التلوث الخفي سمير رضوان

من المفاعلات النووية
إلى الأجهزة المنزلية

يستطيع الإنسان بحواسه الخمس أن يدرك التلوث البيئي من حوله، سواء أكان تلوثا كيميائيا أم ضوضائيا. أما التلوث بالإشعاع فهو مما لا تدركه هذه الحواس. ومع ذلك فالأضرار المرتبطة به هي من أعتى أضرار التلوث - إن لم تكن أعتاها على الإطلاق.

ارتبط التقدم العلمي والتكنولوجي في زمننا الحديث بالتوسع في الاعتماد على مواد مشعة في مجالات سلمية وعسكرية. أما المجالات السلمية فيتعلق معظمها بتوفير الطاقة، والبحث العلمي، والأغراض الطبية. وأما المجالات العسكرية فتتلخص في إنتاج أسلحة الدمار الشامل المعروفة بالأسلحة النووية. والمتتبع للتطور على كوكبنا يستطيع أن يتنبأ بيسر بأن اعتماد الإنسان على المواد المشعة سوف يتنامى مع الزمن رغم كل المحاذير، والأخطار التي قد تنشأ لا تتعلق فقط بالمجالات العسكرية، إنما تشمل أيضا المجالات السلمية على حد سواء.

خطر في الحرب وفي السلم

وإلى عهد غير بعيد كان الاستراتيجيون العسكريون في العالم مقتنعين بأن توازن قوى الردع النووي بين دول العالم كفيل بأن يجنب البشرية أخطار الترسانات النووية في شتى أنحاء الأرض. ولكن الأحداث تثبت مرة بعد أخرى أن هذه النظرية أقرب إلى الوهم منها إلى الواقع. ويكفي - لكي يقع ما لا يود أحد وقوعه - أن يصاب دكتاتور أخرق - وما أكثرهم في كل زمان - بلوثة تهور مفاجئة، آمرا قواته باستخدام ما لديها من أسلحة نووية في إحدى مغامراته.. ومما يدعو إلى زيادة القلق أن أعداد الحكام - حتى لدول العالم الثالث - الذين يسيل لعابهم على الأسلحة النووية في تزايد مستمر. ويحدثنا التاريخ المعاصر والقديم عن حكام جهلاء مغرورين، لا يقدرون عواقب قراراتهم حق قدرها. وهؤلاء قد يجعلون خطر الصراع النووي أكثر احتمالا مما يتصور المتفائلون. أما في زمن السلم فيكفي مثلا أن تقع حادثة في أحد المفاعلات النووية التي تستخدم لتوليد الطاقة لكي يتسرب من الإشعاع النووي ما يهدد الأحياء المحيطين بالمفاعل لزمن طويل. ومازالت حادثة تشيرنوبيل الشهيرة حية في الذاكرة. أضف إلى ذلك أن الصناعات والبحوث العلمية والأساليب التشخيصية والعلاجية للطب التي تستخدم فيها مواد مشعة تنجم عنها بالطبع مخلفات مشعة تزداد كمياتها وأنواعها يوما بعد يوم، وتعتبر هي الأخرى خطرا محدقا ببيئة الأرض وأحيائها.

