إلى أن نلتقي أنور الياسين

إلى أن نلتقي

غادة.. وأحلام البنات

برغم مرور أشهر على انتهاء الدورة الأولمبية السادسة والعشرين في أتلانتا ما زالت حالة الغضب تجتاح بلادنا العربية.

ولم يكن السبب أن أغلب أبطالنا الرجال قد عادوا بأيد خاوية من أي ميدالية من أي معدن، فقد كنا نتوقع هذا، بل إننا تعودنا هزائمهم في مجال الرياضة مثلما في بقية المجالات. ولكن غضبنا كان سببه الحقيقي هو فوز امرأة - والعياذ بالله - بتلك الميدالية الذهبية.

والمشكلة أن البطلة السورية غادة شعاع قد فازت بها في مسابقات السباعي الصعبة التي تتضمن قفز الحواجز والوثب العالي والوثب الطويل ورمي الجلة وقذف الرمح والوثب السريع وسباق ال 800 متر. أي أنها فازت في "الرياضة الأكمل" كما يطلق عليها، واستطاعت بنت قرية "محردة" أن تجمع 6780 نقطة بفارق 172 نقطة عن أقرب منافسة لها.

وهكذا ترون أن هذه الفتاة الصغيرة قد استطاعت أن تفشل كل جهودنا من أجل محاصرة المرأة ودفعها إلى العودة للمنزل واستئصال شأفتها من الحياة العامة. وضاعت بذلك الحرب الدعائية الكبرى التي أقمناها من أجل إسدال الحجاب على المرأة أولا ثم نفي وجودها وشخصيتها أخيرا. ضاع كل هذا في دورة أولمبية واحدة.

بل إن هذه الدورة كلها جاءت على خلاف ما نهوى. فبعد مائة عام من الألعاب الأولمبية يمكن أن يطلق عليها دورة المرأة. فقد بلغ عدد النساء المشاركات فيها 3779 امرأة أي أكثر من دورة برشلونة بحوالي 40% وشملت مشاركاتها كل أنواع الرياضات حتى التي لم تشارك فيها من قبل مثل صعود الجبال بالدراجات والكرة الطائرة على الشاطئ.

واختلف أيضا موقف الدول الإسلامية. ففي برشلونة حضرت وفود 35 دولة معظمها من العالم الإسلامي بوفود خالية تماما من أي امرأة، الأمر الذي أثار المجموعة الأوربية وجمعيات الدفاع عن حقوق المرأة وطالبت اللجنة الأولمبية بحرمان أي دولة لا تكون المرأة ممثلة في وفدها من الألعاب، لأن هذا دليل على التمييز بين الجنسين. وقد غيرت إيران موقفها لأول مرة منذ الثورة الإسلامية فيها واشتركت في دورة أتلانتا بلاعبة واحدة.

نعود لسؤالنا الأساسي.. كيف يمكن القضاء على آثار هذا الانتصار الذي حققته غادة شعاع قبل أن يتحول إلى حلم لكل الفتيات العربيات؟

لقد قضينا من قبل على الجزائرية حسيبة بولمرقة التي فازت بالميدالية الذهبية في سباق 1500 متر في دورة برشلونة، فقد تمت محاصرتها بالشتائم والبصاق في أي مكان ذهبت إليه لأنها جرؤت على الجري عارية الساقين أمام أنظار آلاف من الرجال الغرباء. وقد كانت حملة الرفض من العنف بحيث اضطرت لممارسة الرياضة بالخفاء وحبس نفسها داخل البيت بعيدا عن الأضواء.

ألم يكن هذا الانتصار أكثر فاعلية من أي ميدالية ذهبية؟

ماذا نفعل الآن والعالم كله يسير في طريق المساواة وعدم التمييز بين الجنسين. بل إنهم قد اعتبروا الصين هي الدولة الأفضل في الدورة لأنها كانت الدولة الوحيدة التي تساوى في وفدها عدد الرجال مع عدد النساء. ماذا نفعل مع أمثال هاته النسوة النابغات اللاتي تتمرد عقولهن على الحجاب وتحلق أرواحهن بعيدا فوق كل قوانين العزل ومنع الاختلاط؟!

باختصار كيف يمكن القضاء على أحلام فتاة مثل غادة شعاع وهي التي اتسع حلمها ليشمل العالم كله ؟.. بل.. كيف يمكن القضاء على أحلام الفتيات العربيات؟

 

أنور الياسين

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات