الصيني: «مجنونة هي الجزيرة التي تعادي المحيط». دولة الاحتلال الاسرائيلي هي هذه الجزيرة بالذات.

          حول الشعر، لا يشارك سميح القاسم القائلين بأن الشعر العربي يعيش أزمة. صحيح أن الشعراء أكثر من الشعر، ولكن الشعر بألف خير، وعلى ذلك هناك أدلة كثيرة. من هذه الأدلة أن سميح القاسم لا يحسّ بالتراجع في جمهور قصيدته، بل يشعر بالدفء والقوة في أمسياته الشعرية انطلاقًا من عدد حضورها. «أمسياتي أكبر من أمسيات أي شاعر أوربي في أوربا، وأكبر من أمسيات أي شاعر أمريكي في أمريكا، وأكبر من أمسيات أي شاعر روسي أو صيني أو ياباني أو إفريقي في بلاده». ولأنه يأخذ على جماعة الحداثة الشعرية العربية مآخذ شتى، فهو لا يتردد في القول إنه مكلّف بإنقاذ الحداثة العربية والشعر العربي مما هو سائد في الساحة من تحولات سطحية وضحلة وتافهة وغير منطقية وغير واقعية.

          في الحوار يتردد اسم الشاعر محمود درويش، كما يتردد اسم منظمة « راكاح» الشيوعية الإسرائيلية التي انتمى إليها سميح ومحمود في شبابهما، وأثرت في تكوينهما الفكري، وبخاصة في رؤيتهما الواحدة لمستقبل فلسطين، أي لدولة واحدة يتعايش فيها العرب واليهود بسلام. وفي الحوار يتحدث سميح القاسم عن المختلف والمؤتلف في تجربته وتجربة محمود درويش.

يقول سميح القاسم:

          - إن رؤيتي لمستقبل فلسطين تتناقض مع طرحين متناقضين: الطرح القومي العربي التقليدي القاضي بإلقاء اليهود في البحر، على أساس أن فلسطين عربية من البحر إلى النهر، ولذلك ينبغي ترحيل من قدم إليها بعد عام 8491. هذا كلام لنتركه للشعراء. نحن الآن نتكلم كمفكرين وكمثقفين وكأناس مسئولين. أما الطرح اليهودي الصهيوني، فمعروف وهو أن هذه البلاد لنا وليست للعرب!

          في تقديري لن تنجح معادلة يقوم فيها طرف بإلغاء الآخر ومحوه. إنها حالة أنا شخصيًا أعارضها. فلا أريد للعرب أن يسقطوا في تجربة إلقاء اليهود في البحر، حتى لو كانوا قادرين، ولا أريد لليهود، لأنني أممي إنساني، أن يسقطوا في وحشية إلقاء العرب في الصحراء أو إبادتهم. ومن باب احترام إنسانيتي، أرى صورة الوطن المشترك للجميع، لجميع مواطنيه. ولأنني عروبي وحدوي تقدمي، أريد لهذا الوطن الصغير أن يكون جزءًا من الوطن الكبير: وطن يعيش فيه العرب واليهود والبربر والأرمن والشركس. أنا سعيد بهذه التعددية في الوطن العربي، أرى فيها مصدرًا للثراء الإنساني والثقافي والحضاري والتربوي.

  • ولكن ألا تجد في ما تتحدث عنه نوعًا من رؤية يوتوبية خيالية، رؤية شاعر أكثر مما هي رؤية مفكر أو مثقف؟

          - ليس هناك ما هو أكثر واقعية من خيال الشعراء، لدي قناعة روحية وفكرية، وشعرية ونثرية، بأن الشعبين سيتوصلان إلى هذه الحتمية. هذه هي الحتمية. أنا لا أريد إلقاء اليهود في البحر، ولا أريد لليهود أن يلقوني في الصحراء، لن أسمح لهم بذلك طبعًا. ولا أسمح لهم بأن يكرهوني على إلقائهم في البحر. لن أسمح لهم بأن يجرّدوني من إنسانيتي، وإنسانيتي هذه لم أرثها من أبي وأمي وحسب، أنا ورثتها من الحضارة العربية الإسلامية، وهي - في رأيي المتواضع وغير الشوفيني - حضارة إنسانية راقية، في قمة الأنسنة.

  • شبيهة بالتجربة العربية في الأندلس؟

          - نعم، حيث تعايشت ثقافات وحضارات وشعوب، والتجربة الأندلسية بالمناسبة يجب أن تُدرس على المستوى العالمي، وأنا أنصح الأمم المتحدة بدراسة التجربة الأندلسية، الحاكم عربي مسلم، وعنده وزير يهودي، ووزير نصراني، وقائد الجيش مرة كان يهوديًا، والشاعر مسيحي وعربي وإسباني ويهودي ومسلم وسني وشيعي، لا أحد يهتم، لا أحد يهتم على الإطلاق بالانتماء القومي أو الديني أو المذهبي.

