السيارة الكهربائية.. هل تعادي البيئة؟

السيارة الكهربائية.. هل تعادي البيئة؟

بدأ تصنيع السيارات الكهربائية بكميات محدودة، وتناولتها الدعاية الواسعة كصديقة للبيئة. رغم أنها تسبب التلوث، على طريقتها الخاصة

يسود الاقتناع بأن المحرك الكهربائي آلة مثالية تنضم إلى أغلب ما يحيط بنا من أجهزة لا تلوث البيئة مثل الأسطوانة المدمجة، المكنسة الكهربائية، الكاميرا، والمثقاب الكهربائي.. وكلها أجهزة بالغة البساطة- أسطوانة متحركة في مركز ملف ثابت- تدور مثل الدوامة الهوائية في صمت. وهذه السيارة مجهزة أيضا بآلات لا تشبه المصنع بقدر ما تماثل ساعة الكوارتز التي نحملها على المعصم. ويتصور الكثيرون أنها لا تنتج عادما مثل الطائرات، السيارات، والدراجات النارية.

انعدام الضوضاء

لا أحد يجادل حول ميزة انعدام الضوضاء في المحرك الكهربائي، لكنه في الحقيقة يحتاج إلى شبكة من مصادر الطاقة تحاصرها الاتهامات. وضمن هذه المصادر الكيبل الذي يمد المحرك بالكهرباء. ويمكن بالطبع نزع هذا الكيبل من المحرك ومده فوق الشارع ووضع وصلة معدنية لتوصيل التيار، كما هو الحال مع مركبات التروللي باص والقاطرة الكهربائية، لكن هذا الحل لا يكون مناسبا للسيارات.

وإذا انصب اهتمامنا على البيئة، علينا اكتشاف ما يحدث على الجانب الآخر من الكيبل حيث تقبع محطة توليد الكهرباء. والكهرباء نوع من الطاقة يخضع للقانون العام: الطاقة لا تنتج من العدم ولا تندثر، وتتحول من نوع إلى آخر. وللحصول على الطاقة الكهربائية يجب تحويل نوع آخر من الطاقة، وهنا يمكن الكلام عن التأثير على البيئة. وليس المحرك الكهربائي في هذا المجال مجرد شبح.

ولا يوجد ما يقال حول مشكلة الضوضاء، حيث لا يصدر عن المحرك الكهربائي أي ضجيج. ولا يباغت المارة بالقرب منه بأكثر من صوت مماثل لما تصدره دراجة، وهو ما أثبتته التجارب في شركات إنتاج السيارات. أما فيما يخص التلوث، فالأمر يعتمد محطة توليد الطاقة التي تغذي بطاريات السيارات. فإذا ضربنا مثالا ببلد مثل فرنسا، نجد أن المحطات النووية تولد 67 في المائة من إنتاج الكهرباء، وتأتي بعدها المحطات المائية "7 في المائة".

ولو كانت أجهزة شحن البطاريات موصلة آليا بمحطات توليد الطاقة من مصادر مائية، لأمكننا القول عندئذ إن السيارة الكهربائية صديقة للبيئة مائة في المائة، حيث تنتج الطاقة في قوة سقوط الماء، ولا يبعث المحرك الكهربائي دخانا ولا أي عوادم من أي نوع، وبذلك يتم حل مشكلة التلوث، وهذه هي الميزة التي تلقى ترحيبا واسعا.

ولن يختلف الأمر كثيرا إذا كانت الكهرباء تأتي من محطة حرارة تحرق الفحم أو النفط، لأن التلوث سيكون في هذه الحالة مماثلا لما ينتج عن محركات البنزين والديزل.

ولا تلغي السيارة الكهربائية التلوث لكنها تنقل مكانه فقط، وبدلا من نفث الغازات الضارة في الشوارع تخرج في مناطق محطات توليد الكهرباء.

وتتغير طبيعة التلوث في حالة الحصول على الكهرباء من المحطات النووية، ولا تكون العوادم غازات ولكن نفايات مشعة يصعب تماما التخلص منها في الوقت والمكان المناسبين.

إنه لأكثر سهولة بالطبع معالجة العوادم الضارة الصادرة عن مدخنة عملاقة لمحطة حرارية، مقارنة بآلاف من مواسير العادم في السيارات التي تلتزم أو لا تلتزم بتقنيات التخلص من العوادم الخطيرة. لكن المشكلة مع النفايات النووية تبدو بعيدة عن الحل.

ويقول المهندس البلجيكي كريستيان ستيفنس: يجب أن يكون واضحا أن السيارة الكهربائية تجلب مزيدا من التلوث للبلدان التي تعتمد على المحطات الحرارية لإنتاج الجزء الرئيسي من الطاقة الكهربائية، نظراً لمشكلة كفاءة نقل الطاقة، حيث إنه خلال تغيير الطاقة من شكل إلى آخر لا يتم الحصول على نفس كمية الطاقة الأصلية ويفقد جزء منها.

ولنأخذ مثلا، عند استخدام طاقة ميكانيكية مقدارها 100 كيلووات ساعة لتشغيل مولد، لا نحصل إلا على 80 في المائة وتتبدد النسبة الباقية في عدد من الظواهر الجانبية مثل تآكل فحمات التماس داخل المولد، الاهتزازات، وأهمها جميعا ضياع الطاقة على شكل سعرات حرارية تظهر في سخونة الملفات واحتكاك كراسي التحميل.

