المرأة الكويتية ناخبة ونائبة

المرأة الكويتية ناخبة ونائبة

شكل يوم السادس عشر من مايو 1999 منعطفا تاريخيا ومهما في تاريخ الحياة الديمقراطية في الكويت، بعد أن فتحت الرغبة الأميرية الخاصة بمنح الحقوق السياسية الكاملة لنساء الكويت صفحة جديدة في هذا التاريخ ، أكدت النهج الديمقراطي الأصيل الذي اختارته الكويت منذ استقلالها.

ففي هذا اليوم أقر مجلس الوزراء الكويتي مرسوم قانون يسمح للمرأة بممارسة حقوقها في الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية، بناء لأمر أميري جاء تقديرا من سمو أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح "للدور الحيوي المهم الذي تضطلع به المرأة الكويتية في بناء المجتمع وتنميته والارتقاء به "وكذلك "لما قدمته من تضحيات جسام ودور مسئول إزاء مختلف التحديات التي تعرضت لهـا الكويت "

الرغبة الأميرية التي تزامنت مع وقائع عرس ديمقراطي حقيقي شهدته الكويت منذ صدور الدعوة للناخبين لاختيار أعضاء مجلس الأمة التاسع في تاريخ الحياة النيابية الكويتية، والتي تم بموجبها في الثالث من شهر يوليو الماضي انتخاب خمسين نائبا للبرلمان الجديد.

هذه الرغبة الأميرية أصبحت بمثابة الصرح المتوازي مع خطوة شديدة الأهمية كان أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم قد اتخذها في شهر نوفمبر عام 1962 بإصدار دستور الكويت الذي تساوى بين المواطنين في الكرامة والحقوق والواجبات، ودشن البرلمان، وقنن نظام الحكم الديمقراطي.

وبفتح هذه الصفحة الجديدة تكون الكويت قد أغلقت ملفا ضل مفتوحا طيلة سبع وثلاثين سنة مضت ، منذ أن حصرت المادة الأولى من قانون الانتخاب حتى التصويت والترشيح بالرجال، مخالفة لنص المادة "29" من الدستور التي أكدت علي المساواة في الحقوق والواجبات بين الجنسين.

وكانت المرأة الكويتية التي حصلت على حق، التعليم بأعلى مستوياته منذ عام 1938 قد بدأت تحركها من أجل المطالبة بهذه الحقوق ، اعتبارا من بداية السبعينيات، عندما قامت الكاتبة نورية السداني بكتابة أعلى وثيقة في هذا الصدد، وقدمتها في منتصف ديسمبر عام 1971 إلى رئيس مجلس الأمة في ذلك الوقت خالد الغنيم، انطلاقا من أن الدستور الكويتي لها يفرق في الحقوق والواجبات بين أبناء الكويت ، وأن قانون الانتخاب هو الذي حصر " دون سند قانوني " حق الترشيح والانتخاب في الذكور من أبناء المجتمع.

في اتجاه الهدف

التحرك النسائي الساعي للحصول على الحقوق السياسية ظل مستمراً منذ ذلك الوقت، دون انقطاع ، ويكتسب إلى صفه مؤيدين من الرجال آمنوا بأهمية دور المرأة. وتوازت مع التحركات الدءوب للمرأة الكويتية، مطالبات في البرلمان بضرورة اتخاذ الخطوات المناسبة لإعطاء نساء الكويت حقوقهن في الانتخاب وأيضا في الترشيح.

ففي ديسمبر 1971 تقدم النائب الأسبق سالم المرزوق الذي كان ينتمي وقتها إلى كتله " النواب الديمقراطيين" باقتراح بمشروع قانون يمنح المرأة الكويتية " المتعلمة" حق الانتخاب .

وفي الحملة الانتخابية التي شهدتها الكويت تمهيدا للانتخابات النيابية عام 1975 قام أعضاء كتلة " نواب الشعب " المكونة من أحمد الخطيب وسامي المنيس وعبدالله النيباري وعبدالله البنوان وأحمد النفيسي وعبدالعالي ناصر ومبارك التورة وفيصل الصانع وناصر الفرج وعبدالله سعود التفيسي، وعبدالله البعيجان وسليمان خالد المطوع بتقديم برنامج انتخابي أخذت قضية الدفاع عن حقوق المرأة مكانا بارزا فيه.

