الأدب الروسي الجديد وصناعة النماذج

الأدب الروسي الجديد وصناعة النماذج

مع انهيار الإمبراطورية السوفييتية، انهارت المنظومة العالمية التي تكونت بعد الحرب العالمية الثانية. ونتيجة لعوامل أخرى كثيرة بدأت منذ سنوات التسعينيات صياغة جديدة لمنظومة عالمية أقرب إلى أفلام الخيال العلمي. ومن ثم تزامنت مفاهيم انهيار الاتحاد السوفييتي مع مفاهيم الانهيار الكامل لكل النشاطات والإبداعات الإنسانية. ولعل الأدب الروسي، ومن بعده السوفييتي، ثم الأدب الروسي ما بعد السوفييتي تمثل سلسلة متصلة في حلقات متغيرة الأحجام والأشكال والنوعيات. وبالتالي فالحديث عنها بشكل عابر، وفي الوقت نفسه خاضع لمعايير المنظومة الإعلامية العالمية الجديدة، يعتبر تساهلاً.

المنظومة العالمية الجديدة تدَّعى موت الأيديولوجيا. ووسائل إعلام هذه المنظومة تربط على الدوام بين الأيديولوجيا وكل ما كان سوفييتيًا. على الجانب الآخر يقوم كتاب الغرب، وخصوصًا أوربا مثل ميلان كونديرا وأمبرتو إيكو في مؤلفاتهما الإبداعية ومقالاتهما وأحاديثهما الصحفية، بالتأكيد على مثل تلك المقولات. فهل مقولة «موت الأيديولوجيا» ليست في حد ذاتها مقولة أيديولوجية؟! هل أعمال كونديرا وإيكو ووجهات نظرهما لاتستند إلى أيديولوجيا؟! وهل الرأسمالية ليست أيديولوجيا؟! وفي النهاية، هل النظام العالمي الجديد لا يرتكز في وجوده على أيديولوجيا؟

لقد تعرضت الواقعية الروسية لشتى أنواع النفي والتشويش والتضليل خلال السنوات الأخيرة، ومن داخل روسيا نفسها، ما يجعلنا لا ننساق كثيرًا وراء الذين يفضلون اتهام الغرب بمعاداة روسيا، بل والابتعاد تمامًا عن الأحكام الجاهزة التي تبدو في جوهرها سطحية. ففي روسيا القيصرية كانت هناك الواقعية الروسية وإلى جانبها مجموعة مهمة من الاتجاهات مثل الطليعية والشكلية والحداثة، وفي روسيا السوفييتية كانت هناك الواقعية الروسية، والواقعية الاشتراكية التي أصبحت أيديولوجيا للنظام وتوجهًا عامًا له، إلى جانب العديد من النزعات والتيارات الأخرى. ولكن إذا نظرنا بعمق، فسنكتشف ببساطة شديدة أن مجمل النزعات والتيارات الموجودة على الأرض الروسية خرجت بشكل أو بآخر من رحم الواقعية الروسية (وهذه قضية خاضعة للنقاش، فبقراءة مجمل الأعمال الإبداعية منذ بداية القرن العشرين، حتى الأعمال التي كُتِبَت في المرحلة ما بعد السوفييتية بما فيها الحداثية وما بعد الحداثية وما بعد الأخلاقية، سنعثر فيها على بذور الواقعية الروسية، أي ببساطة، الحداثة الروسية وما بعد الحداثة تختلفان كثيرًا عن مثيلاتهما في الغرب!).

وكما يحدث في العالم كله من تمخضات وإرهاصات واكتشافات، تحدث أيضا في روسيا عملية ولادة تبدو متعثرة أحيانا، وطبيعية في أحيان أخرى، تبعًا لزاوية النظر التي نزعم أنها ليست واحدة، وليست بريئة تمامًا، وليست كاملة أيضًا. فحينما انهارت الإمبراطورية، انهارت معها جميع الأشكال المركزية تلقائيًا. انهار اتحاد الكتاب السوفييت وانقسم إلى 15 اتحادًا. وفى كل دولة انقسم الاتحاد إلى عدة اتحادات. والصورة في روسيا تبدو أوضح، حيث انقسم اتحاد الكتاب الروس إلى: اتحاد كتاب روسيا، واتحاد كتاب المواطنين الروس، واتحاد اتحادات الكتاب، واتحاد الكتاب الروس العالمي. بل أخذت الجمهوريات الفيدرالية الروسية تؤسس اتحادات كتابها بالشكل الذي يتراءى لها ولمثقفيها وسلطاتها المحلية طبعًا. من هنا حدث أيضا تقسيم حاد للأدب وعلى حد قول الناقدة الأدبية والباحثة في تاريخ الثقافة البروفيسورة ناتاليا إيفانوفا:

