صدام الـحضارات متى تحين لـحظة الـحوار؟

  نحن والغرب وحالة انفصام الشخصية
        

إن مناخ التشدد الديني الذي ساد في المنطقة قد أفاد إسرائيل. فقد سعى لتهييج العصبية المسيحية في الغرب لمساعدة الصهيونية ضد الإسلام.

          منذ بداية القرن التاسع عشر تتميز علاقة العالم العربي بموجات من القلق والاضطراب المتواصلة, بالإضافة إلى المشاعر المزدوجة المتأرجحة بين الإعجاب بتفوق الغرب العلمي والتكنولوجي والخوف والكراهية من سياساته في المنطقة. منذ غزو نابليون بونابرت لمصر عام 1798, مروراً بغزو فرنسا للجزائر واحتلال مصر من قبل القوات البريطانية في أواسط القرن التاسع عشر, ثم احتلال فلسطين في 1918 على يد القوات الإنجليزية أيضاً ولبنان وسوريا على يد القوات الفرنسية, ثم العراق على يد قوات إنجليزية أخرى في الفترة نفسها, ثم إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 ثم الهجوم الثلاثي على مصر عام 1956 (إسرائيل, فرنسا, إنجلترا), ثم الجسر الجوي الأمريكي لمساندة القوات الإسرائيلية عام 1973, ونحن ننظر إلى الغرب مشدوهين ومترددين وبالكثير من انفصام الشخصية, بالريبة والحيرة في كثير من الأحيان, بالإعجاب بالقوة والمنجزات العلمية والمادية والحيوية الظاهرة في كل الميادين في أحيان أخرى, من الماكدونالدز إلى آلاف الأفلام والحلقات التلفزيونية والأغاني, والصحف والمجلات, وتسجيل أولادنا في مدارس وجامعات أمريكية.

          ومما يزيد الطين بلة في مواقفنا المتناقضة, الغامضة, المجزأة, الباطنية أو المُعلنة, أن الغرب قد حمى البعض من أقطارنا في فترات معينة ضد الخطر الشيوعي مثلاً في أعين البعض, أو ضد أطماع أقطار عربية في أراضي وخيرات أقطار عربية أخرى, وأن الغرب ساعد شعوباً إسلامية من غير العرب مثل مسلمي يوغسلافيا والأفغان والألبان, وهو في الوقت نفسه يساعد إسرائيل مساعدة متواصلة, متماسكة, عملاقة. فنحن في حيرة لا تنتهي من أمرنا تجاه الغرب وتصرفاته ونفقد الثقة بالنفس, سواء سعينا إلى توطيد أواصر الصداقة معه أم أمعنّا في العداء له لشتى أنواع الأسباب, فيبدو وكأن لا الصداقة ولا العداء ينفعان في إقامة علاقات منطقية نرتاح إليها. نخاف من الذوبان في الحضارة الغربية المتألقة والقوية والواثقة من نفسها, إن استسلمنا إلى الصداقة والمودة, رغم ما نعيبه من سياسات مجحفة تجاه بعض القضايا الرئيسية في العالم العربي وعلى رأسها قضية فلسطين, ونخاف من قدرة إيذاء الغرب تجاهنا إذا عاديناه بشكل متماسك ومتواصل حتى يغير مواقفه المجحفة.

افتقاد الثقة بالنفس

          بطبيعة الحال, فإن هذه المواقف المتناقضة والمتذبذبة ـ التي تتعايش وتتصادم أحياناً داخل كل واحد منّا ـ ناتجة عن عدم الثقة بالنفس, إفرادياً وجماعياً, قطرياً وقومياً. فنحن العرب نعيش حالة تشرذم ووهن منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية. فلا نعلم ماذا نريد ولا نتفق بالتالي على أي شيء وحتى على المقومات الأساسية لهويتنا. ولذلك, نختلف باستمرار على الموقف الذي يمكن أن نتخذه من التغييرات والأحداث الدولية أو الإقليمية. اختلفنا على الموقف من السلطنة العثمانية بين من اعتمد الاستمرار في الولاء تجاهها بسبب الرابط الديني أو بسبب العداء للاستعمار الغربي أو الاثنين معاً, رغم ما كنا نعاني من السلطنة منذ أن بدأ الانحطاط يدب في جسمها, وبين من نبذ الولاء لها وتحالف مع الغرب ضدها لنيل الاستقلال, وهذا التشرذم قد أضعفنا إلى أبعد الحدود ومنعنا من نيل الاستقلال ومن إخراج الجيوش الفرنسية والإنجليزية من ديارنا على خلاف مصطفى كمال في تركيا الذي أسس مقومات جديدة للهوية التركية, فاصلاً الرابط الديني عن الرابط القومي.

          ثم اختلفنا, وأي اختلاف, في الموقف بين واشنطن وموسكو في مرحلة الحرب الباردة, فالبعض من أقطارنا دخل في التحالف مع الغرب (حلف بغداد) والبعض الآخر عقد معاهدات صداقة مع الاتحاد السوفييتي, ودبت الحرب الباردة بين العرب وتشرذموا مرة أخرى, والتشرذم لم يكن بين أقطار فقط, إنما بين القوى والتيارات الشعبية والثقافية, وكأن ليس لنا هوية أو نظام قيم جامع بيننا ومتماسك, يحول دون مثل هذه الحالة التشرذمية المضحكة التي استغلها الغرب كما الاتحاد السوفييتي لمصلحتهما.

          واختلفنا أيضاً في الحقبة نفسها من الزمن على الموقف من تحرير فلسطين بين من يؤيد الكفاح المسلح وسيلة أساسية ورئيسية للحصول على الحقوق الفلسطينية ومن يؤمن بمسار تفاوضي برعاية أمريكا. وكانت النتيجة انفجار لبنان على مدى خمس عشرة سنة واجتياح إسرائيل مرتين لأراضيه واقتلاع المقاومة الفلسطينية من لبنان ونفيها إلى تونس, دون نسيان استبعاد مصر من الجامعة العربية بعد توقيعها على اتفاقات كامب ديفيد, لأننا اختلفنا أيضاً حول الموقف من هذه الاتفاقات.

تشرذم الهوية

          واختلفنا أيضاً في هذه الحقبة من الزمن حول الثورة الدينية الإيرانية بين من أيدها وتحمس لها وبين من خاف منها وعاداها, بل دخل في حرب معها أدّت في نهاية المطاف إلى كارثة غزو الكويت وتدخّل الغرب العسكري وتشرذم عربي جدي. وإذا كانت الجامعة العربية تسعى إلى الحدّ من الخسارات في نظام التضامن العربي أو الخروج من الشلل الذي كان يصيبها عندما يستفحل الخلاف بين الأقطار المنتمية إليها, فهي تعرضت أيضاً إلى نوعين من التحديات.

          فقد بادر بعض الأقطار العربية إلى إنشاء منظمة منافسة لها تشمل الدول الإسلامية كلها من جهة, كما بادر بعض الأقطار العربية إلى إنشاء منظمات عربية فرعية خارج مظلتها مثل مجلس التعاون الخليجي و اتحاد دول المغرب العربي, من جهة أخرى. وبذلك تشرذمت الهوية العربية من الناحية المؤسسية بعد أن تشرذمت مراراً في المواقف من التتغييرات الدولية أو الإقليمية المهمة. واللافت للنظر أن العرب, أقطاراً ومثقفين, قد زادوا من صعوبة تحديد الهوية العربية عندما قبلوا بتوظيف واستغلال الدين في السياسات المحلية والدولية والإقليمية لمحاربة التيارات الشيوعية والقومية العربية الثورية والجذرية, كما كان يفعله الغرب باستغلال الديانتين اليهودية والمسيحية لزعزعة الأنظمة الاشتراكية أو بعض الأنظمة ثورية الطابع والقريبة من الاتحاد السوفييتي في العالم الثالث. وبدلاً من التركيز على فلسطين, القضية الأولى للعرب, تشتتت الجهود العربية وذهب آلاف المقاتلين إلى أفغانستان ومن ثم إلى البوسنة ودخلت السودان في فتنة فتاكة داخلية بسبب المغالاة في الدين وتطبيق نظام الشريعة بشكل متشدد على كل من المسلمين والنصارى السودانيين, كما عانت مصر من عدم الاستقرار واغتيل الرئيس السادات على يد الجماعات الدينية المتطرفة ومرّت كذلك سوريا بفترة قلاقل مذهبية وتوتر داخلي كبير.

عداء الغرب

          أما الغرب, فقد استمرّ في ازدهاره واستقراره وقوته ونحن نتشرذم ونضعف في النظام الدولي ولا نحظى بالحد الأدنى من الاحترام, بل أصبحت رموز هويتنا العربية المشتتة والمتناقضة هدفا لعداء الغرب تجاهنا أو عدم مبالاته بحقوقنا المشروعة, فلا القومية العربية التقليدية على النسق القومي الحديث تحظى بالاحترام ولا القومية الدينية, بشكلها الأصولي والمتشدد أو بشكلها الوسطي المنفتح, تتأقلم بالمناخ الدولي والإقليمي وخاصة مع صعود تيارات دينية متشددة في كل من المسيحية واليهودية والهندوسية والتي استمرت فاعلة بالساحة حتى بعد انهيار المعسكر الاشتراكي. ومن الجدير بالملاحظة, أن مناخ التشدّد الديني الذي أطلقه الغرب في المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة لإزعاج الاتحاد السوفييتي والأنظمة التي كانت تدور في فلكها في أوروبا والعالم الثالث, هو مناخ مساعد للغاية بالنسبة إلى إسرائيل, وهو الكيان الديني العنصري المغتصب لحقوق الشعب الفلسطيني, والذي شرعيته الزائفة لا تعتمد إلاّ على القراءة الشكلية المتشددة والأصولية للتوراة. ولذلك, فإن كل من يساهم في تقوية المناخ الديني في الشئون الدولية والإقليمية وكل من يدخل في المتاهات السخيفة لمن يدعي أن هناك صراع حضارات وأديان في العالم وخاصة في الشرق, فهو من حيث لا يدري يساهم في تدعيم الشرعية الزائفة للكيان الإسرائيلي الذي يسعى بدوره إلى تهييج العصبية المسيحية ضد الإسلام لمساعدة الصهيونية.

          ومما لا شك فيه أن الحرب الأخيرة ضد الإرهاب التي يقوم بها الغرب منذ 11 سبتمبر 2001 قد تمّ التمهيد لمناخها منذ سنين وبشكل خاص منذ صدور كتاب صموئيل هنتنجتون (Samuel Huntington) (حرب الحضارات) وزجّ الشبان العرب في حروب متعددة خارج حدود الوطن العربي وإيواء الغرب لممثلي حركات التشدد الديني, عربية كانت أو غير عربية, بل حمايتها من الملاحقات القضائية من قبل الحكومات العربية. ويبدو أننا كنّا في غفلة مما كان يحدث من تهيئة الأرضية لموجة الكراهية والهستيريا ضد العرب. فكيف الخروج من المأزق الحالي وعدم الوقوع في شرك المغالاة الدينية والتقوقع في الهوية المبهمة, المتذبذبة التي لا تبعث على الثقة بالنفس ولا تدحض حجج العدو الصهيوني ومناصريه العديدين في الغرب?

ماذا نفعل?

          لا يمكن هنا الإجابة المطوّلة عن هذا التساؤل الخطير, لكننا سنكتفي ببعض الملاحظات التي من شأنها إضاءة الطريق?
أولا: إنهاء حالة التشرذم السياسي العربي وإحياء الجامعة العربية لكي تكون الممثل الوحيد في النظام الدولي الذي يتكلم باسم العرب, ويتطلب ذلك تجميد الخلافات العربية التي أصبحت تتراجع ـ والحمد لله ـ في السنين الأخيرة, كما يتطلب ذلك تجميداً فعلياً لعلاقات بعض الأقطار العربية المعدودة العدد مع إسرائيل وانسحاب العرب من أي نزاع إقليمي ودولي لا علاقة له بتعدّ على حقوق عربية ثابتة في أراضينا ومياهنا, فقد حان الوقت أن نهتم بالدفاع الجماعي عن أنفسنا وحقوقنا المشروعة بدلاً من التشتت في قضايا لا علاقة مباشرة لنا فيها, تنزف قوانا وتجرّنا إلى الظهور بمظهر الشعب الضائع لا يعلم ماذا يريد وإلى من ينتمي في النظام الدولي.

          وهذا بطبيعة الحال لا يعني أننا يجب أن ننتمي إلى الغرب, بل يعني أننا يجب أن نصبح أسياد أنفسنا لا نحتاج إلى الحماية أو الإرشاد الخارجي.

          ثانيا: لا يمكن الاستمرار في اعتبار أمريكا حكماً في النزاع العربي ـ الإسرائيلي, فهي حامية وراعية لإسرائيل ولن يتغيّر موقفها بسهولة, ومن دون معاداة هذا العملاق بشكل استفزازي, فإن موقفنا تجاهها يجب أن يصبح أكثر وضوحاً وإن وقوفاً عربياً جماعياً يرفض الطروحات الحضارية الدينية للتركيز على الطرح القانوني الصرف للقضية الفلسطينية هو المدخل إلى الخروج من الدهاليز التي نحن فيها, ومن أجل ذلك لا بدّ من التخفيف من اتكالنا الاقتصادي والمالي على الولايات المتحدة وتكثيف علاقاتنا مع الدول الأخرى الأقل انحيازاً لإسرائيل. هذا مع الإشارة إلى أنه من حق الولايات المتحدة اختيار إسرائيل كحليف أساسي لها في السياسة الدولية, إنما لا يمكن لنا كعرب أن نستمرّ في استرضائها على أمل أن تغيّر من موقفها بالكلام الجميل فقط. وإذا لم يظهر في الأفق روح تضامن عربي جديد يتجسّد في رفض مفهوم الإرهاب كما تحدده الولايات المتحدة, فإن الموقف العربي من أمريكا يجب أن يزيد صلابة, كما يجب رفض مفردات ومقولات أضاعت جوهر القضية الفلسطينية, مثل مقولة (مسار السلام), فالسلام ليس مساراً بل هو حدث نهائي مكرس باتفاقات واضحة لا لبس فيها ولا تحتاج إلى مزيد من المفاوضات لإيضاح عبارات مبهمة وغامضة. فقد كفانا مسارات ومفاوضات ولجانا تظهر وتختفي. فإما حصول السلام فعلاً وإما استمرار حالة التوتر وعدم الاعتراف بالكيان الغاصب, وفي هذه الحالة يجب أن نهيّئ أنفسنا لتحمل هذا الوضع الصعب ومساعدة الانتفاضة الفلسطينية بكل الوسائل.

          ثالثا: لن يحظى العرب باحترام أكبر في النظام الدولي إلاّ بإنهاء حالة التشرذم والميل إلى الاختلاف على كل كبيرة وصغيرة في الشئون الدولية والإقليمية وبتأكيد مقومات هوية جماعية ونظام قيم متجانس يراعي خصوصيتنا وتراثنا, إنما لا يبعدنا عن القيم الحديثة الحقيقية وليس القيم الزائفة الجديدة حول صراع الحضارات. وفي هذا المضمار, لا بدّ من أن نتغلّب على انفصام الشخصية الذي نعاني منه تجاه الغرب, فالسياسات الاستعمارية التي مارستها بعض الدول الغربية وتصرفات الحكومة الأمريكية في السياسة الدولية شيء ـ وحقنا أن ننتقدها دون تردد ـ أما قيم العمل الخلاّق, ومبادئ الديمقراطية, وأنظمة التربية والبحث العلمي ونظم الأداء الاقتصادي العالي في القطاع الخاص, فهي شيء آخر يجب ألا نخجل من اقتباسها كما فعلته بنجاح كبير شعوب شرقية أخرى مثل اليابان وكوريا وماليزيا, ناهيك بالصين وخصوصيتها وتراثها العملاق. ونحن في الحقيقة عندما نهاجر إلى ديار الغرب ونرسل آلافا من أولادنا لاكتساب العلم فيها نعترف بشكل ضمني بتفوّق الغرب في هذه المجالات كلها وهي جوهرية. ولا شيء يمنعنا من اقتباس أنظمة غربية في الاقتصاد والنظم الدستورية دون أن نسلك السياسات الغربية الدولية أو أن نتنازل عن مقومات هويتنا القومية, إلا النقص في الثقة بالذات وعدم القناعة أو عدم الاتفاق داخل مجتمعنا حول مقومات هويتنا.

