الأمراض النفسجسمية عادل صادق

صلة وثيقة بين الجسم والنفس، تتجلى في حالتي الصحة والمرض.

والأمراض النفسجسمية ملمح لهذه العلاقة. وهذا المقال يوجز آلية حدوثها، وأظهر ملامحها.

هو طريق كتب على الإنسان أن يمضي فيه. وعند نقطة معينة من الطريق ينتهي دوره هو، بينما تكمل مجاميع البشر المضي. والنهاية عادة ما يكون لها سبب. من مرض أو شيخوخة، حادث. والمرض إنذار وتهديد.. وأعراضه ألم وعجز أو كلاهما. ولكل مرض سبب، وواجب الأطباء البحث عن أسباب المرض. وإذا عرف السبب أمكن التوصل للعلاج.

الأسباب بين المعلوم والمجهول

وحتى الآن هناك أمراض لا نعرف أسبابها ولذلك لا علاج لها.. أي لا علاج لاقتلاع جذورها والقضاء عليها، ولكن توجد علاجات للتخفيف من حدة أعراضها، أي علاج الأعراض وليس الأسباب. وأسباب الأمراض بشكل عام تنحصر في الآتي:

العدوى بالبكتيريا الضارة أو الفيروسات.. إصابات تنجم عن حوادث تسبب كسورا أو تهتكا في العضلات والأوعية الدموية - سموم - نقص في العناصر الرئيسية كالفيتامينات والأملاح - ثم هناك الأمراض الوراثية وأيضا الأمراض الخلقية - وأمراض نقص المناعة.

هذا يعني أن هناك عوامل أو أسبابا عضوية تؤدي بشكل مباشر لحدوث المرض وظهور أعراضه.

حار العلماء في مجموعة من الأمراض لا يوجد لها سبب مادي مباشر ولكنها ارتبطت بتعرض الإنسان لأزمة نفسية حادة أو لمتاعب نفسية مزمنة. كيف؟!

الانفعالي يحرك العضوي

كيف يسبب الانفعال الحاد أو الانفعال المستمر تهتكا في جدار الأمعاء أو المعدة أو زيادة في هورمون الغدة الدرقية أو عجزا في إفراز الأنسولين من البنكرياس أو تمددا في شرايين الجبهة مع حدوث صداع نصفي مؤلم أو..أو.. إلى آخر قائمة طويلة من الأمراض تعرف باسم الأمراض النفسجسمية.

لنجيب عن ذلك يجب أن نتعرف على مكان مهم في المخ يعرف باسم "المهاد التحتاني" أو "الهيبوثلاموس". إنه مركز الانفعال أو هو متصل بدائرة تشريحية فسيولوجية مهمة في المخ تسمى الجهاز الطرفي وهذا الجهاز هو في الحقيقة يمثل النفس.

فالنفس ممثلة في هذا الجهاز، أو الجهاز يكون محتويات النفس من تفكير وإدراك وانفعال وسلوك.. "والهيبوثلاموس" هو جهاز استقبال وإرسال. يستقبل الشحنات الانفعالية من النفس (من الجهاز الطرفي) ثم يرسلها إلى أجهزة الجسم المختلفة لتعبر عنها (كل بطريقتها)

وعملية الإرسال هذه تتم من خلال أساس الجهاز العصبي اللا إرادي بفرعيه: السيمبثاوي والجار سيمبثاوي.. فالانفعال هو شعور داخلي (فرح - حزن - غضب - ألم) وأيضا يتم التعبير عنه من خلال حركات غاضبة للمعدة والأمعاء والشرايين والهورمونات وأجهزة المناعة..

ولكل إنسان درجة أو نقطة احتمال فوقها أو بعدها يحدث شرخ في العضو الذي تحمل العبء الأكبر في التعبير عن الانفعال، وكأنه صمام الأمان الذي يجب أن ينفتح حتى لا ينفجر الإنسان كله. إنه الشرخ الذي يسمح بتسريب الغضب أو الحزن فتتخفف النفس من أحمالها وصراعاتها ويتخفف الجسم من أثقاله التي حققها له الهيبوثلاموس، فيئن الإنسان من مفاصله المنتفخة أو من جلده الملتهب أو من أمعائه المجروحة بينما هو في الحقيقة يئن من نفسه المكظومة الحزينة، وكأن الجسم يردد صدى النفس.

