التعليمُ في البدء كان وسيبقى: د. سليمان إبراهيم العسكري

التعليمُ في البدء كان وسيبقى: د. سليمان إبراهيم العسكري

  • فشل الخطط التعليمية التي اعتمدت للقضاء على الأمية يمثل هدرًا في إنفاق لم يأت بثماره المرجوة وإضعافاً للهيكل الاقتصادي المستقبلي للقوى العاملة المتعلمة.
  • العزلة المفروضة بالاختلاف والتباين، بل والتناقض أحيانا، لا تعزل كلّ دولة عربية عن شقيقاتها وحسب، وإنما تؤسس لإضعافٌ الروابط الثقافية والمعرفية بين هذه الدول.
  • اختلاف العرق والدين لا يجدر به أن يكون مسوِّغًا لتفتت الأمة، فأبناء الهند والصين، أكبر أمتين عدداً، وأكثرهما تعدداً في الأعراق، ارتضوا العيش معًا من أجل نهضة اقتصادية وسلام مجتمعي.
  • تواجهنا تحديات العمل المشترك. فالأطر التي اعتمدناها لتوحيد الصف العربي، إقليمياً ودولياً، يجب أن تتحرك من مساحة التنظير إلى واقع التطبيق.

تتعدد نداءاتٌ عربية وغربية تضع أمرًا أو سواه على قائمة الأولويات في كل دولة: هكذا نسمع مبررات اختيار الاقتصاد أولا، ونقرأ أسبابًا لاعتماد السلام أولًا، ونشاهد إجابات حول تبنّي الطاقة النووية أولاً، بل وهناك من يدفع بالدين أولا، وكأن كل الاختيارات أضداد يجب ألا تسير معًا من أجل رفعة الأمم.
لكن المتأمل لهذه «الأولويات» يجدها تنطلق جميعًا ودونما استثناء من منصة التعليم، فلا اقتصاد دونما محركات مُدركة لآلياته، ولا سلام بغير قوة العلم والمعرفة، ولا طاقة نووية من دون علماء، ولا دين صالح إلا بالعالمين به والمتفقهين فيه والمدركين لرسالته السامية، ولهذا فإن التعليم يجب أن يكون أولًا لأنه الأساس في أي بناء.
والبداية التي يجدر الإشارة إليها هي أن أولوية التعليم ليست خافية على المهتمين به والعاملين بحقله، فقد رصدت شبكة معلوماتية تربوية أن الدول العربية استضافت أكثر من 620 مؤتمرًا تهتم بشئون التعليم خلال العقود القليلة الماضيةّ!
بتصفّح أوراق هذه المؤتمرات، واستعراض الكتب التي صدرت عنها، ومراجعة التوصيات التي اختتمت بها أعمالها نجد أننا نعاني - بالفعل - واقعًا تعليميًا متردٍّيًا، لعل ملامحه تتبدى في النقاط التالية:

  • بالرغم من الاتفاق على أهمية التعليم، وارتباطه الأساسي والعضوي بأطر التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن ميزانياته لا تحظى بما يستحق وفقًا لتلك الأهمية، فهي نسب تتراوح ما بين 4 إلى 10 في المائة من الميزانية العامة للدولة، وهي نسب ضئيلة مقارنة بالإنفاق في مجالات أخرى. ونحن بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في بنود الإنفاق على ميزانية التعليم، وما يتصل به.
  • أصبحت نوعية التعليم الجامعي عبئا على كاهل المجتمع والدول، ولم تنجح الجامعة في أن تكون مؤسسة إبداع وابتكار وأفكار، بل مثلت مسارًا روتينيًا يقدم مسوغات لبطالة مقنعة حاملة للشهادات العليا في سوق عمل متخم بالخريجين غير المؤهلين بدرجة كافية.
  • فشل الخطط التعليمية التي اعتمدت للقضاء على الأمية الأبجدية أو أمية التعليم الجامعي بشكل فعَّال مما يمثل هدرًا في إنفاق لم يأت بثماره المرجوّة، وكذلك يجسد إضعافًا للهيكل الاقتصادي المستقبلي للقوى العاملة المتعلمة. إننا بحاجة إلى خطة عربية شاملة، بمدى زمني محدد، يمكن لها أن تقضي على الأمية، التي تمثل خطرًا على المستقبل.
  • يظل التعليم العربي أسيرًا لمشكلات مدمنة، تجعله لا يواكب العصر - إلا ضمن استثناءات - حيث تبقى مناهجه بعيدة عن تطورات العصر، وهو ما يؤدي إلى الركود ضمن عالم يسابق الزمن. ولعل العودة إلى تنفيذ جزء من التوصيات التي اختتمت بها مؤتمرات التعليم يمكن أن يجدده.
  • يبقى مستوى المعلم وهو إحدى أهم ركائز العملية التعليمية مثار تساؤلات كُبرى، حيث لاتزال كليات ومعاهد إعداد المعلمين خارج ما يسمى بكليات القمة، مما يجعلها تستقبل طلابًا لا يقدمون جديدًا للعملية التعليمية خارج أنظمتها السائدة القائمة على التلقين. إن هذه المؤسسات يجب إعادة صياغتها لتقدم مسارًا يؤسس للتفكير الابتكاري، ويشجع التعليم القائم على المهارات ويعلي من قيمة الإبداع.
  • البنى التحتية التي ما عادت تستوعب الأعداد المتزايدة، وما عادت كذلك تساير العصر في بناء المختبرات وتوفير التجهيزات اللازمة. إن هذا هو أبلغ ما يؤثر سلبيًا على العملية التعليمية، وعليه يجب التفكير في حلول ابتكارية لمشكلة الأبنية والفصول والمعامل، بما يؤمن تعليما متكاملا.

