انهيار الطبقة الوسطى.. د. أحمد أبوزيد

انهيار الطبقة الوسطى.. د. أحمد أبوزيد
        

تتعرض الطبقة الوسطى فى كثير من دول العالم بما فيها الدول العربية لعدد كبير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية  تهدد وجود تلك الطبقة وتنذر باحتمال تآكلها وتراجعها إن لم يكن اختفاؤها تمامًا.

          بعد أن كانت الطبقة الوسطى تعتبر هى العمود الفقرى فى بناء المجتمع الحديث بفضل الدور الاقتصادى الذى تقوم به والقيم الاجتماعية والأخلاقية التى تتمسك بها، والتى تعتبر هي المثل الأعلى الذى يوجه ويقود أفراد المجتمع نحو أهداف معينة ثابتة مستمدة من التراث الاجتماعى والثقافى ومن الرؤية الواضحة للمستقبل وما ينبغى أن تكون عليه حياة الناس فى عالم الغد أخذت هذه الطبقة في التدهور.

          وهناك دلائل كثيرة تشير إلى تدهور أوضاع هذه الطبقة حتى فى مجتمعات العالم الغربى الصناعية المتقدمة، التى كانت تعتبر دائما هى البيئة التى أفرزت تلك الطبقة وساعدت على نموها وازدهارها، ولكن التغيرات الاقتصادية التى أدت إلى ازدياد البطالة وقلة فرص العمل وتدهور الأجور رغم ارتفاع تكاليف المعيشة والتصاعد الرهيب فى أسعار الضرورات الأساسية وتضخم الديون إلى جانب تراجع القيم التى كانت تحملها تلك الطبقة طيلة العقود الطويلة السابقة وزحف سلوكيات وأنماط جديدة من قيم وأخلاقيات كانت تعتبر ممجوجة ومنبوذة من المجتمع ككل لارتباطها بمواقف وأفكار مرفوضة تتآلف كلها الآن ضد تماسك هذه الطبقة وتمثل مصدرا خطيرا يهدد كيانها واختفاء ملامحها الأساسية ومقومات وجودها مما يثير التساؤلات حول ماالذى يمكن عمله لتفادى النتائج الاجتماعية والاقتصادية بل والسياسية الوخيمة التى قد تترتب على الاختفاء المحتمل بل والمتوقع لهذه الطبقة إن لم يتم التصدى لتلك العوامل المناوئة والقضاء عليها أو على الأقل التخفيف من آثارها السلبية.

ما الطبقة الوسطى؟

          وقد يكون من الصعب الحصول على تعريف متفق عليه للطبقة الوسطى و الدعائم الأساسية التى تقوم عليها والملامح الخاصة التى تنفرد بها وتميزها بوضوح وبشكل قاطع عن غيرها وذلك نظرا لوقوعها بين طرفين مختلفين أشد الاختلاف وهما الطبقة الدنيا التى قد يشار إليها من باب التأدب أحيانا باسم الطبقة العاملة أو أصحاب الياقات الزرقاء والطبقة العليا الغنية المترفعة عن بقية فئات المجتمع، ونظرا أيضا لتعقد وكثرة الفئات التى تدخل فى تكوين الطبقة الوسطى ذاتها أو التى تحب أن تنسب نفسها إليها والتى تضم أصحاب المهن الرفيعة المميزة اجتماعيا مثل أساتذة الجامعات والأطباء ورجال القضاء والمحامين ورجال الأعمال ومديرى البنوك ومن إليهم. وكثيرا ما تختلف الآراء حول انتساب بعض هذه الفئات إلى تلك الطبقة لسبب أو آخر. ومن الطريف هنا أن نجد أنه فى أحد المسوح التى أجريت فى بريطانيا أخيرًا حول نظرة الناس إلى أنفسهم وإلى الطبقة التى ينتسبون - فى رأيهم - إليها أن نسبة من المشتغلين فى حرفة البناء يعتبرون أنفسهم من الطبقة الوسطى بينما تعتبر نسبة من مديرى البنوك أنفسهم من الطبقة العاملة وإن لم يستخدموا لفظ الطبقة الدنيا.