الكوارث المفاجئة غير المتوقعة والتي لم يتهيأ الإنسان لمواجهتها تسبب زيادة مفاجئة في هورمون الغدة الدرقية أو نقصا مفاجئا في الأنسولين أو التهابا حادا في كل الجلد، ومعروف أن تسمم الغدة الدرقية والسكر من الأمراض التي قد تأتي بشكل مفاجئ.

والهموم المزمنة والمشاكل التي ليس لها حل والضغوط التي تثقل كاهل الإنسان والصراعات التي لا مهرب منها، كل ذلك يؤدي إلى قرحة المعدة والإثنى عشر والصداع النصفي وارتفاع ضغط الدم واضطرابات الدورة الشهرية.

التكوين الخاص

س: ولكن لماذا يصاب إنسان بهذه النوعية من الأمراض ولا يصاب إنسان آخر بالرغم من أن كليهما قد تعرض أو يتعرض للمتاعب النفسية نفسها؟

ج: إنه الاستعداد أو التكوين الخاص. هناك إنسان مهيأ للإصابة بالمرض العضوي نتيجة للضغط النفسي.

س: ولماذا عضو معين بالذات، لماذا يصاب إنسان في قلبه وآخر في مفاصله وثالث في أمعائه؟

ج: هناك عضو ضعيف في كل منا، عضو يتأثر أكثر، عضو تجد النفس فيه متنفسها فترسل همومها عليه لكي يحملها هو عنها ويعاني ويتكسر.

ونسمع عن إنسان أصيب بجلطة في شرايين القلب أو المخ بعد تعرضه لأزمة نفسية، ولم يكن معروفا لدى الأطباء مدى التأثير الفسيولوجي للصدمات النفسية، ولكن توصل العلماء حديثا إلى أن الاضطرابات النفسية تؤدي إلى زيادة إفراز "الأدرينالين والنور أدرينالين" من الغدة فوق الكلوية، وهذه المواد تزيد من سرعة تجلط الدم نتيجة لتأثيرها المباشر على الصفائح الدموية التي تتلاصق مع بعضها البعض وتسبب الجلطة.

والإنسان في مواقف الانفعال والغضب يرتفع لديه ضغط الدم ويرتفع معدل النبض ويعود إلى حالته الطبيعية إذا ما هدأ انفعاله، ولكن مع استمرار الانفعال ومع استمرار القلق فإن تغيرا يحدث في الأوعية الدموية مما يؤدي إلى ارتفاع دائم في ضغط الدم.

من الأمعاء إلى الجلد

.. والانفعال يزيد من حركة المعدة والأمعاء، ويزيد من إفراز حامض الهيدروكلوريك، وهذا له تأثير ضار على جدار المعدة والأمعاء، ويصبح سببا مباشرا لقرحة المعدة وقرحة الإثنى عشر.

ومن أكثر أنواع الصداع انتشارا الصداع النصفي، ومعروف أن هذا النوع من الصداع يصيب نوعية معينة من الناس الذين يتسمون بالقلق والتوتر والاجتهاد والوسوسة والضمير المتيقظ والطموح والفناء في العمل، ولهذا فهم معرضون أكثر من غيرهم للتوتر والقلق والانفعال، وهذا يؤدي إلى اضطراب في تمدد الشرايين الذي هو السبب المباشر في الصداع النصفي. ويلاحظ أن هؤلاء الناس يتعرضون لنوبات الصداع حينما يتعرضون لأزمات نفسية أو مواقف تستدعي التحفز والقلق.

وأطباء الأمراض الجلدية يعرفون أن أمراضا مثل البهاق والصدفية وسقوط الشعر والارتكاريا تظهر مباشرة بعد صدمة نفسية، وأن أعراضها تزيد أو تنقص على حسب الحالة النفسية للمريض.

واضطرابات الدورة الشهرية والمعاناة الجنسية عند المرأة لها اتصال مباشر بالحياة الانفعالية لها.. وكذلك الأمر عند الرجل فيما يتعلق بقدراته الجنسية.

وهذا يقودنا إلى الآتي:

إن الطبيب العضوي يجب أن يكون مدركا لأهمية العوامل النفسية كأسباب لبعض الأمراض العضوية.

إن العلاج العضوي لا يكفي فقط في مثل هذه الحالات.. بل لا بد أن يواكبه العلاج النفسي.

إنه ليس فقط العقل السليم في الجسم السليم، وإنما أيضا "الجسم السليم في العقل السليم".