الفنون الجميلة والجمهور من الوئام إلى الخصام

  الفنون الجميلة والجمهور من الوئام إلى الخصام
        

العلاقة بين الفنون الجميلة والجمهور مرت بمراحل من الصعود والهبوط بامتداد عشرات السنين، لكن المؤكد أن لحظات التوهج آخذة في الانطفاء منذ عقود. فكيف بدأ الانفعال باللوحة والتمثال، وما الأسباب التي أدت إلى تصدع تلك العلاقة وانهيارها؟!

          فالشاهد أن النهضة التي بدأت عصافيرها الملونة ترفرف على مصر مع عصر محمد علي (1805-1848)، ازداد توهجها اشتعالاً مع الخديو إسماعيل (1863-1879)، إذ بدأت القاهرة تنزع عن نفسها الثياب الريفية لترتدي ملابس تليق بمفهوم المدينة الحديثة، فانتشرت المصانع والمدارس وافتتحت دار الأوبرا (1871)  بجوار عدد من المسارح الأهلية، وتم إصدار الكثير من الصحف الخاصة مثل (نزهة الأفكار) لصاحبيها إبراهيم المويلحي ومحمد عثمان جلال، والوطن، ومصر، والأخبار، والكوكب الشرقي، والأهرام.  حتى أن جريدة (الوقائع المصرية) التي أصدرها محمد علي عام 1828 صارت لها (إدارة مستقلة لها شخصيتها في أعمال الحكومة) ، بعد أن كانت تابعة لديوان المدارس!

          كما انتشر في ذلك العهد عدد من  المطابع الأهلية مثل (المطبعة الوطنية في الإسكندرية، والمطبعة القبطية في بولاق، ومطبعة وادي النيل) 

          هذا الوجود الكثيف للصحف والمطابع يؤكد أن المجتمع المصري بدأ يطرق أبواب المدنية بقوة، لدرجة أن الدكتور لويس عوض لاحظ أن (الوقائع المصرية) التي كانت تنشر مقالات وموضوعات في الأدب والفكر والسياسة، قد توقفت منذ عام 1884 عن نشر هذه الموضوعات، واقتصر دورها على نشر قوانين البلاد فقط، بعد تطور واستقرار الصحافة المصرية

          ونستطيع أن نجزم بكثير من اليقين أن أول علاقة تمت بين رجل الشارع، والفنون الجميلة بمعناها الحديث، كانت بوساطة الصحافة، أي الرسوم التي كانت تنشرها الصحافة مع أواخر القرن التاسع عشر، حيث بدأت هذه الرسوم تتسلل على استحياء لتأخذ مكانها داخل الصحيفة في باب الإعلانات أولاً، فتنشر المادة التحريرية عن سلعة ما، مصحوبة برسم لها يزيدها وضوحاً، ويغري القارئ بالاهتمام بها واقتنائها.

          هنا بالضبط بدأت علاقة القارئ العام، أو رجل الشارع، بالفنون التشكيلية، حيث كان يطالع يومياً رسوماً توضيحية منشورة في هذه الجريدة أو تلك الصحيفة، مع ملاحظة أن هذه الرسوم كانت تنهب مساحات ضخمة من الصفحة، حتى يمكنها لفت انتباه القارئ، فضلاً عن كونها أنجزت بمهارة يمكن أن تغري القارئ بالإقبال عليها.

          لكن السؤال الذي ينتصب بقوة: هل كانت مصر في ذلك الوقت - أواخر القرن التاسع عشر - تنعم بوجود رسامين تستعين بهم الصحافة؟ وهل كانوا من المصريين أم من الأجانب الذين استقروا في مصر، مع تزايد حركة الهجرة والإقامة في وادي النيل من قبل الكثـــــير من أهــــل أوربا الذين فتنهم الشرق؟  لكن قبل أن نجيب عن هذين السؤالين ينبغي أن نذكر أن شهر أكتوبر 1891 شهد أول معرض للوحات والتماثيل، أقيم في القاهرة في دار الأوبرا الخديوية التي كانت قائمة في ميدان الأوبرا واحترقت عام 1971، وكان كل أصحاب هذه الإبداعات من اللوحات والتماثيل من الأجانب الذين تمــــت الإشارة إليهم تواً، ولأنه حدث فريد في القاهرة، فقد كان الخديو بنفسه على رأس جمهور الحاضرين.