          رابعاً: على الثقافة والفكر في المجتمعات العربية أن يتحركا في حوار رصين وصادق وهادئ حول هويتنا وعلينا أن نؤسس مرجعية فكرية مستقلة ومتكيّفة مع العالم الحديث الذي نعيش فيه, نبني عليها تراكماً معرفياً وثقافياً ينقصنا تماماً رغم كل جهود رواد عصر النهضة. كما يجب أن ندرس الظاهرة الدينية في مجتمعاتنا دون تشنّج ودون الخوف والخضوع إلى أنواع شتى من الإرهاب الفكري في هذا المجال, ودون أن ندخل في سجالات عقيمة مع الغير. فالحوار المطلوب ليس مع الغرب بل مع أنفسنا للتخلص من العقد النفسية وانفصام الشخصية واكتساب الثقة بالنفس, إنّ الإيمان والروحيات هي موجودة في كل المجتمعات منذ بداية الإنسانية وهي تأخذ ـ شئنا أم أبينا ـ أشكالاً مختلفة ومتغيّرة على مرّ العصور, ولكنّ الإيمان والروحيات لا يمكن أن تختصر كل الحياة المجتمعية وهي ليست المفتاح السحري للتماسك المجتمعي, بل يمكن أن تكون أيضاً مصدر فتن فتّاكة متواصلة, كما يدلّ عليه تاريخ الأديان كلها بما فيه الدين الإسلامي الحنيف. فعلينا أن نجد ما يريح فعلاً مجتمعاتنا العربية في ترتيب هويتنا الغنية, المركّبة من حضارات قديمة مختلفة, دون أن تحكم على فكرنا وتصرفاتنا العقدة من الغرب وأديانه وهويته المركبّة أيضاً من تراث حضارات قديمة مختلفة والبعض منها أثرت أيضاً في تركيب حضارتنا العربية بمكوناتها المختلفة. فهلمّ إلى الحوار الداخلي الهادئ بعيداً عن مخلفات الحرب الباردة التي دخلت الولايات المتحدة في صدام معها عنيف بعد أن كانت تحالفت مع القوى ذاتها التي تحاربها اليوم. إن الحوار الناجح في وطننا العربي سيكون الحوار الذي سيبعد عن الانفعال, سلباً وإيجاباً, بالخطاب السياسي الغربي ليركّز بقواعد المنطق والرشد على أمراض مجتمعاتنا العربية, ليس فقط في المجال السياسي والاجتماعي, إنما أيضاً في المجال الاقتصادي حيث أداؤنا العام دون سائر الأمم. ويجب في هذا الحوار ألا نكترث بصورتنا كعرب في الغرب, لأن هذه الصورة ستتغيّر تلقائياً نحو الأفضل حينما نتمكن من الوصول إلى هوية جامعة متفق عليها ونظام قيم متكيّف مع مقتضيات العصر ومتماسك وحـينما نفرض على الآخر احترام حقوقنا ومواقــــفنا كما نجحت في ذلك أمم أخرى مثل الصين واليابان والهند.

          والمهم على كل حال ليس صورتنا في الغرب, بل مستقبل أولادنا من خلال استعادة الثقة بالنفس وجعل مجتمعاتنا مجتمعات منتجة سلعياً وعلمياً وفكرياً وروحياً.

 

جورج قرم