فانتازيا.. نصوص من أدب الخيال

فانتازيا.. نصوص من أدب الخيال
        

باقة من القصص العالمية

اختارها
خورخي لويس بورخيس/ سابينا أوكامبو / أدولفو بيوي كاساريس

نشرت «العربي» في عدد سابق مجموعة من هذه النصوص الأدبية الفريدة، في مبادرة تجعلها الأسبق في تعريف القارئ العربي بها، وهاهي تثنّي بمجموعة جديدة من هذه النصوص، مترجمة عن لغتها الأصلية.

حقيقة شجيّة

توماس كارلايل (1) (إنجلترا)

          هل هناك ما يثير العجب أكثر من التأكد من وجود شبح؟ جونسون الإنجليزي كان يهفو طوال حياته أن يرى شخصًا واحدًا، لكنه لم يتحقق له ذلك، مع أنه نزل إلى أقبية الكنائس، ودق التوابيت. مسكين جونسون! فلم يتح له أن يرى الحياة الإنسانية الموارة، والتي أحبها إلى هذا الحد؟ ولم يتح له أن يرى ولو نفسه على الأقل؟ كان جونسون شبحا، شبحا حقيقيًا، وكان هناك مليون شبح يتدافعون بالمناكب في شوارع لندن. ولنبدد الوهم عن الزمن يمكننا أن نختصر الستين سنة في ثلاث دقائق، أي شيء آخر كان جونسون؟ وأي شيء آخر كنا نحن؟ ربما لم نكن تلك الأرواح التي اتخذت لها جسمًا، لتظهر به، ثم بعد ذلك ذابت في الهواء، واحتجبت ولم تعد تُرى؟.

----------------

قضاء

وو تشنج إن (2)

          في تلك الليلة، ساعة الفأر، رأى الامبراطور في منامه، أنه كان خارجًا من قصره، ومشى في الظلمة في الحديقة تحت الأشجار المزهرة، وإذا بشيء ما يلتف حول ساقيه ملتمسًا منه أن يمنحه الأمان، فمنحه الإمبراطور الأمان. قال الملتمس إنه تنين، ولما طالع النجوم عرف منها مصيره. ففي اليوم التالي وقبل حلول الليل، سيقطع وي تشنج، وزير الإمبراطور، رأس التنين. وفي الحلم وعده الإمبراطور أنه سيحميه.

          ولما استيقظ الإمبراطور، سأل عن وزيره وي تشنج، فأخبروه أنه ليس موجودًا بالقصر. أمرهم الإمبراطور أن يبحثوا عنه، وأنه مكلف بالقيام بعمل طوال اليوم حتى لا يقتل التنين. وفي العصر اقترح عليه أن يلعبا الشطرنج.

          استغرق الدور وقتًا طويلاً، وكان الإرهاق باديًا على الوزير الذي غلبه النوم. اهتزت الأرض بضجة هائلة، ثم بعدها بقليل اقتحم مجلسهما اثنان من قادة الحرس وهما يحملان رأسًا هائل الفخامة لتنين مغطى بالدماء. ألقوه عند قدمي الإمبراطور وهما يصيحان: لقد وقع من السماء.

          وي تشنج، وكان قد استيقظ، ارتبك وهو متحقق منها ثم علّق: ياله من شيء عجيب، لقد كنت أحلم بأنني أقتل تنينًا كهذا.

----------------

الذّئْب

كايو بيترونيو أربيترو (3)

          كنت محظوظًا لأن واحدًا من رفاقي بمطعم الخان الصغير، كان جنديًا أكثر شجاعة من «بلوتون»، هو الذي سيرافقني في الطريق. وما إن سمعنا صياح الديكة حتى قمنا وشرعنا في السير. كان القمر ساطعًا كشمس في منتصف النهار. وما إن وصلنا إلى المقابر حتى علا صوت صاحبي بتعاويذ متوجهًا بها نحو النجوم. شعرت بالأسف له، فجلست وصبّرت نفسي بالتسلي بعدّ أعمدة الطريق، والدندنة بيني وبين نفسي. وبعد وقت لم يطل، عدت إلى رفيقي فلمحته وهو يتعرى فجأة، متخلصًا من كل ملابسه، ملقيًا بها على جانب الطريق. ثم رأيته وهيئته تتغير متحولاً إلى ذئب. وخوفًا من أن يهجم عليّ ناهشًا لحمي لبثت ساكنًا في مكاني كما لو كنت ميتًا. ورأيته وقد أخذ يدور حول ملابسه ويتوقف ليبول عليها ثم يرفع رأسه منخرطًا في العواء، ثم منطلقًا نحو الغابة ليغيب فيها.

          قمت ومشيت حتى ملابسه حاولت أن ألتقطها من الأرض فوجدتها قد تحجّرت. أخرجت سيفي من جرابه وسرت حتى وصلت إلى بيتي، وأنا أرتعد.

          استغربت ميليسا عندما رأتني وأنا عائد في مثل هذا الوقت وقالت لي: لو أنك وصلت قبل الآن بقليل، لكنت ساعدتنا، لأن الذئب هجم على الحظيرة وقتل الغنم، لقد عمل مذبحة، واستطاع أن يهرب، لكن واحدًا من العبيد تمكن من طعنه برمح اخترق عنقه.

