فدوى طوقان.. (شاعر العدد)

فدوى طوقان.. (شاعر العدد)
        

شاعرة الأسئلة و الرحلة الأصعب

          «ظللت طيلة عمري الأدبي، أحس بانكماش ونفور من الإجابة عن الأسئلة التي توجه إلي عن حياتي، والعوامل التي وجهت هذه الحياة وأثرت فيها. وكنت أعرف السبب، سبب ذلك الانكماش والنفور من الإجابة، ذلك لأني لم أكن يوما براضية عن حياتي أو سعيدة بها، فشجرة حياتي لم تثمر إلا القليل، وظلت روحي تتوق إلى إنجازات أفضل وآفاق أرحب..».

          بهذه الفقرة الثرية المعاني قدمت الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان لسيرتها الذاتية التي كتبت جزءها الأول بعنوان «رحلة جبلية.. رحلة صعبة»، ثم تحولت تلك الرحلة إلى «رحلة أصعب» في جزئها الثاني.

          وفي سيرتها المكتوبة تلك، كما في كل قصيدها حاولت فدوى طوقان أن تقدم نفسها كنموذج مثالي لشاعرة عربية بزغت شمس موهبتها، وتصاعد رنين اسمها في خضم الأحداث التاريخية التي زلزلت خريطة العرب في القرن العشرين. ولأنها من فلسطين، الوطن الذي صار يحمل معناه الخاص في ذاكرة العرب الجماعية، فقد انداحت تجربتها في التجربة الوطنية ليصير للشعر الذي تكتبه هذه المرأة تحديدا أكثر من محك وضعه في مرتبة خاصة تجاوز حجم الشاعرة ومكانتها الموضوعية بين مجايليها من الشعراء.

          ولدت فدوى عبد الفتاح طوقان في مدينة نابلس في تاريخ يتأرجح بين عامي 1919 و1920، وتلقت دراساتها الأولى في مسقط رأسها، وقد عوضها شقيقها الشاعر الكبير إبراهيم طوقان عن دراستها الجامعية التي حرمت منها تحت وطأة التقاليد الاجتماعية التي كانت تضيق على النساء دروب المعرفة والتعليم آنذاك، فقد تعهد إبراهيم طوقان - بحنوه الأخوي وشاعريته المتدفقة، ووعيه المبكر - موهبة شقيقته في الكتابة، والتي بدت واضحة منذ سنواتها الأولى، فبدا طريق القصيدة الذي عبده أمامها شقيق عطوف وشاعر كبير هو الطريق الأول والأوضح في رحلتها الجبلية التي ظلت صعبة حتى نهاياتها، فبالرغم من كل ما قدمته من خلالها لديوان الشعر العربي، وبالرغم من حرصها على تعزيز صورة مثالية ومشرقة للمرأة العربية الجديدة فإنها كانت بالنسبة لفدوى طوقان مجرد شجرة لم تثمر إلا القليل.

           أما هذا القليل فقد كان عبارة عن أسئلة مفتوحة وصعبة، ومسيرة شعرية توزعت على مراحل متصاعدة، حيث بدأت فدوى طوقان مع القصيدة العمودية شاعرة رومانسية بامتياز، وتجلت تلك الرومانسية العمودية في كتابيها «وحدي مع الأيام»، و«وجدتها». لكنها سرعان ما تخلت عن رومانسيتها واتجاهها العمودي في كتابة القصيدة، ففي المرحلة الثانية كانت قصائدها قد تخلصت من التزامها العمودي، والتحقت بتيارات الشعر الحر عبر بوابة الرمزية حينا والواقعية حينا آخر، فكتبت كتابي «أمام الباب المغلق» و«الليل والفرسان»، وفقا لنظام التفعيلة بواقعية ورمزية، والأهم، بشعرية متدفقة لفتت أنظار النقاد الذين تابعوا قصائدها في دواوينها التي صدرت تباعا، وفي معظم مجلات العرب الأدبية.

          وإذا كان رحيل شقيقها وراعي موهبتها الأول إبراهيم طوقان المبكر عن الحياة قد مثل لها الصدمة الأكثر تأثيرا في حياتها، فإنها لم تكن الصدمة الوحيدة، خاصة وقد تداخلت عناوين حياتها الشخصية مع عناوين الوطن العامة، فجاءت نكبة 1948 لتغمسها في الأجواء السياسية في الخمسينيات، فاستهوتها الأفكار الليبرالية والتحررية تعبيرا عن رفضها لمعطيات النكبة.

          أما رحلتها إلى لندن في بداية الستينيات من القرن الماضي, والتي دامت سنتين, فقد كانت مؤثرًا آخر من مؤثرات حياتها الخاضعة للمؤثرات الخارجية والذاتية، خاصة أن هذه الرحلة فتحت أمامها نوافذ مغلقة وجعلتها أكثر تماسا مع الآخر البعيد.

          على مدى 50 عامًا, أصدرت الشاعرة ثمانية دواوين شعرية هي على التوالي: (وحدي مع الأيام), (وجدتها), (اعطنا حبًا), (أمام الباب المغلق), (الليل والفرسان), (على قمة الدنيا وحيدًا), (تموز والشيء الآخر) و(اللحن الأخير), بالإضافة إلى كتاب نثري عن إبراهيم طوقان عنوانه (أخي إبراهيم)، وسيرتها الذاتية في جزأيها (رحلة صعبة, رحلة جبلية) و(الرحلة الأصعب).

          ولعل أبرز ما يمكن الخروج به عبر قراءتنا لهذه السيرة أن كاتبتها حولتها إلى وثيقة اجتماعية وسياسية وأدبية غاية في الأهمية باحت من خلالها بما يمكن أن يشكل المنطقة المحظورة في ذاكرة المرأة العربية بشكل عام.

          في هذا العدد من «العربي» والمخصص لفلسطين كجرح في القلب, وقلب في الذاكرة نطل على عالم فدوى طوقان الشعري عبر مختارات من مجموعاتها الشعرية كمفتاح أولي لولوج هذا العالم.

 

سعدية مفرح   





فدوى طوقان