          أنا أجد الشهادة ليس في الكتب التي وضعها العرب، وليس في ما أقوله، بل أعيد العالم إلى شهادة البابا سلفستر الثاني الذي درس ثلاث سنوات في جامعات العرب والمسلمين في الأندلس ثم عاد وسُمِّي بابا في روما. ومعروفة خطاباته وكلماته الرائعة، التي تدعو رعاياه إلى تعلم اللغة العربية والتخلق بأخلاق العرب، وارتداء ثيابهم، وتذوّق مأكولاتهم.

لغة العالم

  • قيل إنه كان من أسباب اختياره بابًا، كونه كان يعرف لغة أجنبية راقية هي اللغة العربية.

          - ليس لأنه يعرف لغة أجنبية راقية، بل لأنه كان يعرف لغة العالم الراقية، وهي العربية آنذاك، الآن قد يكون هناك تساؤل حول ما إذا كانت الإنجليزية واليابانية هي لغة الحضارة. في ذلك الوقت كانت هذه اللغة هي اللغة العربية بلا منافس، لغة الحضارة الإنسانية.

          لذلك فأنا لا أنتزع هذه الرؤية من مكنونات نفسي، أنا أستعين بتاريخي. أستعين بثقافتي، بتراثي. وهذا التراث قدّم أجمل صيغة للتعايش بين العرب والإسبان، المسلمين والنصارى، اليهود والبربر. إذن هذه الصيغة إذا كانت جيدة قبل عشرة قرون، تستطيع أن تكون جيدة اليوم أيضًا.

  • هذه الصيغة التي تقترحها لن يرضى عنها أحد: لا اليهود ولا العرب.

          - أعتقد أننا بشيء من التثقيف يمكننا أن ننجح. ما دورنا؟ نحن ملزمون بتثقيف شعبنا، ألا نُسمّى المثقفين؟ المثقفون هم المثقفون (بكسر القاف) أيضًا. ما هذا اليأس؟ اليأس رفاه باهظ التكاليف. نحن لانستطيع تسديد فاتورة اليأس. لذلك يجب أن نكون واقعيين وشعراء ومنطقيين ومفكرين لنتوصل إلى هذه الصيغة. وأعتقد أن الإسرائيليين الذين بعد الحرب الأخيرة مع حزب الله، بعد إهانتهم في لبنان، أعتقد أن لديهم أوساطًا واسعة باتت تفكر بهذا الاتجاه.

          أحد كبار أدبائهم فقد ابنه في الحرب. وطُلب منه أن يتكلم في ذكرى اغتيال رابين. هذا الكاتب الشهير واسمه دافيد كروسمان قالها صريحة: «فيما مضى كنا نتنكلم عن حتمية الحرب، فلنتكلم الآن عن حتمية السلام».

          إذن إمكانية التغيير قائمة عربيًا ويهوديًا، فلسطينيًا وإسرائيليًا.

ضد الاستئصال

  • مثل هذا التفكير السمح حول المصير الفلسطيني هل تعيده إلى تجربتنا القديمة في الأندلس وحسب، أم أيضًا إلى تجربتك الشخصية في منظمة الحزب الشيوعي الإسرائيلي «راكاح»، التي كنتم ولسنواتٍ طويلة، عضوًا فيها؟ كان معكم في هذه المنظمة صديقكم الشاعر محمود درويش الذي دعا ويدعو إلى مثل هذا الوطن الفلسطيني الذي يتسع للجميع: للفلسطينيين واليهود على السواء؟