وفي شهر فبراير عام 1975 قدم النائبان جاسم القطامي وراشد الفرحان أول مشروع قانون مفصل يعطي النساء جميعا حقوقهن السياسية كاملة بالترشيح والانتخاب ، ودعوا فيه إلى أهمية منح المرأة هذه الحقوق تأكيدا للنص الدستوري "الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهـم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين ".

وفى الدورة البرلمانية التي عقدت خلال الأعوام من 1981 إلى 1985 تقدم النائب أحمد الخيم باقتراح قانون لتعديل المادة الأولى من قانون الانتخاب بحيث يتم الاعتراف بحق المرأة في ممارسة الانتخاب.

وفي العام 1986 تقدم النائب السابق عبدالرحمن الغنيم باقتراح بقانون دعا فيه إلى منح المرأة حقها في الانتخاب والترشيح، أما في عام 1992 فقد تقدم النائب السابق حمد الجوعان باقتراح قانون يمنح المرأة الكويتية حقوقها السياسية كاملة.

وفي يوليو 1994 تقدم النواب السابقون علي البغلي وعبدالمحسن جمال وجاسم الصقر وعبدالله النيباري باقتراح بقانون يعطي المرأة حقها الكامل في الانتخاب والترشيح.

وفي مجلس الأمة السابق "1996- 1999" تقدم خمسة نواب باقتراحين منفصلين ، الأول قدمه النواب السابقون سامي المنيس وعبدالله النيبارى وحسن جوهر في 31 ديسمبر 1996 يدعو إلى منح المرأة حقوقها السياسية، والثاني تقدم به النائبان السابقان عباس الخضاري وصلاح خورشيد في 29 يناير 1997 ويقترح أيضا منح النساء كامل حقوقهـن السياسية.

مكافأة للتضحيات

الرغبة الأميرية التي توجت دوراً مهما قامت به المرأة الكويتية في خدمة بلادها، وجاءت مكافأة لحجم تضحياتها وبطولتها خلال الأيام العصيبة التي شهدتها الكويت، خاصة أيام الاحتلال العراقي لدولة الكويت خلال الفترة من الثاني من أغسطس 1990 إلى 26 فبراير عام 1991، والتي سقط خلالها 83 شهيدة كن انضممن إلى حركة المقاومة الشعبية ضد قوات الاحتلال. وأسر منهن 7 دفاعا عن بلدهن، هذه الرغبة لاقت استحسانا عارما من جميع الفعاليات التي تدرك ما لدور المرأة من أهمية في بناء وتنمية مجتمعها.

تقول رئيس تحرير وكالة الأنباء الكويتية " كونا " الزميلة إقبال الأحمد: كانت هذه المكرمة الأميرية لفتة رائعة أثارت ردود فعل إيجابية جارفة داخل وخارج الكويت واعتبرها الكثيرون استكمالا للديمقراطية التي كانت تعاني خللا ما في الكويت في السنوات الماضية وتضيف الأحمد: في حقيقة الأمر أن هذه الرغبة جاءت لتعديل مسار الديمقراطية التي ظلت لفترة طويلة ومنذ بدء الحياة الانتخابية في الكويت في أوائل الستينيات ناقصة وغير مكتملة لحجب الحق السياسي عن المرأة الكويتية وذلك لأن قانون الانتخاب لا يجيز للمرأة ذلك فيما تنص مواد الدستور الكويتي بشكل واضح على المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق والواجبات إضافة إلى أن التشريعات الإسلامية وهي الحجة التي طالما تسلق عليها المعارضون لهذا الحق لا تنفي بشكل مباشر أو بأي شكل حق المرأة فيه.

