منمنمات تاريخية سليمان مظهر

منمنمات تاريخية

نمرة .. على جناحي حمامة ..!

انسابت سيول طاغية ذات يوم على منابع نهر الفرات في جبال أرمينيا، ففاض النهر، وتدفقت مياهه، وخرجت الأسماك تستلقي وتتمدد على أديم الأرض.

وبين تلك الأسماك، كانت هناك سمكتان كبيرتان شهدتا بيضة كبيرة طافية على وجه الماء، فسبحتا إليها، ودفعتاها أمامهما إلى الضفة .. وإذا بحمامة بيضاء تهبط من السماء وتحتضن البيضة بعيدا عن مجرى النهر.

واستمرت الحمامة تحتضن البيضة حتى فقست. ومن داخل البيضة خرجت طفلة رائعة الجمال من حولها أسراب من الحمام ترف بعضها عليها بأجنحتها لترد عنها حر النهار وبرد الليل.

ومع مر الشهور والسنين تحولت الحمائم إلى الأمكنة التي يضع فيها الرعاة ما يصنعون من جبن، فتأخذ منه بمقدار ما تسع مناقيرها، لتقدمه للطفلة التي عاشت مع حمائمها سعيدة لا تعرف أبدا طعم الشقاء.

وكان الرعاة إذا عادوا في المساء يرون جبنهم منقورا فيدهشون. ولما ازداد ذلك الأمر وتتابع، قرروا أن يتركوا واحدا منهم يراقب المكان وهم غائبون. وشهد الراعي الحمائم وهي تحط حول الجبن وتلتقط قطعه الصغيرة فتحملها بمناقيرها إلى مكان تطير إليه. وأخبر الرقيب رفاقه فتتبعوا الحمائم حتى وصلوا إلى حيث صبية ذات جمال رائع. فأخذوها إلى خيامهم، واتفقوا على أن يحملوها معهم حيث يبيعونها في سوق "نينوى" العظيم.

وحمل الرعاة الصبية الحسناء إلى نينوى. وكانوا قد سموها سميراميس .. وهي تعني الحمامة البيضاء.

واتفق أن كان يوم وصولهم إلى المدينة يوم موسم الزواج الذي يقام كل عام، حيث تجتمع في السوق الكبير جموع الشبان والشابات قادمة من كل نواحي المملكة، لينتقي كل شاب عروسا شابة، أو ينتقي صبية يحملها إلى داره فيربيها إلى أن تبلغ سن الزواج .. فيتزوجها .. أو يقدمها عروسا لأحد بنيه..!

وكانت الساحة غاصة بالشيوخ والكهول والشبان، ودخل الرعاة بالصبية الصغيرة الحسناء إلى حيث يعرضونها للبيع. وبينما هم يضعونها في أول الصف، إذ شاهدهم "سيما" ناظر مرابط خيول الملك. وكان "سيما" عقيما لا ولد له. فهفا قلبه إلى سميراميس، ورغب في تبنيها.

ودعا "سيما" الرعاة وساومهم على ثمنها. وعندما تمت الصفقة حملها إلى منزله، فما أن رأت زوجته هذه الصبية ذات الجمال الرائع حتى فرحت بها فرحا غامرا، واعتنت بها المرأة عنايتها بابنتها .. وظلت ترعاها حتى كبرت واستدارت .. وبرزت أنوثتها كأجمل ما تكون النساء.!

الوزير .. البداية

وذات ربيع، جاء مينوتس - قائد الملك ووزيره - إلى مرابط الخيل يتفقدها. وشهد الوزير "سميراميس" الحسناء فراعه جمالها وبهاؤها، وسحرته عيناها اللتان يشع منهما النور .. ورنت إليه "سميراميس" بفتور يحمل الدعوة. فوقف الوزير في مكانه حائرا مبهورا .. حتى انتبه إلى نفسه آخر الأمر فدعا الفتاة وسار بها إلى حديقة القصر يتحدث إليها وتتحدث إليه.

ونادى الوزير على سيما، ولكن ناظر المرابط لم يستطع أن يكذب كما بدا له أن يفعل أول الأمر .. واضطر أن يقص قصتها كاملة على الوزير .. منذ وجدها الرعاة تحت رعاية الحمائم في البيداء .. حتى أخذها ابنة له .. لا يطيق فراقا لها أبدا ..!