محتوى التعليم

إن هذه المشكلات السابقة يمكن أن توفر لها الحلول المادية التي تثمر سواء على المدى الزمني القريب أو البعيد، بينما ما أفرد له الحديث في السطور التالية هي المشكلة الأهم، والتي تتعلق بمحتوى التعليم الذي ننشده.

نحن ندرك - بداية - أن هناك اختلافات في سياسات التعليم بين الدول العربية، حيث تتعدّد نظم التعليم ومناهجه، بما يجعل من كل طالب يدرس في وطنه منعزلاً في جزيرة تعليمية بعيدة عن باقي أقرانه في الدول العربية.

إن هذه العزلة المفروضة بالاختلاف والتباين، بل والتناقض أحيانًا، لا تعزل كلّ دولة عربية عن شقيقاتها وحسب، وإنما تؤسس لإضعافٌ الروابط الثقافية والمعرفية بين هذه الدول، وتقلل فرص الاستفادة المتبادلة من خبرات أبناء الأمة الواحدة.

ولعلنا قبل الخوض في رسم صورة لهذا التشتت في نظم التعليم ومناهجه، يمكننا أن نشير إلى أن هناك صورًا أخرى للتفتت تعانيها المجتمعات العربية، التي تخضع لصراعات قبائلية وعشائرية ومذهبية وطائفية ودينية، زادت وتيرتها في العقود الأخيرة، حتى أنها أصبحت صراعات دموية، تثكل الأمهات وتيتم العائلات، وتحطم القوى الناعمة للمجتمع الذي يبني قوته من تماسكه.

وقد زاد هذا التفتت في مؤسساتنا التعليمية العربية بالرغم من الطفرة الكمية التي تحققت خلال العقدين الأخيرين، فزادت مؤسسات التعليم العالي وتوسع التعليم الجامعي، وانتشرت المدارس الخاصة، وجاءت الكليات الأجنبية، بمناهجها وأفكارها الخاصة، وهو توسع رافقته حملة مشكلات فرضت تحديًا جديدًا يتمثل في مقاومة الفوضى التعليمية التي تكرس للتفتت بين المناهج والنتائج. كما مثل كذلك صورة لانعدام التنسيق بين الجامعات العربية في طرح التخصصات المطلوبة على الصعيد العربي الأشمل، وانعدام المواءمة بين الخطط والبرامج الدراسية من جهة وبين متطلبات سوق العمل وخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى.

لقد أشرنا - في حديث سابق - إلى أن تقسيم السودان الشقيق إلى بلدين شمالي وجنوبي، يتناحران إلى الآن، هو ضربة قاصمة لعرى شعوب العرب الموزاييك، التي ينتمي إليها ممن يختلفون في لون وعرق ودين ومذهب وقبيلة، ولكن تجمعهم أمة واحدة منذ مئات السنين.

