مهرجان كان 1996 محمد رضا

مهرجان كان 1996

السينما على أنواعها: الجيد والمتوسط والرديء

الصورة الأولى التي ارتسمت على شاشة مهرجان "كان" السينمائي الدولي في دورته التاسعة والأربعين هذا العام، كانت صورة ميكي ماوس، وقبل أي فيلم آخر، وقبل تقديم الفيلم الروائي الطويل الأول "تسخيف" الذي هو رسميا فيلم الافتتاح، طلع علينا ميكي ماوس في مغامرة مدتها نحو ثماني دقائق عنوانها "مخ الهروب" Runaway Brain ولم يكن ذلك لأن كلا منا صحب أولاده إلى قصر المهرجانات، بل نوع من تكريم شخصية سينمائية كارتونية ذات جمهور دولي، وفي الوقت نفسه تكريم ولفت انتباه للفيلم ذاته، إذ هو- حسبما تخبرنا شركة والت ديزني -، الفيلم الكارتوني الأول الذي تحققه ديزني كليا في فرنسا، عبر الاستوديو الذي كانت اشترته قبل نحو عام ونصف العام.

والحكاية تدور حول ميكي الذي يعيش العصر الحالي المعقد عندما تطلب منه زوجته الفأرة تمضية إجازة لا يملك ثمنها. يلتقي فأرا شرسا وكبيرا يحاول خطف زوجته منه. وتبعا لالتباس علمي يصبحان صورة متشابهة تماما وتخلط الزوجة بينهما، لكن ميكي ماوس يحسم المسألة في النهاية لصالحه ويتحول الفأر الشرير إلى خادم طيع يروض قوته لخدمتهما.

"مخ الهروب"، على نوعيته وحجمه، تعبير عما يقع للسينما الفرنسية اليوم. قيام ديزني بتحقيق أفلام كارتونية ناطقة بالإنجليزية في العاصمة الفرنسية قد يعني تجارة نشطة للبعض وخطوة جيدة على طريق التعاون ما بين السينما الأمريكية والسينما الفرنسية لدى البعض الآخر، لكن لا ريب أن هناك من ينظر إليه كرمز إضافي لهيمنة السينما الأمريكية على العالم خصوصا الأوروبي. وهي هيمنة تتخذ لنفسها عدة أشكال، وهذا الشكل المتمثل بنقل جزء من الإنتاجات الكرتونية لصنعها في فرنسا (بأيد أمريكية / فرنسية) هو واحد منها. فيلم ما قبل الافتتاح، كما سنري، كان رمزا لما قامت عليه الدورة هذا العام: محاولة المهرجان دفع السينما الفرنسية إلى الأمام وتقليص عدد إنتاجات السينما الأمريكية المشاركة والحديث عن سينما أوروبية أولى.

ضمن هذه الأجواء انطلقت الدورة التاسعة والأربعون وبدأت الأفلام تتوالى على شاشة المسابقة كما على الشاشات الموازية وما شاهدناه، سواء أكان أمريكيا أم أوروبيا أو من خارج المنطقتين المتنافستين كان - في معظم الأحيان - مهما وجديرا بالمشاهدة.

السينما الفرنسية

فيلم الافتتاح الرسمي هو شريط تاريخي من السينما الفرنسية بعنوان " تسخيف". أخرجه باتريس ليكونت، الذي قد لا يحمل اسمه وزنا كبيرا في المهرجانات الدولية بعد، لكنه يرهن خلال السنوات الأخيرة عن جرأته في تقديم مواضيع متعددة يجمع بينها أنها غالبا ما تبحث في الطبيعة الإنسانية من دون تكلف أو افتعال، وكذلك من دون أسلوب باهر أو قدرة على بناء المحيط الدرامي على نحو متصاعد فعال.

"تسخيف" ذو موضوع مثير : إنه عن دواوين وحلقات حاشية الملك لويس السادس عشر وكيف أنها كانت تعمد خلالها لنوع من "مباريات الحكمة" التي كانت تؤدي إلى تميز البعض والحكم على البعض الآخر بالجهل وتسخيف وجوده. ويكشف لنا الفيلم كيف أن مهندسا زراعيا من منطقة ريفية جاء إلى قصر الفرساي لمقابلة الملك وحثه على السماح بتجفيف مستنقعات موبوءة تنشر المرض والموت بين الناس. لكن الوصول إلى فرساي شيء ومقابلة الملك شيء آخر. في المدة التي قضاها محاولا أن يصطدم بطل الفيلم بالحاشية ويتعرض لمحاولة تسخيفها له ويشهد نهاية مسخف به انتحر بعدما خسر المواجهة وضحك عليه الجميع. كما يتعرف امرأتين واحدة تمثل الحب الرقيق وشبه البريء، والثانية تمثل الغريزة الجنسية وحدها وهي التي باستطاعتها إيصاله إلى الملك.