وأحس الوزير من طريقة الرجل في الحديث أنه لا يمانع في تركها مقابل مبلغ كبير .. فأخرج "صرة" من المال قذف بها إليه .. ثم انطلق بالفتاة في الطريق إلى العاصمة.

وكان قلب الرجل قد شغف بالفتاة حبا. وعندما بلغا القصر كان أول ما فعله أن سلمها للمزينات والماشطات. وأخرج لها من خزائنه حليا لا يوجد مثلها إلا في كنوز الملك. وأخذتها نساء القصر إلى الحمام وغسلن بدنها بالماء المعطر، ومشطن شعرها الأسود الطويل وأسدلنه على كتفيها خصلا معقودة بالجواهر .. ثم ألبسنها الأرجوان الفينيقي الموشى بالذهب، وأخرجنها للوزير كأجمل وأروع ما عرفت نينوى من عرائس.

واحتفل "مينوتس" بزواجه احتفالا لم يقمه أحد من قبل. وكان لا بد أن يصبح لسميراميس المقام الأول بين محظيات الوزير ونسائه .. حتى لقد كان يلازمها ملازمة الظل ولا يطيق عنها فراقا لحظة. وكأي امرأة استطاعت سميراميس أن تغذي ذلك الشوق والحب وتستغلهما لتتحكم في الرجل الذي شغف بها حبا، فخضع لرغباتها، واحترم أفكارها، وصار يأخذ بآرائها في كل ما يلم به من أحداث ومهام.

ومرت الأيام. وسميراميس كل شيء في حياة الوزير وكل شيء أيضا في حياة الجماهير. غير أن شيئا أكثر من جمالها كان سببا في تعلق الشعب والوزير بالعروس الإلهية، هو ذلك النصر الذي استطاعت أن تقدمه للمملكة كلها .. عندما عرفت كيف تسقط أضخم حصن من حصون الأعداء.

كان ذلك يوما خالدا في تاريخ البلاد. وكان الملك "مينوس" قد انتهى من تشييد عاصمة ملكه، وراح يبحث عن السبيل إلى أمجاد جديدة يحققها لنفسه ومملكته الواسعة الأطراف. فما مضت أيام حتى كان قد استقر رأيه مع وزيره وقائد جيشه "مينوتس" على تجنيد جيش ضخم، يقتحم به ممالك أخرى مجاورة. ثم لم تمض أيام أخرى حتى شهدت نينوى خروج جيش كبير يخترق شوارعها ويبتعد عنها ليجاوز حدود البلاد نحو الشرق.

كان الجيش ضخما بالغ القوة لا قبل لأحد به على الإطلاق. فلم يكن عجيبا ألا تثبت أمامه بلدة أو جيش. إلا أن الذي أثار "نينوى" وأغضب ملكها، هو أن ذلك الجيش الضخم، وعلى رأسه القائد، والملك نفسه، عجز عن اقتحام عاصمة الأعداء "بكتريا" لأيام طويلة ظلت الهجمات تتكسر خلالها على الأسوار المحيطة بالقلعة الشامخة.

وعجب الملك ووزيره أن يقف الجيش دون العاصمة لا يستطيع لها اقتحاما. ومع ذلك فقد أبى الملك إلا أن يستمر على حصارها ولو أودى ذلك بالجيش كله، ولما طالت غيبة الوزير على زوجته سميراميس، أرسل إليها يستدعيها لتوافيه في ميدان القتال.

وحضرت سميراميس. ولم يعرفها رجال الجيش إلا بعد أن تأملوها طويلا. وعرفوا جمالها الأخاذ الوضيء .. فقد كانت ترتدي ملابس الرجال على غير ما كانوا يعهدون.!

مخالب الحمامة

وطلع صباح .. ووقفت سميراميس على باب الخيمة تتأمل العاصمة الرائعة التي أنهكت الجيش الذي لم يهزم أبدا. ولاحظت "سميراميس" أن الهجوم كان موجها إلى قسم المدينة القائم في السهل، لا ضد قلعتها مما جعل البكاترة يحرسون حصونها بقليل من اليقظة، وخطرت لها فكرة .. ألا يمكن أن تنهار مقاومة الأعداء لو هوجمت تلك القلعة الشامخة مباشرة، وهل يمكن أن تقوم هي نفسها بهذا الهجوم؟!

