الغطاء النباتي والمركبات الفعالة

 الغطاء النباتي والمركبات الفعالة
        

          اطّلعت وبشكل ملح ودقيق على موضوع مهم جدًا يقع تحت عنوان: «أزهار الكويت تقاوم الجفاف» تم نشره في العدد (575) أكتوبر 2006 في الصفحة 184 من مجلتنا الكريمة «العربي»، وقد أسعدني جدًا أن ضمّ هذا الموضوع عرضًا شاملاً لتوزع الغطاء النباتي في الكويت، وقد أنجز هذه الدراسة فريق من الباحثين في «معهد الكويت للأبحاث العلمية»، وتم ضم هذه النتائج في كتاب يعد وبحق مرجعًا قيّمًا، وكدليل مصوّر شامل للبيئة النباتية في صحراء الكويت، ويقع هذا الكتاب تحت عنوان: «الغطاء النباتي في الكويت»، وقد استطاع الكاتب أن يظهر أهمية هذا البحث الواسع وبشكل مستفيض وفي صفحات عدة من مجلة العربي مع صور منتقاة نوعية أخّاذة لبعض النباتات الممثلة للبيئة المحلية.

          وإنني أود - ولكوني أستاذًا في قسم علم النبات - أن أضيف نقاطًا إيجابية عدة قد تلفت النظر وتحيط بأهمية هذا البحث من نواح عدة.

          يملك البحث «أهمية علمية استراتيجية»، ليس للكويت فقط، بل لبقية الدول العربية وجامعات ومعاهد أخرى متخصصة في العديد من بلاد العالم.

          ويشير واقع الحال إلى وجود صعوبات متنوعة  جدًا خلال إجراء البحث تغلّب عليها أعضاء فريق البحث في المعهد المذكور. وهذا يقودنا إلى نتيجة تشير إلى أن هذا الفريق وخلال عمله اتصف بالصبر والهدوء العلمي المتميز بحيث أمكنه إنجاز هذا الثبت العلمي الرائع.

          لقد قام فريق من الباحثين في المعهد بدراسة وتعريف المئات من الأنواع النباتية المتوزعة في مساحات شاسعة من أرض الكويت، وقام أفراده بتصنيف النباتات وضمها في 8 مجموعات (مجموعة الرمث، مجموعة العرفج، مجمعة الحلفا.. إلخ).

          وضمّت كل مجموعة عددًا من الأنواع النباتية، واعتمد الباحثون  في العرض الأسماء المحلية لتلك النباتات كمثل الحلفا والثندة والحماط والنصي... إلخ.

          وطبعًا لم يتمكن الباحثون من الوصول إلى هذا التوزيع إلا بعد جهود مضنية تمكنوا بفضلها من التعرف على هوية كل نبات، وتفضيلات بنيته وتغيرات البيئة حوله، وحددوا اسم النبات اللاتيني وضمّوه إلى الجنس الذي ينتمي إليه، والفصيلة النباتية التي يتبع لها ذلك النوع النباتي. لقد تعرّف الباحثون على مسيرة التطور الفردي Ontogenesis لكل نوع من النباتات المدروسة، وأشاروا إلى موعد إزهاره ونضج ثماره وبذوره. وبالطبع اعتمدوا على ترتيبات أجزاء الزهرة وتفصيلات بنيتها ونظام توزع أجزائها في التسمية اللاتينية وفي التصنيف.

أهمية الثوابت

          ويستطيع كل أخصائي أن يقدر عاليًا الصعوبة والدقة في الوقت نفسه في طريقة جمع مئات الأنواع النباتية هذه وتعريفها، كما أن من الممكن للمطّلع على هذا العمل أن يقدر الأهمية البالغة للثوابت التي توصل إليها الباحثون من حيث التسمية ومواصفات البيئة المحيطة بكل نبات. ويعتبر أمرًا بديهيًا أنه قد تم حفظ نماذج مجففة لكل نبات تمت دراسته يسهل الرجوع إليها في معشبة مركز الأبحاث هذا.

          وعليه يعتبر هذا الإنجاز العلمي مرجعًا مميّزًا جدًا لدراسات تالية لباحثين في الكويت نفسها، وفي العالم.

          لقد أبرزت الصور المرفقة بالمقال روعة وجمال الطبيعة الذي زيّنته تلك النباتات، والتي نمت وترعرعت في بيئة تتصف بالجفاف بنوعيه، الجفاف الترابي والجفاف الجوي. وهذا يدفعنا للحصول على خلاصة واضحة جدًا، وهي أن كل الأنواع النباتية التي درست ذات صفات شكلية وأخرى بيولوجية داخلية تشكّل بمجموعها جملة تقاوم الجفاف بنوعيه الترابي والجوي. وعليه فإن ما قام به الباحثون يعتبر قاعدة لأبحاث تالية مهمة جدًا وتتوزع في حقول عدة.

          إذ إن من الممكن إجراء دراسات مستفيضة للتعرف على مقاومة هذه النباتات للجفاف وطبعًا تشكّل تفصيلات الدراسة في هذا الموضوع كما هو معروف مدرسة بحدّ ذاتها، حيث يدرس سلوك النبات في مواجهة نمط البيئة المحيطة وأسباب القدرة على التكيّف مع الجفاف إضافة إلى دراسات فيزيولوجية بيئية نوعية خاصة Ecophysiological Studies.

          أما المجال الثاني والمهم، الذي يمكن أن نبنيه على ما قام به فريق المعهد من دراسة، فهو المجال الطبي الصيدلاني.

          ونؤكد هنا أن نسبة عالية جدًا من أنواع النباتات التي درسها «معهد الكويت للأبحاث العلمية» هي نباتات طبية، وهذا يضيف «أهمية استراتيجية» لعمل الباحثين في المعهد. ونذكر من هذه النباتات مثلاً الرمث، الحماط، الحلفا، شجرة الغزال، الكحيل، الطلح، السدر، الأثل... ونباتات أخرى عدة.

          وهنا يمكننا أن نتوجه إلى المؤسسات الرسمية في الكويت، وإلى مؤسسات أخرى مختصة كي تستغل وتستثمر هذه النباتات لاستخلاص المركبات الفعّالة وتوضيبها بهيئة عقاقير نوعية يمكن أن تدخل في مجال الطب البديل Alternative medicine أو الطب المكمل Complementary medicine. ولا ننس أن من الممكن لبعض النباتات أن يكون سامًا أو أن سمّيته تبدو عندما يستخدم من قبل البعض بنسبة عالية، وعليه فإن من الواجب التنبيه والتحذير من استخدام النباتات العشبية بشكل عشوائي، بل يكون ذلك بإشراف المختصين ذوي الدراية والمعرفة.

          وأنا أقترح - وقد يكون ذلك موجودًا في واقع الحال - أن تكون هنالك لجان متخصصة تضم خبراء في علم النبات وأطباء وصيادلة لرصد واستخلاص وتوضيب، ومن ثم توزيع المركبات والخلاصات النباتية الفعّالة والنوعية. هذا إضافة إلى مجالات مفيدة أخرى. إننا نفخر بهذا العمل الرفيع الذي قدمه «علماء معهد الكويت للأبحاث العلمية» والذي تم ضمّه إلى هيئة كتاب «الغطاء النباتي في الكويت» الذي يشكّل قاعدة علمية عريضة يستفيد منها الجميع.

          ونهنئ السادة الباحثين على هذا الإنجاز الرائع، كما أننا وفي الوقت نفسه، نهنئ المؤسسة التي يعملون بها.

د. عدنان أحمد قشلان
أستاذ في قسم علم النبات
كلية العلوم - جامعة الكويت