سلامة البشرية في سلامة البيئة

سمك القرش... ينبغي
أن نعطف عليه ونحميه

يبدو أن سمك القرش بات مهددا بالانقراض حقا إلا أن التهديد مازال في بدايته ولم يستفحل أمره بعد.. وهو محصور بفصائل من القروش ثلاث: فصيلة ماكو ( Mako ) وفصيلة ثراشر ( thresher ) وفصيلة همرهدز ( Hammarheads ).. ثم إنه محصور أيضا بشواطى ثلاثة.. شواطئ الولايات المتحدة وشواطئ اليابان وشواطئ جنوب إفريقيا.. ولكنه تهديد ذو شأن وخطورة على كل حال. وحسبك أنه استوجب عقد المؤتمر الدولي الأول لحماية سمك القرش.. وقد عقد ذلك المؤتمر في سيدني بأستراليا في شهر مارس من السنة الماضية (1991).

غير أن هذا المؤتمر قد استهدف هدفا آخر غير حماية القروش من الانقراض.. إذ بدا للمؤتمرين، وقد ضموا نخبة كبيرة من علماء البيولوجيا والبيئة وعلماء البحار.. بدا لهم أن الحاجة ملحة لا للعمل من أجل إنقاذ حياة سمك القرش من فناء وشيك فحسب، وإنما من أجل إنقاذ سمعة هذا السمك وأن نستبدل بالصورة المشوهه الزائفة التي يحملها الناس عنه صورة أخرى تكون أقرب إلى الحقيقة والواقع.. فهو في اعتقاد الكثيرين وحش ضار وفتاك.. وهم يؤكدون أنه أشد فتكا من سائر وحوش البحر والبر الأخرى، دون استثناء. وذهب المؤتمرون إلى أن إنقاذ سمعة سمك القرش لا تقل أهمية عن إنقاذ حياته.. ذلك أن جهود الحماية تتطلب تعاون الناس المعنيين، كما لا يخفى.. ثم أن تعاون الناس المعنيين يتطلب أن نستبدل بالصورة المشوهة العالقة بالأذهان عن سمك القرش صورة أخرى سويه..

وليس أدل على إجحاف هذه الصورة المشوهة من الأرقام والإحصاءات التي توافرت في المدة الأخيرة.. إذ تؤكد هذه الإحصاءات أن سمك القرش لا يفتك بأكثر من 25 رجلا في العالم كله وعلى مدى السنة كلها.. وهو يفتك بهم في الغالب بطريق الخطأ.. بحسبانهم من حيوانات البحر التى يستطيب لحمها كالفقمة.. ولو أنت قارنت ضحاياه هذه بضحايا التماسيح مثلا.. لبدا لك سمك القرش حيوانا وديعا ومسالما إلى أبعد الحدود!

وعزا بعض علماء المؤتمر هذه الصورة الزائفة إلى شكل الحيوان المفرع القبيح.. وعزاها البعض الآخر إلى فيلم الفك المفترس.. بيد أن المؤتمر ككل لم يحدد الأسلوب الكفيل بمحو الصورة الزائفة واستبدال الصورة الحقيقية بها.. ولم يقرر أي إجراءات لتحقيق هذا الهدف..

أما الإجراءات التي تستهدف إنقاذ حياة القروش وحمايتها من الانقراض فقد حددها مؤتمر سيدني الدولي بوضوح ودقة.. وجاء ذلك على شقين حصر المؤتمر في الشق الأول 39 فصيلة من القروش وحدد صيد هذه الفصائل بحصص مختلفة للدول المختلفة.. وفرض على الدول المعنية الالتزام بحصصها تحت طائلة العقوبة.

وحظر المؤتمر في الشق الثاني قلع زعانف القروش الظهرية دون قتلها، وإعادة الأسماك إلى الماء حيوانات مشوهة لاهي حية ولا هي ميتة.. ولكنها بحكم الميتة على كل حال.. وكأن الصياد الجاني قد حكم عليها بالموت البطيء المصحوب بالعذاب الأليم.. لا بقصد إلا من أجل بيع تلك الزعانف في الأسواق...

ولعلك تسأل عن أهمية زعانف سمك القرش الظهرية.. وعن مدى رواجها في الأسواق.. ولعلك تعجب لهذه الزعانف التي طالما بعثت الذعر والرعب في نفوس السابحين لدى رؤيتها عن بعد، وهي تمخر سطح البحر وكأنها الصاروخ أو الطوربيد المؤجه إليهم بسرعة مذهلة... فلا يملكون إلا أن يولوا الأدبار وبأقصى سعة... لعلك تعجب أيضا كيف أصبحت هذا الزعانف المحرك والباعث الأول على صيد أسماك القرش صيدا تجاريا واسع النطاق، بلى جائرا ويهدد سمك القرش بالانقراض...

السر في ذلك التحول إنما يكمن في مزايا زعانف القرش الظهرية. فقد اكتشفوا فيها قبل بضع سنين قيمة غذائية تجلت أكثر ما تجلت في إعداد الحساء منها.. وما أسرع ما راج حساء زعانف القرش وشاع لاسيما لدى الطبقة الأرستقراطية في طوكيو وهونج كونج.. وذلك لا لطيب مذاقها فحسب ولكن للقوة التي يمد بها الذكور أيضا.. ولا يخفى أن هذه القوة كانت ومازالت بحكم الضالة المنشودة بالنسبة إلى الرجال جميعا.. لاسيما المسنين منهم.. هل من عجب بعد هذا أن بلغ ثمن الطبق الواحد من هذا الحساء في مطاعم هونج كونج الفخمة 50 دولارا أمريكيا.

بيد أن لحم سمك القرش غير مستطاب كزعانفه.. بل قل إنه غير مستطاب في السمكة التي تكون زعانفها طيبة ومستطابة. والعكس بالعكس.. أضف إلى ذلك أن لحم سمك القرش سريع التلف ويستوجب العناية الفورية التي تضمن عدم تلفه.. وهي عناية باهظة التكاليف.. من هنا درج الصيادون على صيد أسماك القرش لقلع زعانفها ثم إعادتها إلى الماء على نحو ما أسلفنا.

ومهما يكن من أمر فقد بلغ مجموع ما اصطادوه من سمك القرش سنة 1989 (7144) طنا وهو لم يجاوز (500) طن في سنة 1980. وقد بلغت نسبة الهدر من هذا الصيد 89%.. ولم تزد نسبة الاستفادة منه على 11%.

بقي أن نشير إلى الفوائد الأخرى المهمة التي يتيحها سمك القرش لبني الإنسان.. فغضاريفه تصلح جلدا مؤقتا لضحايا الحروق لعميقة.. وقرنية عيون سمك لقرش تناسب للزرع في عيون لإنسان.. أضف إلى ذلك أن لقروش قلما تصاب بالسرطان وكأنها ذات مناعة ضد الأورام الخبيثة.. قد يأتي يوم في المستقبل القريب ستحضرون فيه عقاراً ناجعا للسرطان ومصنوعا من لحم سمك لقرش وزعانفه.