          - سأكون سعيدًا إذا كان محمود درويش يفكر مثلي، وإذا كان آخرون يفكرون مثلي، فمن دون شك سأكون سعيدًا جدًا. لكن المسألة ليست مسألة حلم ورحمانية. هي في رأيي مسألة حتمية تاريخية، وهي قراءة علمية دقيقة لواقع مركب جدًا. إذا أخطأنا القراءة فسنصل إلى النتيجة التي يقولها المتطرفون الصهاينة: إما نحن وإما هم! وأنا بالفعل لا أريد هذه الصيغة. حتى ولو ملكت أسلحة التدمير الشامل، السلاح النووي، لن أقصف به تل أبيب، لن أفعل ذلك. اتهموني بالخيانة! هذا شأنكم. أنتم أحرار في ذلك. لكن أنا لا أريد أن أخون حضارتي. لا أريد أن أخون عروبتي. إذا كنت بذلك أخون الصيغ الانتهازية والكاذبة وطبول الكلام الاستهلاكي الحقير، والذي ينطبق عليه ما قلته في السابق وأكرره دائمًا. في الحياة العربية احتياطي الكذب أكبر من احتياطي النفط في الصحراء العربية. أنا أرفض الكذب وأحتقر الكذابين. وقلت مرة وأكررها: المحب لا يكذب على المحبوب. وأنا أحب أمتي وأحب وطني. لا أستطيع أن أكذب على أمتي وعلى وطني. أقول ما أحسّ به حقيقة. أنا أتمنى على الإسرائيليين أن يتخلصوا من غلاة المتطرفين الهمج القتلة العنصريين، الحشرات البشرية، التي تسيطر عليهم الآن، وأن يثوبوا - كما قلت في إحدى قصائدي: الشمس في كتابنا، فأي شيء غير هذا الليل في كتابكم، عودوا إلى ثوابنا، عودوا إلى صوابنا.

          تريد أن تسمّيه تبشيرًا سَمّه. أنا أبشّر بمستقبل للعرب ولليهود وللأكراد وللأرمن والسريان، وللشيشان والشركس والبربر الأمازيغ، ولكل الأقليات القومية والمذهبية في الوطن العربي. أتصوّر مستقبلاً من طراز جديد نشترك فيه جميعًا، في بناء حضارة عربية جديدة تخدم أمتنا وتخدم الإنسانية، وأرفض - كما تعلمون أو لا تعلمون - مقولة الصراع الحضاري، وأرفض مقولة أن الحضارة الغربية هي عدوة الحضارة العربية. على الإطلاق، النقيض هو الصحيح. الحضارة الغربية هي الامتداد الشرعي للحضارة العربية. كل ما حصل هو أن القوة العثمانية دخلت حياتنا من خلال حصان طروادة، الدين، وهيمنت علينا خمسة قرون، شلّت عقلنا، وشلّت إرادتنا، ومسختنا. والشك في أن هناك قوة خارجية هي مشروع الإمبراطورية الفارسية، كما أعتقد، أيضًا تتجه نحو تحويل الدين إلى حصان طروادة، للهيمنة على الحياة العربية. وبالطبع مازلنا في ويلات حصان طروادة المسمى سايكس - بيكو، ومازلنا تحت خطر التسونامي العولمي الأمريكي الخطير، والدموي والبشع إلى أبعد الحدود.

          من حقي أن أحلم لأمتي ولوطني بحياة كريمة حرة مستقلة وإنسانية ومبدعة، وتحترم التعددية العرقية والدينية والمذهبية والفكرية، بغير هذا لن تقوم لها قائمة.

قومية بلا حدود

  • من يقرأ شعركم، وأنا قرأت الكثير منه، يجد أنكم قوميون أحيانًا وإنسانيون أحيانًا أخرى، عروبيون متعصبون للعروبة ولفلسطين، بالطبع «وراكاحيون» في نظرتكم إلى فلسطين؟

          - لا.

  • وكذلك محمود درويش: فنظرة «راكاح» المعروفة إلى فلسطين هي نظرته أحيانًا، كما أنها ليست نظرته في أحيان أخرى.

          - كل شاعر هو تجربة قائمة بذاتها. تجربة محمود ليست بالضرورة انعكاسًا لتجربتي. وقد يكون المختلف بيننا أكبر من المشترك. لذلك لا أقترح عليك التورط في هذه الثنائية الجميلة، لكنها إعلامية، وليست أكثر من ذلك. إنها في مجال الإعلام ثنائية جميلة دون شك، لكنها غير واقعية لا بالمعايير الشعرية، ولا بالمعايير الفكرية أيضًا.

          أنا قومي بلا حدود، وأعتز بعروبتي بلا حدود. لكنني لا أطرح القومية كنقيض للأممية. على العكس، أعتقد أنك لا تستطيع أن تكون قوميًا حقيقيًا إن لم تكن أمميًا. لا تستطيع أن تكون محبًا لشعبك إن كنت تكره الشعوب الأخرى.

          إذن فكري القومي - دون شك - يختلف ربما عن القومية الرائجة في الوطن العربي، من قديم الزمان. أنا أتحدّى أيًا كان أن يجد في قصيدتي عنصرًا شوفينيًا. أنا أقدّم العروبة الأممية، العروبة الراقية، العروبة الإنسانية، وبالمحصلة، ما أدّعي أنه العروبة الحقيقية.