          وحضر حفل افتتاح أول معرض لفنون الرسم والتصوير بالألوان والتماثيل تشهده القاهرة، جميع رجال السلك السياسي، وممثلو الدول الأجنبية، والوزراء، وكبار موظفي الدولة، والأثرياء، وأعيان البلاد. 

          لذا يمكن القول بيقين إن هؤلاء الفنانين الأجانب كانوا هم المرشحين بقوة لتولي مهام صحفية خاصة بالرسم، علاوة على بعض الحرفيين من الأرمن واليونانيين الذين كانوا يعملون في المطابع وورش الزنكوغراف التي انتشرت بكثافة آنذاك!

          يؤكد هذا الاستنتاج أن ملامح الشخصيات التي كانت تزين الإعلانات، يتسم معظمها بنكهة أوربية الطابع، خالية من الحضور العربي أو المصري لشكل الوجه وتفاصيله.

الملصق (الأفيش) المسرحي والسينمائي

          إذا كانت الرسوم التي تنشر في الصحف، قد شكلت أول علاقة مع رجل الشارع في أواخر القرن التاسع عشـــر، فإن الأفـــيش أو (البــــوستر) الذي يعلن عن مسرحية ما، ويعلق في الشوارع والحارات والأزقة، يعد المصدر الثاني لتلك العلاقة بين الفنون الجميلة ورجل الشارع.

          فإذا كان رائد المسرح المصري يعقوب صنوع قد تلقى مرانه المسرحي بالتمثيل في فرقتين أوربيتين فرنسية وإيطالية زارتا مصر عام 1870،  فإنه سرعان ما كون فرقته الخاصة التي كان يضع لها المسرحيات، ويدرب عليها الممثلين، ويقوم بإخراجها وإدارتها على المسرح، حيث وصل عددها اثنتين وثلاثين مسرحية. وفي عام 1894 ظهرت أول مسرحية أبدعها كاتب مصري، اتخذت شكل الميلودراما الاجتماعية.. وكان اسم المسرحية هو (صدق الإخاء)، واسم مؤلفها هو إسماعيل عاصم.

          ولم يكن أمام هذه الفرق إذن، إلا الأفيش أو البوستر، للدعاية عن نفسها وعن عروضها المسرحية المتزايدة والمتنامية، وكان الأفيش يتضمن عادة رسوماً لوجوه أبطال العرض في أوضاع متباينة، الأمر الذي يعني أنه لم تكن هناك مشكلة مع المجتمع في أن يطالع أبناؤه لوحات ورسوماً. وأغلب الظن أن الفتوى الشهيرة للإمام محمد عبده التي ينفي فيها عن الفنون الجميلة من رسم ونحت وتصوير تهمة التحريم، قد أطلقها في مناخ ازدادت فيه الرسوم التوضيحية في الجرائد، وازدانت شوارع القاهرة وحاراتها بأفيشات تضج بوجوه الممثلين والممثلات.فضلاً عن التماثيل الضخمة التي حرص الخديو إسماعيل على إقامتها في القاهرة والإسكندرية. 

          لقد كان أفيش السينما إذن هو المصدر الثالث لعلاقة رجل الشارع بالفن بعد الرسوم التوضيحية في الصحف والأفيش المسرحي، وإذا علمنا أن صناعة السينما في مصر كانت ثاني صناعة - بعد القطن - من حيث صخامة الإنتاج، وحجم العمالة، والمردود المالي في الفترة بين الثلاثينيات والستينيات، لاكتشفنا بسهولة مدى تأثير الأفيش السينمائي في وجدان الجماهير، حيث كانت كل المدن المصرية تقريباً، تضم دار عرض أو أكثر لاستيعاب عرض الأفلام المصرية التي يزداد إنتاجها بصورة لافتة، حتى وصلت إلى 100 فيلم في العام تقريباً. وهكذا كانت وجوه الفنانين المرسومة على الأفيش تصافح عيون بسطاء الناس الذين يكدحون في غدوهم ورواحهم.