ثلاثة أنواع من الأدب

«ليس لدينا اليوم أدب واحد، وإنما أكثر من أدب. الأدب الذي يعتبر نفسه في المركز- والذي نسميه اصطلاحا: الأدب الأول- يعاني بشكل واضح من فقر الدم. فهو خامل وممل ولزج على الرغم من أنه يطلق على نفسه التسمية الجميلة «ما بعد الحداثة». إنه أدب هستيرى مفعم بالكآبة والخمول والانقباض. يعاني القارئ فيه من الصعوبة وعدم الراحة والملل ومن ثم يهرب منه إلى هناك حيث عالم آخر مليء بالضجيج والصياح على طريقة الأسواق- وهو عالم واضح بشكل غير طبيعي، مبهرج، مخادع، وحاد الرائحة. وهذا هو العالم الأدبي الثاني، حيث تلتهب هناك الغرائز وتعربد الصدامات وتدوي الرعود. هذا العالم مسكون بالشخصيات الجميلات والأنذال والأبطال. هناك يخسرون أموالهم ويُدَمَّرون، ويُنقَذون، ويربحون ثروات طائلة، ويُقتَلون. والأدب الثالث، يسير في الطريق القديم المعتاد دون أن يغير فطرته وإمكانياته التي ركن إليها مرة واحدة وإلى الأبد. يستمع فقط إلى أفكاره وهواجسه، يحافظ على قيمته وجدارته، ويلتزم الصمت إذا شعر بالحاجة. ويودِّع «النماذج والموضات العابرة». يتحدث حتى إلى نفسه بلغة إنسانية واضحة من دون هستيريا. إنه أدب جيد، وإنتاج حسن النوع ومتين. ولكن مع الأسف عيونه لا تتحرك ...». ولعل ما طرحته الباحثة ناتاليا إيفانوفا (بغض النظر عن الاختلاف أو الاتفاق) يبدو في غاية الأهمية من حيث السرد التاريخي لمرحلة ثقافية مهمة ليس فقط في حياة روسيا.

ذوبان الجليد

في عام 1989 بدأ ذوبان الجليد بالنسبة للأدب السوفييتي، واقتصرت حصته على مساحة إصدارات من كانت له علاقة بإطار «الأدب الآخر» من أمثال طوفار جارييف وإيفان جدانوف وألكسندر يرمينكو وسيرجي جاندليفسكي ويفجيني بوبوف ويوري أرابوف وفاليريا ناربيكوفا وديمتري بريجوف. هذه المجموعة من الكتاب ذكرت في مقالات كثيرة تحت عناوين مختلفة من بينها «الأدب الآخر» و«الأدب السيئ».

هناك ما يسمى بالتضاد الجماهيري للأدب، ولكن المسألة بالنسبة للوضع في السنوات الأخيرة في روسيا مختلفة قليلاً، إذ يبدو الأمر صدامًا بين إستراتيجيتين مرتكزتين على القيم الموجهة، ورفض أدب ما بعد الأخلاقية الذي أعلن عنه فيكتور يروفييف الذي نُشِرت مقالته «وليمة تأبين للأدب السوفييتي» في فترة ما يسميه النقاد الروس «اغتصاب الأدب ما بعد الحداثي للأدب التقليدي»، وبداية من تلك اللحظة التي أصبحوا يسمون فيها الأدب التقليدي بالأدب الآخر. أما الأدب «الآخر» فقد أصبح يرى نفسه في المقدمة.

هذه الخلافات والصراعات كانت أيديولوجية في أساسها، ولكنها في الوقت نفسه مرتبطة بنزعات أدبية- نقدية ومنظومة كاملة لإعادة بناء العالم الأدبي في روسيا، غير أن الأمر في الساحة الأدبية -الإبداعية أخذ منعطفًا آخر، إذ بدت الخلافات والصراعات داخل المدارس والأجيال الأدبية ترتدي ثيابًا لظاهرة أخرى، ألا وهي تغير حصيلة الجنس الأدبي وموقف الكاتب وأدوار البطل، أي جرت عملية استبدال جنس الحكاية التي سادت حتى مرحلة معينة وأصبحت الموضوعات المفجعة تتملك وتوحد مختلف الكتاب بشكل مطلق (ما بعد الحداثيين، والحداثيون، والتقليديون، وما بعد الواقعيين). في هذا الصدد يمكن أن نذكر فقط أمثلة، من بينها «أبطال جدد على شاكلة روبنسون كروز» و«صلوات الجنازة» للودميللا بتروشيفسكايا، و«البطل الأخير» لألكسندر كاباكوف، و«الحارسة» لأناتولى كورتشاتكين، وقصص فلاديمير مكانين كلها تقريبا، و«الأنشودة الرعوية الأخيرة» لأليسا أداموفيتش، و«السهم الأخضر» لفيكتور بيليفين، و«بروفات» و«في الموعد وقبله» لفلاديمير شاروف. في هذه النماذج كان البطل المثقف أو (البطلة) إما يهبط إلى الحضيض (كاباكوف وكورتشاتكين وفاليكوف)، أو يموت قضاء وقدرًا وبشكل محتوم نتيجة طوفان أو كارثة (أداموفيتش وسلابوفسكي وبورودين)، أو ينتهي على سرير معلق في مستشفى الأمراض العقلية («في الموعد وقبله» لفلاديمير شاروف، و«تشابايف والفراغ» لفيكتور بيليفين).

إن عملية التصاعد الزمكاني لهذه الأعمال تتميز بالآتي: المكان-عنبر كبير في بيت أخضر أو شيء من هذا القبيل في منطقة بلاج في أبخازيا مجاورة لخط الجبهة، أو شوارع مدينة حديثة ضخمة، أو قطار يسير إلى المجهول، أو تابوت من أجل فقيد مازال حيًا نسبيًا (يوري ماملييف وفيتشيسلاف بيتسوخ). والزمان-وفيات، نهايات، دفن، تأبين، موت، أو حتى بعد الموت (وليس مصادفة أن التسمية الأولى لقصة نينا سادور «الألماني» التي نشرت في مجلة «زناميا» -كانت «قتلني ألماني»).

إن دخول الجنس الأدبي إلى مناطق الكوارث والقضاء الفظيع والذي يشكل أهمية بالنسبة للباحث لم يبد مهمًا بالنسبة للقارئ المجهد من «الانحطاط» في الأدب وفي الحياة، حيث اغتصبته الموضوعات الخاصة بنهاية العالم في نهاية القرن. إذن فما الذي أصبح (آنذاك وفيما بعد) جنسًا أدبيًا قويًا؟ إنها النصوص السردية الأكثر اتساعًا ورحابة على مستوى اللغة والموجهة مباشرة من الكاتب/البطل مثل «تربنة الجمجمة» لسيرجي جاندليفسكي، و«صورة لفنان في صباه» لباخيت كنجييف، وسلسلة بطاقات ليف روبينشتين بعنوان «هذا أنا». ذلك هو أدب «المؤلف» (على حد تعريف بعض النقاد الروس منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين)، أي ذلك الأدب الذي تنسم الحرية أو «المكاشفة الجديدة»، والذي يصبح، مع المؤلف/البطل في المركز، أكثر حيوية وإمكانية مستقبلية.

