عودة لاجئي كوسوفا.. مشهد لآخر كوارث القرن البلقانية

عودة لاجئي كوسوفا.. مشهد لآخر كوارث القرن البلقانية

تصوير: سليمان حيدر

انتهت حرب البلقان، وواصل المشردون لملمة بقاياهم من بقاع الدنيا عائدين إلى أرضهم. المحروقة، لكن ما حدث على يد طاغية متوحش، يظل دافعا لاستيعاب العبر، وصب الإدانة ضد القبح والدمامة والوحشية. كانت المأساة كبيرة، وكانت الممارسات الصربية ضد مليوني إنسان من سكان كوسوفا مروعة امتزج فيها التهجير بالاغتصاب، والتهجير العرقي بالإبادة الجماعية، وإذلال البشر وامتهان كراماتهم بشطب الهوية والمحو من الأرض والحياة، في أبشع كارثة يختتم بها القرن العشرون.

"العربي" اقتربت من أتون الحريق عندما كان متأججا، استطلعت المأساة وطرحت التساؤل: هل يكون الجحيم البلقاني الكبير هو آخر مشهد في تلك المنطقة التي انطلقت منها شرارة حرب عالمية، واجتاحتها أربعة حرائق رهيبة في سنوات قلائل؟

ربما كانت الإجابة أكثر صعوبة من السؤال، لكن المؤكد هو أن ما حدث يستدعي إدانة الديكتاتورية بوجهها البغيض، وتخلفها الحضاري.. وعنفها المعادي للتقدم والسلام وإنسانية البشر.

بانكسار الجريح حين يفاجئه الغدر.. ردت المحامية المساعدة دلتا توتشي "31 سنة": "عن أي مستقبل أتحدث. لقد تحطم كل شيء وتحولنا جميعا إلى بقايا بشر"، أضافت وهي تحاول إخفاء دموع بدأت تلمع في عينيها.. "لقد أحرقوا بيتي بالكامل وأخذوا مني كل ما أملكه على الحدود قبل أن يسمحوا لي بالعبور إلى ألبانيا، وقبلها هجموا على منزل عائلة زوجي وقتلوا 20 فرداً منها. إنهم فصلوني عن زوجي وعن ابني وذهب كل منا في طريق والآن لا أدري أين هم؟ ولا إن كانوا أحياء بعد".

سكتت "دلتا" قبل أن تأخذها نوبة نشيج دفعت 15 فردا كانوا يقتسمون معها غرفة قديمة تتقشر جدرانها في أحد أحياء العاصمة الألبانية "تيرانا" إلى مشاركتها في بكاء أخذ وقتاً طويلاً لم تفلح خلاله محاولاتنا لمعرفة تفاصيل المأساة كاملة.

كان البكاء هو القاسم المشترك لكل الحالات التي رأيناها في الأماكن التي تؤوي النازحين القادمين من مدن وقرى إقليم كوسوفا بعد أن بدأ الصرب حملة جديدة للتطهير العرقي استهدفت إخلاء الإقليم تماما من العنصر الألباني المسلم الذي يشكل نحو 90% من السكان، سواء أكان ذلك بالقتل أو الإجبار على الرحيل.

فما إن يبدأ الجميع في سرد ما عايشوه إلا وتخنقهم "العبرة" يستوي في ذلك شيخ طاعن في العمر أو طفل بدت الأهوال التي شاهدها تمنحه عمر أكبر وتحفر في وجهه أسى يصعب وصفه بدقة .

ظلت "ديلسا حاسي" الصغيرة " 9 سنوات" تقف إلى جوارنا كلما تحادثنا مع أحد النازحين حتى نبهنا أحدهم إلى أن لها هي الأخرى قصة يجب أن تكتب، تقدمت (ديلسا) ذات الوجه الملائكي الرقيق لتروي كيف دخل الجنود الصرب إلى مدرستها في مدينة "جاكوفا" القريبة من الحدود مع ألبانيا، وكيف أمروا من في فصلها بالخروج إلى الساحة ثم أطلقوا النار على الجميع. أضافت "ديلسا" ويعني اسمها "شمس الصباح" في اللغة الألبانية التي يتكلمها سكان كوسوفا، أنها رأت بعينيها زميلتها في الصف وهو قتيلة، كما رأت مدرسة الموسيقى مضرجة بالدم في ساحة المجزرة.

التف عدد من النازحين حولنا وأخذ بعضهم يواسي "ديلسا" التي فقدت هي الأخرى أسرتها واحتمت بكنف سيدة طاعنة في العمر، كانت تقف معها في طابور طويل في إحدى ضواحي مدينة "الباسان AL BASAN" الألبانية، حيث كان متطوعو جمعية الهلال الأحمر الكويتية يقومون بتوزيع مساعدات سخية تبرع بها أهل الخير في دولة الكويت.

كان منظر هؤلاء الجريحي القلب والمنكسري الأنفس وهم يربتون على كتف "ديلسا" البريئة ويمدون أصابعهم الواهنة لتمسح دموع الطفلة التي بدأت بطيئة قبل أن تنهمر بغزارة، أمراً يدفع الروح إلى الانشطار.. كانوا يواسون بعضهم بعضا، وكلهم في حاجة إلى من يواسيهم.

حماقة التعصب

"ما أقسى رؤية البشر في لحظات انكسارهم" هكذا قلت لنفسي وأنا أسمع وأشاهد المأساة شاخصة في كل هؤلاء البشر الحزانى الذين ألقى بهم هوس ديكتاتور متوحش إلى الذبح أو التشرد، ومفارقة الأهل والأحباب والوطن.

كان حجم المأساة أكبر من أن يجد المرء سبباً لتفسيره، حتى ولو قيل إنه "جنون التعصب" فحجم الإبادة والتطهير العرقي والاغتصاب وابتكار وسائل غير مسبوقة في إذلال البشر وامتهان كرامتهم وانتهاك محرماتهم، وإلغائهم من كل ما يثبت الانتماء، كلها أساليب لا يكفي حمق التعصب وغلواؤه ليفسرها.

فمثلاً لم أجد أبداً ما يفسر ما حدث لخير الدين بكتاشي "78 عاما" الذي كان يدور في معسكر اللاجئين القريب من بحيرة "ليتشني" الساحرة في وسط تيرانا العاصمة الألبانية، متكئا علي عكازه الخشبي عندما حكى لنا عن أبنائه الثلاثة الذين ذبحوا أمام عينيه حين استدعى الجنود الصرب كل ساكني قريته دوشانوف (Dushanov ) الكوسوفية إلى ساحة القرية، واختاروا عددا من الشبان وطلبوا من آبائهم أن يقفوا مع أبنائهم في وسط الدائرة البشرية التي امتلأت بها الساحة الترابية.

الأكثر وحشية وفقا لما رواه العجوز الذي سقطت أسنانه وامتلأ وجهه بتجاعيد حادة، هو قيام الجنود الصرب بإصدار الأوامر للأبناء بممارسة الفحشاء ضد آبائهم وأمام الجميع.. بكى العجوز خير الدين بحرقة ويداه ترتعشان من فوق عكازه وهو يقول: "لن أنسى ما حدث ساعة رفض الشبان تلك الأوامر، لقد ذبحوهم ذبحا ومن بينهم أبنائي الثلاثة". وأخذوا يصيحون، هذا مصيركم أيها الجرذان إذا لم تخرجوا من أرضنا، عليكم أن تغادروا هذا المكان خلال عشر دقائق، اذهبوا وأخبروا الآخرين عن قوة الصرب، وإياكم أن تفكروا أنتم وهم في العودة ثانية لتدنيس أرضنا " .

