اقتصاد المعرفة

اقتصاد المعرفة
        

يعتبر «اقتصاد المعرفة» فرعا جديدا من فروع العلوم الاقتصادية، ظهر في الآونة الأخيرة، ويقوم على فهم جديد أكثر عمقا لدور المعرفة ورأس المال البشري في تطور الاقتصاد وتقدم المجتمع.

          إن مفهوم «المعرفة» ليس بالأمر الجديد بالطبع، فالمعرفة رافقت الإنسان منذ أن تفتح وعيه، وارتقت معه من مستوياتها البدائية مرافقة لاتساع مداركه وتعمقها حتى وصلت إلى ذراها الحالية، إلا أن الجديد اليوم هو حجم تأثيرها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعلى نمو حياة الإنسان عموما، وذلك بفضل الثورة العلمية التنكولوجية، فقد شهد الربع الأخير من القرن العشرين أعظم تغيير في حياة البشرية، ألا وهو التحول الثالث أو الثورة الثالثة، على حد تعبير الفين توفلر بعد الثورة الزراعية والثورة الصناعية، وتمثّل بثورة العلوم والتقانة فائقة التطور في المجالات الإلكترونية والنووية والفيزيائية والبيولوجية والفضائية..، وكان لثورة المعلومات والاتصالات دور الريادة في هذا التحول فهي مكنت الإنسان من فرض سيطرته على الطبيعة إلى حد أصبح عامل التطور المعرفي أكثر تأثيرا في الحياة من بين العوامل الأخرى المادية والطبيعية، لقد باتت المعلومات موردا أساسيا من الموارد الاقتصادية له خصوصيته بل إنها المورد الاستراتيجي الجديد في الحياة الاقتصادية، المكمل للموارد الطبيعية.

          وتجدر الإشارة إلى أن بعض الباحثين قد شبه المعرفة بالنقود أو الإلكترون لا يمكن لصاحبها أن يشعر بقيمتها إلا إذا تحركت، إنها المورد الوحيد الذي لا ينضب، بل وعلى العكس من ذلك كما في خصائص مفهوم المعرفة يزداد حجمه باستمرار فيما لو أخضع للتشارك والتحاصص. وجاء في دراسة قدمت إلى مؤتمر التعليم العالي الذي عقد أخيرًا في دمشق، تلجأ المؤسسات حاليا في سعيها لتنمية اقتصادها إلى وضع استراتيجية تعليمية ضمن إطار ما يسمى باقتصاد المعرفة لنشر المعرفة داخليا على كل المستويات الإفرادية والمجموعاتية، وعلى مستوى المؤسسة ككل، وذلك بهدف توليد مقدرات على صعيد تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة وتحسين أدائها.

          إنه من المؤكد أن تطبيق استراتيجية تعليمية في المؤسسة سيساعد المديرين في خلق عمليات جماعية وافرادية تمكن من رفع مستوى جودة العمل، وبالتالي توليد قيم إضافية لـه تزيد من الموارد المالية للمؤسسة، وتشير الدراسة إلى تطور مفهوم الاقتصاد الجديد بحيث أصبح ينظر إليه كأسلوب جديد في المقاربات الاقتصادية، وذلك في خضم الحدث عن تطور الاقتصاد كعلم لدرجة صار بعض الاقتصاديين يعتبر الاقتصاديات الحديثة منظومة تكيفية ديناميكية، بدلا مما كان ينظر إليها كمنظومات توازن مغلقة ومعقدة ولفترة طويلة. إن أهم ما يميز الاقتصاد الجديد اعتماده على مصادر أخرى غير الطاقة وهي مصادر غير حسية كالمعرفة والمعلومات وإدارة المعرفة، لدرجة غدت عندها تلك المصادر غير الملموسة مجالا رحبا للتنافس العالمي وأصبحت موضوعا لمهن مستقبلية في إطار المنظومة الاقتصادية العامة فضلا عن كونها مولدا فعليا للثروة، ويمكن وصف الوضع الحالي للاقتصاد بأنه يقع في منتصف الطريق بين الاقتصاد التقليدي المتوازن المغلق القائم على الطاقة وبين الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة، لعل البعض ومنهم عالم الإدارة الأمريكي «بيتر دروكر» يرى أن العالم صار يتعامل فعلا مع صناعات معرفية تكون الأفكار منتجاتها والبيانات موادها الأولية والعقل البشري أداتها، إلى حد باتت المعرفة المكون الرئيسي للنظام الاقتصادي والاجتماعي المعاصر، من هذا المنطلق أصبحت البشرية على عتبة عصر جديد تلعب فيه إجراءات حقن الاختراعات في الاقتصاد وتقارب التقانة العالية دورا مفتاحيا في تسريع حركة المعرفة وضخها من أقنية العولمة الجارية حاليا، في هذا السياق بزغت مفاهيم الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية التي تشكل المعرفة جوهرها والقوة المحركة الرئيسية فيها.

مستلزمات أساسية

          يرى أحد الباحثين أن لاقتصاد المعرفة مستلزمات أساسية أبرزها:

          أولا - إعادة هيكلة الإنفاق العام وترشيده وإجراء زيادة حاسمة في الإنفاق المخصص لتعزيز المعرفة ابتداء من المدرسة الابتدائية، وصولا إلى التعليم الجامعي مع توجيه اهتمام مركز للبحث العلمي، وتجدر الإشارة هنا إلى أن إنفاق الولايات المتحدة في ميدان البحث العلمي والابتكارات يزيد على إنفاق الدول المتقدمة الأخرى مجتمعة، مما يساهم في جعل الاقتصاد الأمريكي الأكثر تطورا ودينامية في العالم.«بلغ إنفاق الدول الغربية في هذا المجال 360 مليار دولار عام 2000م كانت حصة الولايات المتحدة منها 180 مليارا».