مدرسة الفنون الجميلة

          إذا كان عام 1891 قد شهد افتتاح أول معرض في القاهرة للوحات والتماثيل، فإن عام 1902 استقبل المعرض الثاني الذي أقيم بدار نحمان تاجر العاديات بشارع المدابغ رقم 21، شارع شريف حالياً.  ولا شك عندي أن هذا المعرض استضاف بعض الإبداعات التي أنجزها عدد من المصريين الذين بهروا بهذا الفن الحديث، حيث بدأ أبناء الأسر الثرية يمارسون هذه الهواية الفنية في أوقات الفراغ، ويتباهون فيما بينهم بتجاربهم ومهارة أساتذتهم الأجانب.

          في هذه الآونة كانت الرأسمالية المصرية الوليدة قد بدأت تقف على قدميها، فبعد أن أسست الصحف والفرق المسرحية التي تعبّر عن أحلامها وآمالها في مواجهة كبار ملاك الأرض والاحتلال الإنجليزي، ها هي تطرق مجالاً آخر لتأخذ حظها من التعامل معه، في محاولة لإثبات الذات من ناحية، والتقرب إلى ملايين المصريين الفقراء من ناحية ثانية.

          لم تكن مدرسة الفنون الجميلة التي أسسها الأمير يوسف كمال في 21 مايو سنة 1908 بشارع درب الجماميز بالدار رقم 100 سوى هذا المجال الجديد الذي اقتربت منه الرأسمالية المصرية، حيث دفعت الأمير يوسف كمال وغيره من الأمراء إلى تبني مشروعات تتصل بأبناء هذه الطبقة، وتلبي تطلعاتها. لذا حين اقترح المثّال الفرنسي (جيوم لابلان)، المقيم في القاهرة، على الأمير يوسف كمال أن ينفق على مدرسة يتم فيها تدريس فنون الرسم والتصوير والنحت والعمارة، على غرار مدرسة الفنون بباريس،  لم يتردد الأمير كثيراً واستجاب للفكرة وعلى الرغم من أن جميع الأساتذة كانوا من الأجانب الذين لقنوا - بالضرورة - طلابهم المناهج الأوربية في الفن، فإن عبقرية فناني جيل الرواد تمثلت في تمصير الأساليب الأوربــــية التي تربّوا عليها، وفي ربطها بالمشروع النهـــضوي للأمة، الذي التفت حوله قوى المثقفين وطلائع العمل الوطني 

          لقد لعبت مدرسة الفنون الجميلة دوراً مهماً في تخريج عدد من الفنانين المهرة، الذين خطفتهم الصحافة على الفور للاســـتفادة من براعتهم من ناحية، ولأجورهم القـــليلة قياساً بأجور الفنانين الأجانب من ناحية أخرى، وها هو سليمان فوزي الذي أصدر مجلة (الكشكول) عام 1921، يزين مطبوعته برسوم أربعة من فناني الجيل الأول.. محمود مختار ومحمد حسن وراغـــب عياد وأحمد صبري.

          وهكذا ظــلت الرسوم التوضيحية، ورسوم الكاريـــكاتير التي تنشر في الصحف، هي المصدر الأبرز في العلاقة بين رجل الشارع والفنون الجميلة، خاصة أن الـــعديد من المجلات قد صدر بعد ثورة 1919، وقد اهتمت معظــمها بالرسوم الصحفية واستعانت بأمهر الرسامين كما أسلفنا.

          من هذه المجلات (روز اليوسف) التي صدر عددها الأول يوم 26/10/1925، وعلى غلافه لوحة للفنان الإيطالي ليسيان، ومجلة المستقبل، والصرخة، وآخر ساعة، والفكاهة، والراديو، والبعكوكة، وسندباد، والملاحظ أن الرسام الأرمني صاروخان (1898 - 1977) كان مساهماً بصورة ملحوظة في إصدار عدد من هذه المجلات، من خلال رسومه التوضيحية البديعة وكاريكاتيراته اللاذعة. أما مجلة (اللطائف المصورة)، فقد ظهرت في 15/2/1915 بوصفها مجلة أدبية علمية تاريخية فكاهية مصورة!

          وقد احتفت هذه  المجلة احتفاءً كبيراً بنشر رسوم توضيحية وبورتريهات وكاريكاتير حيث كانت تستعين برسامين أجانب أول الأمر، مثل الإسباني سانتيس.