          وفي اليوم التالي، رجعت من الطريق نفسه الذي يمر بالمقابر، وبالمكان الذي تحجرت فيه ملابسه، ورأيتها وقد تلطخت بالدماء.

          ولما وصلت حتى الفندق ودخلت، كان الجندي ممدًدا فوق أحد الأسرّة، ودماؤه تنزف كثور، وطبيب كان يحاول وقف النزف من الجرح المفتوح في عنقه.

----------------

مرآة الريح والقمر

تساو هسوي - كنج (الصين) (4)

          في سنة من السنين اشتدت آلام مرض كيايوي، وكثرة التفكير في السيدة صعبة المنال فينكس، ضيعت أيامه، والكوابيس أفسدت لياليه.

          وذات مساء، مرّ رجل تاوى من طالبي الصدقات، وقف يطلب إحسانًا في الطريق، مناديًا بصوته أن بمقدرته شفاء أمراض الروح.

          ناداه كيايوي، وقال له الشحاذ: «بالأدوية لن يكون شفاؤك من حالتك المتدهورة. لكن عندي كنز سوف يشفيك لو سمعت كلامي ونفذت ما آمرك به. ومن جيب ردائه أخرج مرآة مصقولة تلمع من الناحيتين. وكان مكتوبًا على المرآة: المرآة النفيسة للريح والقمر. وأضاف: «هذه المرآة آتية من القصر الذي تحيا فيه حورية الصحوة الكبيرة، وتمتاز بأنها تشفي الأمراض الناتجة عن الأفكار غير الطاهرة. ولكن عليك أن تحترس من النظر في وجه المرآة، انظر فقط في ظهرها، وغدًا سأعود إليك وآخذ منك المرآة بعد أن أهنئك على تحسن أحوالك».

          ومضى دون أن يقبل أخذ النقود التي عرضها عليه.تناول كيايوي المرآة، ونظر فيها كما أمره الشحاذ، غير أنه ألقى بها في فزع لأن المرآة عكست له جمجمة: «يا له من شحاذ شرير!». وفي ثورة غضبه، رغب في أن يرى وجه المرآة. قبض على المرآة مرة أخرى وتطلع إلى وجهها، فإذا به يرى في عمقها السيدة فينكس، ترتدي ثوبًا بالغ الفخامة وتشير إليه تدعوه إليها.

          وجد كيايوى نفسه مندفعًا نحوها بلا تحسب، واخترق المعدن المصقول، ومارس الحب معها، وبعدما انتهيا من ذلك رافقته فينكس حتى خرج.عندما استيقظ كيايوى كانت المرآة مقلوبة على ظهرها، تطلع إليها فرأى الجمجمة مرة أخرى.

          كان منهكًا ومستنفدًا من لذة الوجه الخادع للمرآة. ولم يستطع كيايوى أن يقاوم، بلاشك غواية التطلع إليها من جديد أكثر من مرة، ومن جديد بعثت له بإشاراتها تدعوه إليها، فاخترق المرآة مرة أخرى ليشبعا جوعهما. وتكرر هذا لمرات عدة، وفي المرة الأخيرة، قبض عليه رجلان أثناء مضيّه للخروج وقيّدوه بالسلاسل.

          صرخ: سأمتثل لما تريدونه، لكن دعوني أصل إلى وجه المرآة».

          وكانت هذه هي آخر كلماته، إذ وجدوه ميتًا فوق الملاءة الملطخة بدمائه.
---------------------------------------------
(1) توماس كارلايل: مؤرخ وكاتب إسكوتلاندي. ولد في إكسلي فيتشان 1796، ومات في لندن 1881. مؤلف كتب عن: «الثورة الفرنسية (1837)، الأبطال وعبادة الأبطال (1841) رسائل وخطب أوليفر كرومويل (1845) كراسات الأيام الأخيرة (1850)، تاريخ فريدريك العظيم (1851)، إلخ.
(2) ووتشنج إن كاتب صيني من القرن السادس عشر.
(3) كايو بيترونيو أربيترو: من المحتمل أن يكون هو مؤلف «ساتيركون». عاش ومات في القرن الأول للإمبراطورية الرومانية. وليس لدينا معلومات عن هذا الكاتب تمدنا بقدر أكبر مما نحاول إدراكه ضمنيًا (حوليات الكتاب السادس عشر، الفصول: السابع عشر، والثامن عشر، والتاسع عشر). أما رواية «ساتيركون» فهي رواية بالغة الطول، حافلة بالمغامرات وما بقى لنا منها، عبارة عن أجزاء مكتوبة نثرًا وشعرًا.
(4) تساو هسوي - كنج: روائي صيني ولد بإقليم كيانج سو حوالي عام 1719، ومات في عام 1764. وقبل عشر سنوات من وفاته بدأ في كتابة روايته الضخمة التي حققت مجده الأدبي: حلم المقصورة الحمراء» مثل الـ: Kin Pingmei، وروايات أخرى من المدرسة الواقعية، توافرت في فصول مكتوبة برؤى حُلمية وخيالية، ولقد تحققنا وآمنا على روايات تشن وانج ودكتور فرانزكوهن.