الشيبيات ... النباتات المجهولة سيف الدين الأتاسي

جمال المملكة النباتية لا يكمن في عظمة أشجارها وجمال أزهارها فحسب، لكن الذي يمعن البصر ويبحث بدقة في الأجزاء الأكثر ظلمة ورطوبة في الغابات والبوادي يكتشف جمالا لا حدود له بين النباتات الدنيا غير الزهرية، الشيبيات التي تبدو في هذه الأماكن، وكأنها حبال من الزينة على جذوع الأشجار وبين الصخور.

والشيبيات مجموعة من النباتات الدنيا لها أشكالها الخاصة، وتتكون من تعايش فطر وطحلب اتحدا ليكونا عضوية معقدة، ذات خصائص شكلية وفسيولوجية وبيئية معينة.

هذه النباتات زحفت إلى الأرض منذ بداية العالم، متعلقة بالحمم القديمة، فاتحة الطريق لمجتمعات نباتية أخرى، لأن نمو الشيبيات يفتت مختلف أنواع الصخور مما يحول الأراضي الصخرية عبر الأجيال إلى بيئة صالحة لظهور حياة نباتية لم تكن موجودة من قبل.

بنية مزدوجة

لقد ساد الاعتقاد لدى علماء النبات ولفترة طويلة بأن بنية الشيبيات كغيرها من أفراد المملكة النباتية، إلى أن اكتشفت طبيعة بنيتها المرفولوجية المزدوجة في النصف الثاني من القرن الماضي من قبل عالم النبات الألماني شويندر (..Schwendener) ولم تحظ فرضيته بإجماع آراء العلماء إلا بعد فترة طويلة.

لقد أوجدت الطبيعة لإنجاح هذه النبتة أحد أشكال التكافل الأولى، فالطحلب بما لديه من كلورفيل يصنع الغذاء بعملية التركيب الضوئي، بينما يقوم الفطر باستخلاص غذائه من الطحلب ويبادله المنفعة بتوافر الماء والأملاح المعدنية والحماية له من الأثر الضار لزيادة الإشعاع الشمسي والجفاف.

على أنه من الصعب تحقيق مثل هذه العلاقة المتوازنة في الطبيعة، حيث تتصارع الكائنات الحية مع بعضها البعض، إذ عثر في بعض الشيبيات الدنيا على ممصات فطرية تخترق خلايا الطحلب وتسبب له بعض الأذى، وعلى ذلك يمكن القول إنه توجد حالة من التوازن الحساس بين الفطر والطحلب داخل الشيبة، وإذا ما اختل التوازن لصالح أحدهما فقد تتفكك الشيبة، وقد يصل الأمر تحت ظروف خاصة إلى القضاء التام على الشريك الذي جاءت الظروف في غير صالحه.

تنتشر الشيبيات انتشارا، واسعا في المناطق الجغرافية المختلفة، فهي تغمر البحار والكثبان والقفار ذات الرمل المحرق، كما أنها تنمو جيدا في التوندرا الشمالية والمتجمدة، ونلاحظ أنها تغطي الصخور وقلف الأشجار وسطح التربة، كما توجد في الأوساط التي يصعب على غيرها من الكائنات المعيشة عليها. ولا تنمو الشيبيات في أماكن كثيرة الضباب كما لا تتحمل تلوث الجو بالغازات الكبريتية التي تنتشر قرب المناطق الصناعية.

طبقات وأنواع

ويبين المقطع في مشرة الشيبيات وجود أربع طبقات متميزة. تتألف كل من الطبقات العلوية والسفلية من كتلة متماسكة منا خيوط الفطر المتشابكة، بينما تشكل خلايا الطحلب طبقة خضراء تحت الطبقة الفطرية السطحية وتتكون طبقة من خيوط فطرية مفككة وغير كثيفة تحت خلايا الطحلب.

ويمكن من الناحية الشكلية تمييز ثلاثة أنماط أساسية من الشيبيات فتبدو الشيبيات القشرية (Crustose) على شكل طبقة رقيقة تلتصق بإحكام بالوسط الذي تنمو فوقه عبر مجمل سطحها السفلي، ولا يمكن فصلها عن الوسط دون أن تتمزق مشرة الشيبة.

وتمتد الشيبيات الورقية (Foliose) على الوسط الذي تعيش فيه بشكل صفائح ورقية رقيقة، تختلف عن سابقتها في أن التصاقها بالوسط ليس كليا ويقتصر على مجموعة معينة من الخيوط الفطرية هي الشعيرات الجذرية (...Phizodes) لكن يمكن فصلها عن الوسط بسهولة.

وتتكون الشيبيات الشجرية (Fruti cose) من خيوط قائمة أو أشرطة قصيرة تكون متفرعة عادة ومثبتة إلى الوسط عند القاعدة فقط، ومثال هذه الشيبيات شيبة اللحية (..Usnea Comoso) التي تعتبر شيبة شجرية نموذجية تنمو في الغابات الرطبة على أغصان الأشجار.

تكاثر على جناح الريح

ويمكن أن تتكاثر الشيبيات بتوزع حبيبات صغيرة من مشرتها، تتكون هذه الحبيبات من عدد قليل من خلايا الطحلب محاطة بكتلة من الغزل الفطري تسمى هذه الأجسام سوريدات (Soredies) عندما يتم نضج السوريدات تنثرها الرياح فإذا وجدت البيئة المناسبة فإنها تنمو لتعطي شيبة جديدة.

كما يمكن أن يولد الفطر أبواغا (Spores)، يحملها الهواء فماذا سقطت في مكان مناسب أنبتت، ولكن إذا انتشت أبواغ الفطر ولم تجد خلايا الطحلب فإنها تموت بسرعة.

فوائد للأرض وللإنسان

وليست دراسة الشيبيات غاية في حد ذاتها، ولكن لا بد منها للتعرف على تلك النباتات التي تؤثر تأثيرا كبيرا وفعالا على اقتصاديات البلاد الزراعية والصناعية. حيث تقوم أنواع معينة من الشيبيات بتركيب مواد كيميائية مفيدة كالهرمونات والفيتامينات والأنزيمات والأحماض الأمينية، كما عزلت من بعض الشيبيات المضادات الحيوية للاستعمالات الطبية والتي تكون أكثر فعالية من البنسلين في بعض حالات العدوى.

كما أن أهم الخصائص التي تميز الشيبة قدرتها على زيادة المادة العضوية في التربة بعد موتها وتحللها، وكذلك تكون بعض أنواع الشيبيات غنية بالمواد الملونة التي تفرز على شكل قطرات أو بلورات على السطح الخارجي للخيوط الفطرية في القشرة أو اللب، وتستخدم هذه الأنواع تجاريا وعلى نطاق واسع في تحضير بعض الأصبغة.

كذلك تستعمل الشيبيات كمادة غذائية فشيبة الرنة .....(Cladonia Rangiferina) التي تنمو في أعالي الجبال تشكل الغذاء الأساسي لحيوان الرنة.

إن كل هذه المنتجات تأتي إلينا من تلك الشيبيات، لذلك يجب على الإنسان أن يتعرف عليها وينتفع بها. ويوما بعد يوم، وفي أوقات مختلفة، حدث أن تلامست خيوط فطرية من مختلف الزمر مع طحالب من مجموعات تصنيفية مختلفة لتنتج للطبيعة كائنا ناجحا تمام النجاح.