نحن لن نسأل اليوم عن السبب في ما حدث، وإنما يجب أن نخطط لتجنب تكرار حدوثه، فالأسباب معروفة للطرفين، لكن كلا الجانبين لم يسع للقضاء على المشكلة في حينها، حتى تفاقمت، واستفحلت، واستشرت أعراضها، كما ينخر السوس في جسد فيدميه ويفتته.

إن اختلاف العرق والدين لا يجدر به أن يكون مسوِّغًا لتفتت الأمة، ولعلنا ننظر إلى الهند والصين، أكبر أمتين عددًا، وأكثرهما تعددًا في الأعراق، وأبناء الأمتين ارتضوا العيش معًا وعملوا معًا من أجل نهضة اقتصادية وسلام مجتمعي. إن نظام الهند الديمقراطي سمح للجميع أن يكونوا متساوين تحت مظلة الدولة الموحدة ذات النظام الديمقراطي. وهو أمر نجده في دستور دولة مسلمة صديقة هي ماليزيا التي تمثل صورة نموذجية للتعايش بين أهلها مسلمين وبوذيين صينيين آمنوا بالمساواة والعمل المشترك لبناء دولة لها دستور ديمقراطي ونظام حر وتعددية حزبية وقضاء نزيه.

تعليم ضد التفتت

أستدعي هذه النماذج من الشرق، وهناك في الغرب نماذج أكثر لدول وأمم خاضت حروبًا طاحنة، حتى عشية الحرب العالمية الثانية، ولكنها ما إن نفضت غبار الحرب حتى انتبهت إلى دساتيرها، وإلى أنظمتها، فشكلت منظومة أوربية تعين أبناءها وقت الأزمة، وتعمل على نهضة شاملة، وتتخذ موقفا موحدًا للحاضر والمستقبل.

إن الآفة التي تضرب أي مجتمع هي آفة التطرف الذي يحيا بموت الآخر، ومرض التعصب الذي يقتات على جثث ضحاياه، وداء العنف الفتاك الذي يضرب في جسد الحوار الخلاق، وهي أعراض بدأت تظهر حولنا هنا وهناك، ونخشى أن تتحول من أعراض طارئة إلى أمراض مزمنة.

لقد كانت خطط تقسيم التعليم التي تبنتها الدول العربية لدى بواكير نشأة المؤسسات التعليمية لديها، بين تعليم ديني، وآخر علمي، تم تقسيمه ـ كذلك ـ لاحقًا إلى علمي وأدبي، ثم عرفنا التعليم الجامعي النظري والعملي والتطبيقي القائم على تربية المهارات والحرف، ثم التعليم الحكومي والخاص، والتعليم العربي والأجنبي، هي كلها مظاهر تعكس مراحل تقسيم المجتمع وتفكيكه، وقد أفلحت في خلق جزر منعزلة بين متعلمي الأمة، وكوميونات متفرقة بين دارسي البلد الواحد. وقد ظهر في إطار هذا التقسيم ما تجلى الآن من أولويات متباينة، فترسّخت في الذهنية العامة لدى أبناء الأمة العربية استحالةَ الجمع بين تعليم وآخر.

كما أصبح التعليم من اختصاص ومسئوليات الحكومات، ما أثقل كاهلها وفرض عليها التزاماتٍ لم تكن دائمًا قادرةً على الوفاء بها على النحو الأكمل، وهو الأمر الذي أدّى، ولايزال يؤدّي وسيظل يؤدّي باستمرار، إلى تفاقم مشكلات التعليم من ناحية تضخم العجز المالي، لندرة الموارد، أو لنضوب مصادر الثروة بالنسبة لبعض الدول.

وإذا كنا عرفنا مصدر التفتت، ومظاهره، فكيف لنا أن نصوغ علاجًا ناجعًا، ونهجًا مستساغًا، وطريقًا واضحًا كي نقاوم به ما ألم بالأمة العربية، من مظاهر تفتت، وما شملها من ملامح التعصب والتطرف، وما يتهددها من مخاطر التشرذم؟

تحديات التنسيق والعمل المشترك

إن التحديات التي تواجهنا في مقابل ذلك هي تحديات العمل المشترك. فالأطر التي اعتمدناها لتوحيد الصف العربي، إقليميًا ودوليًا، يجب أن تتحرك من مساحة التنظير إلى واقع التطبيق. علينا مواجهة تحدّياتنا الثقافية التي تفرض علينا العمل معًا لتكوين صورة إيجابية عن العربي، أمام كل الصور السلبية، التي تؤثر في تكوين أبناء هذه الأمة وصلابتهم.