وانطلقت "سميراميس "إلى الخيمة فأيقظت زوجها. ولم تمض لحظات حتى عرفت كيف تقنعه بخطتها التي رسمتها من خلال تأملها القصير لجوانب القلعة..!

وانتفضت القلعة بعد ساعة من بزوغ الشمس على هجوم عنيف، تشنه عليها فرقة قوية من الجنود اختارتهم "سميراميس" بنفسها وتقدمتهم إلى اقتحام القلعة الشامخة.

وانقضت ساعة وبعض الساعة .. وانتبه الملك، والوزير مينوتس، والجيش جميعا .. فإذا "سميراميس" واقفة على قمة القلعة تلوح بذراعيها أن تقدموا..!

وعرف الكل أنه النصر .. وأدركوا أن المرأة التي قادت بضعة رجال قد اقتحمت القلعة التي انهارت .. وأن العاصمة قد باتت بين أيديهم.

والتفت الملك إلى قائده مينوتس يسأله:

- من تكون هذه المرأة يامينوتس..!

وشعر مينوتس بدنو الكارثة .. وأدرك أن سميراميس قد راقت في عيني الملك، فسكت على رعب كأنه لم يسمع. وكرر الملك السؤال ولم يجد القائد بدا من أن يجيب:
- إنها زوجتي يا مولاي..!

وعاد الملك إلى العاصمة .. ودخل قصره .. وتفرق الجند والناس. وأرسل الملك إلى قائده يأمره بدعوة "سميراميس" إليه. ولم يستطع الوزير إلا أن يحني هامته. أما سميراميس .. فقد وجدتها فرصة للوصول إلى المجد الذي طالما حلمت به .. وحملت نفسها على محفة يرفعها أربعة من العبيد السود، وتصاحبها فيها وصيفتان جميلتان .. هذه راكعة وراءها تروح لها، وتلك ساجدة أمامها تلبي الرغبات ..

وجاء دور الملك

وعندما دخلت على الملك .. ووقعت عليها عيناه في اتكاءتها والتفاتها وزينتها وتألق طلعتها .. انهار قلبه في هوى عربيد .. زادت هي من لهيبه بنظرات كلها دل وفتور .. لم يدع له مجال الاختيار.

وعندما صارا وحدهما .. اتفق معها الملك علي أن تترك زوجها .. لتكون له وحده. وعادت "سميراميس" إلى قصر زوجها وفي أثرها رسول الملك يقول لمينوتس:

- إن سميراميس قد راقت في عيني الملك، فهو يريد أن يراها في قصره بين محظياته ونسائه، فإذا كنت في حاجة إلى زوجة تحل مكانها فليس لدى الملك ما يمنعه من أن يسمح لك بالزواج من ابنته بدلا من سميراميس.!

وصعق الوزير لرسالة الملك ورغبته التي لا يمكن أن ترد، ولبث أمدا لا يدري ما يفعل. واستدعى "سميراميس" زوجته يسألها كيف يتخلص من رغبة الملك .. فإذا بها تشير عليه بتلبيتها .. على أن تسعى هي خلال إقامتها في البلاط .. بما أوتيت من فطنة ودهاء .. لعلها تقنع الملك بإعادتها إليه ..!

ونزل القائد عند إشارة سميراميس .. وكله حزن ويأس .. ولكنه ما كاد يبصرها خارجة من القصر في محفتها .. حتى اسودت الدنيا كلها في عينيه .. وانطلق إلى شجرة قائمة في أقصى المدينة.

ومن غصن قوي من أغصان الشجرة العجوز .. تدلت جثة الوزير .. الذي حكم على نفسه بالإعدام ..

عرفت "سميراميس" كيف تجعل الملك يكتفي بها هي وحدها .. ويطرد محظيات القصر ونساءه كلهن .. كأن الدنيا لم يعد فيها غير سميراميس.

ورفعها الملك من محظية إلى ملكة.

وولدت له الملكة ولدا سماه ميناس..

عرفت "سميراميس" كيف تجعل من نفسها كل شيء في قصر الملك .. وعرفت كيف تجعله لا يطيق فراقها لحظة .. حتى ولو كان خروجا لحرب .. أو لإخماد ثورة فحسب.