          ولقد لقيت ثقافات الطبقات الاجتماعية كثيرا من الاهتمام فى السنوات الأخيرة وإن كان عالم الأنثروبولوجيا الأمريكى أوسكار لويس كتب عن ثقافة الفقر منذ ثلاثينيات القرن الماضى. ولعل أهم من يهتم بهذا الموضوع فى الوقت الراهن، وبخاصة فيما يتعلق بما سيكون عليه الوضع فى المستقبل هو ريتشارد سينت Richard Sennett أستاذ علم الاجتماع فى مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ،وبخاصة فى كتابه القيم بعنوان The Hidden Injuries of Class وفيه يلقى مزيدا من الأضواء على المشكلات التى تواجه الطبقة الوسطى والتى تهدد استمرارها مثل الديون المتراكمة وعدم توافر الأعمال المناسبة أو الدائمة التى تكفل لها تعليم أولادها التعليم الذى يتلاءم مع قيمها المتوارثة ومع نظرتها للحياة وتطلعاتها للمستقبل. ويعتبر الالتحاق بالجامعات والتعليم العالى أحد أهم محكات الطبقة الوسطى فى كثير من المجتمعات وإن كان طرأ بعض التغيرعلى ذلك المحك بعد أن اعتنقت بعض الدول سياسة فتح أبواب مجانية التعليم الجامعى أمام كل أفراد الشعب بغير استثناء، واعتبرت الطبقات العاملة الفقيرة تلك السياسة طريقا للصعود إلى مستوى الطبقة الوسطى، لأنها تفتح أمامهم أبوابا جديدة للعمل والارتفاع بالمستوى الاجتماعى والاقتصادى وكذلك الارتقاء بنوعية التفكير والاطلاع على الثقافات الأخرى والاحتكاك بأشخاص لهم قدرات وإمكانات خاصة يفتقرون هم إليها، ولكنها كفيلة بأن تحقق لهم النقلة الاجتماعية والاقتصادية المنشودة وتتيح لهم فرصة أوسع لاختيار المهنة أوالعمل غير اليدوى الذى يحتاج إلى مهارات ذهنية وليس إلى القدرات الفيزيقية وحدها مع توسيع الأفق الفكرى والنظرة إلى العالم من منظور عقلانى موضوعى ومحايد قلما كان يتاح لهم من قبل.

الصراع من أجل البقاء

          والغريب فى الأمر أنه فى الوقت الذى تتزايد فيه ثروات بعض المجتمعات والدول بشكل واضح ومثير، مع تضخم مبالغ فيه فى ثروات القطاعات الغنية فعلا، تعانى الطبقة الوسطى من صعوبات الحياة وتصارع بقوة من أجل الحفاظ على مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية التى عايشتها طويلا، بحيث أصبحت من المؤشرات المميزة لها. فمعظم الثروة فى المجتمعات الرأسمالية على الخصوص يتركز فى أيدى عدد محدود من الأفراد بينما تعانى الملايين من قسوة الحياة ومتطلباتها المتزايدة. وتزداد وطأة هذه المعاناة على الطبقة الوسطى التى يتعين عليها الالتزام بأنماط معيشية وسلوكية وأخلاقية معينة، كانت دائما مصدر اعتزاز وكبرياء لأعضائها. فليس يكفى ثراء الدولة كمؤسسة إن لم يكن للأفراد نصيب من هذا الثراء. وكما يقول ريتشارد لفنيس Richard Levnis أستاذ الاقتصاد التطبيقى بجامعة منيسوتا إن أحد المزارعين الذين عمل معهم لسنوات طويلة قال له ذات مرة إنه حين تجلس مجموعة من الجوعى لتناول الطعام فإن الذى يهم ليس هو فقط حجم (الفطيرة) ولكن أيضا حجم الشوكة المستخدمة فى الأكل. و يبدو أن العالم، وبخاصة فى الغرب الصناعى المتقدم يتحول إلى مجتمعات ثنائية التكوين تتألف من طبقتين اثنتين: طبقة عليا صغيرة الحجم ولكنها صارخة الغنى والثراء وطبقة دنيا فقيرة مع بعض الاختلافات والتفاوتات فى درجة الفقر ولكنها تضم بقية أعضاء المجتمع دون أن يكون هناك شئ بين الطبقتين يؤلف حدا وسطا يقف بينهما على ماكانت تفعله الطبقة الوسطى التى قد لاتكون بالغة الغنى ولكنها لم تكن تعانى من قسوة الحياة ومذلة الفقر وهوانه.