أجناس أدبية جديدة

هنا يمكن أن نحدد أول ملامح الأدب الجديد في روسيا، إذ أصبح يتحرك على مستوى الأجناس الأدبية وليس على مستوى «الاتجاهات». في تلك الحركة يظهر الكتاب المختلفون تمامًا، بل المتناقضون مع بعضهم بعضًا، بمظهر «أصحاب الأجناس المتجاورة» على نحو فجائي حيث يتلاقون ويتقاطعون. فأندريه بيتوف على سبيل المثال يكتب القصة المحزنة «الحياة بدوننا»، بينما يكتب أناتولي ريباكوف «رواية-مذكرات» المليئة بالحيوية. أما أنستاسيا جوستفا فالنص لديها يتكون من مونولوج داخلي متواصل للبطلة/المؤلفة. تلك الفكرة الأساسية للجنس الأدبي تتجسد في شكل الرسالة (أو المراسلات)، أو اليوميات، أو المقالات، أو السيرة الذاتية، أو الذكريات-الشيء الرئيس هنا هو أن الوعي والوعي الباطن الخاص يشكلان الانعكاس الفني نفسه وموضوعه. فذلك ليس سرد الاعتراف لفترة الستينيات، وإنما أدب جديد استفزه و«طلبه» في آن واحد اهتمام القارئ المتزايد بـ«الذكريات والأرشيفات والشهادات» حيث يتم استبدال الموضوع الخارجي (الأشكال الخادعة البارعة والمُغالى فيها فنيًا في أعمال بيليفين وشاروف) بالداخلي، أي بالبحث عن الذات عن طريق التأمل أو الانعكاس التلقائي.

في نهاية المطاف، بدأت النظرية النسبية تنجح في الأدب. ليكن وضع الكاتب أو دوره أو وظيفته، ليكن جنس العمل أو حجمه، ليكن مكان النشر-ليكن كل ما يكون، فالكاتب هو كل من يصنع نصًا، وكل من يصنع ليس فقط نفسه بقدر ما يصنع «نموذجًا». في هذا النطاق بدأ الأدب في روسيا في السنوات الأخيرة يمتلك شكلاً محددًا يمكن الحديث عنه بعد الكارثة التي حاقت به في سنوات الانهيار، بل يمكن الآن الحديث عن نماذج محددة، وحدود أدبية واضحة، وإن كانت تلك الحدود تتكسر فلسفيًا في بناء النص.

مابعد السوفييتية

خريطة الإبداع الروسية - ما بعد السوفييتية - تبدو، أو يراد لها أن تبدو، فقيرة على الرغم من التنوع الهائل عرقيًا وطائفيًا في روسيا. الكثيرون يعزون ذلك إلى أسباب مختلفة. ولكن السؤال - أو الإشكالية - ليس هنا، بل في الآليات التي تدير العملية الإبداعية وتداعياتها ونتائجها. فهناك فيكتور يروفييف وفيتشيسلاف بتسوخ ويفجيني بوبوف من مواليد أربعينيات القرن العشرين، ولكنهم ظهروا ضمن جيل الثمانينيات في روسيا، مع فيكتور بليفين (1962) وكذلك مع تاتيانا تولوستايا (1951). وإذا تحدثنا صراحة، وبشكل مباشر، فسندرك أن جيل الثمانينيات في روسيا يشبه جيل الثمانينيات في مصر وبعض الدول العربية الأخرى في الكثير من ظروفه المعيشية والإبداعية، بل في المصير والمستقبل أيضًا.

هناك كتاب كثيرون أبدعوا قبل حقبة الثمانينيات وقبل انهيار الاتحاد السوفييتي. كانت إبداعاتهم تمثل «الأدب الآخر»، أو «الكتابة الأخرى»، من حيث الاهتمامات والزمان والمكان والتوجهات والأشكال، وبالتالي يمكن أن نتوقع أنهم كانوا «أعداء الشعب!»، ويستحقون التجاهل والنفي. وجاءت مرحلة الثمانينيات حاملة معها كل رياح التغيير «الجورباتشوفي» الذي تحول إلى آلة تدمير كاملة، بالمعنيين الفلسفي والاجتماعي، بدأها جورباتشوف وواصلها بوريس يلتسين لتجري عملية تحلل حقيقية لإمبراطورية عاشت أكثر من 70 عاما ساعية إلى بناء «عالم جديد بإنسان جديد وأخلاقيات جديدة».

