قراءة في نتائج أكبر الجوائز السينمائية في العالم

قراءة في نتائج أكبر الجوائز السينمائية في العالم

لماذا لا يمكن للأوسكار أن يكون منصفاً؟
عيون أكثر من 200 مليون من البشر الذين تابعوا حفل الأوسكار لم تستطع أن تتابع كل خفايا هذا الحفل التي دارت خلف الكواليس.

كانت الظروف مواتية لأوسكارات هذا العام من حيث إن الحرب على الصرب بسبب محاولة هؤلاء تفريغ مقاطعة كوسوفا من أهلها لم تكن بدأت بعد، ولو فعلت قبل قيام حفلة توزيع الأوسكار في الحادي والعشرين من شهر مارس الماضي، لتركت تأثيراً على أصعدة عدة، فالجو العام للحفلة سيكون مثقلاً ، والنكات (المسطحة) التي ألقيت كانت ستأتي أكثر تسطحاً، ثم لدارت خطب القبول حول ما يدور بين معترض على سياسة البيت الأبيض تجاه الحرب ومؤيد لها، لا يمكن الآن إلا والتفكير بأن ما أنفقته أكاديمية العلوم والفنون السينمائية على ذلك الاحتفال (تعترف بمليون دولار) كان يكفي لإطعام وإغاثة نصف مليون من البشر الهائمين خلال أحداث كوسوفا على وجوههم بحثا عن المأوى، عن الأمان وعن العدالة المفقودة في هذا العالم الذي نعيش.

لكن هذا أمر منفصل، لا أحد يفكر على نحو أن تنتقص هوليوود من بذخها على هذه المناسبة من أجل غاية إنسانية أو أخرى، لكن الأمر غير المنفصل بتاتاً والذي يبقى نصب عين أكاديمية العلوم والفنون السينمائية مانحة الأوسكار، هو حجم النجاح الذي حققه الاحتفال في أمريكا وحول العالم، ذلك لأن الكثير من القواعد مبنية على شعبية الأوسكار التي تزايدت بصورة ملحوظة خلال العقد الأخير من هذا القرن.

والواضح من الأرقام التي نشرت في اليومين التاليين للحفلة الكبيرة أن نسبة الإقبال على متابعة الحفل في أمريكا هبطت بنسبة 47 بالمائة عمّا كانت عليه في العام الماضي، وهذه ليست أخباراً جيدة بالنسبة للأكاديمية التي كلما ازداد شيوعها، ضمنت ارتفاع قيمة العقد المبرم مع المحطات التلفزيونية، هذه تبيع الأوسكار إلى المعلنين الذين- بدورهم- يراقبون مدى إقبال الناس على متابعة تلك الحفلة، وذلك من أجل تعديل الأوضاع في العام المقبل، أو إذا ما كان الإقبال عالياً للاستفادة من ذلك.

سبب جوهري في ارتفاع الإقبال في العام الماضي، وبالتالي انخفاضه هذا العام، يكمن في "تايتانك" الذي كان مرشّحا لأربعة عشر أوسكار في ذلك الحين نال معظمها، وفي مقدمتها أوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل مخرج، جائزتان متلازمتان في معظم الحالات، تم الفصل بينهما هذا العام وعلى نحو لم يرض بعض الأطراف.

لكن قبل ولوج هذه النقطة، فإن "تايتانك" كان فيلماً حدثاً آنذاك بمعايير متعددة تصب غالباً في الجوانب الاقتصادية والصناعية والتقنية، منذ إطلاقه في أواخر العام، 1997 وحتى أشهر طويلة من العام 1998، تبوأ "تايتانيك" القمة بين الأفلام حول العالم من الخليج إلى الولايات المتحدة، ومن لبنان إلى ريو دي جانيرو مروراً بباريس ولندن.

كان فوز "تايتانيك" أمراً مقدّراً، كما كان فوز "قائمة شندلر" في العام 1994 و "غير المسامح" في العام الذي قبله.

هذا العام اختلف الأمر، لقد تكاثرت الأفلام التي في عرف الناخبين من أعضاء الأكاديمية الذين يبلغ عددهم 5500 عضو، تستحق الفوز، وبقي أن تتم القرعة بين هذه الأفلام حسب تصويت سري تنشر الصحف الأمريكية الشديد الذي يغلّفه، والمعايير الأمنية التي تصاحبه.