          لا أتصور، ولا أريد أن أتصور، عروبتي بالصيغة التي يطرحها من أسمّيهم «القوميين» الذين تعلموا عروبتهم في مدارس الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية. لستُ منهم. أنا لم أستورد عروبتي بوعي أوربي، بثقافة أوربية. أنا ضد التحية النازية التي تستعملها بعض الأحزاب العربية، النازيون والفاشيون أخذوا هذه التحية من الرومان القدامى.

          لدينا نحن العرب والمسلمين تحياتنا الجميلة، بوضع اليد على القلب، ومن أيام الجاهلية، وفي صدر الإسلام، وعلى امتداد الدعوة الإسلامية كانت عندنا هذه التحية: وضع اليد على القلب.

          إذن لماذا نستورد تحية هتلر وموسوليني وقياصرة روما القديمة؟

  • قصدت في سؤالي أنكم مع محمود درويش، كنتم سويًا في منظمة «راكاح» التي تدعو إلى الأخوّة العربية الإسرائيلية، وتأثرتم بهذا الطرح الذي كثيرًا ما يُلمس في شعركم وفي شعر محمود.

          - محمود كان قبلي في «راكاح»، محمود بدأ في الحزب الشيوعي الإسرائيلي قبلي، قبلي دون شك، نحن استفدنا، أنا ومحمود درويش وتوفيق زياد وسالم جبران وآخرون، من احتكاكنا بعناصر تقدمية يهودية في إطار «راكاح»، أو الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال، أنا شاركت في زيارة لمعسكر بوخنفالت النازي في ألمانيا في الغابة السوداء، ورأيت صوراً لما كان يفعله النازيون ليس فقط في اليهود، بل في الديمقراطيين الألمان، وأيضًا في جنود قوات الحلفاء ومن ضمنهم جنود عرب ومسلمون. شاهدت ذلك بأمّ عيني، هذه التجربة علّمتني الكثير. فتحت عينيّ على أهوال العنصرية، وقوّت إيماني بضرورة مقاومة الفاشية والنازية وكل مظاهر التعصب العنصري الأعمى.

          قلت وأكرر مرة أخرى: لا أعتقد أن هناك من عبّر عن الهمّ القومي العربي بمثل ما فعلت. على امتداد الشعر العربي لن تجد في أعمال أي شاعر هذا الهاجس الذاتي والوجداني والوجودي. هاجس وجودي، الهاجس القومي عندي. لكنني أعيشه برؤية إنسانية كونية، وليس برؤية العزلة والتقوقع.

وضد العنصرية

  • إذا كانت زيارة واحدة إلى معسكر نازي ألماني، ولدت فيكم مثل هذه المشاعر الإنسانية، فما الذي ولّدته فيكم إقامتكم في وسط دولة احتلال - هي إسرائيل - فيها الكثير من مظاهر النازية القديمة، إن لم نقل إنها معسكر يرمز إلى اللاعدالة واللاإنسانية.

          - أخي.. لدينا من المقابر والضحايا والشهداء في الأرض المصادرة والعنصرية والتعصب والقمع والتجويع والحصار ما يكفي لتحصيننا ضد العنصرية، وما يكفي أيضًا لتحويلنا إلى عنصريين. إذن الخيار حضاري وفكري وإرادي. ليس موقفًا لاإراديًا. هو موقف إرادي. أستطيع تبرير كوني عنصريًا بسهولة. لكن لا أختار هذه السهولة لأني لا أقتنع بها. أذهب إلى الصعب، والصعب هو أن أحافظ على إنسانيتي في وجه قوة غير إنسانية تريد تغييبي وسحق تاريخي وثقافتي وهويتي وكياني. ذهبت إلى الخيار الأصعب، لا أن أجلس في كافتيريا في بيروت، أو في الكويت، أو في القاهرة، وأتحدث بيسر عن ضرورة ذبح اليهود وإلقائهم في البحر. وقد أبدو بطلاً قوميًا وثائرًا. لكنني سأكون سخيفًا في عين ذاتي، سأخون جوهري. جوهري ليس من هذا النوع، وجوهري، كما أزعم، هو خلاصة الحضارة العربية الإسلامية، وخلاصة القومية العربية. لهذا أكرر أنني لا أسمح لأحد بأن يزايد عليّ. لا أسمح لأي كائن من المحيط إلى الخليج بأن يزايد علي، على الإطلاق. وأستطيع بتاريخي، بسيرتي الذاتية، وبحياتي وبتجربتي، تفنيد أي زعم بأن هناك من هو أكثر حرصًا مني على فلسطين وعلى العروبة وعلى الإسلام وعلى الحضارة العربية الإسلامية، وعلى المسيحية العربية بالمناسبة. أنا لا أتخلى عن المسيحيين العرب، ولا أقر التفاهات الضحلة التي تستبعدهم وتحاول إقصاءهم. هم عنصر أساسي في الحضارة العربية الإسلامية.