          ثانيا - وارتباطا بما سبق العمل على خلق وتطوير رأس المال البشري بنوعية عالية، وعلى الدولة خلق المناخ المناسب للمعرفة، فالمعرفة اليوم ليست «ترفا فكريا» بل أصبحت أهم عنصر من عناصر الإنتاج.

          ثالثا - ادراك المستثمرين والشركات أهمية اقتصاد المعرفة، والملاحظ أن الشركات العالمية الكبرى «العابرة للقوميات خصوصا» تساهم في تمويل جزء من تعليم العاملين لديها ورفع مستوى تدريبهم وكفاءتهم، وتخصص جزء مهم من استثماراتها للبحث العلمي والابتكار... إلخ.

المعلومات والمعرفة.. معالجة معلوماتية اقتصادية

          إن استمرار المعلومات والمعرفة بالانتشار في جل الأنشطة الرقمية التي تسود معظم قطاعات الأنشطة الاقتصادية بات يحتم ضرورة معاودة التفكير بهذا المورد الجديد، الذي بدأ يحمل تأثيرات ملموسة على الآلة الاقتصادية العالمية.

          ترتكز اقتصاديات معالجة المعلومات إلى ثلاثة محاور رئيسية هي: معالجة المحتوى الذي يمثل موارد التصنيع المعلوماتي ومعالجة المعلومات التي تمثل أدوات الإنتاج وشبكات الاتصال التي تمثل قنوات التوزيع للزبائن.

          إن أهم مقوم في صناعة المعرفة هو المحتوى المعرفي الذي يتألف من التراث الرمزي الإنساني من نصوص وقواعد وبيانات وقواعد معرفية وأفلام وموسيقى وآليات مستحدثة، تستثمر هذا المحتوى لإبداع محتوى جديد من أجل هذا بدأت الولايات المتحدة ومؤسساتها العملاقة بالسعي إلى إحكام قبضتها على موارد المحتوى تمهيدا لفرض هيمنتها على عجلة الاقتصاد المعلوماتي العالمي.

          إن الأنموذج الاقتصادي المطلوب لمعالجة قيمة المعرفة، وإيجاد الصياغات الرياضية الملائمة لاحتسابها يرتكز إلى حقيقة أن قيمة المعلومات تنشأ عن طبيعة المحتوى الذي يمكن استثماره بنشاط أو عملية لإنتاج عائد اقتصادي.

          وإذا حاولنا تتبع أهم المفردات الكلفوية لمادة المعرفة نجدها تنقسم إلى المحاور التالية:

          المحور الأول - كلف تطوير وإنشاء المحتوى المعلوماتي أو المعرفي.

          المحور الثاني - الكلف السوقية لتداول المعلومات.

          المحور الثالث - كلف جمع المعلومات من مواردها المنتشرة في النظم المعلوماتية، يضاف إلى هذه المحاور مفردات تعتمد على هدية مستثمر المعلومات وطبيعة الأهداف المرسومة لخطط استثمارها.وعليه فإن المعادلة الرياضية لوصف قيمة المعلومات ستكون بصيغتها الشمولية كما يلي: قيمة المعلومات = دالة «طبيعة المعلومات، المستخدم، أهداف المستخدم أو المؤسسة، العمليات، العائد».

إدارة المعرفة

          تتألف إدارة المعرفة من العمليات التي تهدف من كسب المعرفة أو استخدامها تحقيق مردود اقتصادي ملموس، وعليه يتألف نظام إدارة المعلومات من العمليات والتقنيات التي يتم توظيفها في ضوء رؤيا واستراتيجية المؤسسة بحيث توفر المعرفة العلمية والتطبيقية اللازمة لحل المشكلات التي تعترض العاملين في دائرتها، يقيم هذا النظام علاقات جدلية مع الثقافة والاستراتيجية السائدة في البيئة التي يقيم فيها وسلاسل القيم السائدة في البنية الاقتصادية، فيستمد منها موارده ويحدد معالم آليات التعامل مع تفاصيلها الدقيقة، مما يثمر عنه الارتقاء بالرأسمال البشري، وتعميق المعرفة بموارد المعلومات المتاحة لضمان القدرة على التنافس، والاستمرار في الوقوف بمكان الصدارة. بصورة عامة يتألف رأس المال المعرفي من عنصرين متفاعلين هما: العنصر البشري الذي يتفاعل مع المعرفة ويستوعبها ويحيلها إلى واقع ملموس ونجاحات مستمرة، والمعلومات التي تستقر في النتاج الإنساني المنتشر في الفكر الموثق والإنجازات الفكرية للجنس البشري، وصياغة الأسئلة التي تفتقر إلى حلول ترقى بالإنسان على الطبيعة المحيطة به.

يـاصَمتُ ما أحْناك لو تَسْتَطيع تـلِـِفّني، أو أنـني أسْـتَطيع
لـكن شـيئا داخـلي يـلتظي فـيخفق الـثّلْجُ، ويَظْمى الربيع
يَـبْكي، يـغنّي، يجْتَدي سامعًا وهو المغنّي والصدى والسميع
يـهْذي فيجْثو اللّيل في أضْلُعي يـشوي هزيعًا، أو يدمي هزيع


البردوني

 

حواس محمود