نهاية الفقر

نهاية الفقر
        

يحاول هذا الكتاب بالتجربة العملية، والتحليل المهني الثاقب، والشرح الضافي والكتابة السلسة،  سبر غور الفقر، لظاهرة إنسانية واقتصادية واجتماعية مؤلمة تدفع ثمنها الشعوب النامية، ويُثري - على حسابهم - حكام تلك الدول، ويأخذ بيد هذه الدول ويحاول أن يقيلها من عثرتها وينقلها إلى مصاف الدول المتقدمة.

          يقع هذا الكتاب في 368 صفحة، وثمانية عشر فصلاً، علاوة على إطراء على الكتاب، وإعراب عن شكر للمؤلف، وفاتحة للكتاب، وديباجة وتقديم له. أما الثمانية عشر فصلاً، فهي على التوالي: صورة كونية للأسرة، انتشار الرخاء الاقتصادي، لماذا تنجح بعض الدول اقتصاديًا؟ الاقتصاديات العلاجية، معاناة بوليفيا من التضخم المفرط، عودة بولندا إلى أحضان أوربا، نضال روسيا من أجل العودة إلى أحضان الحالة الطبيعية، الصين واللحاق بالألفية، إصلاحات السوق في الهند وانتصار الأمل على الخوف، الاحتضار الصامت - إفريقيا والمرض، 11 سبتمبر والأمم المتحدة، الحلول الناجعة للقضاء على الفقر، صناعة الاستثمارات للمساهمة في القضاء على الفقر، هل يستطيع المياسير مد يد العون للمساتير؟ الأساطير والرصاصات السحرية، ما الذي يجب أن نفعله؟ والتحديات التي تجابه جيلنا.

          - عمدت الدول المتقدمة إلى وضع هذه الظاهرة الإنسانية، في مرتبة أولى لأجندتها، عند كل مؤتمر قمة عالمي، أو في اجتماعات المنظمات الدولية المتخصصة، ولاسيما بعد أن ارتد السحر على الساحر، وتجشمت الدول المتقدمة الكثير من المتاعب من جرّاء الإرهاب، كنتيجة منطقية للفقر الضارب أطنابه في أكثر من ثلثي دول العالم، البالغ 192 دولة (والتي تشكل مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة).

          أعطى المؤلف وضعًا منهجيًا جامعًا، لاستئصال شأفة الفقر من العالم بحلول عام 2025، عبر تجربة عملية، زار خلالها أكثر من مائة دولة ورأى ما يناهز 90 % من سكان العالم، وقد غطى 12 قطرًا، غاص في أعماقه، وكشف بمجهره صورة مروعة وكئيبة للفقر من مالاوي وموزمبيق وبوتسوانا وإثيوبيا في أعماق إفريقيا، إلى بنجلاديش والهند، ويطير بنا إلى أمريكا الجنوبية حيث نرى صورة أخرى للفقر في بوليفيا وبلاد هدّها العوز من جهة، وزراعة الكوكايين والإتجار فيه من ناحية أخرى (ثاني دولة في العالم بعد بيرو إنتاجًا للخشخاش بمساحة قدرها 114077 فدانًا)، ويعرج بنا إلى بولندا حيث لا يُخفي إعجابه برئيسها ألكسندر كوازموسكي 1990، الذي خرج من إهاب حركة (تضامن)، التي كانت في الأصل ثورة بيضاء لقطع دابر الفقر على يد عامل بسيط في ميناء جدانسك إلى أن تسنم زمام الحكم وأضحى ليخ فاونسا رئيسًا لبولندا، واعتمد خطة اقتصادية في الاستقرار الليبرالية، الخصخصة، شبكة الأمان الاجتماعي والتناسق المؤسساتي، وأيضًا إعجابه برئيس سلوفاكيا جيمز دراموفيسك 1992 - 2000 الذي تبنى سياسات متشابكة الأغصان في دول البلقان، وساهم في ميلاد هذه الدولة واستقلالها في يوليو 1999.