          هذه هي العروبة: أن يكون المسيحي عنصرًا مهمًا في الحضارة الإسلامية.

          هذه هي العروبة، هكذا أراها، هكذا أفهمها، وهكذا أريدها على الأٍقل. اسمحوا لي بأن أذكركم بقصيدتي: «يا عدو الشمس، لكن لن أساوم، نبض في عروقي سأقاوم».. هذه الكلمات من قصيدة قديمة لي، قال بعض النقاد إن تعبير «أدب المقاومة» اشتُقّ منها.

          وقد يكون ذاك صحيحًا، يجعلني أميل إلى الاعتقاد بأن فكرة المقاومة في الأدب العربي كأنما لم تكن متبلورة، وأنها تبلورت في قصيدتي.

          اسمحوا لي أن أذكركم بأنني في مواجهة أولى مع النظام الصهيوني العنصري في عام 8591، واعتقالي الأول في ذلك الوقت، لم يكن هناك «فتح»، و«شعبية»، و«ديموقراطية»، و«حماس»، و«حزب الله»، ومنظمة التحرير الفلسطينية. لم يكن شيء من هذا قائمًا.. يوم اعتُقلت، لم تكن أسماء ياسر عرفات وجورج حبش وأحمد ياسين وحسن نصرالله وأحمد جبريل ونايف حواتمة، متداولة.

          إذن من حقي أن أطلب شيئًا من الإصغاء لما أقول. وليكن هناك شيء من التواضع. لا أملك وسائل إعلام: لا فضائيات ولا صحفا ولا إذاعات ولا وزارات إعلام وثقافة، ومؤرخين. لا أملك شيئًا سوى الحقيقة التاريخية، وقصيدتي طبعًا.

          فمن حقي إذن أن أطالب بتوجه قومي عربي تقدمي أممي إنساني، وأن أرفض الزعم بالتناقض بين الإسلام والمسيحية واليهودية والماركسية والأممية والقومية. إنها تناقضات مفتعلة. نستطيع أن نعثر على عناصر مشتركة بين كل الأيديولوجيات التي تهتم بعلاقة الإنسان بالإنسان، والتي ترتكز في ما يُسمّى الديانات السماوية إلى علاقة الإنسان بخالقه. هذا تكويني الثقافي والشعري والإنساني، وأعتقد أنه بارز في قصيدتي. هي قصيدة المقاومة بلا حدود، والصمود بلا حدود، لكنها لا تتخلى عن إنسانيتها، وعن كونيتها، أبدًا.

          في قصيدة الانتفاضة، والتي أصبحت نشيد الانتفاضة، ونشيد جميع الانتفاضات العربية: «تقدم».. هناك حديث عن إغلاق سجن وفتح مدرسة. والحوار بين إغلاق السجن وفتح المدرسة حوار حضاري، ليس مجرّد تحدي قوة.

          لدي مشكلة: معظم أعمالي الشعرية ربما لم تُقرأ بالشكل الكافي في الوطن العربي، بسبب موقعي الجيوبوليتي الاستثنائي.

          اخترت هذا الموقع، وأحافظ عليه، ولن أغيّره. دفعت ثمنًا إعلاميًا من دون شك، لكن هذا لا يغيّر من الجوهر. وفي بعد زمني مناسب، ستقرأون قصيدتي مرة أخرى، وستجدون بعد امتداد نصف قرن من التجربة الشعرية، مقومات الموقف القومي والإنساني، الديني والعلماني.

          أنا مؤمن بالله، ولكني علماني، أنا أريد الحياة العلمانية، أريد القوانين الوضعية أن تسيّر حياتي. أريد اقتصادا حديثًا، وقوانين اقتصاد حديثة. لم تكن ممكنة ومتاحة لا في زمن التوراة ولا في زمن الإنجيل ولا في زمن القرآن الكريم. لم تكن متاحة آنذاك، هناك قوانين جديدة في الاقتصاد، في الاجتماع، في العلم.

  • الحياة الجديدة?

          - نعم، والله سبحانه وتعالى وهب عقلنا المميز على كل الكائنات القدرة على التمييز. تستطيع أن تكون علمانيًا ومؤمنًا في الوقت نفسه.

راحت فلسطين.. راح الشعر

  • لننتقل من صراخ تلك المرأة الفلسطينية: راحت فلسطين.. راحت فسلطين، إلى صراخ آخرين يقولون وهم في حسرة مرة على الشعر العربي: راح الشعر.. راح الشعر، وذلك استنادًا إلى ما يلاحظونه من ضحالة في فن الشعر، وإلى ضعف في كتابته، بل إلى لا شاعرية أصلاً عند الكثيرين ممن يكتبونه، وإلى درجة القول إن الشعر بات مهجورًا، أو غائبًا، أو منكوبًا، على الرغم من وجود بعض القلاع أو الحصون الصامدة.
    كيف ننظر إلى خريطة الشعر العربي اليوم؟

          - تسألني في أمور تعرف أنها غريبة عليّ، أنت تعرف أن أمسياتي في العواصم العربية أكثر من أمسيات أي شاعر أوربي في أوربا، وأكبر من أمسيات أي شاعر أمريكي في أمريكا، وأكبر من أمسيات أي شاعر روسي أو صيني أو ياباني أو إفريقي في بلاده.

          إذن هذه مسألة تعرفها، ولعلك شاهدت بعض الأمسيات أو قرأت عنها، أو سمعت. إذن أنت تطرح عليّ سؤالاً مقلوبًا. لدى قصيدتي جمهور عريض، وأشعر بالدفء والقوة في أمسياتي الشعرية على امتداد الوطن العربي، وفي المنافي أيضًا، وفي المهاجر، لا أحسّ بالتراجع في جمهور قصيدتي. والشعر تجربة فردية. والحديث عن الشعر العربي فيه تعميم غير دقيق، وغير مريح.ثم إنه غير صحيح، لكن صحيح ما قلته حول كثرة الشعراء وقلة الشعر. نلاحظ في كل العصور أن الشعراء أكثر من الشعر. في كل العصور. لكن حدث عندنا شيء آخر. قرأت وسمعت من شعراء كبار مثل الجواهري، رحمة الله عليه، أخي وصديقي، أن الشاعر كان عليه أن ينشر في مجلتين أو ثلاث مجلات، حتى يُعتبر شاعرًا، حتى يُعترف به: «الثقافة»، «الرسالة»، «الأهرام»، «الهلال»، «المقطم»، وربما هناك مجلة في لبنان، ومجلة في فلسطين، وأخرى في العراق، وأخرى في شمال إفريقيا.

          الآن في أي مدينة عربية، عدد الصحف والمجلات أضعاف ما كان يصدر في كل الوطن العربي.

          إذن اتساع المنابر جعل الصحف مضطرة لملء صفحاتها. هناك أي كلام يُرسل للصفحات الثقافية يُنشر. لم يعد هناك شرط أو قيد. لم يعد هناك أحمد حسن الزيات، أو سواه، يراقب المادة المرسلة، تُنشَر أو لا تُنشر. أي مادة تأتي للصحيفة تُنشَر.

          أذكر أن ديواني الأول الذي صدر في عام 8591، طُبع بالتعاون بيني وبين مطبعة الحكيم في الناصرة، كان مخاطرة كبرى بالنسبة لي وللمطبعة. اختلفنا حين غطّينا نفقات الديوان وبدأنا نعدّ القروش القليلة التي تدخلنا كربح. الآن أي شاب، أي طالب في مدرسة ثانوية، يستطيع أن يطبع عشرة دواوين في الشهر،الطباعة سهلة، ومن مصروف جيبه يستطيع هذا الشاب أن يوفر ثمن طباعة ديوان. خلق هذا انطباعًا عند الناس بأن الشعر هبط. لكننا لا نستطيع أن نظلم مجموعة من النماذج والتجارب الشعرية التي هي في رأيي أرقى من الشعر الأوربي والأمريكي والصيني والياباني والروسي وأي شعر آخر في العالم.

          أذكّر أصدقائي بحوار جرى بيني وبين لوي أراغون قبل رحيله ربما بعام في باريس. قال أنتم العرب غريبو الأطوار. أنا أذهب لأتعلم من شعركم في الأندلس، وأنتم لديكم شعراء يريدون استنساخي، نسخ قصيدتي وترجمتها إلى العربية. وقال: أنا قرأت بعض قصائدك المترجمة إلى الفرنسية وطلبت مقابلتك حين سمعت أنك قادم لمهرجان «الإيمانيته» لأقول لك إنني لم أقرأ الشعر العربي إلا عندك. قلت: هذه شهادة أعتز بها كثيرًا. لكن هناك تجارب كثيرة أخرى تستطيع أن تحبها لو أتيح لها أن تُترجَم إلى الفرنسية.