إن العالم الذي استقر على نهاية للتاريخ - كما تصوره بعض المفكرين - يمكنه أن يقبل بإعادة بناء تاريخ جديد، كما أن حضورنا في المعادلة العالمية المعاصرة يتطلب تخطيطًا ممنهجًا ومستمرًا وبعيد المدى يجعلنا على قدم المساواة المتكافئة مع التيارات الثقافية العاتية الوافدة من الغرب والشرق معًا. إننا كأمة نتفق على أن لنا تاريخًا مشتركا، فلماذا لا ندرس هذا التاريخ بشفافية وشمول في كل مناهجنا من المحيط إلى الخليج، لنأخذ منه ما يواكب عصرنا ومافيه مما يجمع ويوحد، ونبعد ما يقسم ويفرق.

إن العرب قادرون، إن تعاونوا وتكاتفوا، على مواجهة التحديات الاقتصادية، وعوامل التخلف في كل المواقع، ولعل التحدّيات الاقتصادية العالمية التي واجهتهم يمكنها أن تكون دافعا لتخطيط اقتصادي مشترك يضع التعليم العربي - الموحَّد والموحِّد - على قائمة الأولويات.

إن مجابهة الفقر والجهل والمرض في بلداننا العربية تبدأ بالتعليم، القائم على النظريات الحديثة، والقضاء على التسرب في المدارس الأولية، ولعل تدوير فرص العمل بين بلدان الأمة العربية ينقذ الشباب من اللجوء إلى طرف ثالث يستقطبه ويعيده إلينا غريبا عن أمته، عاجزًا عن المواءمة بين النظم وأنماط السلوك الحديثة التي تبناها الغرب، وبين المحافظة على الثوابت والخصوصيات الثقافية والحضارية التي يقوم عليها النظام الاجتماعي العربي.

ونحن لا نتحدث عن منهج للجامعة، أو مقرر للمدارس الثانوية، أو كتاب يُدرس في المراحل الأولية، بل طموحنا منهج يصاحب الطفل العربي من الروضة إلى تخرجه، يتداخل في كل صفحة، ويتعامل مع كل معلومة، ويتسق بكل منهج، ليكون من شأنه الآتي:

ثوابت لا بد منها للنهوض بالتعليم

- تبني رفع أسقف التفكير العلمي في مناهجنا التعليمية وطرق التدريس، حيث يجب تقديم طرق التفكير العلمي إلى الطفل العربي، بما يدفعه إلى النظر إلى المشكلات التي تصادفه على أن لها حلولاً علمية ممكنة، فلا يخشى من التعامل معها أو يخافها أو يقف أمامها وجلاً مدهوشًا، بل يجد نفسه يقاربها بمنهج علمي قادر على طرح بدائل وحلول للتعامل معها.

- تشجيع حرية الإبداع والابتكار وتنمية مهارات التفكير المستقل، ودفع الطفل إلى أن يتعلم التفكير «خارج الصندوق المغلق»، بل إن نشجعه على الإبداع والابتكار بالشكل الذي يفضله ويتقنه. فلكل طفل جانب إبداعي لم يتطور بعد. وغالبا ما يبقى هذا الجانب الإبداعي دون تطوير، فيذوى ويذبل، إذا لم تتم تنميته وتشجيعه على استمرار النمو.

- تيسير وتشجيع سبل التعلم غير النظامي من أجل معرفة حياتية وعملية أكبر. فبدءًا من مرحلة الطفولة التي تعد المرحلة الأساسية التي فيها يكتسب الطفل مهارات التعلم من كل ما يحيط به، يجب أن تقدم جل المهارات في تلك المراحل المتقدمة، حتى حين تتوقف عملية التعلم ـ تقريبا مع تقدم الإنسان في السن ـ سيكون هناك لأن تفسح مكانها لخبرات أكبر في ممارسة أعمق تتجاوز الجغرافيا الضيقة. الطفولة تعتبر فرصة سانحة لتوفير فرص التعلم للطفل، فالعالم وحقائقه وتطوراته لا تكف عن التقدم، لذا يجب ألا نحصر التعليم في مجال المدرسة أو الفصل الدراسي وحده، بل يجب أن يتعلم الطفل أن العالم كله هو مدرسة له، بحيث يبقي على عقله ناشطًا وحيويًا في كل الأوقات.