عند حدود الفقر

          وعلى أية حال فكثيرمن الكتاب فى العالم الغربى المتقدم يرون أن الطبقة الوسطى تدلف إلى القرن الواحد والعشرين وهى ترزح تحت أعباء الحياة ومشكلات الفقر وتعيش فى ظروف تكاد لا تختلف عن تلك التى تسود فى المجتمعات النامية فى العالم الثالث، وأن دخلها  يكاد لا يكفى لسد مطالبها الضرورية وأن أوضاعها الحياتية لا ترتفع كثيرا عن حد الفقر، ويصدق هذا إلى حد كبير على المجتمع الأمريكى الذى يمثل قمة الغنى والتقدم مما يدفع بعض الكتاب إلى القول إن الولايات المتحدة تعيد تشكيل نفسها على غرار دول أمريكا اللاتينية لأن الرابحين الحقيقيين فى الاقتصاد الجديد هم أصحاب رءوس الأموال الطائلة من الطبقة العليا الغنية، الذين يعملون عمدا على تحويل الفئات العاملة من الطبقة الدنيا بل والوسطى إلى شكل الجماعات المعدمة المقهورة فى العالم الثالث، كما يعيدون تشكيل الدولة ذاتها على صورة جمهوريات الموز، و أنه لو استمر الحال على هذا المنوال فسوف تتحول أمريكا فى المستقبل غير البعيد إلى مجتمع يقوم على اقتصاد ذى مستويين، حيث تشغل المستوى الأعلى منهما طبقة صغيرة محدودة من الأغنياء الذين يتمتعون بالثراء الفاحش والسلطة السياسية بينما يحتل المستوى الأدنى بقية السكان بمن فيهم الطبقة الوسطى المتآكلة، والتى تتهاوى إلى الأرض كما لو كان بفعل الجاذبية. وليس أدل على ذلك من أن رب الأسرة من الطبقة الوسطى فى المجتمعات الغربية الغنية كان حتى عهد قريب يكتفى بممارسة عمل واحد دائم يضمن للأسرة دخلا ماديا معقولا ويوفر لهم مستوى معيشيا مقبولا يكفى لتلبية كل متطلباتهم مع القدرة على توفير جانب منه للمستقبل. وقد اختفى ذلك كله الآن بحيث قد يضطر كل من الزوجين لمزاولة أكثر من عمل واحد دون أن يكفل ذلك للعائلة تغطية تكاليف معيشتها فضلا عن توفير أى شيء على الإطلاق. ومما قد يكون له بعض الدلالة هنا أن أكثر من 90% من حالات الإفلاس فى أمريكا عام 2003 كانت بين أبناء الطبقة الوسطى على ما جاء فى نشرة صدرت فى ديسمبر عام 2004 عن Drum Major Institute.

          وقد ألقت العولمة كثيرا من الأعباء والضغوط والتوترات الإضافية على الطبقة الوسطى التى يعتبرها الكثيرون العمود الفقرى لاقتصاديات السوق والديمقراطية. وإذا كانت العولمة قد أفادت - ولو فى حدود معينة - الطبقات الفقيرة والمعدمة فى كثير من الدول بما وفرته من خدمات تعليمية وصحية ولو محدودة، وإذا كانت قد أتاحت الفرص الواسعة والاستثنائية للطبقات الغنية والموسرة لجمع مزيد من الثروات والامتيازات فإن الطبقة الوسطى فى معظم هذه المجتمعات لم تحظ بنصيب عادل من تلك الفوائد والمكاسب، بل كان الأمر فى الأغلب عكس ذلك تماما حيث واجهتها المصاعب التى أدت إلى إهدار مستواها الاقتصادى وانهيار دورها الاجتماعى التقليدى الذى ظلت تحافظ عليه طيلة العقود التى شهدت قيامها وازدهارها مع الثورة الصناعية حسب مايقول جيوفرى جاريت Geoffrey Garrett في مقال له بمجلة Foreign Affairs (عدد نوفمبر/ديسمبر 2004) تحت عنوانGlobalization's Missing Middleوهو عنوان كاشف إلى حد بعيد.