          القصيدة العربية بخير.لدينا مجموعة من الأسماء الشعرية الجميلة والراقية والجيدة. لسنا بحاجة إلى الشعور بالنقص تجاه كل ما هو غريب. أكرر ما قلتُه أكثر من مرة: قد تكون الطائرة الأمريكية أفضل من الطائرة الجيبوتية، وقد يكون الكمبيوتر الياباني أرقى بعض الشيء من الكمبيوتر الصومالي. وقد تكون الأجهزة الطبية الألمانية أفضل بعض الشيء من الأجهزة الطبية المصرية أو السورية أو اللبنانية أو الفلسطينية أو اليمنية. ربما. لكن ليس بالضرورة أن تكون القصيدة الأوربية في جودة الكمبيوتر الأوربي، وليس بالضرورة أن تكون القصيدة العربية بمستوى الكمبيوتر العربي.

          الإبداع مسألة إنسانية وفردية جدًا. لذلك لستُ مع الشعور بالنقص بالمطلق تجاه كل ما هو أوربي. سمعتها من شاعر سويدي. في أمسية في السويد، جاء شاعر سويدي وقال لي: أتمنى أن يكون لي في السويد جمهور كما لك في السويد. إذن المسألة ليست شيئًا في المطلق. هناك كل شيء جيد، وكل شيء هنا رديء.

الحداثة والاستحداث

          وأضاف سميح القاسم: من دون ذكر الأسماء، الحداثة شيء، والاستحداث شيء آخر. أن أشتري السيارة الأوربية وأسوقها في شوارع الرامة بلدي، هذا استحداث. وهو جيد ومفيد، وقد يؤدي إلى الحداثة، لكن الحداثة في رأيي هي أن أشارك في تصميم مرآة السيارة الأوربية أو في إنتاج برغي، أو إطار مطاطي. أن أكون شريكًا في إنتاج هذا الإبداع. هذه حداثة.

          استهلاك الإبداع استحداث. بهذا المعنى، وفقط بهذا المعنى، قلت في لحظة غضب: إنني مكلّف بإنقاذ الحداثة العربية والشعر العربي مما هو سائد في الساحة، من مقولات سطحية وضحلة وتافهة وغير منطقية وغير واقعية.

          وأزعم أن قصيدتي هي قصيدة الحداثة العربية، قصيدتي بالذات هي قصيدة الحداثة العربية. وقد يشاركني في هذا المفهوم محمد مهدي الجواهري. هذا الكلاسيكي الفخم في رأيي أقرب إلى الحداثة الحقيقية والأصيلة والطبيعية من حداثات الترجمة والاستنساخ. سمّه شاعر دوللي، أو شاعر النعجة دوللي، شعر الاستنساخ. أقرأ قصيدة لسان جون برس وأعيد صياغتها باللغة العربية وأقول: خذوا يا عرب قصيدة حديثة.

          هذه ليست حداثة، هذا استحداث جيد ومفيد. لستُ ضد الاستحداث على الإطلاق. لكن لا أسمح لأحد باغتصاب مفهوم الحداثة وتشويهه.

          لا حداثة بالتنكر للأصالة. الحداثة هي استمرار للأصالة. هي تجديد إضافة إلى الأصالة.

          هذه هي الحداثة كما أفهمها، من دون انقطاع عن التراث، من دون تنكر للماضي.

  • وبهذا المعنى هل تجد فرقًا بين عبارة تجديد وعبارة حداثة، أم أن العبارتين مترادفتان؟

          - لا. أبدًا، التجديد هو الاستحداث، التجديد فعل يُبادَر إليه. أنت تبادر إلى التجديد. الحداثة هي فعل عفوي. الحداثة فعل عفوي طبيعي.

          إذا أكلت بالشوكة والسكين بعفوية، هذه حداثة، أما أن آكل بالشوكة والسكين لأن لدي ضيفًا أجنبيًا، بينما أنا آكل عادة بيدي، فهذه ليست حداثة. التجديد إحداث، الحداثة فعل عفوي، غير مخطط له، وتلقائي. هذه هي الحداثة كما أفهمها.

