مساحة ود صبري أحمد نصرة

مساحة ود

اليوبيل الفضي

كانت الاستعدادات تدور على النحو التالي:

أتولى أنا شراء الحاجيات اللازمة من أطعمة وحلوى ومشروبات، وتتولى ابنتي إعداد المائدة، بينما عهد إلى ابني بتزيين المكان بالأوراق الملونة والأضواء الزاهية والورد. كان ذلك مرجعه الاحتفال بانقضاء خمس وعشرين عاما - اليوبيل الفضي - على الزواج.

عمدنا أن يكون الأمر في طي الكتمان، ورتبنا ذلك بغية أن نفاجئ زوجتي بالأمر، ونأنس إليها بعدما ندرت مجالستها إيانا نتيجة انشغالها الدائم، وكي تكون فرصة لاستعادة أطيب الذكريات، وتخفيفا لما نلاقيه من متاعب العمل الذي باعد بيننا وبين الأبناء.

قبل التاسعة .. فرغنا وشيكا من الترتيبات. وعند التاسعة - موعد وفودها - جلسنا مترقبين لحظة قدومها، حتى نلتف حولها مهنئين.

تطلعت إلى الساعة. وجدتها تجاوزت التاسعة. راحت أنظارنا تتجه إلى الباب، تنتظر اللحظة التي يدور فيها المفتاح في قفل الباب .. لكن الظنون ما تلبث أن تخيب.

تدير ابنتي الحاكي .. ينبعث صوت موسيقى هادئة .. أجذب نظري إلى لوحة أمامي تمثل زوجتي وإياي في ثياب الزفاف .. تتداعى إلى خاطري ذكريات .. ذكريات بعيدة.

طال أمد الانتظار. واستغرقنا صمت يشيع فيه قلق وانتظار. أنظر إلى الباب عله ينفرج دون جدوى. أنظر إلى الهاتف. جرسه لا يرن معربا عن أسباب التأخير. ألقي نظرة على المائدة .. تتوسطها شمعة كبيرة مثبتة في شمعدان فضي .. الشمعة تشير إلى الرقم الدال على عدد السنوات، حرصت ابنتي أن تضعها في منتصف المائدة تماما.

وإذا الساعة قبيل العاشرة .. ترامى إلى أسماعنا وقع أقدامها، فبادرنا إلى استقبالها. وعند دخولها توافدنا عليها، وقد تبدل صمتنا ضجيجا، وتدفقت كلمات التهنئة. ولما رأت الاستعدادات، قالت وقد انقلب الإعياء الواضح على وجهها إلى إشراق رائع:

أشكركم جميعا على اهتمامكم.

سكتت لحظة، ثم عاودت الكلام وهي دامعة العين:

أنتم أيضا لكم عندي ما يستحق القول .. لقد انشغلت عنكم كثيرا، لذا .. فقد عهدت إلى طبيبة شابة بإدارة شئون عيادتي، وها أنا أخيرا أتفرغ لكم.. لكم جميعا.

قالت الكلمة الأخيرة وهي تلقي إلي نظرة .. نظرة حانية.

 

صبري أحمد نصرة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات