إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي
        

خرافات متبادلة

          من الصعب أن تكون عربيًا في الغرب هذه الأيام، والأصعب أن تكون مسلمًا، فسكّان الجزء العلوي من هذا العالم لا يكادون يفرقون بين الانتماءين، وإن كان العربي غير مسلم. أن تأتي إلى الغرب، يعني أنك تأتي من العالم الأقل قيمة واستقرارًا وغنى إلى الأكثر تفوقًا. من «الفوضى وغياب الحقوق العامة، ومن أغطية الرأس الغرائبية حجابًا وأشمغة، من الصحراء والرمال التي تتهادى فوقها الجمال، من عالم تعدد الزوجات والأبناء الذين لا يحصون، ومن عالم الخفاض الفرعوني للنساء، والرقص الشرقي، والاحتفاء الشديد بالجسد»، إلخ. الشرق كمشهد بعيد متخيل بحسب التفاصيل السابقة، يبدو غرائبيًا، غذت تفاصيله على مدى السنين الطوال ترجمات حكايات شهرزاد، ورسومات المستشرقين، إضافة إلى وثائق الحروب الصليبية الأخرى. لكن الإضافات «الطازجة» لصورة العربي أو المسلم، لا تبدو بهذه الإثارة حاليًا بعد أن أضيف إليها عامل جديد وقبيح، وهو أن هؤلاء البشر ينتمون في الأساس إلى مجتمعات تنتج الإرهاب والتطرف. ومصدر الخرافة الجديدة هذه المرة مختلف، إنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك والسابع من يوليو في لندن. ما عاد المصدر «نقلاً عن» بل إنه رؤية العين المباشرة من صور بثتها أقنية التلفزيونات ونشرتها الصحف، ومن شهود عيان كانوا ضحايا أو أقرباء لضحايا أو كانوا هناك لحظتها، على تماس مع العمليات الإرهابية.

          غابت الصورة الغرائبية إذن، المثيرة في تداعياتها عن عالم الشرق وأهله لتحل محلها صورة عنيفة شديدة القسوة. وفي الحالتين يكون أهل الشرق ضحايا لخرافات ينقصها الكثير من الحقيقة.

          كم من الوقت نحتاج عربًا ومسلمين، لنصحح الصورة النمطية عنّا ونقنع الآخر بنقيضها، و«نقنع أنفسنا أيضًا»؟ بعد أن أصبحنا جالية يشكل أفرادها مشروع شخص إرهابي، أو مشروع عائلة تحتضن ابنا إرهابيًا.

          في الغرب لا تتقوقع الأقليات فقط في الغيتو الخاص بها بل وحتى أهل المجتمعات الأصلية، وتستمر الخرافات المتبادلة بينهما في التوالد بعيدًا عن الواقع. لكن يجب أن ننتبه إلى أننا لسنا فقط «ضحايا» فقد ساهمنا في تشكيل الحالة بقصد أو من دونه. هناك حالة عصاب وخوف من الآخر تجعل المقيم في هذه الدول مستنفرًا أمام أي تفصيل صغير يخصه، فتثار الضجة حول أمور صغيرة ليست أساسية لا في الدين ولا في الثقافة ولا تخدم مصلحة الجاليات، مثل الإصرار على ارتداء الجلباب والبرقع في المدارس، رغم أن المدارس البريطانية لا تعترض على الحجاب الشرعي. علينا أن نفهم أن الإخفاء والحجب مناقض للعلنية في الثقافة الغربية، تخيفانه وتثيران قلقه، خصوصًا في هذه الظروف، فيسحب أي إخفاء بمعناه المادي على الأفكار والنوايا أيضًا.

          إلا أنه وفي مقابل الخرافات الغربية نحو الشرق، هناك خرافات شرقية نحو الغرب، من ذلك أن النساء رخيصات متاحات لمن يريد، وأن الغرب كله يؤيد الحروب ويريد تدمير العرب والمسلمين، بينما هم في غالبيتهم يمقتون الحروب ويقفون ضدها. ولنعترف أن هذه الصورة النمطية للغربي سببها صعوبة فهم ابن الشرق أو ابن الجنوب لآليات عمل المؤسسات في المجتمعات الغربية، فهو يعيش في مجتمع لا يكاد يعرف فيه دولة المؤسسات ولا التعددية وتتحكم بمصيره في الغالب مؤسسة واحدة.

          هل هو تصادم الحضارات بين الشرق والغرب كما يتردد حاليًا، أو هو سوء الفهم للثقافة المقابلة المغايرة بدرجة كبيرة وغياب الرغبة في استيعاب العقلية التي تقوم عليها؟ هل إن «الغرب غرب والشرق شرق» كما قال الشاعر البريطاني كبلينغ في القرن التاسع عشر، «ولن يلتقيا».. هكذا وللأبد؟.

 

غالية قباني