مساحة ود

مساحة ود
        

لحظة

          كان الزمن لحظتها يتراجع داخله ويزلزل كيانه كله، وشتان ما بين زلزاله الداخلي والبركان الذي كان على وشك الانفجار فى رأسه؛ وقدماه اللتان باتتا مزروعتين في أسلفت الشارع.. لا تستطيعان الفكاك من جذورهما.. جذور الذكرى.

          - لم تعد عيناه تبصران سواها.. لا لا.. اختلطت صورتها في الماضي بتلك اللحظة وفقد قدرته على التمييز بينهما تماماً..، أتراها رأته .. لا لعلها تلتفت الآن ولابد أنها ستراه؛ تحمل معها زهرة واحدة أم زهرتين لا يدري.. أمازالت زهورهما باقية أم أنها ألقت بها واستبدلت بها زهورًا أخرى؛ أما هو فلاتزال لديه زهورها.. خصلات شعرها.. عبقها في لحظات النشوة التى لم يقبل لها أن تقبع فى منطقة رمادية على الرغم من قوة تأثير الرحيق المتحول خمرًا فياضًا بالأشواق.. كما هو مفعم بالأسى الآن وأمس وغدًا «يا حبى صرت بآخر أرض.. عم امشي وتمشي فيا الأرض.. لوين بعدك لاحقني.. من عز النوم بتسرقني.. بهرب لبعيد وتسبقنى» (1)..، هكذا طغى التجلي الفيروزي بجلاله على الفوران البركاني لتلك اللحظة.. احتواه كله بكله وأنزل عليه سكينة سرمدية حتى بات كأنه يرقب تلك اللحظة من خارجها؛ كان مزروعًا فى وسط الطريق ككائن أثيري فى أثناء التفاتها ومرورها به مصطحبة زهرتها أو زهرتيها أو زهورهما!! لتقبع خلف مقود تلك السيارة السوداء الفارهة تنطلق بها مسرعة مخلفة وراءها دخانًا وغبارًا وأشجارًا عطشى على الرغم من سكينتها.

          - أدركه حال الصحو وهو يسأل نفسه هل كانت هي أم أن الأمر كله التبس عليه؟..؛ لم يكن لديه أمل فى الحصول على أجوبة لكل تساؤلاته..؛ فقط قرر تغيير وجهته ليقبع وحيدًا محيطًا نفسه بنفسه.. لم تبق لديه إلا الرغبة في البوح لذلك القريب البعيد الذي كان أقرب ما يكون إلى الروح فى تلك اللحظة، لعله يحصل على الرضى والسكينة التي ينشدها.. كان يدرك أنها نوع مختلف من السكينة لكنه لا يعرف ماهيتها على الرغم من أنها على الأرجح تتراوح بين الموت والعدم، إن كان بينهما ثمة اختلاف.
--------------------
(1) من أغنية للفنانة الكبيرة فيروز

 

خالد سليمان