تستطرد السيدة إقبال الأحمد قائلة: إن نجاح المرأة في دخول المجلس يحتاج في المرحلة القادمة إلى قدر كبير من التنظيم وترتيب بيت المرأة من خلال الجمعيات النسائية والأخذ بالاعتبار أن المرحلة القادمة لن تكون حربا أو تنافسا بين المرأة والأخرى وإنما هي محاولات جاهدة لإيصال أكبر عدد ممكن من النساء إلى المجلس ، وذلك يتطلب تضافر جهودهن وتنظيم صفوفهـن وترتيب خططهن وتعاونهن بشكل رئيسي مع الرجل المؤيد لحقوقهن، ولهذا التحالف أشكال يمكن أن تستفيد منها المرأة من خلال خبرات الرجل السابقة أو الاستعانة بجهات علمية تساعدها على اجتياز المرحلة القادمة بخطى ثابتة، يكون من نتائجها استغلال الوقت والطاقات المتاحة بشكل أفضل.

وعن توقعاتها لدور المرأة في حال دخولها مجلس الأمة قالت إقبال الأحمد: سيكون حتما لدخول المرأة مجلس الأمة إذا ما تم لها النجاح دور أساسي في نقل قضايا المرأة والطفل والأسرة إلى البرلمان، حيث نادراً ما بحث البرلمان الكويتي قضايا المرأة والتشريعات وقانون الأحوال المدنية الذي يعاني من ثغرات كثيرة ضحيتهـا المرأة.. فقد كانت القضايا السياسية والاقتصادية إلى جانب قضايا هامشية وجانبية تطغى وطغت كثيرا على المراحل السابقة.

كما سيكون لدخول المرأة البرلمان الكويتي دور في إعطاء هذا البرلمان الشكل الطبيعي كما هو في جميع برلمانات العالم حيث المرأة إلى جانب الرجل وكيف لا وهي تمثل أكثر من 50% من المجتمع الكويتي، كما أن قوة العمل النسائية في الكويت تعتبر من أعلى النسب مقارنة بالدول الأخرى وهي مقاربة للدول المتقدمة تصل إلى 32% من إجمالي قوة العمل في الكويت ، وقد أثبتت المرأة الكويتية قدرتهـا وكعادتها في العمل فهناك السفيرة ومديرة الجامعة والرائدات في جميع الوزارات والمؤسسات التي تتمينر بالعمل غير العادي مثل النفط والإعلام.

كما أن المرأة القادرة على القيام بهذه المهام الصعبة بالتأكيد سيكون لها الدور الكبير والفعال في تحسين. وارتقاء جميع أوجه العمل في بلادها ، في مكان نتحدث فيه بكل صراحة وتتبادل الرأي فيه مع أخيهـا الرجل وتراقب أي تجاوز أو ظاهرة سلبية على مجتمعها .

تؤكد أخيرا الزميلة إقبال الأحمد أن وجود المرأة كويتية في البرلمان سيضيف الشيء الكثير ..وستثبت لها السنوات القادمة ذلك.

تجميد مادة دستورية

سعى المرأة الكويتية للحصول وعلى حقوقها السياسية والتي اتخذ صورة إصدار بيانات وتظاهرت واعتصامات صامتة تواصل طيلة سنوات طويلة ، للتأكيد على أن دستور الكويت أكد على عدم التمييز بين المواطنين في كل الحقوق والواجبات دون اعتبار للجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين.

لكن هده المادة من الدستور الذي صدر عام 1962 تعطل العمل بها في الجانب الذي يؤدي إلى منح المرأة حقوقها السياسية ، وبدلا من تطبيق هذه المادة ، كان التمسك بنص المادة الأولى عن قانون الانتخاب رقم "53" لسنة 1962 الذي جاء فيه أنه " لكل كويتي من الذكور بالغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب".

وما حدث هو أن كلمة " الذكور" ساهمت في تعطيل نص المادة 29 من الدستور التي تنص على " أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين".

في هذا الإطار، اعتبرت الأديبة الكويتية ليلى العثمان حصول المرأة على حقوقها السياسية بمثابة " تحقيق حلم طال انتظاره".

