الميكروبات ومستقبل النفط

 الميكروبات ومستقبل النفط
        

نفوطنا العربية، كما نفوط العالم الآن، تعتمد على ما يتيسر استخراجه بالطرق المتاحة. لكن هناك نفوطًا في الأعماق يصعب استخراجها، والميكروبات أمل مستقبلي في استثمارهاضمن وظائف عديدة في المجال النفطي.

          تكتسب التقانة البيولوجية أهمية خاصة في الاقتصاد الوطني. في البداية اقتصر دورها على إنتاج المضادات الحيوية والأحماض الأمينية والفيتامينات والتخمر Fermentation. أما الآن فإن الأبحاث الميكروبيولوجية قادت إلى ظهور وتطور هندسة الجينات ونشر الصناعة الميكروبيولوجية خاصة تلك التي تساعد في حل بعض مشاكل الصناعة النفطية.

          من المعلوم أن جزءًا يسيرًا من الغاز الطبيعي يتسرب إلى سطح الأرض من طبقات النفط والغاز العميقة، وأن هذا الغاز تتغذى عليه البكتيريا التي تتجمع عند مخارج الغاز هذه. ولقد دلت الدراسات على أن كل نوع من البكتيريا يتغذى على نوع معين من الغازات، وعلى هذا فنوع البكتيريا يشير إلى نوع الغاز المتسرب وبالعكس. وبذلك، نستدل من نوع البكتيريا على وجود طبقات النفط أو الغاز في الأعماق، فالبكتيريا النباتية الموجودة على السطح في المنطقة الهوائية تنبئ بوجود نفط أو غاز تحتها على أعماق مختلفة.

          وفي المناطق ذات الظروف المناخية المعقدة التي تؤثر في توزّع وانتشار البكتيريا المرشدة، فإنه من الضروري إجراء مسح جيوميكروبيولوجي وهيدروكيميائي غازي سريع لتحديد مأمولية المنطقة من النفط والغاز. إن هذا المسح يساهم في تحديد شكل ومساحة منطقة الأمل وتوجيه المسح الجيوفيزيائي وتحديد مواقع الحفر التنقيبي.

زيادة مردود الطبقة من النفط

          تحقن المياه في الطبقات النفطية للحفاظ على ضغط الطبقة المستهدفة، ولكن مع الزمن فإن المياه تعيق حركة السائل داخل الطبقة وهذا ينقص مردود الطبقة. وهكذا فإن حقن الماء الذي يكون نافعًا في البداية يغدو ضارًا في النهاية.

          ولتلافي هذا النقص تستخدم الآن التقانة الميكروبيولوجية، وهي بسيطة ورخيصة وغير ضارة بالبيئة، ففي جمهورية تتارستان الروسية يخططون لرفع المردود من 3.5? إلى 23?. فهم لهذا الغرض يستنبتون على السطح كتلة حيوية من البكتيريا والبوليميرات ثم تحقن في الطبقة النفطية. ويحقن معها وحل فعال وبقايا دقيق المصانع وهواء وأملاح الآزوت والفوسفور. هذا الخليط عندما يصل إلى الطبقة النفطية يزيد من تكاثر البكتيريا ويفعّل نشاطه الحيوي فتطلق غاز ثاني أكسيد الكربون وتشكل الكحول والأحماض العضوية التي تساعد جميعها على تحرير النفط من فراغات الصخور الخازنة كما أنها تشكل كميات إضافية من CO2, H2, N, CH4 التي تنحل من النفط فتسهل حركته داخل الطبقة. وبهذه الطريقة يمكن رفع المردود إلى حوالي الهدف المطلوب.

          إن التقدم في مجال البكتيريا المجهرية والتكنولوجيا الحيوية والفيزياء والكيمياء والبوليميرات، قاد إلى ظهور ما يعرف بالبوليميرات الحيوية التي أدى استخدامها إلى زيادة إنتاج النفط اللزج. ولقد أمكن تصنيع محطات متنقلة لحقن هذه المواد في الآبار وتعديل خصائص المواد المطلوب حقنها وفق الحاجة.

          إن هذه الطرق الجديدة ساعدت على زيادة إنتاج بعض الحقول الروسية من 1.5 - 4 مرات وتأثيرها يظهر خلال سنة.

          إن لزوجة النفط تُعدّ معضلة كبيرة تواجهها الصناعة الاستخراجية. لقد استخرج معظم النفوط الخفيفة، وبقي النفط الثقيل وهو صعب الاستخراج إما بسبب لزوجته أو بسبب كون الخزان بالغ التعقيد.