غير أن خروجها معه في كل غزواته ملأها كراهة له واحتقارا. فقد كان يستعمل في حروبه أبشع وأقسى أنواع التنكيل والإرهاب، تماما ككل من سبقوه من ملوك بابل وآشور .. فكيف تطيق هي التي رعتها حمامات السلام في البيداء مشاهد الدم المسفوك هنا وهناك .. وفي كل مكان..!

وكان آخر ما شهدته من حروب الملك، عندما خرج إلى بلاد الطورانيين الثائرين عليه .. فعندما ظفر بأعدائه وفتحت له أبواب مدينتهم، قام بسلخ جلود كل الشبان وهم أحياء .. وعلق الجلود على جدران بناها أمام أبواب المدينة الثائرة. ولم يكتف الملك الوحش بكل ذلك.. فقد أمر بقطع رءوس الثوار .. ونظمها في حبل على شكل عقد، وحكم على من بقي حيا بأن يأكلوا لحوم أبنائهم وبناتهم، أما من أبى فقد أمر بقطع أنفه وأذنيه وشفتيه .. ثم سيق مع الآخرين إلى العاصمة .. ليدخل بهم دخول الغزاة المنتصرين..!

ولم تطق "سميراميس" كل تلك الفظائع .. وكرهت الرجل الذي عرفت فيه أقسى من وجد على ظهر الأرض. ودفعتها تلك الكراهة - جنبا إلى جنب مع حب الطموح والسيطرة - إلى أن تسعى للتخلص من هذا الزوج .. بأي طريق..!

وكانت "سميراميس" تعرف الطريق جيدا. فقد عرفت من قبل كيف تتمنع على الملك لتغريه .. وكيف تقصيه عنها لتشعل في قلبه نار الشوق .. فإذا ما تضاءل أمامها وتحطمت منه الأعصاب .. كان هذا هو الوقت الذي تطلب فيه ما تريد .. وسرعان ما يلبي ويجيب!

ملكة لثلاثة أيام

وكان مساء .. وبينما الملك يجلس في مقصورتها وكله شوق، أخذ يحدثها بأن الوقت قد حان لتطلب ما تريد .. وكان طلبها هو أن يسلمها سلطته كلها لأيام ثلاثة .. تجلس فيها وحدها على العرش .. ويكون لها أثناءها أن تأمر فتطاع .. ولو كان الأمر صادرا إليه هو نفسه..!

وابتسم الملك .. ثم ضحك .. ثم كاد يستلقي لطول ما ضحك.. ثم قال لها:

- لك ما تريدين..!

وجلست "سميراميس" على عرش نينوى .. تأمر وتنهى وتحكم..

وطلع صباح اليوم التالي من الأيام الثلاثة التي منحها لها الملك.. فكان أول أمر أصدرته سميراميس للجنود أن يقبضوا على الملك..!

وأطاع الجنود .. واقتيد مينوس إلى السجن أمام عينيها. وعندما راح الملك يستعطفها في ذلة وخضوع .. ابتسمت له ساخرة .. ثم انطلق من بين شفتيها أمر جديد إلى الجنود. بأن يذبحوه..!

وأثبتت سميراميس أنها لم تعد بعد ابنة الحمائم. وأنها قد أصبحت - في بابل وآشور - أكثر قسوة من كل طغاة بابل وآشور ..!

وعلم الشعب بما صنعته الملكة .. فهاج.. وتكالبت الجماهير زاحفة إلى القصر تهتف بالثأر وتطالب برأس الملكة.

وتلقت سميراميس نبأ الثورة وهي في الحمام .. فلم تذعر .. ولم تأخذها رعدة. بل خرجت من الحمام نصف عارية .. في شعر منفوش .. وغدائر تنسدل على كتفيها كريش الطاووس .. وأطلت من شرفة القصر..!

وتحول الصخب فجأة إلى همس خافت، وصمت الضجيج ثم أخذ يتحول بعد ذلك إلى عبادة وصلاة للملكة القاتلة. وسجد الجميع. ثم تفرقوا. وقد أصبحت الملكة في مقام الآلهة.

ومنذ ذلك اليوم. جلست سميراميس وحدها على عرش آشور، تحكم دولة مترامية الأطراف. وتقود الشعب كل يوم إلى مجد جديد.

واستمرت سميراميس تحكم وحدها عشرين عاما.

ولم يعد ينقصها بعد كل الأمجاد التي صنعتها للشعب إلا أن تتحول إلى الفتوح، وتحطم كبرياء كل الثوار. وصنعت سميراميس جيشا لم تر آشور جيشا مثله قط، زحفت به لتخضع آسيا وميديا وفارس وأرمينيا وفينيقيا .. ولم يعد هناك من بلد يقف في وجهها إلا الهند .. ذلك البلد المسحور الذي تحدثت عنه القرون الأولى.

وإذن فإلى الهند.

وخرجت سميراميس على رأس جيشها الجرار. فما وقف أمامها عدو. وما صمد دونها بلد .. حتى بلغت أطراف الهند وقد أنهكها طول السفر.

وكانت سميراميس قد استعدت قبل ذلك بسنتين لملاقاة جيش ملك الهند. وكان الهنود مشهورين بقدرة أفيالهم التي تستخدم في الحرب فلا تقهر. فسعت هي إلى التغلب على هذه العقبة بحيلة حربية .. وأمرت بتغطية مائة ألف جمل بجلود الثيران السوداء لتقلد بها الفيلة .. وصنعت ألفي مركب لتشق بها نهر السند .. وحملها الجيش على ظهور الجمال.

وبدأت الحرب وجهاً لوجه. وكانت سميراميس قد أنزلت أفيالها الزائفة في المعركة .. فكسبت أولى الجولات .. وأسرت مائة ألف هندي .. وأغرقت ألف مركب من مراكب الأعداء في نهر السند.

وتظاهر الملك الهندي بالتراجع والهرب .. ومن ورائه انطلق جيش سميراميس بغير نظام يبغي الغنيمة. وكانت هناك قنطرة كبيرة على النهر اضطرت سميراميس أن تنزل جيشها على جانبها .. وتوقفت المعركة.

وفي اليوم التالي عاد القتال .. وانطلقت الفيلة الزائفة براكبيها تطارد جيش الهند المتقهقر .. ولكن الهنود الذين اكتشفوا الزيف عندما عثروا على جثث "الفيلة" الميتة. عادوا يكرون على جيش سميراميس بأفيالهم الحقيقية التي تمرست بالحروب وخبرتها.

وانهار جيش "سميراميس" وفر الرجال والجمال في اضطراب لم يكن بعده سوى الهزيمة. أما هي .. فقد أصابها سهم من يد الملك الهندي، جعلها تسرع مع فلول جيشها المقهور إلى عبور نهر السند مرتدة إلى بلادها .. ولم يتبعها الملك الهندي بجيوشه إذ حذره كهانه من العبور.

وتم الصلح على تبادل الأسرى .. وعندما عادت سميراميس إلى آشور .. لم يكن يحيط بها من الجيش الذي خرجت به من قبل.. سوى الربع أو أقل قليلا.

وفي عاصمتها أحست سميراميس بخيوط مؤامرة جديدة .. فقد كان ابنها ميناس قد ضاق بخمول ذكره أمام عظمة أمه وسلطاتها. فملأته الغيرة .. وطمع في الحصول على زمام الأمور.

شعرت سميراميس بما يدبره ولدها .. وأرادت أن تجتذبه إليها وتتدارك أمر نفسها فتزوجته. ولكن هذا الزواج لم يجدها نفعا .. فقد لبث ميناس يحوك لها المكائد والدسائس حتى أحست كأنها محصورة في مصيدة.

وأتعبها الجهد .. ولم تجد أمامها إلا أن تتنازل عن العرش لولدها ميناس.

وخلعت سميراميس التاج الذي كسبته بالدم .. وخرجت من عاصمتها - بابل - التي شيدتها أيام مجدها .. لتعود إلى البادية التي تلقتها وليدة من قبل .. وهناك عاشت منبوذة وحيدة. كأنها لم تكن يوما شيئا مذكورا.

ولم تطق سميراميس صبرا بعد، فرفعت يديها إلى السماء تطلب من الإله بيلوس أن يأخذها إليه.

ويقولون إنه هناك عاشت سميراميس .. كواحدة من ربات آشور وبابل .. وعبدها أهل الأرض.

 

سليمان مظهر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات