الفقراء يدفعون الثمن.. أحمد الشربيني

الفقراء يدفعون الثمن.. أحمد الشربيني
        

          بلايين الناس سيواجهون نقص الغذاء والمياه ومخاطر الفيضانات المتزايدة نتيجة لتغير المناخ. والأسوأ من هذا أن هؤلاء هم أفقر فقراء كوكبنا.

          هذه خلاصة الجزء الثاني من تقرير الهيئة الحكومية حول تغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change report. وكان الجزء الأول من التقرير، الذي صدر في فبراير الماضي وعرضنا خلاصته في عدد أبريل الماضي من مجلة العربي، قد حمل البشر المسئولية الكاملة عن الاحترار الكوني وتغير المناخ.

          وصدر الجزء الثاني من التقرير، الذي شارك في إعداده المئات من علماء المناخ، بعد جدل محتدم وحوارات استمرت طوال الليل في مؤتمر عقد في بروكسل في أبريل الماضي. واستدعى إقراره عمل علماء وممثلي أكثر من مائة دولة طوال الليل من أجل الموافقة على الصياغة النهائية في الموعد المحدد.

          وقد طلبت عدة وفود، بما في ذلك وفود الولايات المتحدة، والسعودية، والصين والهند، أن تعكس الصياغة النهائية درجة أقل من اليقين من مشروع التقرير.

          وكان مشروع التقرير قد بدأ بالتأكيد «بثقة كبيرة جدا» على أن الأنظمة الطبيعية على اليابسة وفي البحار والمحيطات تتأثر بالتغيرات المناخية الإقليمية، وهو التعبير الذي عارضه ممثلو عدة حكومات.

          لكن الوضع تأزم مع تقديم د. سينثيا روزنزفايج، خبيرة التأثيرات المناخية في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، مذكرة احتجاج إلى رئاسة المؤتمر باسم كبار العلماء، قالت فيها إن النتائج المستندة إلى العلم يجري تجاهلها في المؤتمر.

          وبعد شد وجذب، توصل المجتمعون إلى صيغة وسط قالت إن الأدلة الملاحظة في كل قارة ومعظم المحيطات تظهر أن الأنظمة الطبيعية تتأثر بالتغيرات الإقليمية، خاصة الارتفاع في درجات الحرارة.

          غير أن وجهة النظر التي سادت المؤتمر، بعد خمس سنوات من البحث العلمي وأربعة أيام من المناقشات الساخنة بين كبار العلماء وبيروقراطيي الحكومات، أن المؤتمر توصل إلى إنجاز حقيقي.

          وقال العلماء المشاركون في المؤتمر إن سكان البلدان الفقيرة سيكونون أسوأ المتضررين من تغير المناخ.

          وكما قال د. راجندرا باتشاوري رئيس مجموعة العمل الثانية للهيئة الحكومية حول تغير المناخ: «إن هؤلاء الذين سيلحق بهم الضرر الأكبر من تغير المناخ هم أفقر الفقراء في العالم، بل وسيكون بين هؤلاء فقراء من مجتمعات غنية».

          وقال د. باتشاوري إن هؤلاء هم الأقل جاهزية للتعامل مع آثار تلك التغيرات.

تأثيرات تغير المناخ

          ويقدم هذا التقرير تقييما واضحا لتأثيرات تغير المناخ في أجزاء مختلفة من العالم.

          وقال د. باتشاوري: «لدينا تفاصيل إقليمية أكبر بكثير مما كان لدينا في (تقييم المناخ العالمي الثالث) العام 2001 حول أشياء مثل ذوبان الأنهار الجليدية، وما هي تداعيات هذا الذوبان، ومثل ارتفاع مستوى البحار والمحيطات، الذي سيؤثر بلا شك  في العديد من البلدان في العالم بما في ذلك دلتات أنهار كبرى تعتبر الأكثر انكشافا، ومثل تأثيرها في الزراعة وتداعيات ذلك في الأمن الغذائي».

          وفي تقديمه لنتائج التقرير، قال مارتن باري، الرئيس المشارك لمجموعة العمل الثانية للهيئة الحكومية حول تغير المناخ، إن الأدلة تظهر أن تغير المناخ يترك تأثيرا مباشرا في الحيوانات، والنباتات والمياه.

          وقال في المؤتمر الصحفي: «هذه هي المرة الأولى التي لا نلوح فيها بالنماذج الرياضية. بل ببيانات إمبريقية (مبنية على الملاحظة والتجربة العملية وليس النظريات)، وبوسعنا فعلا قياسها».