          ويوجد الآن في العالم احتياطي من النفط الثقيل يقدر بحوالي ثلاثة تريليونات برميل، يحتاج استخراجها إلى تكنولوجيا معقدة ومكلفة. وتحتل التكنولوجيا الحيوية المجهرية Mycro biotechnology مركزًا متقدمًا في معالجة مشاكل الاستخراج.

          وتخفض البكتيريا النباتية كثافة النفط من 0.95 إلى 0.907 واللزوجة من 46.2 إلى 24 ميكاسنتيبواز. وقد زادت كمية المواد المحقونة في السنوات الأخيرة عن (16000)م3 معظمها من منشأ محلي، أما البكتيريا المجهرية النباتية فقد شكلت حموضًا دهنية وكحولاً وحمض الفحم وجزيئات من الهيدروجين. وقد تميزت هذه المواد المتشكلة من خصائص النفط والغاز والمياه الطبقية وأدت إلى زيادة الإنتاج بمقدار 30?.

          أما عن فصل الكبريت عن المشتقات النفطية فإن هذه هي مهمة محطات التكرير، وتعتمد على التكسير الحراري Hydrocracking والوسائط Catalysts.

          وقد توصلت الصناعة إلى إنتاج كميات عالية من المشتقات وفي حرارة غير عالية باستخدام الخمائر، ولكنها جميعها لم تنجح في فصل الكبريت بشكل سليم إذ كثيرًا ما ترافق فصله مع فقد 10 - 15? من الفحوم الهيدروجينية.

          وفي السنوات الأخيرة اكتشف علماء الميكروبيولوجيا طريقة حيوية تسرّع تفكك السلاسل الهيدروكربونية المرتبطة بالكبريت وتفصله عن النفط دون أن يؤثر ذلك في خصائص النفط. وهذه البكتيريا النباتية تستخدم في الحالتين الحيّة والمتجمدة.

          إن استخدام الوسائط البيولوجية في الصناعة سوف يزاحم مستقبلاً الوسائط اللاعضوية ويحل محلها.

تنظيف الآبار وحماية المعدات

          تعلق على جدران الآبار المنتجة للنفط وفي مواسير الإنتاج مواد إسفلتية وشحوم وبارافينات تعيق حركة النفط ويتطلب تنظيفها وقتًا طويلاً.

          ولكن الطريقة البيوتكنيكية المستخدمة في تنظيف جدران أنابيب الإنتاج تعتمد استخدام كائنات عضوية مجهرية تؤكسد الفحوم الهيدروجينية وتتغذى عليها حيث إن هذه الفحوم تدمص Adsorbent هذه العضويات، ومجرد تماس خلايا هذه العضويات مع الفحوم الهيدروجينية فإنها تغير خواصها ويستمر فعل البكتيريا لفترة طويلة بعكس التنظيف بالمعالجة الكيميائية التي لايستمر تأثيرها لفترة طويلة.

          كما تستخدم تقنيات حيوية جديدة لمنع التآكل، وتصنع أنابيب بلاستيكية معدنية عصية على التآكل كما تنظف التربة وأحواض الماء من الملوثات النفطية بالطرق الفيزيائية الكيميائية مع إضافات بيولوجية تنقص الملوثات النفطية بشكل ملحوظ.

          إن تقانة الميكروبيولوجيا يتعمق استخدامها في الصناعة النفطية عامًا إثر عام سواء في رفع مردود الطبقة النفطية أو تنظيف جدران الأنابيب أو حمايتها من التآكل أو المحافظة على بيئة نظيفة.

          ولايزال النفط الخفيف يتدفق غزيرًا من آبار الحقول العربية فيساهم في إرواء حاجة العالم إلى الطاقة الأحفورية التي لاغنى عنها في المستقبل المنظور لتحريك عجلة التقدم والازدهار. ولكن هذا النفط، لاشك، أخذ احتياطيه في التناقص. فهل يحضّر القيمون على الصناعة النفطية العربية لمرحلة استخراج النفط المتبقي في حقولهم  بطرائق الاستنضاب المدعم Enhanced oil) recovery)؟ وهل يعدون لاستخراج نفطهم الثقيل بالطرق الناجعة حيث تلعب تقانة الميكروبيولوجيا دورًا رائدًا في هذا المجال؟.

 

محمد محفوض   





احتياطي النفط يوازي ثلاثة تريليونات برميل ولكنه يحتاج الى تكنولوجيا شديدة التعقيد من أجل استخراجه





نجحت تكنولوجيا حقن الآبار بالميكروبات في رفع إنتاج حقول النفط في روسيا