          وبنظرة من عل على أهم فصول الكتاب، ففي الفصل الأول:  يصف كيف تكافح النسوة من أجل البقاء، واكتساب لقمة العيش في أرض قاسية الطبيعة، سواء من أمطار تضن، أو زيارة مباغتة لإعصار النانو، فالمحصلة واحدة، ذبول في الحقول، ضمور في الوجوه، ويتساءل أنه بالكاد يرى رجلا، وعندما جاءه الرد، كان صاعقًا، حيث يتكوّم معظم الرجال في عنابر بالمستشفيات، بعد أن أصبحت الحجرة الواحدة بالمستشفى تحتضن أجسام 054 مريضًا! - والآخرون ممن بقى من الرجال، إما تراه ذاهبًا لتشييع رفيق له كانا بالأمس يأكلان سويًا! هذا إذا قبل المصح استضافته أصلاً. وفي الصورة المعاكسة، يرى النسوة الجدات اللاتي أصبحن قيّمات ووصيات لأحفادهن اليتامى، بعد أن فقدن أمهاتهن نتيجة الإنجاب المفرط أو السل أو الملاريا الذي هد حيلهن، وبين رجال ذهبوا، وأمهات قضين، وجدات أُنْهكن، نجد الأطفال لا يملكون من أنفسهم شيئًا بعد أن أطاحت بهم الملاريا، وبات العثور على دواء (الكينين) معجزة، وجاء أحسن تعبير لوصف هذا البلد من نائب الرئيس الملاوي جوستن مالويزي: بلدنا هش القوام يعاني من الإملاق المدقع، ودخل كل فرد خمسون سنتًا في اليوم، أو ما يناهز 180 دولارًا لكل فرد سنويًا، واختير رئيسًا للجنة الوطنية لمكافحة الإيدز بعد أن فقد - هو نفسه - عدة أفراد من عائلته، ووصف كارول بيلامي بهيئة اليونيسيف أن محنة مالاوي هي «عاصفة مروعة».

          ولم تبتعد بنجلادش كثيرًا عن مالاوي، إلا أنه وللإنصاف، ذكر أن هذه الدولة، التي خرجت إلى الوجود عام 1971 بعد حربها مع باكستان، فقد وصلت بارتفاع مدة العمر المحتملة من 44 عامًا إلى 62، ونسبة الوفاة للأطفال في الألف 145 هبطت عام 2002 إلى 48، ويتكلم المؤلف عن معاناة النسوة اللاتي يجبرن على الزواج وهن صغيرات.ويمضي المؤلف بالإجابة عن السؤال الأبدي والذي أحار البريّة إجابة؟ لماذا تنجح بعض الدول اقتصاديًا، فوضع إصبعه على بعض الأمور مثل الادخار الذي يؤدي اقتصاديًا إلى تراكم رأس المال، ومن ثم إلى رفع معدل الانتاجية، التجارة، التكنولوجيا وطرائف استخداماتها في كل المناحي، زيادة مصادر الطفرات الاقتصادية والحد من النمو السكاني.

          يمضي المؤلف بإعطاء وصفة، قد لا تكون سحرية، ولكنه أمسك بالمبضع كالجرّاح النطاسي، للخروج من هذا النفق المظلم: القضاء على ظاهرة التضخم المفرط، إدخال عملات وطنية مستقرة، شطب الديون أو إلغائها، التحول إلى اقتصاديات السوق، تحديث البنية الأساسية (طرق / كهرباء / موانئ، تعزيز رأس المال البشري المتمثل في الصحة، التعليم، تشجيع الإدخار، كبح جماح العولمة، ووضعها في إطارها الصحيح، تشجيع الصادرات والتقليل من الواردات.

          ولا ينسى تأثير أمراض الإسهال، الملاريا، تفشي الإيدز HIV  ويعطي أمثلة بسيطة، ولا يخفي المؤلف بتواضعه أنه ليس بعالم في الأمراض والصحة العامة، لهذا سأل عن كنه هذه الأمراض، وكيفية تفشيها في دول بعينها، والعلاقة بين الفقر وهذه الأمراض، حيث يسقط صرعى الملاريا سنويا من الأطفال ثلاثة ملايين يعيش 90 % منهم في إفريقيا، حتى أن رئيس نيجيريا Obasanjo Olusegum عقد مؤتمرًا للملاريا في أبوجا في أبريل عام 2000 استقطب فيه لفيفًا من زملاء المؤلف، ونخبة من أساتذة جامعة هارفارد.

          وختامًا، لم ينس المؤلف أن يطوق الكثير من جيد بعض من ساعدوه في إخراج الكتاب بصورته النهائية، بالعرفان والثناء من أجل النضال للمساواة والعدالة على سطح هذا الكوكب وعلى سبيل المثال Jamie Drummond & Lucy Matthews ، وهما كالأنجم الزهر في سماء المجتمع المدني العالمي، وكذا رواد الصحة العامة، والمشرفين على مشروع الألفية المنبثق من الأمم المتحدة، الذين حملوا على عاتقهم مهمة تحديات التنمية المستدامة.

          وخلاصة القول ما قالته مجلة The Economist، وهي من أشهر المجلات الاقتصادية العالمية احترامًا ورصانة «كل من المؤلِّف والمؤلَّف غاية في التألق، والمؤلف كتب بحماسة متقدة، مستبشرًا لآفاق المستقبل وبتأن بارز».

 

جوفيري د. ساش