"تسخيف" كان واحدا من ستة أفلام فرنسية مشتركة في المسابقة، وإن لم تكن جميعها فرنسية تماما، بل إسهام فرنسي في تمويل مشاريع أجنبية. مثل "كانساس سيتي" للأمريكي روبرن ألتمان، و"متأخر جدا" للروماني لوسيان بينتلي، و"المرة الثانية" للإيطالي ميمو كالوبرستي.

إنتاج مشترك

فيلم "المرة الثانية" هو الأول لمخرجه كالوبرستي الذي سبق له أن أخرج أفلاما وثائقية من قبل. والموضوع الذي اختاره شديد الأهمية. أما ما جاء الفيلم عليه من جودة تعبير عن أهمية ذلك الموضوع فأمر أخر.

تدور القصة حول أستاذ جامعي اسمه ألبرتو "ناني مورتي" يلتقي بصورة عابرة امرأة اسمها ليزا "الفرنسية فاليريا بروني تديشي" فيلحقها. وبعدما نظن - لبعض الوقت - أن الرجل معجب بها، نكتشف لاحقا أنه يرصدها من باب الغضب عليها، إذ كانت أطلقت النار عليه قبل اثني عشر عاما خلال عملية قامت بها عندما كانت عضوة في جماعة إرهابية يسارية. ونراها تعيش الآن في السجن، لكن يسمح لها بمغادرته يوميا للعمل في مشغل حياكة ثم العودة مساء. يثور ويحتج لدى إدارة السجن على منحها تلك الحرية ثم يواجهها بالحقيقة وراء ملاحقته لها.

ما يحدث خلال - ثم بعد - تلك المواجهة هو لب الفيلم، لكن المرء إذ يسره تطرق المخرج إلى مثل هذا الموضوع، لا يسعه إلا أن يشعر بأن الفيلم لم يحاول التعمق أكثر فيما طرحه.

معالجة المخرج للعمل من الجمود التعبيري، إلى درجة أن الأحاسيس لا تصل واضحة وبعض المفارقات غير مبررة.

"متأخر جدا" لـ"لوسيان بينتلي"، وهو إنتاج فرنسي - روماني، والموضوع يدور حول رومانيا ما بعد الحقبة الشيوعية، وتنبع أهمية هذا الموضوع من حقيقة أن التغيرات التي وقعت في الدول الأوروبية الشرقية منذ خمس سنوات لم تكن جميعها متساوية الحسنات والمنافع. بل إنه في الكثير من الأحيان، وكما شاهدنا في أفلام روسية وبلغارية وألمانية وكما نري في هذا الفيلم أيضا، كونت مجموعة جديدة من المستنفعين الذين يستغلون الوضع الجديد لمآربهم الخاصة.

يطرح "متأخر جدا" هذا الموضوع من خلال قصة جرائم قتل تقع في منجم للفحم. يتصدى للتحقيق نائب عام مرتبط بعلاقة عاطفية مع مصورة "هذه العلاقة تفرز بضعة مشاهد جنسية ضعيفة الارتباط بما يقع" وهو سرعان ما يواجه بحملة لمناهضة قراره بإغلاق المنجم. هنا يتألف الصراع بينه وبين إدارة المنجم التي تمثل المؤسسة الجديدة، وفحوى هذا الصراع أن الإدارة لا تكترث لما يقع وتحاول التستر على الحقيقة، لأن المهم في هذه الآونة هو المادة وحدها.

قرب النهاية ومن دون أي مبرر أو علاقة، هناك سبب عابر للعرب، لكن الفيلم هو سب لأصحابه أنفسهم، فهو متهالك في إطار تعبيري قديم ومعالجة مرهقة وصولا إلى نهاية يتم فيها الكشف عن حقيقة المجرم فإذا به مزيد من الرمز المخيب للآمال.

الفيلم الثالث في هذا المنحى هو فيلم الأمريكي روبرت ألتمان وهو الأكثر شهرة من بين مخرجي هذه المجموعة من الإنتاجات الفرنسية - المشتركة. بل هو أحد الأسماء الكبيرة التي استند إليها المهرجان هذا العام.