المواد المشعة قديمة

ولا ينبغي أن يفهم أحد أن المواد المشعة حديثة ولم يكن لها وجود قبل التقدم التكنولوجي الحالي. فالواقع أن كوكب الأرض كان يحوي عناصر مشعة منذ نشأته الأولى، ومازال يحوي في باطنه منها كميات كبيرة. وتتميز هذه العناصر عن سواها بأنها تصدر طاقة كثيفة على هيئة ما يسمى علميا بأشعة ألفا وبيتا وجاما - وهي تظل تفرغ شحنتها من الطاقة هذه - على مدى ألوف السنين - حتى تتخلص منها تماما وهنا تستقر بعد أن تكون قد تحولت إلى عناصر غير مشعة. وأشعة ألفا وبيتا وجاما أمواجها شديدة القصر- أقصر كثيرا من أشعة الضوء - ومن ثم فهي لا ترى بالعين، إضافة إلى أنها تلحق أضرارا بالغة بالأحياء إذا تعرضت لها فترات طويلة. إذ إن معظمها يحور التركيب الكيميائي للمادة الوراثية في الخلايا. وعلى ذلك تختل وظائف هذه المادة المتعلقة بإدارة شتى التفاعلات الكيموحيوية في جسم الكائن الحي، والنتيجة الطبيعية لذلك المرض والموت البطيء. ومن الثابت أن شعوب الحضارات القديمة كانت على قدر من الوعي بوجود مثل هذه المواد في جوف الأرض وبأضرارها. فمثلا في حوالي عام 2800 قبل الميلاد كان من الشائع في الصين أن يأخذ مصممو المنازل وبناتها إشعاعات الأرض الضارة في حسبانهم. ولكن الإشعاع النووي وكنهه بالمفهوم العلمي الحديث لم يبحثا إلا في أواخر القرن الماضي، حينما اكتشف العالم الفرنسي بيكاريل عام 1896م أن خاما كان يحتوي على عنصر الراديوم كان مشعا. منذ ذلك التاريخ شرع الباحثون في دراسة إمكان تحويل عناصر غير مشعة إلى عناصر مشعة، وذلك تمهيدا لاستخدامها مصادر للطاقة. وكانت مدام كوري (1934م) أول من حقق النجاح في هذا المضمار، حين نجحت في إنتاج الفيتروجين المشع من البورون غير المشع من خلال ضرب ذراته بجسيمات ألفا. واليوم أصبحت تكنولوجيا إنتاج المواد المشعة على درجة كبيرة من التقدم. كما تباينت مجالات استخدام العناصر المشعة.

أخطار الإشعاع تتنامى

يزداد اعتماد الإنسان على المواد المشعة باطراد. ومن المؤكد أن هذا التنامي لن يتوقف في المستقبل المنظور، بل على النقيض من ذلك فإنه سوف يتكثف. ويكفي النظر في مجال واحد من مجالات استخدام المواد المشعة لكي يترسخ الانطباع لدى المرء بذلك. هذا المجال هو إنتاج الطاقة. تدل الإحصاءات على أن معدل استهلاك الفرد من الطاقة يزداد في شتى أنحاء العالم يوما بعد يوم، بينما ينضب المصدر الأكبر للطاقة الآن وهو النفط. ومن المقدر أن إنتاج الأرض من النفط سوف يتوقف في البلدان المنتجة في أزمنة تتراوح بين سنوات قليلة وعقود عديدة ربما لا تتجاوز القرن الواحد. ومع ندرة النفط سوف ترتفع أسعاره باطراد. ولقد شغلت الدول الصناعية بمصادر بديلة للطاقة منذ زمن، وعلى وجه التحديد منذ أزمنة النفط التي ارتبطت بحرب أكتوبر 1973م بين العرب وإسرائيل. ويتفق المعنيون بشئون الطاقة ومصادرها على أن الطاقة النووية هي أنسب البدائل المتاحة، على الرغم مما يقترن باستخدامها من أخطار متوقعة. لذلك فالمفاعلات النووية - التي تحول فيها الطاقة الإشعاعية إلى كهرباء - أصبحت منتشرة في شتى بقاع العالم، وتزداد أعدادها باستمرار. ولن تحول دون هذا الانتشار مظاهرات الاحتجاج العارمة التي كثيرا ما تنظمها في الدول المتقدمة هيئات وأحزاب سياسية معنية بسلامة البيئة. وذلك لأن الدراسات المنصبة على توفير الطاقة من مصادر أخرى كالشمس والهواء لم تبلغ في تقدمها - مع الأسف - ما بلغته الدراسات الخاصة بتوفير الطاقة من المواد المشعة. وهناك أمران يثيران معظم مخاوف المعنيين بسلامة البيئة. أولهما أن استخدام المواد المشعة من أجل توفير الطاقة (وفي شتى المجالات الأخرى) سوف تنجم عنه نفايات مشعة يمثل التخلص منها مشكلة معقدة. وثانيهما أن المفاعلات النووية هي في الواقع براكين إشعاعية قابلة للثورة في أي وقت، إما من خلال إصابتها بالقذائف أثناء الحرب، أو بسبب القصور والأغلاط، وهي واردة مادام الذين يصممون هذه المفاعلات ويديرونها بشرا. ونتائج هذا القصور هنا مدمرة للبيئة. لا شك أن من القراء من سمعوا عما خلفه جيش "الاتحاد السوفييتي" من مساحات شديدة التلوث بالإشعاع النووي في مناطق من ألمانيا "الشرقية" بعد انسحابه منها، ومازال هذا التلوث معضلة كبيرة أمام المسئولين في ألمانيا بعد توحيدها.