- تنمية مشاعر احترام الآخر المختلف، فمجتمعاتنا، مثل كل المجتمعات، تتميز بوجود تعدديات كثيرة من الآراء والأفكار والعقليات والفئات. ومن الضروري أن يتعلم النشء - في كل مراحله السنية - أن الحياة لا تتمحور حول رؤيته البسيطة فقط، بل علينا أن نمده بالوسائل والأدوات التي تمكنه من إقامة الجسور مع الآخرين والمختلفين عنه، بحيث يفيد منهم ويستفيد. وبحيث يحيا معهم وبينهم في أمان وسلام وتعاون، بعيدًا عن ثقافة الخلاف والرفض والتقوقع، التي تنتشر - مع الأسف - بيننا اليوم. إن هذه التنشئة المبكرة ستسمح في مراحل الدراسة العليا، والجامعية في تكوين شباب يجد لنفسه مكانًا وسط الآخرين، بالتعاون المشترك والرؤى المنسجمة والثقة بالنفس وبالآخر.

- تقدير قيمة الحوار أساسًا للتفاهم، حيث تعد مسألة الحوار قيمة أساسية مفتقدة، وذلك نظرًا لأن كثيرًا من مناهجنا التعليمية الرسمية تقوم - مع الأسف - على مجرد التلقين والتحفيظ، وغرس الإذعان في عقل المتلقي لمنعه من التساؤل والبحث عن اليقين، لذا فلابد من توفير مصدر مختلف للطفل يتعلم منه كيف يتفاعل مع مختلف فئات المجتمع عبر الحوار.

- تعزيز الروح الإيجابية للانتماء إلى أمة عربية حية لها مكوناتها وتاريخها، حيث لا يخفى كيف أصبحت وسائل الإعلام الأجنبية بمنزلة مكونات أساسية داخل كل بيت عربي اليوم. وبذلك أضحت الحاجة الآن ربما أكثر إلحاحًا مما كانت عليه سابقًا، للعمل على تنمية روح الانتماء لدى الأطفال. لكن ليس بالوسائل القديمة التي ما عادت تصلح لعصرنا الحاضر، بل بوسائل جديدة ومبتكرة تحتم علينا أن نقدم عبر التعليم ووسائطه شكلاً جديدًا ولغة جديدة تنافس ما يصادفه النشء من مصادر أخرى.

- إعلاء شأن القيم الأخلاقية التي تحافظ على تماسك الأسرة باعتبارها نواة لتماسك المجتمع بحيث يتبناها الطفل من جوانب مختلفة، ويدرك قيمتها التي تفيده هو نفسه كما تفيد مجتمعه.

- هذه المسألة تستدعي تقديم القيم بطريقة مبسطة تقوم على فهم موقعها وفهم دورها وفهم تاريخها وتطورها، وكيف أنها وصلت إلينا بعد تجارب طويلة استغرقت قرونًا من الزمن.

إن الحضارة العربية والإسلامية التي قدمت لنا تاريخا من التنوع ومن الحوار الخلاق، والتعاون المثمر، حين انتشرت مدارس التعليم في كل أنحاء المعمورة، موحدة للعلوم، ومنشئة للعلماء، ستكون إلهاما لنا ونحن نعول على التعليم في إصلاح ما فسد من أمورنا، وما طالنا من تخلف.

إن عنايتنا بأن يكون خيارنا للتعليم أولاً، مبنية على إيماننا بدوره الفعال في النهوض بالاقتصاد، وترسيخ السلام، وإشاعة العلم، واحترام القيم، والأخذ بأسباب القوة. التعليم أولاً بصحبة كل الخيارات، لأنه يدعمها ويعمل على مساندة النقلة الحضارية المرجوّة لأمتنا، والتي تأخرت طويلاً، لأن الاقتتال الطائفي والمذهبي والعرقي والديني الذي نشاهد بداياته اليوم في أكثر من بلد عربي لا يمكن أن يزول إلا بتعليم مختلف خال من قيم هذه الطوائف والمذاهب المتطرفة القائمة على الخرافة والتجهيل والعيش في الزمن السحيق.

 

سليمان إبراهيم العسكري