ألتمان مخرج أمريكي بأسلوب يفضله الفرنسيون ويتجنبه الأمريكيون. إنه أسلوب أوروبي في سماته الفنية وشخصي في خصائصه، يقوم على البحث في محيط الفكرة الشاسع وفي الشخصيات والظروف وليس في الأحداث نفسها. هذا إذ بلور في الماضي أفلاما جيدة عديدة ( من بينها "ثنائي متكامل" و"عرس" و"رباعي" و"اللاعب") غير أنه نتج عنه أفلام متوسطة وأحيانا أقل من ذلك (كما في "مختصرات" و"جاهز للبس" و"صحة" و"الوداع الطويل"). كما أن أفضل أفلام ألتمان - وهذا رأي قابل للمناقشة - هي تلك التي اعتمدت على السرد شبه التقليدي كما في "ماكايب ومسز ميلر" و"رباعي" من بين أفلام قليلة أخرى.

في "تكساس سيتي" يعود المخرج إلى المدينة التي ولد فيها ويختار الثلاثينيات: بلوندي "جينفر جاسون لي" تختطف كارولين "ميراندا رتشاردسون" التي هي زوجة مدمنة على شم الهيروين لسياسي يسعى للانتخابات القادمة - سبب الاختطاف هو أن عصابة سوداء بقيادة رجل قاس اسمه سلدوم سين Seldom Seen أي "قليلا ما شوهد" ويقوم به "هاري بيلافونتي" خطفت زوجها الأبيض جوني "درموت مولروني" بعدما قام بسرقة رجل كان قادما إلى الملهى الذي يتخذه سلدوم سين مركزا لنشاطاته.

منطلق الأحداث إذن هو قيام الشاب الأبيض باجتياز الحاجز غير المرئي إلى القطاع الأسود وكيف أن الرد الوحيد لزوجته - كما خطر لها - هو أن تقدم على خطف زوجة سياسي (أبيض) حتى تجبره على التدخل لدى القطاع الآخر للإفراج عن زوجها. والمشكلة العنصرية تطل مرات عدة، أفضلها هي تلك الخالية من الخطابة أو المباشرة: رجل عجوز يترك المقعد عندما تجلس فتاة سوداء إلى جانبه، خادمة سوداء تخاف الأذى وتبذل جهدها لإرضاء سيدها. لكن حينما يأتي الفيلم إلى الخطابة من خلال حديث (أقرب إلى المونولوج) طويل يلقيه هاري بيلافونتي على من حوله والسارق الأبيض المخطوف تحديدا، فإن قليلا مما يقال يستوقفنا بسبب قوة مضمونة أو جدته. هنا عليك أن تصدق أن الملهى الذي في الفيلم لا يقفل وأن صحبه وزبائنه وعازفيه لا ينامون، فالأحداث تستمر يومين وليومين نرى النادي ضاجا بالعزف.

ما أراده المخرج هو سرد الحكاية بالموسيقى. هكذا يقول لنا، لكن ذلك لم يقع على النحو المقصود، بل ترك فجوات عديدة من مطلع الفيلم (حيث تبدو الزوجة وقد خطفت المرأة الأخرى من قبل أن يتم خطف زوجها) إلى نهايته.

الإنتاجات الأمريكية

تبعا لقرار إدارة المهرجان تخفيف الوجود الأمريكي هذه المرة وتعزيز الوجود الأوروبي خصوصا الفرنسي، فإن أفلاما أمريكية قليلة عرضت في المسابقة لكن العدد ينمو قليلا إذا ما التفتنا إلى باقي التظاهرات المهمة التي صاحبت أعمال المسابقة.

في المسابقة ذاتها شاهدنا "فارغو" لجوويل كووين ومن كتابة وإنتاج شقيقه إيتان. ثلوج ولاية مينيسوتا تلعب دورا كبيرا في وصف أجواء هذا الفيلم القائم على قصة حقيقية سمح الأخوان كووين ("نشأة أريزونا"، "دم بسيط" إلخ ..) لأنفسهم بتغييرها حسبما تقتضي مصلحة الفيلم من وجهة نظريهما.

هناك بائع سيارات "ويليام ماسي" يلتقي مجرمين "ستيف بوشيمي وبيتر ستورمار" استأجرهما لخطف زوجته. دافعه إلى ذلك، هو ابتزاز والدها الثري الذي يضن عليه بالمساعدة. والود مفقود بين الزوج ووالد زوجته، إذ إن الأخير لا يثق بقدرات الزوج ولا يقدره. يقتحم الشقيان بيت العائلة ويخطفان الزوجة، لكن من قبل وصولهما إلى المكان كان قد ارتكبا جريمة قتل سقط خلالها ثلاثة رجال بينهم رجل بوليس، وذلك على الطريق الريفي الممتد خارج المدينة. إلى مكان الحادث تنتقل المتحرية مارج "فرنسيس ماكدورمان"، حيث تمارس مهامها البوليسية غير مدركة حجم ما ستقف عليه. كل شيء في تلك الخطة يخرج عن الخط المرسوم له ومواجهات عديدة تقع بين الأطراف بلوغا للنهاية.