الأفلام التي رشّحت لأوسكار أفضل فيلم هذا العام، كانت تنبع من شجرتي معرفة فقط:

واحدة تعود إلى سنوات الحرب العالمية الثانية، والأخرى ترجع إلى الوراء أكثر من ذلك، إلى القرن السادس عشر- أيام الملكة إليزابيث وويليام شكسبير.

ترى كيف وجد المقترعون أن "شكسبير عاشقاً" هو الفيلم الأفضل؟ هل هو أفضل فعلاً من "إليزابيث"؟ أهو أفضل من منافسه العنيد "إنقاذ الجندي رايان"؟ وإذا كان "رايان" هو الأفضل لم لم يفز؟ وهل أي من هذه الأفلام المذكورة أفضل من "الخيط الأحمر الرفيع"؟

الجواب مثير للطرافة إذا ما وافقنا على نتائج الأوسكار من دون تردد: "شكسبير عاشقاً" أفضل من "إنقاذ الجندي رايان" و"الخيط الأحمر الرفيع" و "إليزابيث" و "الحياة حلوة".

"الحياة حلوة" أفضل فيلم أجنبي عنوة عن "تانجو" و"المحطة الرئيسية" و"أطفال الجنة" و "الجد".

وستيفن سبيلبرج، الذي فاز بأوسكار أفضل مخرج، هو أفضل من أترابه المرشحين تيرنس مالك (عن "الخيط...") وجون مادن ( "شكسبير...") وروبرتو بنيني ("الحياة حلوة") وبيتر وير (عن "استعراض ترومان").

تبعاً لذلك، نلاحظ فوراً أن مخرج فيلم "إليزابيث" وهو الهندي شيخار كابور لم يكن مرشّحاً في مسابقة أفضل مخرج، وحل محله الأسترالي بيتر وير عن فيلم لم يتسلل إلى ترشيحات أفضل فيلم، وهو "استعراض ترومان"، ليس أنها المرة الأولى التي تقع هكذا، لكنها كلما تقع ترفع حاجبي المرء إلى الأعلى تعجّباً: كيف يمكن لمخرج أخرج فيلماً يستحق سباق الأوسكار كأفضل فيلم من دون أن يدخل سباق أفضل إخراج؟ والعكس صحيح: كيف يستحق مخرج دخول سباق أفضل مخرج إذا ما وجد أعضاء لجنة التحكيم أن الفيلم لا يستحق دخول مسابقة أفضل فيلم؟ لا بد أن في الأمر خللاً ما.

الخلل أيضاً في فوز فيلم بأوسكار أفضل فيلم، ثم ذهاب أوسكار أفضل مخرج لا إلى مخرج الفيلم الذي فاز، بل إلى مخرج آخر، هذا يتبلور عنه سؤال جائز: كيف يكون الفيلم مستحقا لذلك التكريم إذا لم يكن ذلك بفضل مخرجه؟

كيف يصوتون؟

عملياً، يتم التصويت على النحو التالي:

كل أهل حقل معين من السينما يصوّت في حقله: مديرو التصوير يرشّحون بذلك وعبر عملية الاقتراع الأول، قائمة أفضل مديري التصوير في عام، والممثلون يرشحون أفضل ممثليهم، والكتّاب أفضل كتّابهم، والمخرجون أفضل مخرجيهم، وهكذا. كل ذلك في اقتراعات منفصلة، وإن كانت تتم في يوم معين، بعده يتم الإعلان عن الترشيحات الرسمية التي نطالعها لنحو ستة أسابيع قبل إعلان النتائج في الحفلة النهائية.

حين القيام بالاقتراع العام يشترك أهل كل حقل مع باقي الأعضاء في انتخاب عام يشمل كل المرشحين/ السابقين في باقي الحقول، بذلك يقوم المصورون بالاقتراع على أفضل فيلم وأفضل سيناريو وباقي الفروع والمسابقات الأخرى كحال الموسيقيين والمؤلفين والكتاب والمخرجين والممثلين والمنتجين ...إلخ.

الآن يمكن مراقبة الوضع التالي الناتج عن هذا النظام:

عدد الأعضاء العاملين في حقل التصوير يبلغ نحو 500 فرد- هؤلاء، بطبيعة الحال، أكثر خبرة في فن التصوير من الكتّاب أو الممثلين أو مصففي الشعر أو باقي المهن السينمائية التي تتألف منها الأكاديمية، لنقل إن 300 منهم انتخبوا مدير التصوير جون تول كصاحب أفضل تصوير سينمائي (عن فيلم "الخيط الأحمر الرفيع"- وهو في الواقع كذلك) فإن هناك غالبية عظمى تؤمن بأن يانوس كامينسكي هو الذي يستحقها عن فيلم "إنقاذ الجندي رايان" (وهو من نالها فعلاً).