  • كثيرًا ما يتحدث الباحثون العرب عن ثنائيات، يقولون: شوقي وحافظ في إشارة إلى أمير الشعراء شوقي وصديقه حافظ إبراهيم. ويقولون: سميح القاسم ومحمود درويش.. أنت تقول إن التباين بينكما أكثر من التماثل أو التشابه.. كيف؟

          - التماثل بيننا.. دون شك في الإحساس بالقضية، في التعامل مع قضيتنا. هناك طبعًا تماثل كبير. وقد يكون أيضًا إحساسنا بالقضايا القومية والإنسانية متماثلاً، وهذا شيء طبيعي.ولكن الشعر كما أرى نتاج فردي، حتى عبارة مدرسة شعرية لا أطيقها. لا توجد مدرسة شعرية. يجب أن يكون كل شاعر مدرسة خاصة، وإلا فلا مبرّر لوجودي. لو كان هناك اثنان أو ثلاثة أو خمسة بالتجربة نفسها، لا مبرر لوجودهم. يكفي واحد. هناك خلاف ربما في الرؤية الشعرية، في معنى التكريس الشعري. ربما يكون هناك فارق في التعامل مع التراث. أنا مازلت أكتب العروض أحيانًا، من وقت لآخر، أعود إلى الأوزان الكلاسيكية بحب وبشغف، وبمتعة منقطعة النظير. هناك من يقول: الأوزان قيود. أنا أقول هي أجنحة حرية. تناقض كامل.لذلك، فالشعر تجربة فردية، هناك أمور مشتركة بيننا: حياتنا المشتركة، تجربتنا المشتركة، عملنا المشترك،صداقتنا، أمسياتنا المشتركة. لكن تظل كل تجربة قائمة بذاتها ومختلفة.

شكرًا لفلسطين

  • لا ينكر أحد أنكما أنت ومحمود شاعران كبيران، ولكن كثيرين يرون أن فلسطين خلعت عليكما من بركاتها الكثير، فلو لم تكونا شاعرين فلسطينيين، شاعري القضية الفلسطينية، لما كنتما في الوهج الذي أنتما فيه.

          - أولاً شكرًا لفلسطين، لن أكون قليل أصل، وعديم تربية، لأتبرأ وأتهرب. شكرًا لفلسطين. وهل كان سيكون هناك لوركا لولا إسبانيا، ونيرودا لولا تشيلي، وماياكوفسكي وبوشكين لولا روسيا، وأراغون بلا فرنسا، وشكسبير بلا إنجلترا؟

          في هذا الطرح أسمع عدة أصوات، لا أحب أن أسميها الغيرة أو الحسد، هذه المفاهيم سوقية جدًا، ورخيصة جدًا. ربما الضيق. أنا أكتب شعرًا وأنت تكتب شعرًا، وأنت مشهور ومحبوب يقولون عنك إنك نجم. يستعملون هذه التعابير: نجوم الشعر.. هذا إحساس إنساني. لا أعاتبه ولا أعاقبه. لكن هناك مسألة سياسية خطيرة. الذين لا يتعاطفون مع القضية الفلسطينية يريدون تشويه رموز هذه القضية، كالقول مثلاً ما كان فلان ليكون شاعرًا جيدًا لولا أن القضية خدمته.

          لكن لدي ملاحظة بهذا الشأن، لا أقل من عشرة آلاف شاعر كتبوا عن فلسطين. إذا وصلنا أسماء أقل من أصابع اليد الواحدة، فهذا لا يضير القضية، ولا يضير هذه الأسماء. يبدو أن هذه الأسماء تمتلك طاقة شعرية متميزة أخذت من القضية وأعطتها، أخذت من الشعر وأعطته.البعض يقول إذا انتهت المقاومة، فماذا يبقى من شعر المقاومة؟ طيب مات سيف الدولة وأخت سيف الدولة وأم سيف الدولة، قصائد المتنبي بقيت. من يعرف اليوم من هي أم سيف الدولة؟ ومن هو سيف الدولة أصلاً؟ وبقي المتنبي لأن قصيدته بقيت.

          تبقى الانتفاضة في الوعي الشعبي لأن قصيدة «تقدّموا» باقية. ستنتهي الانتفاضات، وستقوم دولة، ولكن الانتفاضة ستبقى في القصيدة.

          إذا ارتفع الشعر إلى مستوى الحدث، وصعد بالحدث إلى مستوى فني، هذا يعطي القصيدة مبرّر البقاء.

          ثم، وبالعامية هذه المرة: حلّوا مأساة الشعب الفلسطيني وخذوا الشعر. أنا أتنازل. حلوا قضية هذا الشعب، ولا تضعوا اسمي في الأغاني. لا أريد أن يذكرني أبوالفرج الأصفهاني. الأصفهاني تجاهل المتنبي، فليتجاهل سميح القاسم. لا تضعوني في موسوعاتكم وكتبكم، ولا تدرّسوني في مدارسكم. ضعوا حدًا للمأساة الفلسطينية، وخذوا ما تشاءون.





جهاد فاضل





سميح القاسم





 





من دواوين سميح القاسم





من دواوين سميح القاسم