أخطار الإشعاع من الحوادث

تمثل حادثة تشيرنوبيل الشهيرة مثالا نمطيا للأخطار التي قد تنشأ من حوادث سببها القصور البشري. إذ إن التسرب الإشعاعي الذي حدث من المفاعل النووي في تشيرنوبيل كان نتيجة لأخطاء في تصميم هذا المفاعل. وهذه لم تكن الحادثة الأولى من نوعها - ولن تكون الأخيرة. فقد وقعت قبلها حوادث مشابهة لها في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الصناعية المتقدمة، ولكن حادثة تشيرنوبيل كانت أخطرها على الإطلاق. ورغم انقضاء حوالي خمس سنوات منذ وقوعها فما زالت آثارها المدمرة مستمرة.

وتعاني روسيا البيضاء من معظم المشاكل، إذ يقدر المختصون أن 70% من الإشعاع المتسرب قد أصابها وحدها، وأن 40% من مساحة تربتها أصبحت ملوثة بالإشعاع، وبذلك فحوالي مليونين ونصف مليون من البشر- هم سكانها - يعيشون تحت أخطر الظروف البيئية دون أن يشعروا بذلك. ولعل أفدح الأخطاء التي قارفتها الحكومة التي كانت جديدة عند وقوع الكارثة هو صمتها المطبق في البداية، وتعتيمها الإعلامي، مما ترك المواطنين عرضة للإشعاع النووي المباشر على مدى خمسة أيام على الأقل، قبل أن يشرعوا في محاولة حماية أنفسهم. وقد وصفت الصحف الحادثة قائلة إن "الإشعاع النووي ظل يتسرب من المفاعل المعطوب على مدى سبعة أشهر كاملة كما يتسرب دخان الغول من فوهة القارورة". ومازالت التربة الملوثة بالإشعاع تزرع إلى اليوم، ومن ثم فالقمح والخضراوات واللحوم والألبان أصبحت هي الأخرى مشعة. ومع ما يقاسيه ورثة "الاتحاد السوفييتي" اليوم من مشاكل اقتصادية جمة ليس أمام البشر إلا أن يستهلكوا هذه الأطعمة المشعة وإلا هلكوا جوعا. أضف إلى ذلك أن الخطط التي وضعتها الحكومة لتهجير السكان من أكثف المناطق إشعاعا، هذه الخطط لا تنجز إلا ببطء شديد، وذلك إذا أنجزت أصلا. وتتزايد كل يوم في روسيا البيضاء على وجه الخصوص أعداد حالات الأمراض الناجمة عن التعرض للإشعاع النووي. وتكتمل المأساة بعجز الطب السوفييتي عن التعامل مع الكثير من هذه الأمراض التي قد يمكن التعامل معها في دول غرب أوربا وأمريكا، ولكن ضيق ذات اليد يحول دون إرسال هذه الحالات للخارج. ويعيش المواطنون اليوم في حالة تقترب من الضياع. فعلى جوار الكوارث التي أصابتهم اهتزت ثقتهم فيما يقوله المسئولون. فالأرقام التي تنشرها الحكومة عن مقدار الإشعاع في الأغذية المختلفة كلها متناقضة. ومن الخطأ الظن أن أخطار تشيرنوبيل مقتصرة على روسيا البيضاء أو "الاتحاد السوفييتي". فالواقع أن تشيرنوبيل أصبحت بالفعل كارثة عالمية. وستبقى كذلك لسنوات لا يعلم عددها إلا الله. فالإشعاع ينتقل مع الرياح وترسبه الأمطار. وقد رصد باحثون في غرب أوربا أنواعا من حبوب اللقاح الملوثة بالإشعاع التي حملتها الرياح من نباتات نامية في روسيا البيضاء. ومعاناة البشر اليوم من هذه الكارثة - على شدتها - لا تقاس بما سوف تعانيه الأجيال القادمة. فالإشعاع يحور من كيمياء العوامل الوراثية - مما يعني بالضرورة أن تشوهات وأخطاء وراثية سوف تظهر في الأجيال القادمة - وسوف تتوارث في عدد من الأجيال المتعاقبة لا يعلمه إلا الله.