          ومن بين أهم ما توصل إليه التقرير أن ما يتراوح بين عشرين وثلاثين في المائة من كل أنواع النباتات والحيوانات ستصبح معرضة لخطر الانقراض إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض بين درجة ونصف ودرجتين ونصف. كما ستتقلص الأنهار الجليدية والغطاء الجليدي، وهو ما سيؤدي إلى تراجع إمدادات المياه في البلدان التي تعتمد على مياه ذوبان الثلوج.

          ويؤكد التقرير أن الزيادة الملحوظة في متوسط درجة حرارة كوكب الأرض كانت «مرجحة جدا» بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن نشاطات البشر.

          وقد راجع العمل العلمي علماء الهيئة الحكومية حول تغير المناخ، ومن بينها 29 ألف عينة بيانات متعلقة بالتغيرات المسجلة في الأوجه الفيزيائية والبيولوجية للعالم الطبيعي.

          ويعتقد العلماء أن تسعة وثمانين في المائة من هذه البيانات تتسق مع اتجاهات عالم آخذ في الاحترار.

على رءوس الفقراء

          حلل التقرير تأثيرات التغير المناخي في كل قارات العالم والمناطق القطبية. وحذر من أن المحصلة النهائية لتأثيرات تغير المناخ ستصب في معظمها على رءوس الفقراء في قارتي إفريقيا وآسيا. وفي الوقت الذي ستؤدي فيه تغيرات المناخ إلى أن تصبح أوربا «أكثر اخضرارا»، فإن إفريقيا ستصبح «أكثر اصفرارا».

          وتشير الدراسات العلمية إلى أن القارة السمراء ستكون هي القارة الأكثر هشاشة وانكشافا أمام التغيرات المناخية بسبب قسوة التغيرات التي ستواجهها وعدم قدرتها المالية والتقنية على التكيف مع هذه التغيرات.

          وبحلول العام 2020، سينتظر أن يواجه ما يتراوح بين 75 و250 مليون إفريقي زيادة في  شحة المياه نتيجة لتغير المناخ.

          وينتظر أيضا أن يفضي تغير المناخ إلى تراجع الإنتاج الزراعي، بما في ذلك إمكان الحصول على الغذاء، في العديد من البلدان والمناطق الإفريقية. ومن المتوقع أيضا تقلص المساحة الصالحة للزراعة، وطول الموسم الزراعي وغلة المحاصيل، خاصة على حدود المناطق القاحلة وشبه القاحلة. وستتقلص الزراعة التي تعتمد على مياه الأمطار بنسبة خمسين في المائة في بعض البلدان الإفريقية بحلول العام 2020. وسيؤثر هذا سلبا في الأمن الغذائي ويفاقم من سوء التغذية في العديد من البلدان. وسيتدهور وضع إمدادات الغذاء المحلية أكثر نتيجة لتراجع المخزون السمكي في البحيرات الكبرى بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وسيفاقم من ذلك الاستمرار في الصيد الجائر.

          وبحلول نهاية القرن الواحد والعشرين، ينتظر أن يؤثر ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات في المناطق الساحلية المنخفضة في القارة المزدحمة بالسكان, وقد تصل تكاليف مواجهة ذلك إلى ما يتراوح بين 5 و10 في المائة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي للقارة.

          وسيترافق هذا مع زيادة في الأمراض المرتبطة بالبيئة مثل الإسهال والملاريا، التي تعصف حاليا بالقارة السمراء.

آسيا

          من المنتظر أن يؤدي ذوبان الأنهار الجليدية على جبال الهيمالايا إلى زيادة الفيضانات والانهيارات الطينية على مدى العقدين أو العقود الثلاثة المقبلة. وسيعقب ذلك تراجع تدفقات الأنهار مع انحسار الأنهار الجليدية.

          ومن المتوقع أن يؤدي تقلص إمدادات المياه العذبة في وسط وجنوبي وشرقي وجنوب شرقي آسيا، خاصة في وديان الأنهار الكبيرة، بسبب التغير المناخي، إلى جانب زيادة السكان وزيادة الطلب على المياه نتيجة ارتفاع مستوى المعيشة، إلى معاناة أكثر من بليون إنسان من شح المياه بحلول العام 2050.

          وستزداد غلة المحاصيل بنسبة قد تصل إلى عشرين في المائة في شرقي وجنوب شرقي آسيا، لكنها ستتراجع بنسبة قد تصل إلى ثلاثين في المائة في وسط وجنوبي آسيا.

          وتتوقع التقارير أن تتأثر مناطق دلتا الأنهار الكبرى في شرقي، وجنوبي وجنوب شرقي آسيا نتيجة لفيضانات الأنهار وارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات.

          وسيترافق هذا مع ازدياد حاد في الأمراض والأوبئة المرتبطة بالمياه مثل الإسهال والكوليرا في تلك المناطق.

عالم متقلب

          ورصد التقرير التقلبات الحادة التي سيشهدها العالم نتيجة التغير المناخي.

          ففي أمريكا اللاتينية، ستؤدي الزيادة في درجات الحرارة وما يرتبط بها من تقلص كميات المياه في التربة إلى حلول السافانا محل الغابات الاستوائية في شرقي منطقة الأمازون بحلول منتصف القرن الحالي. وهنا تخوف من أن يصاحب هذا فقدان كبير للتنوع الحيوي للمنطقة وتعرض أنواع نباتية وحيوانية كثيرة للانقراض.

          وفي المناطق الجافة في القارة، يتوقع أن يقود تغير المناخ إلى تعرض المناطق الزراعية لزيادة الملوحة والتصحر.

          وفي أستراليا، توقع التقرير تــفاقم مشكلة شح المياه في جنوبي وشرقي أستراليا، وفقدانا كبيرا للتنوع الحيوي في مناطق غنية به بحلول العام 2020.

          وستواجه أوربا تقلبات دراماتيكية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الأنهار والصفائح الجليدية، بما في ذلك استطالة مواسم الزراعة، وموجات الحرارة الحادة والطويلة، والفيضانات العالية والمتكررة، وتعرض السواحل للحت والفيضانات المرتبطة بارتفاع مستوى المياه في البحار والمحيطات.

          لكن الدول الغنية قادرة اقتصاديا وتقنيا على التخفيف من وطأة نتائج تغير المناخ. ويبقى الفقراء وحدهم عاجزين من الناحيتين على فعل أي شيء.

عام التقارير

          وقد رحب علماء وسياسيون بالتقرير. وقال ستافروس ديماس مفوض البيئة في الاتحاد الأوربي: «هذا تأكيد إضافي على الضرورة الملحة للتوصل إلى اتفاق عالمي حول تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وعلى مدى أهمية أن نتكيف جميعا مع التغير المناخي الذي يحدث بالفعل».

          وقال مارتين ريز، رئيس الجمعية الملكية البريطانية: «إنها صيحة إنذار ثانية للحكومات، والصناعة والبشر عامة. أصبحنا نمتلك اليوم مؤشرات أوضح على التأثيرات المحتملة للاحترار العالمي، وبعضها بات بالفعل لا يمكن تجنبه».

          وأضاف: «يتمثل التحدي الآن في تقديم الدعم لهؤلاء الذين يعيشون في المناطق الأكثر هشاشة وانكشافا (أمام تأثيرات تغير المناخ) ليتسنى لهم التكيف وتحسين طرق عيشهم».

          وسيقدم ملخص التقرير إلى قادة العالم مع انعقاد قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى التي ستعقد في وقت لاحق من يونيو الجاري.

          وهذا التقرير هو الثاني في سلسلة التقارير التي تصدرها هذا العام الهيئة الحكومية حول تغير المناخ، والتي ستكون معا عند اكتمالها «تقييم المناخ العالمي الرابع».وكان الجزء الأول، حول علم تغير المناخ، قد صدر في فبراير، وخلص إلى أن النشاطات الإنسانية هي المسئول الأساسي وبنسبة 90 في المائة عن الاحترار الذي سجل منذ خمسينيات القرن الماضي. بينما يركز الجزء الثالث، الذي صدر في الشهر الماضي (مايو)، على سبل كبح زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض.

          بينما سيلخص تقرير رابع، سيصدر في نوفمبر المقبل النتائج الإجمالية لـ «تقييم المناخ العالمي الرابع».

 

أحمد الشربيني   
 




البلدان الصناعية مطالبة بتخفيض أكبر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري





فقراء العالم هم الذين سيتحملون العبء الأكبر لتغير المناخ





ذوبان الأنهار الجليدية على جبال الهيمالايا سيؤدي إلى زيادة الفيضانات والانهيارات الطينية على مدى العقدين أو العقود الثلاثة المقبلة





إفريقيا ستزداد اصفرارا





الفيضانات تنتظر الملايين في آسيا





بحلول العام 2020، سيواجه ما يتراوح بين 75 و250 مليون إفريقي شح المياه نتيجة لتغير المناخ





تقلص الأنهار الجليدية والغطاء الجليدي سيؤديان إلى تراجع إمدادات المياه في البلدان التي تعتمد على مياه ذوبان الثلوج