الفيلم تشويقي بلا ريب، ومصنوع بأسلوب مكنه من استحواذ جائزة أفضل إخراج، لكن معيار السخرية السوداء ارتفع عن معدله المطلوب بحيث كاد الفيلم أن يتحول إلى الكوميديا في أكثر من مجال.

أفضل منه صنعا "مطارد الشمس" إنما من دون أسلوب مميز يجعل الفيلم أهلا لإعجاب أشد. الفيلم هو الأول للمخرج المبتعد مايكل شيمينو("بوابة الجنة"، "عام التنين" إلخ) لشركة كبرى. يدور حول شاب من أصل هندي "جون سيدا" مسجون بتهمة القتل لكنه ينقل إلى عناية الدكتور رينولدز "وودي هارلسون" بسبب مرض في الأمعاء يستغل الهندي بعض الظروف المواتية والاتصالات الخارجية ويحصل على مسدس يهدد به حياة الطبيب ويخطفه في رحلة من لوس أنجلوس إلى شمال أريزونا (نحو عشر ساعات بالسيارة من دون توقف في الواقع). السبب في هذه الرحلة هو أن الهندي يؤمن بوجود بحيرة في منطقة جبلية شاهقة كل من يسبح فيها يشفى من مرضه. الطبيب علماني يرفض الميثالوجيات والاعتقادات، والهندي يؤمن بها والنتيجة فيلم حول صراع بين الناحيتين يبقي المتفرج يقظا على مقعده طوال الوقت.

مهمة شيمينو لسرد حكاية فيها بلورة شخصيات ومطاردات وتناقضات لم تكن هينة، لكن النتيجة تبرر الجهد المبذول. مشكلة الفيلم شبه الوحيدة هي أن المتفرج لا يستطيع التعاطف سلبا أو إيجابا مع الممثل وودي هارلسون بسبب نوعية تمثيله وأدائه.

فيلم جيد آخر إنما خارج المسابقة ورد عبر "نجمة واحدة" والعنوان يرمز إلى ولاية تكساس إذ إن علم الولاية يحتوي على نجمة واحدة. هذا الفيلم يختلف عن معظم ما شاهدناه لأنه عمل مستقل بالفعل من مخرج مازال خارج لعبة هوليود منذ أن بدأ قبل سنوات هوجون سايلس الذي يقدم هنا فيلما حول تاريخ وثقافة ولاية تكساس من خلال قصة شريف اكتشف هيكلا عظميا لرجل بوليس، فحقق ليخرج بنتيجة أن القتيل كان مكروها من الجميع وأن القاتل هو والد الشريف ذاته.

سبايك لي (خارج المسابقة أيضا) قدم "فتاة 6" الذي يعود به إلى تلك النوعية المتواضعة شكلا من الأفلام : حكاية مجتمع الفتيات اللواتي يبعن الهوى على الهاتف. هذا "بزنس" يقدر حجمه سنويا بمئات ملايين الدولارات والمخرج يعبر عن استيائه منه لكنه يمنح بطلات الفيلم وجودا ملموسا فهن نساء لديهن أحلامهن ومتاعبهن ويقمن بما يقمن به اضطرارا.

جمال إيطالي وقمر آسيوي

حفل المهرجان، كعادته، بالأفلام القادمة من أركان شتى. وعربيا كان هناك فيلمان فقط عرضا خارج المسابقة. الأول هو "حيفا" لرشيد مشهراوي، وهو ذلك المخرج الفلسطيني الذي قدم سابقا "حتى إشعار آخر" ويعود بفيلم آخر عن الحياة في قطاع غزة يتناول فيه الوضع الذي كان قائما إبان منح الفلسطينيين قرارا بالحكم الذاتي (لقاء عرفات - بيريز/ رابين في واشنطن). بطل الفيلم اسمه (الممثل الجيد محمد بكري) هو مجنون معسكر اللاجئين حيث تقع الأحداث. هناك شرطي سابق يبيع "غزل البنات" ويحلم بالعودة إلى صف الشرطة لكنه يقع مصابا بشلل خلال إعلان الدولة المستقلة. بضع شخصيات أخرى ينتقل بينها الفيلم على نحو مكوكي وصولا إلى نهاية تمثل تناقضات الشارع الفلسطيني من عملية السلام بأسرها.

ما يعرضه رشيد مشهراوي مثير للاهتمام وصادق للغاية، لكن هناك مشكلة في الفيلم هي السيناريو. كتب مشهراوي فيلمه من دون قصة تروى، بل مجموعة من الأحداث المرتبطة بوهن. لكن ما يجعل حتى من تلك الأحداث ضعفا أساسيا أن كل مشهد أريد أن يأتي ببعد، بحكمة أو موعظة. يقول الممثل كلمة فيجيبه الآخر بكلام مبطن أو بحكاية ذات مدلول. لكن الناس الحقيقيين، وهذا الفيلم ينشد حالات واقعية، لا يتحدثون هكذا والمخرج عليه الاستعاضة عن مثل هذا التوجه المباشر خالقا حكاية قوية الترابط والأحداث تعبر عن كل ما يود المخرج الوصول إليه.

أفضل من هذا الفيلم شأنا هو "مرحبا يا ابن خالتي" الفيلم الجديد للمخرج الجزائري مرزاق علواش. من بعد "مدينة باب الواد" قبل عامين، حيث تناول علواش موضوع التطرف الحاصل في الجزائر. هنا يتناول حكاية شاب جاء إلى باريس في زيارة قصيرة، وتوجه لدى ابن خالته الذي ولد في باريس ابنا لمهاجرين، لكي ينزل عنده. ما يلي من أحداث يوضح الحياة على ضفتي هذين الشابين ويطلعنا على مواقف تتميز بالمعايشة الواقعية. الفيلم كوميدي، بالرغم من نبرته الجادة، ويخيل إلينا أن أنجح أفلام علواش هي تلك المحلاة بالكوميديا.

من إيطاليا شاهدنا للمخرج برناردو برتولوتشي أول فيلم له يصوره في إيطاليا، منشئه، منذ 14 سنة. إنه "الجمال الخاطف" والفيلم لا يخطف برغم جماله، بل يجعلنا نترحم على أيام كان المخرج فيها يكتفي بالجمهور المثقف سندا له عوض التوجه الآن إلى جمهور عالمي وتحقيق أفلامه من أجله : قصة أمريكية شابة (ليف تايلور) ما زالت عذراء تأتي إلى فيللا لأصدقاء والدتها بحثا عن هوية أبيها وعن صديق تتمنى أن تفقد عذريتها معه. ما تجده يختلف عاطفيا عما نشدته، وما نجده نحن يختلف كليا عن المستوى الذي اعتقدنا أن المخرج قادر على تحقيقه، بالرغم من انهزاماته الأخيرة على هذا الصعيد. سريعا ما يدخل الفيلم في قصص قائمة على مشاهد حوارية معظم الوقت، خالية من القيمة والبحث فيما يجدي أو يفيد.

والسينما الإيطالية خيبت أملنا في محاولة الإخوان تافياني الجديدة المسماة بـ "أنسباء مختارون": مرة أخرى ننتقل إلى مقاطعة توسكاني الإيطالية الجميلة حيث تقع أحداث تعود إلى القرن الماضي وتدور حول زوجين يستقبلان شابا ثم فتاة ويختبر الجميع تلك الأحاسيس العاطفية. الجديد، ربما يكمن في ماضي هذين الأخوين كما في ماضي برتولوتشي وليس في حاضرهم جميعا.

ومن بعد أن رفع النقاد الغربيون قدر المخرج الصيني تشن كايغي، شعر هذا بأنه يستطيع تحقيق أي فيلم يريد بالطريقة التي يريد: "قمر غاو"، فيلمه الجديد، هو ادعاء بالعبقرية استحق من أجله تلك الصفعة التي وجهت إليه، إذ خرج من المهرجان من دون ذكر، بل وكتب عنه النقاد سلبا على نحو لن يسعد كايغي مطلقا.

مهرجان "كان" كان - كما سبق القول - حافلا، والزاد الذي يخرج به المرء ثقيلا حتى حينما تأتي بعض الأفلام مخيبة للأمل. لكن السينما هي مجمل ما تحتويه وليس جزءا واحدا منه فقط.

 

محمد رضا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




"حيفا" لرشيد مشهراوي





من الفيلم الأمريكي - الفرنسي المشترك "كانساس سيتي"





من فيلم "اليوم الثامن" أحد الإنتاجات الفرنسية - المشتركة





جوني سيدا ووودي هارلسون في "مطارد الشمس"





من فيلم برناردو برتولوتشي المخيب "جمال خاطف"