هذا وحده يكشف صعوبة- وإلى حد كبير- عدم سلامة النظام المتبّع من الخطأ، صوت أهل الخبرة يضيع وسط باقي الأصوات التي "أعجبها" تصوير كامينسكي أكثر لأنه، حسبما شاهدت على الشاشة، نقل تصويراً "واقعيا" و "حيا" .

وهذا يحدث في باقي الفروع بما في ذلك فرع الإخراج، هناك نحو 1220 مخرجاً مسجلا في هذه الأكاديمية ليس مضموناً أن ينال المرشح الذي يفضّلونه الأوسكار إذا ما توسم آخرون، من خارج المهـنة، أن الجائزة يجب أن تذهب لآخر.

وهذا ما يؤدي إلى عملية المقارنة بين من نال الأوسكار ومن خرج خاسراً، علماً بأنه ليس صحيحاً الافتراض بأن كل من نال الأوسكار لم يكن يستحقه تبعاً لما تقدم، فالعملية المنتمية إلى نظام الانتخابات جودي دنش في "شكسبير عاشقاً" قد تصيب وقد تخطئ بدرجات متساوية في نهاية الأمر، ولو أنها تبقى غير سليمة ضمن الهيكلية الكاملة.

إلى ذلك، علينا، خلال عملية المقارنة ومحاولة معرفة إذا ما ذهب الأوسكار لمن يستحقه فعلاً، أن نعي ما أشرنا إليه من حاجة الجائزة للهالة الإعلامية التي- بالمناسبة- تتوافر في أفلام وفي شخصيات دون أخرى مما يجعلها محبّذة أكثر من سواها، ولا ننسى أن عنصراً أساسياً من عملية بيع الأوسكار يكمن في انتخاب المقدم (أو المقدمة) الذي يستطيع أن يلقي النكات لكن يضحك من في الصالة ومن في البيت من المشاهدين، فالحفل يعتبر أن هذا الترفيه ضروري وينتخب له دوماً ممثلون كوميديون يستطيعون تأمين المطلوب.

"إليزابيث" و "شكسبير عاشقاً" يتقاطعان في شخصية رئيسية كما في الفترة الزمنية وما يفرضه نقل هذه الفترة من جهد خاص في مجالات تصميم المناظر والأزياء والتصوير، كذلك يتناول كل من "الخيط الأحمر الرفيع" و " إنقاذ الجندي رايان" فترة الحرب العالمية الثانية ويتشابهان في محاولة تصويرها واقعية- سياسة الكاميرا في كل منها، كما سنرى، قائمة على إشراك المشاهد في رحى المعارك على نحو جديد.

أما الفيلم الخامس "الحياة حلوة" فعلى الرغم من أنه ليس فيلماً حربياً، فإنه يدور في الفترة التي لا يخفى تأثيرها على وجدان العالم العربي على أكثر من مستوى وشكل.

يتناول فيلم "إليزابيث" حياة الملكة البريطانية التي حكمت ما بين العام 1558 والعام 1603، وهي حياة صعبة خاضت فيها مؤامرات من داخل البلاط ومن خارجه، ينتمي أصحابها إلى شلل سياسية مختلفة، ووصولها إلى السلطة لم يكن هيناً أساساً، فهي كانت محكوماً عليها بالسجن (ربما تمهيداً لتنفيذ حكم الإعدام بها) عندما كانت شقيقتها ماري (من أب آخر) في الحكم، ذلك لأن إليزابيث كانت تميل للكنيسة البروتستانتية، بينما كان القصر يشن حرباً دينية فعلية ضد ذلك الشق من الكنيسة المسيحية، لكن ماري كانت على شفير الموت، وكان عليها أن تسلم العهدة إلى شقيقتها إليزابيث التي ووجهت على الفور بالمؤامرات لخلعها ثم لاغتيالها.