في معظم القصص التي سمعناها والتي وردت على لسان اللاجئين في المعسكرات المنتشرة في المدن الألبانية كان هناك ثمة اتفاق على ترديد الجنود الصرب لعبارة "أرضنا المقدسة"، وتحذيرهم للنازحين الألبان من السير فوق الأرض العشبية الخضراء، وإخافتهم من التفكير في العودة ثانية لكوسوفا.

دفعني هذا الاتفاق على كثرة ترديد تلك العبارات من الجنود الصرب إلى تذكر ذلك المقاتل الصربي الشاب الذي التقاه مراسل شبكة التلفزة البريطانية (B. B .C )عندما كان واقفا أعلى التل حاملا سلاحه، وسأله "هل تحب القتال؟، فابتسم الشاب وهز رأسه موافقا ثم قال "القتال في سبيل الوطن واجب، لكن المراسل عاد ليسأله وهو يشير إلى القرية الواقعة أسفل إقليم كوسوفا: "ولكن الذي تقاتله ليس غريباً، ربما باستثناء أنه مسلم" ورد الشاب: "هل تريد فعلا أن تعرف لماذا أقاتل؟" قال المراسل: "بالطبع، لماذا تقاتل؟" وبهدوء رد المقاتل الصربي: "لأن أجداد هذا المسلم في أسفل الوادي قتلوا أجدادي". وسأله المراسل: "متى حدث ذلك؟" ورد المقاتل بالهدوء نفسه: "في عام 1389". هوس الثأر الذي كان خامدا في زمن الزعيم اليوغسلافي ذي الأصل الكرواتي جوزيف بروز تيتو عاد ليشكل هاجسا لدى كل صربي دافعا الجميع إلى الانتقام بعد أن قام الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفتش بتأجيج روح العداء ضد ما هو غير صربي، رافعاً شعار "النقاء العرقي " ليدخل بلاده في حروب عدة خلال سنوات قليلة العدد فمن كرواتيا إلى البوسنة والهرسك ثم إلى كوسوفا لتكون الحصاد في النهاية إعادة بلاده إلى عصر ما قبل الصناعة. ولكن لماذا حدث كل هذا في تلك المنطقة اللغز؟ ولماذا أخذت الأحداث هذا الشكل المريع الشديد البشاعة؟

بداية الطريق

عندما تأهبنا للسفر إلى ألبانيا حيث مخيمات اللاجئين الكوسوفيين مرافقين لبعثة جمعية الهلال الأحمر الكويتية المشرفة على توزيع مواد الإغاثة، كانت وسائل الإعلام تضخ يوميا صوراً لتصاعد حملة الطرد والتهجير التي تقوم بها القوات الصربية داخل إقليم كوسوفا، وكانت طائرات حلف شمال الأطلسي "الناتو" توالي غاراتها ضد المواقع الصربية في يوغسلافيا وفي كوسوفا.

كان الوضع شديد الانفجار، عندما انطلقت بنا طائرة "الروضتين" التابعة للخطوط الجوية الكويتية بأمر من صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح محملة بواحدة من دفعات المساعدات الإنسانية التي تواصلت على شكل جسر جوي بين الكويت وكل من مقدونيا وألبانيا.

كان المطر الغزير هو أول ما صافحنا عندما هبطنا من الطائرة بعد خمس ساعات ونصف من الطيران المباشر حتى الوصول إلى مطار "ريناس" في العاصمة الألبانية "تيرانا"، لكن ما إن هبطنا السلم المعدني الواصل بين مخرج الطائرة وأرضية المطار حتى وجدنا أنفسنا في قاعدة عسكرية حقيقية، فمروحيات الأباتشي " قاتلة الدبابات" بلونها الأقرب إلى الغبار الفحمي، رابضة على شكل دائري يحيط بسور المطار ذي السلك الشائك، تفصل بين المروحية والأخرى مسافة تصل إلى 20 مترا، فيما يتوالى إلى جوار طائرتنا هبوط طائرات عدة للمساعدات قادمة من دول عربية وغربية، وعلى الطريق الواصل بين مدارج المطار ومبنى الجوازات تصطف العربات المدرعة التابعة لحلف الناتو، وأربع طائرات هـليوكوبتر تابعة للقوة الجوية الإماراتية وأخرى إلى جوارها تتبع لدول أوربية.

دخلنا إلى مبنى المطار، وهو مكان بائس تكسرت أرضيته ورقعت بالأسمنت لا "البلاط"، لم تستغرق إجراءات "ختم" جوازات السفر وقتاً طويلاً، خرجنا بعدها في باص صغير متهالك انطلق بنا في الطريق الواصل من المطار إلى قلب المدينة وهو طريق يعد أعجوبة بكل المقاييس فعلى الرغم من صغره وتآكل جوانبه وتحولها إلى حفر كبيرة، إلا أن سيارات الشحن القادمة تزاحم فيه السيارات الذاهبة، ما يجعل الركاب في حالة فزع دائم، حيث تنحبس الأنفاس، ويتحول أمل النجاة إلى هاجس مقيم طيلة نصف الساعة المميتة، الأعجب أيضا هو أن السائق الذي انفجر إطار سيارته الخلفي بعد دقيقتين من مغادرة مبنى المطار، لم يترك أي حفرة في الطريق إلا ونزل بسيارته فيها، ما أسكن في نفوسنا الفزع والإنهاك معا.

كانت مظاهر الفقر بادية طيلة السير في هذا الطريق، في ملامح الأطفال الذين وقفوا بملابس ممزقة يحيون السيارات المارة، أو رؤية عربات الركاب المتهالكة وهي بالكاد تقطع الطريق محدثة ضجيجا مزعجاً، أو حتى في منظر الدشم العسكرية المتناثرة داخل الحقول بكثافة منذ أيام حاكم ألبانيا الأسبق وديكتاتورها أنور خوجا، رغم ذلك انتشرت على هذا الطريق إعلانات ضخمة عن "صناديق الاستثمار"، والمشروبات الغازية والسجائر الأمريكية والتليفونات النقالة وأجهزة الكمبيوتر، متجاورة مع مشهد وسائل النقل البدائية "الأحصنة" و"الحمير" وهي تجر العربات الخشبية المحملة بالقش والبرسيم والبشر أيضا.

كل ذلك كان يتقاطع مع بهاء جاذب للبصر، حيث الجبال التي تحيط تيرانا كحزام شديد القسوة وروائع الجمال أيضا، خيل إلينا أن السحب البيضاء تنطلق من أواسط تلك الجبال العالية لا من قمتها، كان المنظر هائل الروعة كأنه السحر إذ يختطف العين ولا يدعهـا ترى ما عداه .

كانت تيرانا- خارج المدينة- غيرها داخلها، فالحقول المنبسطة و الأنهار ذات المياه الرقراقة والمياه الهابطة من قمم الجبال، والينابيع المندفعة من أسفلها، والأشجار النابتة في قلب الصخور الجبلية أو النباتات التي تكسو كل تلك الجبال، وبقايا الجليد الذي يصارع الذوبان- رغم أن رحلتنا كانت في شهر مايو- ويخط حين يهبط طريقا لامعاً، كان الفقر الشديد والبؤس واضحين في وسط المدينة حيث يلتقي الغبار والازدحام وإهمال الأماكن الأثرية والفنية، يتناقض مع الجمال الفائق والخلاب خارج العاصمة، والذي يؤكده تناثر البيوت ذات الطابقين والسقف القرميدي الأحمر وسط الحقول بأناقة شديدة وبساطة تضيف إلى المشهد عذوبة.

بعد استعراض أوضاع النازحين من كوسوفا إلى ألبانيا حدد إبراهيم الخليل رئيس وفد جمعية الهلال الأحمر خطة توزيع المساعدات الإنسانية الكويتية، كانت هناك ثلاث حالات من النازحين الأولى تستضيفها العائلات الألبانية داخل بيوتها وتقتسم معها متاعها، والثانية تقيم داخل الخيام في معسكرات الإغاثة مع عائلات أخرى، والثالثة هي تلك التي تنام في العراء انتظارا لمأوى بعد وصولها للحدود وقطعها لمسافات طويلة سيراً على الأقدام. والحالات الثلاث إذا لم يتم تأمين المساعدة لها بشكل عاجل فإن الأوضاع قد تتفاقم وتتحول إلى كوارث ، وكانت البداية لتوزيع المعونات في تيرانا وسط البيوت التي تؤوي العائلات الكوسوفية النازحة، وأصحاب هذه البيوت أصبحوا أيضا في حاجة إلى المساعدة أو على الأقل حمل بعض أعباء الإعالة عنهم، خاصة أن راتب الموظف الشهري لا يزيد على 70 دولاراً في ألبانيا التي هي واحدة من أفقر دول العالم، وشعبها من أكثر الشعوب بؤسا، بعد وقوعه لسنوات طويلة تحت قبضة الحكم الشيوعي المتسلط في عهد أنور خوجا.

بدا الأمر منتظماً في الساحة التي توسطت البيوت، عندما بدأ متطوعو الهلال الأحمر في توزيع المساعدات داخل صناديق يحتوي الواحد منها على أغذية جافة وحليب الأطفال والملابس والأغطية ، فيما كان وفد الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية الذي رافقنا طيلة الرحلة برئاسة السيدة لولوة الملا يقوم بتوزيع المساعدات المادية التي تبرع بها أهل الخير في الكويت على عائلات النازحين.

الذي أدهشنا هو أنه رغم كثرة أعداد الذين أتوا للحصول على المساعدة بعد أن استدعاهم رئيس الحي الألباني ورئيس مجموعة النازحين في هذا الحي "وهو كوسوفي، إلا أنه لم يحدث أي تزاحم، كانت الملابس تنم عن أناقة سابقة، وكان الإباء، "عزة النفس" تكشف عن تحضر وعفاف أذلته الحاجة وبكاء الأطفال الجوعى، وقسوة المناخ الألباني الشديد البرودة في الشتاء والأقرب إلى اللهيب صيفاً.

استاد أصلان روشي

ما إن انتهى توزيع المساعدات في ذلك الحي حتى انطلقت بنا السيارة إلى استاد رياضي كبير مازالت تبدو ملامح فخامة البناء فيه على الرغم من إهمال الصيانة، في الداخل كان آلاف اللاجئين يفترشون الأرض في إحدى الصالات المفتوحة والمغطاة السقف، متجاورين حيث لا حرمة لآدمية البشر ولا احترام لخصوصيتهم، في مشهد يكفي ليصب المرء لعناته صباحا ومساء ضد الديكتاتورية والطغاة وجرائمهم الشديدة البشاعة ضد "إنسانية" الإنسان.

في داخل الاستاد واسمه "أصلان روشي" كانت تجلس "خديجيا" إلى جوار حفيديها الصغيرين، واضعة يدها على خدها ومستغرقة في النظر إلى الأرض عندما اقتربنا منها وسألناها كيف وصلت إلى ألبانيا، أشارت إلى الطفلين الصغيرين وقالت "لولا هذين لما تمسكت بالعيش"، صمتت للحظة ثم دخلت في نوبة حادة من البكاء، قبل أن تقول "لم يبق لي سوى هذين، بعد أن دخل الصرب إلى منزلنا واقتادوا والدهما، وعندما حاولت زوجته منعهم، كانت رصاصة أطلقها أحد الجنود كفيلة بإسكاتها للأبد، هكذا حملت حفيدي وخرجت، لم يعد لي سواهما فزوجي مات منذ سنوات، ولا أعرف إن كان ابني حيا أم قتل، حملت الطفلين على كتفي حتى التقطتنا عائلة مغادرة، تحملنا أفرادها إلى أن وصلنا إلى الحدود، وهناك أصر الجنود الصرب على تجريد الجميع من أغراضهم، وعندما لم يجدوا معي شيئاً، عاقبوني بتعليقي إلى الأعلى من رجليّ، لا أعرف كم ساعة مرت عليّ في هذه الحال.. ولكني عدت ثانية لأحيا من أجل هذين الصغيرين"، انحنت العجوز لتقبل جبيني الطفلين، ثم عادت إلى بكائها الخافت ونظرتها المستغرقة إلى الأرض.

معسكر البحيرة

لم ينقض اليوم الثاني لوصولنا إلى ألبانيا، حتى انطلقنا إلى معسكر "ليشينيا"، وكان في السابق ملعباً رياضياً كبيراً تتناثر فيه حمامات السباحة واللعبات الجماعية الأخرى، قبل أن تصيبه يد الإهمال التي يبدو أنها لم تترك عملاً جميلاً باقياً على حاله، عند الباب الرئيسي كان ثمة ملصقات لنجمة داود وهو ما دفعني لأسأل أحد المشرفين على المعسكر من أبناء كوسوفا اختاره النازحون لإدارة شؤونهم، عما إذا كانت إسرائيل تدير هذا المعسكر، استغرب الرجل لسؤالي، ونفى بشدة أن تكون تل أبيب قد قدمت أي مساعدات لهم، وهو ما أثار استغرابنا، إذ إن مشاهدة الملصق الإسرائيلي تكررت مرات عدة وفي أكثر من مكان، ما يعني أن حجم الدعاية الصهيونية بالملصقات كان أكبر من حجم الإعانة الفعلية.

في هذا المعسكر انتشرت الخيام الزرقاء للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة (ANCHOR ) وهي خيام مؤقتة صغيرة وواطئة، يتكدس فيها نحو 29 فرداً، بينما طاقتها لا تحتمل أكثر من عشرة أشخاص.

سلب الحياة

قبل أن نغادر معسكر "ليشينيا" كانت عائلة "شاكر كريم جاشي" تفترش حشائش الأرض القريبة من الباب الرئيسي شدتنا إليه عيناه الحمراوان ودموعه المتساقطة وأصابعه التي تمتد بين حين وآخر لتمسحها، بينما جلس آخرون من كبار السن مثله، يواسونه.

كانت هذه العائلة مكونة من الجد "شاكر" والحفيد "شكري" البالغ 12 عاماً، بعد أن فقد العجوز ولده "فاضل" الذي هو والد " شكري"، جلسنا إلى جواره وحاولنا إبلاغه بمواساتنا، أخبرنا أن مأساته، بدأت عقب دخول الصرب إلى قريته "بوستوزل Pustosel" في محافظة "راوفيك Rahovec" الكوسوفية عندما قاموا باعتقال شباب القرية وقتلوا 60 منهم على الملأ عندما رفضوا الانضمام إلى الشرطة الصربية "كان من بينهم ابني، بعدها أخذوا هذا الولد رهينة- مشيرا إلى "شكري" الحفيد- فأعطيناهم كل شيء في البيت، وأطلقنا سراحه، لكنه منذ خمسة أسابيع لم ير أمه، اليوم فقط عثرنا على اسمها في الكشوف التي تكتب فيها أسماء نازحي كوسوفا الذين يصلون إلى الحدود الألبانية وتعلق في لوحات الإعلان عند مدخل معسكرات اللاجئين، عرفنا رقم هاتف الأسرة الألبانية التي تقطن لديها، لقد عذبونا كثيراً وقطعوا أطراف أرجل الكثير منا عندما كانوا يروننا نسير على الحشائش، كانوا يصرخون فينا: "إن هذا النبات صربي ويجب ألا تدنسوه بأقدامكم".

عندما دعا أفراد وفد الإغاثة الكويتي الصبي "شكري" للاتصال بأمه من التليفون المحمول، قفز الصبي فرحاً، وكأنه لم يكن مستغرقا في نوبة بكاء قبل قليل، لكن الفرح الأكبر حدث عندما استطاع بالفعل العثور على أمه ومحادثتها هاتفيا ، فكم كانت تلك اللحظة رائعة لكل من اصطفوا حول الصبي مرهفين السمع فيما كان الفتى في حالة من البهجة أنسته للحظات ألم التشرد ولوعة الفراق.

كان شعور الجد "شاكر" بالامتنان أعظم من الوصف، ظل ينظر نحونا ومازالت عيناه تدمعان، قبل أن يقول "لعل ما حل بنا .. عقاب من الله، لأننا تركنا الصلاة وابتعدنا عن تعاليم ديننا، بينما يساعدكم الله لأنكم تصلون وتعرفون واجبات الدين". قالها الرجل وتركنا نتساءل في حيرة: هل كان ابتعادهم عن تعاليم الدين الإسلامي وأداء الواجبات في ظل أنظمتهم القمعية، تقصيراً منهم.. أم منا نحن؟!

من تيرانا إلى الباسان

في الطريق إلى مدينة "الباسان AL Basan" حيث تكتظ بيوتها ومدارسها باللاجئين، كادت أنفاسنا تتوقف بينما الباص الصغير يدور بنا في طريق ملتف حول جبال شاهقة الارتفاع، ويظل في صعود هو أشبه باقتفاء السير ابتداء من ذيل ثعبان ملتف حول شجرة وصولا إلى رأس الثعبان ثم العودة من الأعلى بعد ذلك هبوطاً.

كان الأمر شديد الخطورة، فالحواف لم تكن آمنة في معظم الأحوال وذات أسوار نادرة بينما كان يكفي المرء إلقاء نظرة إلى الأسفل حيث الأودية المترامية على مسافة تصل إلى 4000 متر وحيث الأبقار السارحة في الأراضي الخضراء البعيدة تكاد في عيوننا تقترب من حجم الذباب، كان طريقا مخيفا زادته ألعاب السائق البهلوانية ربما ليثبت لنا معرفته الجيدة بخط الوصول، لكنه رغم ما فعل وصل بنا بعد 135 دقيقة، بينما المسافة من تيرانا إلى الباسان لا تزيد على 45 كيلو متراً.

كان مشهد شلالات المياه وهي مندفعة من أعلى الجبال، والطوق الجبلي الأخضر البعيد عاملاً جيداً في تخفيف حالة الرعب التي انتابتنا، لكنها لم تمنع دهشتنا عند رؤية الدشم العسكرية المنتشرة كبثور وسط صفاء اللون الأخضر الذي يكسو الأرض الألبانية، أو رؤية لوحات الشيبية والعمال المثبتة بالحصى عند مداخل المدن ومخارجها، أو السحب التي بدت لنا وكأنها تنبثق من وسط الجبال، والتي أصبحنا نراها تحتنا، وكأننا راكبين إحدى الطائرات العملاقة، لا باصا متهالكاً، حتى مداهمة الضغط الجوي للأذنين الذي غالبا ما يحدث عند هبوط الطائرة، أصاب آذاننا بالصمم المؤقت عندما كانت السيارة تهبط في طريق أكثر التواء، حيث لاحت على البعد أدخنة مصانع القرميد، وبدت مجموعات النسوة يقدن أغنامهن إلى مرعاها.

هبطنا إلى الباسان، حيث البيوت التي لم ترمم منذ فترة طويلة والشوارع الممتلئة بالحفر، وأكشاك الهامبورغر الفقيرة، والشوارع التي لم تصافحها مكانس عمال النظافة، كان البؤس هو العلامة الفارقة في هذه المدينة التي تقع في قارة "أوربا" ، لكن المفارقة الأكثر ألما كانت في الصدمة التي قابلتنا عند أبواب المدينة إذا كانت بعض النسوة يبحثن في تل القمامة عن شيء ما.. ربما يسد الجوع أو يقي من برد كان شديد القسوة في تلك الأيام.

كان أمامنا خمس نقاط لتوزيع المساعدات الإنسانية الكويتية وكان لا بد من إنجازها في ذلك اليوم الذي داهمتنا فيه أمطار شديدة الغزارة، المنطقة الأولى تسكنها العائلات النازحة في ما يطلق عليها المساكن الشعبية! انطلقت الشاحنات بعدها إلى مدرسة كبيرة تسكنها عائلات أخرى، ثم إلى مدرسة أخرى تبتعد نحو عشرة كيلومترات عن السابقة، تراصت فيها الوجوه الشاحبة أطفالا ونساء وعجائز، ذقون غير حليقة وشعور شعثاء، وعيون زائغة، رأيت الأطفال وتذكرت تقريراً دوليا حول هؤلاء الذين شاهدوا الصرب وهم يذبحون آباءهم أو مدرسيهم ويغتصبون أمهاتهم أو شقيقاتهم، هؤلاء الصغار الذين يعانون من "كوابيس" مفزعة ليلاً ومن حالات (التبول اللا إرادي" و"عدم القدرة على الوقوف" و"التلعثم" و"الخوف من الآخرين"، هم قنابل موقوتة في الغد إذا لم يتم علاج الآثار المدمرة التي خرجوا بها من تلك المحنة.

في الطابور الذي احتمى بسقف مدخل المدرسة انتظاراً لدوره في الحصول على المعونة، وقف "لطفي تاتشي" بأعوامه السبعين شدني مظهره وهو يرتدى بذلة بنية اللون أنيقة، ويضع فوق رأسه قبعة من نفس نسيج ولون "البذلة"، ويستند بيده إلى عصاه، اقتربت وسألته عما حدث قال: "عندما كنا في منزلنا في مدينة "بريزرن Prizren" دخلت الشرطة الصربية وأمرت من يتراوح عمره بين 16 و50 عاما بالخروج، وأطلقوا النار في الأعلى حتى لا يتلكأ أحد.

خرج الشبان ولم يعودوا ثانية، وفي منزل جاري قتلوا تسعة أشخاص وعندما حاولت امرأة في هذا البيت منعهم من أخذ زوجها ذبحوا طفلها ذا السبعة أشهر ثم أطلقوا النار عليها".

يضيف لطفي: "هناك 20 شابا مفقودا من أسرتي وأنا أعرف أسماءهم كلهم.. ولكن كيف أستطيع معرفة إن كانوا لا يزالون أحياء؟".

تناولت كشف الأسماء الذي يتم توزيع المساعدات وفقا له، وجدت أسماء الرجال "سنان، إبراهيم ، حمدي ، مسعد، صالح، رمضان، إدريس، عبدالله، شعبان، محمد، خيرالله".

ووجدت من أسماء النساء "ربيعة، شميسة، سليمة، أمينة، صبيحة، نور"، بحثت عن اسم ينتهي بـ "فيتش" مثل كل الأسماء التي تطلق على قاطني منطقة البلقان ومنهم سكان البوسنة والهرسك من المسلمين "بيجوفيتش" مثلا، دون جدوى، ولما سألت عن هذه الظاهرة عرفت أن سكان كوسوفا الألبان قاوموا المحاولات الصربية المستمرة لإلغاء لغتهم ودينهـم وأسمائهم وتذويبهم داخل المجتمع الصربي، سواء بفرض اللغة الصربية أو هدم المساجد وممارسة الضغط المعيشي ضدهـم، اعتبر الألبان أن اللغة والدين حائطان أخيران لا يمكن التفريط فيهما ، إلى جانب إيمان الألبان الشديد بأن أصولهم العرقية تختلف عن أصول السلاف التي يشترك فيها الصرب والكروات والمقدونيون والسلوفينيون ومسلمو البوسنة والهرسك، وتجمعهم معا اللغة الصربوكرواتية وهي غير اللغة الألبانية المنتشر استعمالها في إقليم كوسوفا.

التين والزيتون

بعد انتهاء توزيع جانب من المعونات في الموقع الثالث بمدينة الباسان، انطلقنا إلى الموقع الرابع، حيث معسكر يسمى (Karbi ) حيث كان النازحون ينتظرون هناك رغم تساقط المطر بغزارة بعد أن أبلغهم مسئولي المنطقة بقرب وصول الشاحنات.

أشار "عربان شوشة" الشاب الألباني الذي يقوم بدراسة اللغة العربية في معهد "الهاجري" في مدينة الباسان إلى شجرة التين التي تمتد مستندة إلى سور المعسكر. وقالسورة التين الآيتان 1-2 والتين والزيتون. وطور سينين صدق الله العظيم، تقدم زميله في المعهد واسمه "اديسون دوكا" وقال بلغة عربية فصيحة "لقد حفظنا خمسة أجزاء من القرآن الكريم خلال ثلاثة شهور في معهد الهاجري الثانوي" الذي بناه واحد من رجال الخير في الكويت هو محمد إبراهيم الهاجري على مساحة 7000 متر مربع.

ولم يكن معهد الهاجري هو الوحيد الذي تبرع به أهل الخير من دولة الكويت، فالموقع الخامس الذي انطلقت إليه شاحنات المواد الإغاثية في نفس هذا اليوم في مدينة الباسان، كان إلى جواره مسجد أنشأته جمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت وتبرعت به السيدة موضي محمد العتيقي.

المساعدات الكويتية للبلقان

أعمال الخير بدأت منذ فترة في منطقة البلقان في أعقاب تفجر التطهير العرقي وحروب الإبادة ضد شعب البوسنة والهرسك على يد نفس الديكتاتور الصربي الذي تسبب في مجزرة كوسوفا، فإلى جانب الجسر الجوي الذي قدمته الكويت لإغاثة مسلمي البوسنة والهرسك، قامت بتبني ألف يتيم بوسنوي وكفالتهم.

وتوزعت المساعدات التي قدمتها دولة الكويت للاجئي كوسوفا على عدة جهات الهلال الأحمر واللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة، وشاركت في حملة المساعدات الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية وبنك الكويت الوطني.

يقول عضو مجلس إدارة جمعية الهلال الأحمر ورئيس وفدها إلى مقدونيا وألبانيا إبراهيم الخليل إن رحلة المساعدات الأولى التي تمت خلال الفترة من 8 إلى 19 إبريل الماضي إلى معسكرات اللاجئين الألبان في جمهورية مقدونيا توزعت على أربعة مخيمات:
رادوشار كان يضم 700 أسرة، وستنكوفيتش "1"، وكان يضم 3000 أسرة، وستنكوفيتش "2" وضم 1300 أسرة، ومخيم برازدا وضم 1500 أسرة. وبلغ عدد المستفيدين نحو 49 ألف فرد، بما يعادل 6500 أسرة.

يشير إبراهيم الخليل إلى أن الطائرة الأولى حملت 40 طنا من المواد الغذائية التي تبرع بها المواطنون الكويتيون بعد أن أمر سمو أمير البلاد بتخصيصها لنقل تلك المساعدات التي شارك في إيصالها إلى النازحين 14 متطوعا قاموا بتوزيع تلك المساعدات على 6500 عبوة عائلية.

يضيف رئيس وفد الهلال الأحمر الكويتي أن الطائرة الثانية الناقلة للمساعدات توجهت إلى ألبانيا، وعلى متنها 37 طنا من العبوات العائلية التي تبرع بها أهالي الكويت للاجئي كوسوفا، يقول الخليل إن تلك المساعدات تم توزيعها في العديد من المدن الألبانية "تيرانا، الباسان، دورس، كوكس" وبلغ عدد المستفيدين نحو 5000 أسرة وما يعادل 45000 لاجئ.

مشيراً إلى أن مكتب لجنة الإغاثة الكويتية في تيرانا ساهم بجهد كبير في تقديم المساعدة لإنجاح مهمة وفد جمعية الهلال الأحمر الذي تكون من مسئول العلاقات العامة عبدالرحمن العون وفؤاد الربيعة وعبدالله جمعة وجواد القلاف وتوفيق الكليبي وسعود الحربي ويوسف المعراج.

وقال إبراهيم الخليل إن متطوعي الهلال الأحمر قاموا بزيارة منازل الألبان الذين استضافوا لاجئي كوسوفا وقدموا لهم المساعدات الغذائية والملابس والبطانيات، وأشار إلى أن الطائرة الثالثة وصلت إلى مطار تيرانا يوم 15 مايو الماضي حاملة 40 طنا من المساعدات الغذائية والملابس والخيام، وإلى الباخرتين اللتين أفرغتا شحنتيهما في ألبانيا وتم توزيعهما على اللاجئين، وكانت الأولى تحمل 470 طنا، والثانية 500 طن من مساعدات أهل الخير في الكويت لإخوانهم من المشردين النازحين إلى ألبانيا من كوسوفا.

تبرعات أهل الخير

من جهتها قالت السيدة لولوة الملا أمينة سر الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية ورئيسة وفدها المشارك في مهمة وفد الهلال الأحمر إلى ألبانيا: إن الجمعية نظمت في شهر إبريل الماضي يوما مفتوحا للتضامن مع شعب كوسوفا، تم خلاله بيع التبرعات العينية، وتلقي التبرعات المادية لتصل الحصيلة إلى ربع المليون دولار.

وقام الوفد النسائي الذي شاركت فيه كل من "هانيا العريقي، معصومة عبدالله، زينب الحربي، نورية العيسى وضحوك البنوان" بالسفر إلى ألبانيا مع رحلة الهلال الأحمر الكويتي حيث تم توزيع تلك المساعدات على الأسر المتضررة في عدة مناطق، وقام الفريق كذلك بزيارة مؤسسة (S .O. S ) للأيتام بعد أن علم بأن هذه المؤسسة تؤوي مجموعة من الأيتام الكوسوفيين، غير أنه مع اشتداد الأزمة انتقلت مجموعة من الأسر أيضا إليها، وهو ما دعا الفريق لدراسة الحالة، ثم العودة بعد شراء الاحتياجات اللازمة لتوزيعها على القاطنين في هذه المؤسسة.

من جهته، أبلغنا عبدالمحسن المعوشرجي مستشار التدريب ومشرف المكاتب الخارجية للجنة الكويتية المشتركة لإغاثة والمنتدب لمشروع الإغاثة في ألبانيا: أن اللجنة التي تملك مكتبا دائما في تيرانا، قامت بتوزيع نحو 27 ألف وجبة جاهزة منهـا 10 آلاف في مدينة كوكس الحدودية وبقيمة إجمالية 513 ألف دولار، وتقوم حاليا بترميم فندقين وهما تحت الترميم يؤيان "600" عائلة من نازحي كوسوفا وينتظر " أن يؤيا ضعف هذا العدد بعد الانتهاء من أعمال الترميم.

يضيف المعوشرجي أن اللجنة تتبنى إعالة 750 أسرة تقطن إحدى المدارس ويصل إجمالي أفرادها إلى 4500 فرد، فيما تقوم بانشاء المبنى الثقافي مدينة "بوريو" في ألبانيا الذي سيضم هو الآخر نحو 360 عائلة. كان لا بد من زيارة المخيم الأشهر في ألبانيا، مخيم دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي يعد يحق عملا يفاخر به العرب والمسلمون والذي كان محور حديث من قابلناهم في ألبانيا.

عند بوابة الدخول الجانبية المخصصة لراغبي الوصول إلى الطائرات العسكرية القابعة في مطار "ريناس" في تيرانا أوقفنا الجندي الألباني بقميصه الأزرق وبنطاله وغطاء رأسه الكحلي، قلنا: إننا نريد الوصول إلى طائرات الهليوكوبتر الإماراتية وأعطيناه هويات الهلال الأحمر الكويتي، قال أأنتم من الكويت؟ رددنا بالإيجاب، ابتسم وهو يقول "لا إله إلا الله محمد رسول الله " ثم فتح الباب الحديدي.

إلى جانب الطريق كانت تصطف الطائرات الإماراتية الأربع وقد كتب عليها Air Force E.A.U، جلسنا في أماكننا 16 فردا ربطوا أحزمة المقاعد لتنطلق الطائرة قاصدة مدينة كوكس (Kukes ) في شمال ألبانيا الواقعة على الحدود مع إقليم كوسوفا، حيث المخيم الإماراتي الذي يسميه الكثيرون بمخيم " الخمسة نجوم"، من الأعلى أتاحت لنا نافذة الطائرة الزجاجية أن نعيش نصف ساعة من الطيران مع مشهد غاية في الجمال، لبلد لديه كل تلك الإمكانات وكل ذلك الفقر، مربعات خضراء شديدة الأناقة، يترامى بهاؤها طيلة الطيران، فيما كان القطار الألباني وعرباته الكثيرة يمتد طويلا ويبدو لنا من الأعلى وكأنه التصق في مكانه، وجرارات زراعية تحرث الأرض، وماشية ترعى غير آبهة بخنادق أنور خوجا الكئيبة، ولاكتمال اللوحة كانت زرقة مياه البحر الادرياتيكي تمنحنا صفاء عندما تخترق المسافة الفاصلة بين طرفي الحزام الجبلي.

نصف ساعة قطعتها الطائرة، وأغنتنا عن 10 ساعات كان يمكن أن نقطعها بالسيارة لنصل إلى "كوكس"، كان المخيم الإماراتي يحتل مسافة مترامية، الأمر الذي استدعى إحضار باص لنقلنا إلى داخل المخيم، تجولنا هناك في المسجد الذي احتشد فيه عشرات الأطفال يتعلمون اللغة العربية والدين الإسلامي، وفي المستشفى الميداني المجهز بأحدث الأجهزة والقادر على استيعاب 200 مريض والمزود بغرفة عمليات كاملة يمكنها إجراء 12 عملية جراحية في اليوم الواحد وبعضها معقد للغاية كعمليات القلب المفتوح. ودخلنا إلى المطبخ المركزي الذي يقوم يوميا بتجهيز نحو 8000 وجبة ساخنة، مع تخصيص جزء كبير للنازحين الذين كانوا يتوافدون إلى ألبانيا عند نقطة الحدود.

وزرنا خيمتين كبيرتين خصصتا للعجزة والمسنين، وملاعب كرة القدم وكرة السلة المخصصة لأبناء اللاجئين، وقد أحاطتها سياراتهم الصغيرة الحجم منزوعة اللوحات، بعد أن قام الجنود الصرب عند الحدود بانتزاعها، وإحراق الهويات والشهادات وتراخيص العربات، وكل الأوراق الثبوتية التي كان اللاجئون يحملونها في الطريق إلى الشتات.

في خيمة القيادة قال لنا قائد قوات الإغاثة الإماراتية في ألبانيا العقيد الركن عبيد الحيري الكتبي إن مخيم بلاده يستضيف 8600 لاجئ، وبإمكانه استيعاب 12 ألفا، مؤكدا أن المستشفى الميداني الموجود داخل المخيم هو أفضل المستشفيات في كل ألبانيا، وأشار العقيد الكتبي إلى مطار زايد الذي تم افتتاحه في منطقة كوكس أمام طائرات الإغاثة، وقامت دولة الإمارات بإعادة صيانته وافتتاحه بعد 70 عاماً من إغلاقه على مساحة 40 ألف متر مربع، وستقوم في المرحلة القادمة بتحويله إلى مطار دولي صالح لاستقبال حركة الملاحة الجوية لتقديمه فيما بعد هدية إلى الحكومة الألبانية.

في مدينة دورس (Durres ) الواقعة على مسافة ساعتين من مدينة تيرانا، وصلت شاحنات الهلال الأحمر الكويتي، كان القادمون الجدد من الحدود قد افترشوا الأرض انتظاراً لترتيب مكان لهم داخل إحدى الخيام، وكان الجوع والإنهاك باديين عليهم، اندفع معه بعضهم إلى النوم على الأرض رغم المياه الراكدة المحيطة بالمكان والرائحة الكريهة التي ملأته. ما إن انتهى متطوعو الهلال الأحمر الكويتي من توزيع المساعدات التي جاءت في وقتها تماما وفي مكانها حيث كانت أعداد كبيرة يتوالى وصولها إلى المكان، حتى تقدم بعض كبار السن يحتضنون هؤلاء المتطوعين ويقدمون الشكر وهو ما وحد الجميع في حزن له طعم المرارة وألم المأساة، لاقى صمتا لدى البعض، وانفجر في بكاء جماعي لدى آخرين.

هذا البكاء أعادني للتساؤل حول أسباب كل هذه القسوة التي عامل بها الجنود أبناء إقليم كوسوفا، مبتكرين في هذا الإطار أساليب شديدة الدناءة ضد آدمية البشر وكرامتهم وحرماتهم.

جنون الأسطورة

ينطلق الصرب في هوسهم البغيض من عدة أساطير ساهم وصول الديكتاتور ميلوسوفيتش في إعادة تأجيجها بعد سنوات طويلة ظلت فيها خامدة في عهد الرئيس اليوغسلافي الأسبق جوزيف بروز تيتو الذي كان يتولى رئاسة الاتحاد اليوغسلافي قبل أن يساعد التعصب العرقي لميلوسوفيتش في تفتيته إلى ست دول بعد حروب دامية.

أكثر هذه الأساطير فجاجة هي الزعم بأن كوسوفا أرض صربية خالصة وأنها تمثل مهد الصرب، وتعني بالنسبة لهم مكانا أهم من القدس.

وزاد ميلوسوفيتش تأجيج هذه الأسطورة في 28 يونيو 1989 في ذكرى مرور 600 عام على معركة كوسوفا وهي مناسبة سنوية يحتفل الصرب بها رغم هزيمتهم فيها على يد السلطان العثماني مراد الأول، عندما وقف في حشد جماهيري ينتفض حماسا وهو يقول: "إن المعركة من أجل تحقيق آمال شهداء كوسوفا سوف تستمر بكل الوسائل، ولن يهزم الصرب بعد اليوم".

والمعروف تاريخيا أن كوسوفا التي كان اسمها "قوصوه" لم تكن يوما مهدا للصرب، وأن ذلك الإقليم الذي تصل مساحته إلى 10877 كيلو مترا مربعا وتجاوره من الجنوب الغربي جمهورية ألبانيا، ومن الشمال الغربي جمهورية مونتنيجرو والجبل الأسود، ومن الجنوب جمهورية مقدونيا، ويصل عدد سكانه إلى 2.5 مليون نسمة، نسبة الألبان المسلمين منهم تشكل 90 في المائة، هذا الإقليم يمثل امتدادا لأراضي جمهورية ألبانيا، ويعود سكانه في أصلهم إلى الشعب "الإيليري" الذي يرجع تاريخه إلى ما يزيد على 2000 سنة، ويعرف المؤرخون أبناء شعب كوسوفا الذين يمتلكون لغتهم الخاصة، بأنهم محاربون أشداء، وأن بلادهم التي سميت (إيليريا) كانت مملكة وعاصمتها "اسكودار" وهي مدينة مازالت تحمل نفس الاسم وتابعة للإقليم، وقد سقطت بلادهم في أيدي الرومان عام 168 قبل الميلاد، فيما ظل أحفاد ذلك الشعب الايليري من الألبان يقطنون هذا الإقليم وقد أطلق عليهم "الألبان" نسبة إلى جبال الألب لعدة قرون، وإن الصرب وهم قبائل تنتمي إلى كتلة السلافيين كانوا يسكنون في شرق أوربا شمال نهر الدانوب لها يعبروا هذا النهر إلى منطقة البلقان إلا في القرن السابع الميلادي عندما استدعاهم الإمبراطور البيزنطي "قسطنطين" بروفير جينيتوس" لمساعدته في طرد الغزاة من" قبائل" "الآفار"، ولم يتوسع الصرب نحو كوسوفا إلا في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي، عندما انتهزوا ضعف الإمبراطورية البيزنطية بعد أن نشبت فيها الحروب الأهلية، ليزحفوا على كوسوفا، ويقتطعوها من الإمبراطورية، حتى جاء العثمانيون بقيادة السلطان مراد الأول في عام 1389 ليهزم ملك الصرب "لازار" في معركة "كوسوفا" التي قتل فيها ملك الصعب وسلطان العثمانيين، ثم أعاد العثمانيون الكرة واستطاعوا السيطرة تماما على المنطقة في عام 1455 وبقيت كوسوفا ضمن أملاك الدولة العثمانية لمدة خمسة قرون حتى اندلعت حرب البلقان عام 1912.

مشروع غراشانين

ومنذ معركة كوسوفا فان تاريخ الصرب الذي أصبح ينقسم إلى "ما قبل" تلك المعركة و"ما بعدها"، انتقل من التاريخ الحقيقي إلى الأسطورة واستطاع الهوس العرقي ضخ روح الانتقام ضد المسلمين الألبان طيلة القرون الستة الماضية.

وفي منتصف القرن التاسع عشر قام المشروع القومي الصربي (مشروع غراشانين) على توسيع صربيا في المناطق المجاورة التي كانت تتبع الدولة الصربية في القرون الوسطى "كوسوفا ومقدونيا والبوسنة"، وكان المشروع الصربي عندئذ يركز في هذه الحالة على "الحق التاريخي"، و"الأرض المقدسة" ويطالب باسترداد وضم هذه الأراضي إلى صربيا ، بينما يتجاهل كل وجود آخر "اثني وثقافي" في تلك الأراضي.

كانت بداية التطهير العرقي في الحرب الروسية- العثمانية التي وقعت عامي 1877 و 878 1 وشاركت فيها صربيا إلى جانب روسيا القيصرية، وقد شهدت هذه الحرب هزيمة القوات العثمانية في قلب البلقان، وفي إطار هذه الحرب عبرت القوات الصربية الحدود العثمانية إلى ولاية "قوصوه" وروعت السكان الألبان، وأجبرت عشرات الآلاف منهم على الهجرة، ولجأت الإدارة الصربية إلى تجربة التطهير العرقي في المناطق التي استولت عليها، لدرجة أنه بعد سنوات قليلة لم يعد في تلك المناطق ما يذكر بوجود "الآخر" المسلم غير المرغوب فيه، وهو نفس الإجراء الذي كررته صربيا مرة أخرى خلال حرب البلقان سنتي 1912 و 1913 عندما قامت بطرد الحكم العثماني من كوسوفا.

بعد قيام صربيا بضم معظم أجزاء كوسوفا إليها خلال الأزمة الإقليمية الدولية التي صاحبت انعقاد مؤتمر لندن 1912 و 1913 أسرعت القوات الصربية بالتخلص من الأغلبية الألبانية في كوسوفا كي يتم إضفاء الطابع الصربي التاريخي والمقدس، مما يبرر المطالبة بضمها إلى صربيا، ولذلك أخذت السلطات الصربية في إرغام الألبان والمسلمين 95% والكاثوليك 5% وقتئذ على اعتناق الأرثوذكسية، كي يكون أمر ذوبانهم في الإطار الصربي الأرثوذكسي أمراً سهلاً، كما قامت تلك السلطات بترويع السكان لإرغامهم على الهجرة إلى ألبانيا أو تركيا، وتزامنا مع ذلك قامت سلطات بلجراد بتطبيق سياسة الاستيطان فاستدعت الصرب من المناطق الأخرى وقامت بتوطينهم في كوسوفا، وأصدرت في فبراير 1914 ما أسمته "مرسوم الاستيطان في الأراضي المحررة حديثا" والذي وعدت فيه الحكومة الصربية المستوطنين الصرب بمنحهم 9 هكتارات من الأراضي لكل عائلة بالإضافة إلى هكتارين لكل فرد من العائلة يتجاوز عمره السادسة عشرة، وضمن هذا المرسوم للقادمين الجدد الانتقال المجاني والإعفاء من الضرائب لمدة 3 سنوات، وقد وصل الحماس "لتصريب" كوسوفا إلى درجة أن رئيس الحكومة الصربية توقع في مارس 1914 أن ينجح في استقدام حوالي ربع مليون صربي من المهاجرين في أمريكا لتوطينهم في كوسوفا، محل الألبان الذين يتم إرغامهم على الهجرة، والذين غادر الإقليم منهم نحو 50 ألف شخص خلال سنتي 1913 و 1914، ولولا اندلاع الحرب العالمية الأولى في أغسطس عام 1914 بين النمسا وصربيا واختراق القوات النمساوية صربيا في نهـاية عام 1915 لما توقف الاستيطان الصربي، فقد منحت القوات النمساوية ألبان كوسوفا نوعا من الحكم الذاتي "الثقافي" حتى نهاية تلك الحرب.

