عزيزي القارئ

عزيزي القارئ
        

60 عامًا على الضياع

          لا شيء مثل هذه الخريطة، التي تقدمها «العربي» هدية لقرائها مع هذا العدد، يمكن أن يرينا مدى عمق المأسأة التي نعيشها في فلسطين، جرحنا النازف، ولحمنا المستباح، وكرامتنا المهدرة. فتلك الخطوط النحيلة تبين كيف ضاعت فلسطين، وكيف تضيع الآن! وما سوف يضيع في المستقبل! اللون الأصفر اللعين يمثل دولة الاحتلال الإسرائيلي التي لم تكف عن التوسع منذ العام 1948 حتى الآن، كأنه سرطان نهم، يلتهم كل ما أمامه من خضرة فلسطين، بينما يرقد الجسد العربي في فلسطين وغيرها، واهنًا عاجزًا مستسلمًا.

          إنه شهر مايو (آيار)، وتلك هي ذكرى النكبة في عامها الستين، وبهذه المناسبة تنشر «العربي» تلك الخريطة لفلسطين الحلم، أيام كانت الأرض الممتدة لا تقطعها الحواجز العسكرية، ولا أسوار العزل، وعندما كانت القرى والبيادر والشوارع والمدن تحمل الأسماء العربية، وكانت تؤدى الصلوات بكل اللغات ووفق طقوس كل الأديان، ونشر هذه الخريطة هو محاولة للإمساك بلحظة من الزمن قبل أن يتبدد، وهي تذكرنا بهوس الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، وهو يحاول في قصصه أن يرصد أسماء المدن الفلسطينية، بما فيها من شوارع وحارات، حتى يقاوم كل عوامل المحو والنسيان.

          ويحفل هذا العدد أيضًا بأكثر من مقال حول القضية الفلسطينية، ففي الافتتاحية يكتب رئيس التحرير عن المرارات التي يتركها ابتلاع القدس في النفس العربية، لأنها جوهر الحق المسلوب، وهي الروح الحية لذلك البلد السليب، وهي تتعرض لكل أساليب البطش والعنصرية وتزوير الحقائق، دون أن يحرك العرب وهم أصحاب الحق في هذه المدينة المقدّسة ساكنًا، كما تجري «العربي» حوارًا مع الشاعر سميح القاسم الذي مازال مقيمًا داخل شرايين فلسطين يدافع عن بلده وذاته وهويته. وتنشر مقالاً حول آخر الجهود التي بذلتها منظمات الحق الفلسطيني لاستخراج أطلس يضم كل الخرائط الرسمية لحدود فلسطين قبل الابتلاع.

          وتعرض «العربي» أيضا للكتاب الذي أثار ضجة هائلة في أمريكا منذ أن صدر حتى الآن، وهو كتاب الرئيس الأسبق جيمي كارتر، الذي وصف الجدار الذي أقامته دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنه جدار للفصل العنصري، وهو قول لم يجرؤ أي مسئول أمريكي على التلفظ به منذ قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من كل ما تثيره فلسطين من أحزان فإننا نتمنى أن يتحول هذا إلى نوع من الحزن النبيل، لا يثير التفجع بقدر ما يمثل تحديًا، علينا أن ننفض من على كواهلنا ما نحسه من ضعف ووهن، حتى نستفيق ونواجه تحدي البقاء.

 

المحرر