ظهرت كتب فيكتور يروفييف تباعًا «زهور الشر الروسية» و«الجميلة الروسية». وتعرض يروفييف لشتى الانتقادات، واتهم بالفجور وكراهية روسيا واحتقار الإنسان الروسي. ويبدو أنه توقف عن الكتابة، إذ امتصته الصحافة الثقافية تماما. وبدأ فالنتين راسبوتين يعترف بأخطائه في الاقتراب من السلطة والندم على أنه صدق ميخائيل جورباتشوف الذي خدعه كما خدع الكتاب الآخرين ولكن راسبوتين لم يكن يعرف بعد حجم الكارثة التي أطلت برأسها مع اعتلاء يلتسين عرش الكرملين. فكتب راسبوتين أهم مجموعة من القصص الطويلة ينعى فيها الروح الروسية ويستنهضها في آن واحد. وللحقيقة، راسبوتين كتب رواياته الانتقادية قبل وفاة الاتحاد السوفييتي بسنوات طويلة. وقد يكون قد تنبأ بالمصير المحتوم في كتابه «الحريق». وإلى الآن يرفض راسبوتين كل «الرشاوى» التي تقدم إليه. فكان رد فعله باردًا للغاية عندما هنأه يلتسين بعيد ميلاده الستين. ولم يبد أي رد فعل عندما يهنئه الرؤساء الآخرون، سواء السابق أو الحالي. الرجل يعلن التزامه في كل فرصة، والنتيجة معروفة، والمحاولات جارية لردمه وردم إبداعه.

الأدب في مواجهة تجارة السلاح

هذه المجموعة من الكتاب جاءت حاملة سيف الأدب. فكتبت أعمالاً جادة ومهمة، وفرضت رؤية مغايرة للواقع الذي كانوا متفقين ضمنًا على تصويره الخادع والمخادع. صال وجال فيكتور بليفين وتعرض للتجاهل والنقد والسب والمقاطعة. وسخر بوبوف وبتسوخ من منظومة القيم الوهمية والانتهازية والبيروقراطية. صنعوا نماذج جديدة للأدب الجديد، ولكن لم تكن هذه الشريحة الإبداعية هي المطلوبة للنظام السياسي الجديد، وللروس الجدد الذين رفع بعضهم راية «الصليب» في البيوت الصيفية والشقق الفاخرة وأحدث أنواع المرسيدس، والبعض الآخر رفع «رشاشات كلاشينكوف» في وجه الأطفال والعجائز في الشوارع، والبعض الثالث «نجمة داود» في الصحافة والإعلام والأدب والفن ومسرح البولشوي وجميع مفاصل الثقافة الروسية. وأضاف الفساد الداخلي في روسيا عنصرًا جديدًا رابعًا تلقفه الغرب على الفور، وبدأت حرب الشيشان الأولى ثم الثانية، وتجار السلاح يصولون ويجولون ويبيعون كل ما تقع عليه أيديهم. وأعلنت روسيا «إسلامها» فبدأت بمغازلة المسلمين بعد 11 سبتمبر. وبدأت في إنشاء هياكل ومؤسسات وأشكال مختلفة تتعلق بما يطلق عليه حاليًا «روسيا والعالم الإسلامي»، و«روسيا تنضم إلى منظمة العالم الإسلامي»، «روسيا تحب الإسلام والمسلمين»، «مجموعة الرؤية الإستراتيجية: روسيا والعالم الإسلامي».. وبدأت روسيا الجديدة طريقها «الإسلامي المجيد» إمعانًا في تأكيد تجربتها الفريدة والمتفردة في «التنوع الطائفي والعرقي والتسامح».

«جيل الثمانينيات» في روسيا لم يكن مطلوبًا بالفعل لروسيا الجديدة إلا في نطاقات محدودة بوسائل الإعلام أو الصحافة الثقافية، ولكن بعيدًا عن الإبداع وممارسة دوره الاجتماعي والسياسي، فهاجر من هاجر إلى الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والدول الاسكندنافية، وأقلع من أقلع عن الكتابة ووجد لنفسه مصدرًا للرزق في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة. ومنهم من جلس في بيته ينتظر مصيره المحتوم. ومنهم من لايزال «يعافر» رغم ضيق ذات اليد والمقاطعة الإعلامية والتجاهل. كل ذلك أثر بشكل أو بآخر على إبداعات هذا الجيل من حيث الكم. ولكن أعمالهم شكلت تيارًا جديدًا على هامش الواقعية الروسية والواقعية الاشتراكية.
-------------------------------
* كاتب من مصر.

 

أشرف الصباغ