سياسة الاستيطان

ورغم أن قوات الحلفاء الفرنسية شاركت بقوة في إنزال الهزيمة بالقوات النمساوية- البلغارية، ودخلت مدن كوسوفا في خريف 1918 مع الجيش الصربي، إلا أن الصرب اعتبروا دخول الإقليم بمنزلة "التحرير" الصربي الثاني لكوسوفا، وتم إعادة ضمه إلى إطار الدولة الجديدة التي سميت "يوغسلافيا" التي أعلنت في ديسمبر 1918 ومن ثم انبعثت من جديد سياسة الاستيطان التي كانت قد بدأتها بلجراد في عام 1914 بهدف تغيير التركيبة الديموجرافية.

وقد جاء اندلاع الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939 ليجمد عملية الاستيطان الصربية، بعد أن أدت تطورات تلك الحرب في إبريل 1941 المتمثلة في اختراق وتفتيت يوغسلافيا، إلى ضم معظم كوسوفا إلى ألبانيا، والهجرة المعاكسة لمعظم الصرب الذين استوطنوا كوسوفا خلال الفترة من 1918 إلى 1941 ومع أن الألبان وجدوا أنفسهم في دولة واحدة من عام 1941 إلى عام 1944 وهو الأمر الذي عنى لهم الكثير، فإن السؤال حول مصير كوسوفا والبلقان عاد ليطرح بين الأحزاب الشيوعية التي قادت حروب التحرير في يوغسلافيا وألبانيا وبلغاريا واليونان، وبرز من جديد الحديث عن الفيدرالية البلقانية، وفيما يخص كوسوفا تحديداً اتفق الحزبان الشيوعيان الألباني والروسي على إعطاء الأفضلية للمقاومة "حرب التحرير" وإرجاء مسألة الحدود إلى ما بعد الحرب.

وحصل إقليم كوسوفا على الحكم الذاتي اعتبارا من عام 1945 في عهد الرئيس الأسبق جوزيف بروز تيتو الذي بذل-جهوداً واضحة في سبيل التنمية الاقتصادية وتحقيق نوع من التوازن بين كوسوفا وسائر أقاليم يوغسلافيا، والذي أصدر في عام 1974 دستورا جديدا حصل بموجبه ألبان كوسوفا على حكم ذاتي موسع إلى حد ما ، وأصبح من حقهم الحصول على قروض خارجية دون الرجوع إلى الحكومة المركزية، وأصبحت كلية "بريشتينا" في عاصمة كوسوفا، جامعة مستقلة.

ولكن فور وصول الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش إلى الحكم عام 1989 ألغى الحكم الذاتي لكوسوفا، وأصدر عدة قرارات استهدفت تدمير البنية الأساسية للشعب الألباني في الإقليم، وتعزيز السيطرة الصربية عليه، فمن قصر الوظائف علي الأقلية الصربية، وتركيز الاستثمارات في مناطقها، إلى تحديد النسل في مناطق المسلمين فقط، إلى إلغاء شرعية امتلاك السكان الألبان للعقارات والأراضي المشتراة سابقاً من الصرب، ومنع صدور صحف منشورة باللغة الألبانية، وإلغاء المدارس وإغلاق جامعة بريشتينا، وطرد المدرسين والعاملين في المدارس، وطرد موظفي القطاع العام الألبان، كذلك 80 ألف عامل في المجال الصحي، إلى إلغاء التحصين الدوري لأطفال كوسوفا مما تسبب في رفع نسبة الوفيات بسبب أمراض بسيطة كالحصبة.

الممارسات الرهيبة التي وصلت ليس حد قطع "الأرزاق" فقط بل والأعناق أيضا التي مارسهـا الديكتاتور الصربي ضد مسلمي كوسوفا، ولجوء السكان إلى خيار المقاومة المسلحة بقيادة "جيش تحرير كوسوفا"، والمقاومة السلمية التي يقودها "إبراهيم روجوفا"، ورد الصرب على ذلك بالمجازر الجماعية وممارسة التطهير العرقي والقتل والإذلال لسكان ذلك الإقليم، كان وراء اندلاع رابع حرب يضع شرارتها الديكتاتور في تلك المنطقة البلقانية المتفجرة، وبعد أن نال من ورائها مهانة الاستسلام، وإذلال الإبقاء عليه محاصرا داخل بلده، بعد أن أدانته المحكمة الدولية بارتكاب جرائم حرب تستدعي إلقاء القبض عليه ومحاكمته.

فهل اتعظ الديكتاتور الدموي.. وهل اتعظ الآخرون الذين يصرون دائما على السير وفقا لجنونهم المريض، لقد احترق البلقان في حروبه المتوالدة.. وتلك كارثة، وعاد أهالي كوسوفا إلى بلدهم بعد ثلاثة أشهر من التشرد.. وتلك حكمة، وسقط الطاغية مستسلماً.. وتلك عظة.

ولكن منذ متى كان الطغاة يتفهمون "الحكمة" ويجيدون الاتعاظ؟!

 

زكريا عبدالجواد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




صورة الغلاف





عودة لاجئي كوسوفا





هكذا حولت الهمجية الصربية المقيتة براءة الطفولة إلى انكسار





من البيوت الأمنة إلى افتراش العراء حيث لا سقف ولا دفء





عودة إلى الزمن البدائي في بدايات القرن الحادي والعشرين





جداول أسماء النازحين الموجودين في البانيا ربما من بينهم فرد من الأسرة





خير الدين بكتاشي وحيداً بعد أن قتل الهوس الصربي ثلاثة من أبنائه





شاكر جاشي البكاء كان أبلغ التعابير





في انتظار خبر سار يمنح أملا في العودة إلى الوطن





مأساة مروعة ألقت بظلالها على عدة أجيال فهل سيغفر الصغار غدا؟





خديجيا مع حفيدها الرضيع بعد رحلة فرار من المذبحة





في مخيم الإمارات الحدودي تعليم أبناء النازحين القراءة والكتابة





متطوعو الهلال الأحمر ومتطوعات الجمعية النسائية يوزعون المساعدات الكويتية على اللاجئين





الحياة داخل سيارة تحولت مسكناً بعيداً عن أرض الوطن





إبراهيم الخليل سيارة بعثة الإغاثة التابعة للهلال الأحمر الكويتي





سؤال يائس عن الأهل الذين تفرقت بهم السبل في مختلف الأنحاء





هذا آخر ما تبقى بعد الحياة الهادئة.. بحثاً عن مكان في أرض التشرد





في صالة استاد أصلان روشى الألباني طوابير للوجبات وأرضية للنوم





رغم عذابات التشرد تنبت المنافي أطفالا