          وربما كان تراجع القيم التى تحملها الطبقة الوسطى فى المجتمع المعاصر واحتمال زيادة هذا التراجع بمرور الزمن هو الأمر الذى يثير أكبر قدر من القلق والانزعاج والألم ويسبب الأزمة التى يبحث المفكرون عن إيجاد حل لها، خاصة أن الطبقة الوسطى كانت تؤلف دائما مايعتبره هؤلاء المفكرون (روح المجتمع)، وأن مجتمعا بغير طبقة وسطى تحافظ على التوازن بين الأغنياء والفقراء هو مجتمع بغير روح.. وهذا يستدعى ضرورة البحث عن وسائل وأساليب تكفل إعادة التوازن الاجتماعى من خلال إخضاع القيم المستجدة للدراسة والتحليل والنقد المباشر.ولكن هل هذا يعنى أن الطبقة الوسطى سوف تختفى من الوجود تماما أمام هذه التغيرات الاقتصادية التى تحملها تيارات العولمة على ما تذهب إليه بعض الآراء؟ أم أن هناك أملا فى أن تسترد هذه الطبقة حيويتها وفاعليتها المفقودتين، حتى وإن كان ذلك سوف يستغرق بعض الوقت ويتطلب حدوث تعديلات جذرية فى بناء مجتمع الغد وهى تعديلات قد يصعب تحديدها مسبقا وإنما سوف تفرضها الأوضاع المستجدة فى المستقبل؟

          والطريف هنا ? وهو ماله دلالته فى الوقت نفسه - أن اعضاء الطبقة الوسطى الذين يترفعون عن أساليب وقيم الطبقة الدنيا ينظرون إلى أعضاء الطبقة العليا على أنهم فئات من الكسالى الذين تغلب عليهم سمات التفاهة والسطحية ويعيشون على جهود الآخرين. فلم يعد الدم الأزرق النبيل يجرى فى عروق الطبقة العليا التى تؤازرها آليات العولمة بل حل محله دم الدولارات الأخضرالذى يحفز على الاستخفاف بمشاعر الآخرين الأقل غنى وثراء فلم يعودوا يكترثون - كطبقة - بالعواطف النبيلة أو الروابط الاجتماعية السامية اوالإحساس بالمسئولية الأخلاقية إزاء المجتمع، وإن كانوا فى الوقت ذاته يتوهمون أنهم ينفردون دون غيرهم بالمشاعر الإنسانية الرفيعة والقيم الأخلاقية الراقيةعلى مايقول جيمس كوكس James Cox فى دراسة طريفة مقارنة للطبقة الوسطى فى بريطانيا كما سجلتها بعض عيون الأدب الإنجليزى وبوجه خاص بعض مسرحيات أوسكار وايلد وكتابات جورج أورويل.

الطبقة وثقافتها

          وبصرف النظر عما قد يكون فى هذه الأحكام والآراء من تحامل فإن السؤال الذى يلح على أذهان الكثيرين من الكتاب فى الوقت الحالى هو إذا ماكان للطبقات الاجتماعية وبخاصة الطبقة الوسطى ثقافات معينة تميز كلا منها عن غيرها وما مقومات هذه الثقافة وما الملامح والخصائص الأساسية لسلوك وتفكير أعضائها وكيف يمكن المحافظة عليها وإحياء مااندثر منها؟

          وتختلف الإجابات عن هذا السؤال بالرغم من الاعتراف بأن للطبقة محددات تتعلق بالبيئة الجغرافية والعرق واللون والدين والانتماءات السياسية والقومية التى تربط الأشخاص الذين يشتركون معا فى هذه الأبعاد وتميزهم عن غيرهم، والتى كثيرا ماتتدخل فى تحديد المكانة التى يشغلونها فى المجتمع بكل مايترتب على ذلك من حقوق وواجبات والتزامات وطبيعة وشكل العلاقات التى تربطهم بغيرهم سواء داخل مجتمعهم الخاص أم خارجه. ومع ذلك فالظاهر هو أن المحك الرئيسى فى تحديد الطبقة لايزال هو العامل الاقتصادى رغم عدم كفايته وبخاصة فى عالم تحكمه عوامل التغير المتزايد والمتلاحق وسرعة واتساع نطاق الحراك الاجتماعى والديموجرافى كما هو حادث الآن بالفعل مما يؤدى إلى تداخل ثقافات الطبقات بعضها فى بعض بحيث يكاد يكون من الصعب التمييز بشكل قاطع بينها.