تمثال نهضة مصر

          ليس أدل على نضج رجل الشارع المصري واحترامه للفنون واهتمامه بها من حكايته مع تمثال نهضة مصر، حيث يعد هذا التمثال - حسب علمي- العمل الفني الوحيد - عربياً على الأقل - الذي تم تشييده عن طريق الاكتتاب العام، وكان ذلك قبل 58 عاماً تقريباً، حيث عرض محمود مختار (1891 - 1934) نموذجاً لتمثاله في معرض باريس، نال استحسان وإعجاب كل من رآه، لأن عمل مختار «يصل أثره إلى المتعلم والجاهل، إلى الأمي والقارئ، إلى الأمة جميعها».

          صحيح أن الملك فؤاد (1917 - 1936) لم يهتم بالتمثال، بل حث مختار عندما استقبله بعد عودته من فرنسا، على أن يصنع تمثالاً نصفياً له، إلا أن الأمة كلها أصرت إصراراً شديداً على تشييد التمثال الذي يعبّر عن روح الأمة ونهضتها بعد ثورة 1919! وهو ما تحقق فعلاً في يوم الأحد 20/5/1928، رغم  أنف الملك فؤاد  الذي أرجأ الافتتاح أكثر من مرة، لكنه رضخ في النهاية، وأقدم على رفع الستار عن أهم عمل نحتي في تاريخ مصر الحديث.

          ثم كانت القفزة الكبرى التي أعقبت ثورة 1919 إذ تاق المصريون إلى نيل حريتهم واستقلالهم عن الاحتلال الإنجليزي المشئوم، وهكذا توالت الإبداعات وانهمرت في كل المجالات لتلبي أشواق الناس إلى المعرفة والمتعة، بدءاً من المسرح والسينما، إلى اللوحة والتمثال، مروراً بالأدب والفكر والصحافة، في كل مجال كان المبدعون المصريون يجاهدون لإثبات حقهم في حياة أفضل، داعين إلى حرية الفكر والفن والإبداع، وهو ما وجد صدى كبيراً لدى رجل الشارع، الذي رحب ورعى تماثيل سعد زغلول التي انتشرت في العديد من المدن المصرية، ومن دون أن يشهر أحد في وجه هذه التماثيل سلاح التشهير.

          النقلة الكبرى الثانية أعقبت 23 يوليو 1952، إذ منحت الثورة اهتماماً كبيراً للفنون الجميلة، فتم افتتاح قاعات للعرض وأنشئ نظام التفرغ للفنانين والمبدعين، علاوة على الاهتمام بتدريس الفن في المدارس والجامعات التي صارت بالمجان، إلى جانب العمل بنظام اقتناء اللوحات لتشجيع الفنانين، كما حافظت الصحافة على اهتمامها ورعايتها للرسم والكاريكاتير، ولعل إصدار مجلة (صباح الخير) في 12 يناير 1956 يؤكد هذا الاهتمام وتلك الرعاية، فقد اعتمدت المجلة اعتماداً كاملاً تقريباً على مهارات الرسامين وفناني الكاريكاتير، مثل زهدي وصلاح جاهين ورجائي وحجازي وغيرهم، وهو أمر نادر في عالم الصحافة آنذاك.

          كما تم إنشاء كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية عام 1958، لتستوعب الإقبال المتزايد من الطلاب على دراسة الفنون، حسناً.. ماذا حدث إذن؟

          كانت هزيمة 1967 ضربة ساحقة لأحلام شعب آمن بقادته وأفكارهم، فانهارت الروح المعنوية، وفقد الناس شهيتهم نحو الانطلاق والتحرر، حيث انحازوا إلى مصادقة الوحدة ومضغ الهموم، ناقمين على ما كان، فاقدين الثقة في المشروع القومي الذي دعا إليه عبد الناصر والذين معه!

الأفكار المشبوهة

          مع تزايد الغلاء وانسداد الأفق بعد نصر 1973، وانقلاب المفاهيم واختلالها مع عصر السادات، هاجر المصريون جماعات لأول مرة في التاريخ   بحثاً عن الرزق والأمان الاقتصادي.

          ونظرًا لأن الحلم القومي العربي قد اعتراه العطب بعد هزيمة 1967، وتحولات السادات الفجائية في مجال السياسة والاقتصاد حتى الثقافة من ناحية، ولأن شبه الجزيرة تضم الأماكن المقدسة للمسلمين ظهرت أفكار حول ضرورة العودة إلى الماضي بمعناها الضيّق، وأن سبب الهزيمة كان (بعدنا) عن الدين، وعاد المصريون بأموالهم مرة أخرى إلى وادي النيل، بعد سنوات من الغربة، فوجدوا الشعب يلهث من أجل لقمة عيش نظيفة، من دون جدوى، محروماً من مشروع قومي يلتف حوله، متأملاً الثراء الواسع والفاحش الذي يطارد قلة قليلة من أهل البلاد الذين تغوص غالبيتهم العظمى في وحل الفقر والهم.

          ولم يجد العائدون صعوبة كبيرة في الترويج لأفكارهم المتشددة، وثقافتهم المنغلقة في مناخ محروم من التماسك الروحي، والرغبة في المعرفة والانطلاق نحو آفاق العصر الحديث، وهكذا بدأت تتسلل آراء مشبوهة تحرم الفن وتدينه، وقد استجاب لها بكل أسف الكثير من المصريين، ظناً منهم أن هذا هو رأي (الإسلام)!

دور المدرسة الغائب

          لا يغيب عن فطنة القارئ أن المدرسة أصبحت لا تلعب الدور المأمول في تنمية ذائقة التلاميذ تشكيلياً، ورعاية الموهوبين منهم في مجالي الرسم والنحت، فبعد أن كان الرسم مادة أساسية يتم من خلالها تقييم مستويات الطلبة آخر العام، من خلال احتساب درجاتها وإضافتها إلى المجموع الكلي، إذا بهم يعدونه مادة لا تضاف درجاتها إلى المجموع الكلي، فيفقد التلاميذ والمدرسون والموجهون والأهل حماسهم نحوها، بل تصبح حصة الرسم هي الحصة الأكثر مهانة بين الحصص، فيسطو عليها مدرسو الرياضيات أو اللغة الإنجليزية أو الكيمياء!

مسئولية الفنانين والنقاد

          لا يمكن الحديث عن تدهور العلاقة بين رجل الشارع والفنون الجميلة، من دون إعفاء الفنانين التشكيليين والنقاد من المسئولية، فالحركة التشكيلية منذ نحو عقدين من الزمان وهي تتشرنق حول ذاتها، والقليل من الفنانين استطاعوا أن ينفلتوا من أسر التوجه الرسمي للسلطة التشكيلية، تلك السلطة التي دعمت مع الأسف اتجاهات فنية محددة وشجعتها في مقابل إزاحة معظم المدارس والتيارات الفنية الأخرى، الأمر الذي أدى إلى انفراد اتجاه واحد ووحيد بالساحة التي افتقرت إلى الثراء والتنوع اللذين يغذيان الحركة ويطورانها، ويفتحان أمام الجمهور فرصة للتـــفاعل والانفعال! أما النقاد التشكيليون، فقد فشلوا بكل أسف أيضاً، في تفعيل جمعيتهم ووضعها في مكان يليق بها، ولا أعفي نفـسي بوصفي عـضواً في الجمعية المصرية لنـقاد الفـن التشكيلي، تلك الجمعية التي فشلت طوال عـقدين منذ تأسيسها في إصـدار مطبوعة صحفية بصورة منتظمة تواكب عالم الفن وتطوراته بالنقد والتقويم والتقييم.

          صحيح أنها أصدرت مجلتها أخيراً، وهو أمر محمود على كل حال، إلا أن الحركة التشكيلية الضخمة في مصر تحتاج إلى الكثير  والكثير من الإصدارات والمطبوعات.

يا قوم أذني لبعضِ الحيِّ عاشقةٌ والأُذن تعشقُ قبلَ العينِ أحيانا
قالوا بمن لا ترى تهذي فقلتُ لهمُ الأُذن كالعين تُوفي القلبَ ما كانا


بشار بن برد

 

ناصر عراق   





ساهمت المطبعة في انتشار الصحف، مثلما مهدت المطبوعات لدخول الفن في الحياة اليومية





السينما ساهمت في انتشار الفن من خلال ملصقاتها، في الصورة مشهد تحضيري بريشة المخرج السينمائي شادي عبد السلام





التجديد في الفن التشكيلي صاغته مدارس جديدة، نهلت من الغرب والشرق معا، إلى اليمين أعمال جاذبية سري (مصر)، هيلدا الحياري (الاردن) ومحمد الشمري (العراق)





لم يعد فن البورتريه يحتفظ بمنزلته في اللوحة المعاصرة، الصورة لعباس محمود العقاد بريشة صلاح طاهر