هذه الحكاية يستعرضها بالتفصيل مخرج هندي اسمه شيخار كابور، كان سبق له أن صنع من قصة واقعية هندية فيلماً ناجحاً بعنوان "ملكة العصابة" ( Bandit Queen ) ومع أن ذلك الفيلم عرض على الشاشات الغربية، فإنه لم يجعل هذا "الكابوري" (نسبة لعائلة كابور العريقة بالعمل السينمائي منذ مطلع الخمسينيات) نجماً. هذه المعالجة الواقعية المختلفة هي أول ما يتم تسجيله هنا، وهي ليست فقط في أن المخرج حرص على أجواء صادقة خالية من الزينة وأضواء خافتة تناسب قدرات ذلك العصر وتبتعد عن الإضاءة التي تمارسها أفلام هوليوود التاريخية، بل أضاف إلى كل ذلك معالجة ذات طرح غير وردي للفترة، للملكة وللموضوع المطروح، فليس هناك في الفيلم ذلك الشعور الوطني المفعم الذي يتوقعه المرء من فيلم يتحدث عن واحدة من ملكات بريطانيا الأشهر، وليس فيه تصوير مغاير لما قد " الخيط الأحمر الرفيع" لتيرنس مالك يكون الواقع كاملاً حتى ولو عنى ذلك نقل شريحة حياة داكنة. في المقابل، يقدم كابور عملاً مفعماً بجماله السوداوي وسرداً يبقي القصة مليئة بالمفاجآت نظراً لاختلاف معالجتهـا عن المتوقع، بإيجاز، هذا الفيلم هو إنجاز جديد في نوعه ونوعيته، وهو يختلف عن شكسبير عاشقاً" الذي يتناول- بأسلوب كتابة رائعة- جزءاً من حياة وليام شكسبير، جزءاً خيالياً بالمرة ملقى على هيكل شخصية واقعية تماماً، إنه يدّعي أن هذا الكاتب كان مصاباً بانقطاع الوحي والإلهام حينما وضع رواية "روميو وجولييت" وأن أحداث الرواية لم تنجل إلا بوقوعه في حب امرأة تهوى التمثيل (الممنوع على النساء في ذلك العصر) وعلى وشك الزواج مما يفرض عليه إيقاع حياة موزعاً بين الكتابة وإجراء التمارين ومعايشة قصة الحب ومحاولة منع زواجها.

الفيلم هو توليفة مزج بين الكثير الخيال على أرضية من الواقع من دون أن يلتزم بتلك الأرضية ومعطياتها، لك ألا تصدّق ما يقع، لكن لا يمكنك سوى الإعجاب به، فهو مكتوب جيداً وبرصانة، والإخراج (مع توليف ذكي ) ينجح في تقديم بلورة كوميدية عاطفية جديدة من نوعها تماماً. الملكة إليزابيث موجودة في هذا الفيلم أيضاً، لكن ليس كمحور رئيسي، بل كشخصية مساندة، وتقدمها جوي دنش (أوسكار أفضل ممثلة مساندة) على نحو مختلف تماماً من تقديم الممثلة كيت بلانشيت (رشحت لأوسكار أفضل تمثيل نسائي وخسرت لصالح جوينيث بولترو- بطلة "شكسبير عاشقاً")، كذلك يظهر جوزيف فاينس في كل هذين الفيلمين: هو عشيق إليزابيث في "إليزابيث" وويليام شكسبير في "شكسبير عاشقاً" لكن كما تم استبعاد ليوناردو دي كابريو بطل "تايتانك" من الترشيح في مجال أفضل تمثيل في العام الماضي، رغم حسن أدائه، تم استبعاد جوزيف فاين من الترشيح على الرغم من جودة أدائه في "شكسبير ...".

إلى ذلك، نجد الممثل (الأسترالي الأصل) جيفري راش ممثلاً في الفيلمين معاً: في "إليزابيث" هو حارس الملكة المتمتع بالسلطة للتدخل لدحر أعدائها، وفي "شكسبير عاشقاً" هو المنتج المسرحي الذي يجهد مع الكاتب لتقديم عمله، والناخبون قرروا أن راش في "شكسبير عاشقاً" يستحق الترشيح- في مجال أفضل ممثل مساند- وليس في "إليزابيث"، وإن ذهبت الجائزة لجيمس كوبرن وهو من الجند القديم في هوليوود مما يوحي بأن عنصر التحية العاطفي دخل في هذا الاختيار.

 

محمد رضا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




وورن بيتي يف بولوورث





إنقاذ الجندي رايان لستيفن سبيلبرج





قضية مدينة روبرت دوفول وجون ترافولتا





استعراض ترومان





جودي دنش في شكسبير عاشقاً





الخيط الأحمر الرفيع لتيرنس مالك