التسرب له ثمن

خلال كل عملية تحويل يوجد فقد في الطاقة يضاف إلي بعضه البعض:

وفي نهاية عملية التحويل تتضخم أيضا فاتورة الطاقة التي يجب دفعها.

وفي سيارة كلاسيكية، تنتقل الطاقة الأصلية من خزان الوقود إلى المحرك حيث تصل مباشرة من المنتج إلى المستهلك، إذا استعنا بهذا التشبيه، وتتراوح الكفاءة في هذه الحالة بين 25 و 30 في المائة. وفي حالة السيارة الكهربائية التي تستعين لإعادة شحن البطاريات بمحطة حرارية، تأتي الطاقة أولا من مستودع المحطة إلى توربينة بخارية، ثم إلى مولد التيار الكهربائي المتردد وبعدها إلى المحول فخطوط الضغط العالي، حيث تنتقل من جديد إلى البطاريات وأخيرا إلى محرك السيارة.

وتؤدي هذه السلسلة من الوسطاء، الذين يستقطعون رسومهم الخاصة بالمرورية بالتمام والكمال، إلى رفع قيمة الفاتورة المطلوب دفعها إلى مستوى لا يستهان به. وتتمثل الطاقة الأصلية في هذه الحالة في الوقود "نفط أو فحم" الذي تستخلص منه الحرارة. وتعتبر كفاءة التربينات في المحطة أعلى بكثير من كفاءة محرك يعمل بالمكابس، وتصل إلى نحو 40 في المائة.

ويأتي بعد ذلك مولد التيار، الذي يحول الطاقة الميكانيكية للتربينة إلى طاقة كهربائية بكفاءة تقترب من 95 في المائة. ويأتي دور المحولات، خط النقل الكهربائي، وشبكة التوزيع "بكفاءة 90 في المائة".

وتصل الكهرباء إلى مقبس التيار بكفاءة بالنسبة للوقود مقدار 0.34 =0.9* 0.95 "أي 34 في المائة". وتصل كفاءة البطاريات المعدة للشحن لوضعها في السيارة إلى 70 في المائة، بمعنى أنها لا تعيد سوى 70 في المائة من الطاقة التي استقبلتها عند الشحن.

ويأتي في النهاية محرك السيارة الكهربائية، بدوائر بدء تحرك السيارة، الإسراع، والتهدئة. وتصل كفاءة هذه المجموعة إلى 70 في المائة. بذلك تكون الكفاءة النهائية من مرجل المحطة إلى عجلات الدفع في السيارة الكهربائية 17 .0= 0.7 *0.7* 0.34 وبالنسبة إلى الوقود مصدر الطاقة الأساسية تكون كفاءة السيارة الكهربائية 17 في المائة . أي أن استهلاكها سيكون أعلى من سيارة تعمل بمحرك ديزل، الذي تصل كفاءته إلى 28 في المائة ، بمقدار 60 في المائة.

ومن أجل قطع 100 كيلومتر في ساعة تستهلك سيارة عادية نحو 8 لترات وقود. ولقطع نفس المسافة في نفس الزمن تستهلك السيارة الكهربائية، التي تستعين بمحطة حرارة لإنتاج التيار، كمية وقود تتراوح بين 12 و13 لترا وهذه هي النقطة التي يجب وضعها في الاعتبار في البلاد التي تمثل المحطات الحرارية الجزء الرئيسي في مصادر إنتاج الطاقة الكهربائية لديها. وهذه هي حالة عدة بلاد مثل الدنمارك "90 في المائة حرارية"، بريطانيا "71 في المائة" وألمانيا " 66 في المائة". وتصل هذه النسبة في الولايات المتحدة واليابان إلى الثلثين. وينتج عن استبدال محركات المكابس بمحركات كهربائية في السيارات استهلاك كمية من الوقود الأحفوري أضخم بكثير "فحم ، نفط ، أو غاز طبيعي". وبالإضافة إلى ما تقدم، تحتوي البطاريات على منتجات بعيدة تماما عن أن تكون صديقة للبيئة: الرصاص، حمض الكبريتيك، الكدميوم والنيكل، الكبريت، والصوديوم.. إلخ. وتمثل كل هذه المركبات تهديدات خطيرة في حالات الحوادث، ويلزم في كل الأحوال العثور على الوسيلة المناسبة لإعادة تدويرها بعد الاستخدام.

ويجب عدم القفز إلى خلاصة مؤداها أن السيارة الكهربائية حل سيئ لمشكلة التلوث، فهي تمثل، بالنظر إلى التقنية المتاحة حاليا، أفضل خيار لمواجهة التلوث الناجم عن كثافة المرور في المدن، حيث يؤدي انتشارها إلى فائدة هائلة. من جهة أخرى يجب عدم المبالغة واعتبارها حلا مثاليا، فالتيار يأتي دائما من محطة لها نفاياتها الخاصة ، ومن وجهة نظر حماية البيئة لا تعتبر السيارة الكهربائية مماثلة للدراجة.

 

 

عزت عامر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




السيارة الكهربائية رغم مزاياها لن تقضي نهائيا على مشكلة التلوث