أخطار الإشعاع في الفراش

ذكرنا أن باطن الأرض يحتوي على عناصر مشعة، فهل للإشعاع الصادر منها تأثير على الأحياء فوق سطح الأرض؟ والإجابة المقتضبة عن هذا السؤال هي "نعم". هذا التأثير معروف منذ 4000 سنة على الأقل حينما رصد الأقدمون العلاقة بين إشعاعات. الأرض وأمراض مثل النزلات الشعبية والربو وآلام الكبد وأمراض القلب وأنواع من السرطان. واليوم أثبت العلماء هذه العلاقة، ووجدوا أن حدة هذه الأمراض غالبا ما ترتبط بكثافة الإشعاع الأرضي، كما استطاعوا تفسير بعض الظواهر التي لم يكن لها تفسير. على سبيل المثال كثير ما نسمع عن أناس عانوا طوال سنوات متصلة من الأرق المزمن، وفجأة يزول أرقهم بعد تغيير أماكن نومهم. والتفسير هنا هو أن الإنسان- أثناء نومه - يبقى على مدى ساعات تحت تأثير المكان الذي ينام فيه. فلو تصادف أن كان فراشه فوق عرق ماء جوفي داخل الأرض يحتوي على نسبة مرتفعة من المواد المشعة، تكثف تأثير الإشعاع مع تعاقب الليالي، وكانت النتيجة هي الأرق والأمراض. ومن الملاحظ أن الأم حينما تتفقد طفلها في الصباح كثيرا ما تجده متقوقعا في ركن بذاته من أركان الفراش، لا يغيره أبدا. ويفسر العلماء ذلك بأن الطفل - الذي تتحكم في سلوكه هنا الغريزة النقية - إنما يهرب أثناء نومه من مجالات الإشعاع الأرضي الكثيف إلى ركن فيه الإشعاع قليل.

أخطار الإشعاع في المطبخ

أصبحت هناك الآن أنواع من أفران الطهي تعرف بأفران الأمواج القصيرة (microwave). ومن الواضح أنها سميت كذلك لأن الطاقة المستخدمة فيها لإنضاج الطعام هي أمواج على درجة من القصر. وينتشر تسويق هذه الأفران باطراد، كما أن أسعارها تتجه إلى الهبوط مما يشجع المستهلك على امتلاكها. ومن المعروف أن الإشعاعات القصيرة تضر بالأحياء - كما ذكرنا. ومنذ اختراع هذه الأفران والجدل محتدم حول مقدار الضرر الذي قد يحيق بمستخدميها من جرائها. وبلغ هذا الأمر بدول المجموعة الأوربية حد إحالة هذا الموضوع إلى إحدى لجانها وهي لجنة "شئون المستهلك" التي قدمت تقريرا تحذر فيه الناس من الأخطار المرتبطة بهذه الأفران، ترى أن الإشعاعات المتسربة منها قد تؤدي إلى أمراض جلدية ومرض والعين المسمى "النجم الرمادي" وإلى عقم الرجال. ولكن المدافعين عن هذه الأفران يؤكدون أن تجاربهم على مئات الأفران أثبتت أنها لا تسرب أي إشعاعات للخارج، ومع ذلك فهم لا يستبعدون حدوث المشاكل إذا ما أصاب الجهاز عطب أو خلل.

كذلك أصبحت الإشعاعات النووية تستخدم في كثير من دول العالم في تعقيم الأغذية، وقتل ما بها من ميكروبات، تمهيدا لحفظها. ولا بد أن نتساءل هنا: هل الطعام المعالج بالإشعاعات على هذه الصورة آمن للاستهلاك الآدمي؟ قد يخطر على بال البعض أن الطعام قد "يمتص" الإشعاع الذي سوف يدخل جوف الإنسان أثناء الأكل. ولكن الباحثين أثبتوا بالتجارب أن هذه المخاوف لا أساس لها. فالطعام الذي تعرض للإشعاع أثناء الطهي أو التعقيم لا يحتوي على أي إشعاع بالمرة. ومع ذلك فقد تنشأ مشاكل من نوع مختلف. فالمعروف أن مواد كثيرة يتغير تركيبها الكيميائي إذا تعرضت للإشعاع، وإن كانت البحوث في هذا المجال قد أثبتت حتى الآن أن مثل هذا التغيير لا تنجم عنه مواد مسرطنة أو سامة، ولكن المشكلة قد تكمن في تحلل جزئي لبعض مكونات الطعام القيمة مثل فيتامينات "أ" و "ب" و "ك" وغيرها مما قد يقلل من قيمة الطعام الغذائية. ولأن الكمية المتحللة تزداد بازدياد كثافة الإشعاع فقد حددت منظمة الصحة العالمية الحد الأقصى للإشعاع المسموح به لتعقيم الأغذية بمقدار 10 كيلو جول لكل كيلو جرام من الغذاء.

أخطار المجالات الكهربية

يجرنا الحديث عن أخطار الإشعاع إلى التطرق للأخطار التي قد تنشأ من تعرض الأجسام للمجالات الكهربية التي تحيط بشتى المصادر الكهربية كالأجهزة المنزلية وتوصيلات الضغط الكهربي العالي. تكررت ملاحظة في عدة دول صناعية مفادها أن نسبة المصابين باللوكيميا من سكان المناطق التي تخترقها توصيلات الضغط الكهربي العالي - خاصة بين الصغار - هذه النسبة تتجاوز بوضوح النسبة في المناطق الخالية من هذه التوصيلات. وعلى مدى العقود الأخيرة ظلت مثل هذه الملاحظة في دولة مثل ألمانيا مادة للتقارير الصحفية، غير أن المسئولين كانوا دائما يرفضون الربط بين هذه التوصيلات وزيادة حالات السرطان، مما أثار فضول العلماء للبحث في هذا الأمر. ومن أحدث الدراسات التي أجريت دراسة قام بها علماء من أستراليا، كانوا قد كلفوا من قبل وزارة الصحة في كانبيرا بإجرائها. وتوصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن الصغار الذين يعيشون بالقرب من توصيلات الضغط الكهربي العالي، أو يمرون بالقرب منها أثناء ذهابهم إلى مدارسهم وعودتهم منها - هؤلاء الصغار يتضاعف معدل إصابتهم بالسرطان مقارنة بأقرانهم ممن لا يتعرضون للمجالات الكهربية. وكانت أكثر أنواع السرطان شيوعا هي اللوكيميا وسرطانات الجهاز العصبي. وبذلك أيدت نتائج هذه الدراسة نتائج دراستين مشابهتين سابقتين لهذه الدراسة، الأولى لمجموعة باحثين من جامعة كولورادو عام 1979م أجروا بحثهم على 344 طفلا كانوا قد ماتوا بالسرطان، والثانية لباحثين من جامعة نورث كارولينا أكدت نتائج دراستهم أن الأجهزة المنزلية كالثلاجات والغسالات وغيرها تولد مجالات كهربية لها أضرار على صحة الصغار على وجه الخصوص، وقامت مجموعة بحثية أخرى بقياس المجالات الكهربية في غرف النوم وغرف الأطفال لعينات من المنازل، واكتشف الدارسون أن بعض سكان هذه المنازل يصابون بالسرطان في مناطق الجسم التي تتعرض أثناء النوم لإشعاعات كهربية كثيفة. فمنهم مثلا من أصيبوا بسرطان المخ لأن رءوسهم ظلت في فترة النوم على مدى سنوات عدة ملاصقة لجدران تمر منها توصيلات كهربية. هذا من تأثير الإشعاعات الكهربية. أفلا يكون أثر الإشعاعات النووية التي تتسرب إلى البيئة أعتى وأقسى؟ بلى، تدل الإحصائيات على أن نحو نصف مليون إنسان قد ماتوا بالسرطان منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها (1945) وذلك نتيجة مباشرة لمصدر إشعاعي واحد هو التفجيرات النووية لاختبار الأسلحة الذرية المخترعة. هذا ما نشرته أخيرا "منظمة الأطباء العالميين لمنع الحرب النووية" في لندن.

وبعد - فلعل القارئ قد استبان مما ورد في هذه المقالة أن هموم البشرية من التلوث البيئي لا تتعلق فقط بما هو مرئي أو محسوس منه. بل واقع الأمر أن التلوث الخفي ربما كان أعتى وأعظم خطرا.