النمو.. في مكان آخر

          ومع ذلك فإنه على الرغم من كل مايقال عن تآكل الطبقة الوسطى وتراجع دورها? وهى أقوال تعززها المشاهدة الواقعية والدراسات الميدانية - فإن ثمة ما يشير إلى نمو هذه الطبقة فى بعض المجتمعات الغربية، أو على الأقل تزايد أعداد الذين يعتبرون أنفسهم ومن وجهة نظرهم الخاصة أعضاء فى الطبقة الوسطى، بصرف النظر عن مدى توافر المعايير الموضوعية التقليدية التى تقوم هذه الطبقة على أساسها والتى تحدد الانتماء إليها. ففى بريطانيا - على سبيل المثال - تشير إحدى النشرات الصادرة فى بداية هذا العام (2007) عن مؤسسة المستقبل Future Foundation إلى حدوث زيادة تقدر بـ 44% فى عدد الذين يعتبرون أنفسهم من الطبقة الوسطى خلال الأربعين سنة الأخيرة وأنه على الرغم من أن أكثر من نصف عدد السكان لايزالون ينسبون أنفسهم إلى الطبقة العاملة، فالمتوقع أن يتغير الوضع بحيث يتفوق حجم الطبقة الوسطى حوالى عام 2020. بل إن هناك مايشير إلى احتمال ظهور أشكال أخرى من الطبقات الاجتماعية الجديدة التى لم تتضح معالمها تماما وإن كانت كلها أقرب إلى الطبقة الوسطى. وقد سبق أن أشرنا إلى اللبس القائم فى أذهان الكثيرين حول انتمائهم الطبقى نتيجة عدم وجود معايير قاطعة للتمييز، لدرجة أن يعتبر 29% من مديرى البنوك فى بريطانيا أنفسهم من الطبقة العاملة، فى الوقت الذى يرى 38 % من المشتغلين فى مجال البناء أنفسهم من الطبقة الوسطى. وقد يكون المعيار الذى تم الاستناد إليه هو الدخل المادى وحده وإغفال معايير أخرى مهمة مثل التنشئة والسلوك الاجتماعى والطموح والرغبة فى تحقيق النجاح والتقدم والأساليب المتبعة لبلوغ الأهداف المرجوة وغير ذلك من الاعتبارات المتعلقة بنسق القيم. والملاحظ بشكل عام أنه فى الوقت الذى يعطى أعضاء الطبقة العاملة الأولوية لمقدار الدخل المادى يهتم أعضاء الطبقة الوسطى بإبراز بعض الجوانب الأخرى ذات القيمة الاجتماعية، مثل مستوى التعليم ونوعية المسكن ومنطقة الإقامة وممارسة المهن والأنشطة التى تعتمد على المجهود الذهنى وليس على الجهد العضلى أو الفيزيقى وشبكة العلاقات الاجتماعية واتساع النظرة إلى الحياة كعوامل محددة، وأن الدخل المادى ليس هو المقياس الأمثل لتحديد الطبقة. فالاختلاف فى الرأى قائم، وهناك من المفكرين من يرون أن التفاضل الاجتماعى الطبقى هو أحد المساوئ التى ابتليت بها الإنسانية.

أمـوت وحبُّـها مَـوْتـي وأشــدو ظامِـئًـا هـاتِ
تـرويني لـَظـًى وهـَوَى وأتـبـعـهـا كـعاداتـي
فتـُقْـصِينـِي كعـَادَتِـها مجـاديفي ومـرسـاتـي
وأغـْسـِلُ مـن رَوائِحُهَا وأسألُ أيـن مـولاتـي؟


البردوني

 

أحمد أبوزيد