وأضافت قائلة: لقد صبرت المرأة بما فيه الكفاية وتحملت النبذ الذي حدث من البعض واحتملت النبذ الذي مارسه بعض دعاة الظلام. رغم أنها أثبتت جدارة كبيرة في حملها للمسئوليات كأم وربة بيت وكقيادية في المراكز التي تبوأتها في خدمة مجتمعها إذن الرغبة الأميرية جاءت لتؤكد أن الكويت بلد حضاري يواكب الحركات التقدمية في هذا العالم وأيضا لثقته الكاملة في المرأة الكويتية خاصة بعد دورها العظيم في فترة الاحتلال.

تضيف الأديبة الكويتية ليلى العثمان قائلة إن المرأة منذ فجر التاريخ الإسلامي وهي لها مشاركة حتى في الحروب في موقعة الجمل وكلنا نعرف أن السيدة عائشة شاركت في هذه الحرب.. الإسلام لم يمنع ولم يحرم على المرأة أن تقوم بدورها الفاعل في مجتمعها. كما أن هـناك مثلا كبيرا آخر من التاريخ الإسلامي عندما وقفت امرأة وجادلت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أصابت امرأة وأخطأ عمر.

فكما بدأت المرأة خطواتها للسعي لتحقيق ذاتها وفاعليتها في مجتمعها بتدرج فأيضا ستسير على إجمالي هذه الخطوات المتأنية الواثقة فالاستعجال ليس لمصلحه المرأة. ولا في انتخابات تعني الرغبة الأميرية أن تسارع المرأة وتطالب بمواقع بشكل عشوائي ، فالأمر يحتاج إلى رؤية وعمل جاد حقيقي منها. وهناك 4 سنوات قادمة مطلوب من المرأة خلالها العمل بجدية أكبر حتى تتكاتف الصفوف، من أجل تحقيق الهدف الأسمى الذي نطمح إليه جميعا.

تقول العثمان: لدينا نساء ذوات كفاءات لو أتيحت لهـن الفرصة فبالتأكيد سيحدث هـناك تغير في واقع المرأة الحالي. وستضيف من ثقافتها ومن وعيهـا الشيء الكثير. وتحقيق هذا الحلم للمرأة لا يعني الضدية مع الرجل أو محاربة الرجل، فكثير من الرجال وقفوا معها وآزروها، وهم يفرحون اليوم لما تحقق لها.

مناصب مرموقة للمرأة

وتتبوأ المرأة الكويتية عددا من المراكز القيادية في الأجهـزة الحكومية ومشاريع القطاع الأهلي منذ فترة طويلة، فوكيلة وزارة التعليم العالي في الكويت هي الدكتورة رشا الصباح فيما تتولى منصب مدير جامعة الكويت الأستاذة الدكتورة فايزة الخرافي، وممن تبوأن المناصب القيادية أيضا السفيرة نبيلة الملا التي تولت منصب سفير الكويت في عدة دول في إفريقيا الجنوبية ، وكانت السيدتان لطيفة الرجيب وسعاد الرفاعي قد تولتا قبل عدة سنوات منصبي وكيل وزارتي الشؤون الاجتماعية والتربية.

وفي الوقت نفسه أعلن في 8 يونيو الماضي عن إصرار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لقرار عين بموجبه الدبلوماسية الكويتية مريم العوضي في منصب نائب السكرتير العام التنفيذي للمنظمة الاقتصادية لدول غرب آسيا " اسكوا" .

وتعلق الإعلامية لمياء الحميضى، التي تعمل مديرة لإدارة مركز كونا لتطوير القدرات الإعلامية والتدريب على صدور قرار منح الحقوق السياسية للمرأة قائلة: "أنا من المؤيدين لحقوق المرأة والمطالبين به منذ البداية. وقد جاءت الرغبة الأميرية السامية بإعطاء المرأة الكويتية حقها السياسي في الانتخاب والترشيح مفاجأة لنا بعد فترة طويلة من المطالبة استمرت لسنوات عديدة.

لقد أصبحنا حقيقة متساويات مع الرجل بالحقوق والواجبات. وأعتقد أن دور المرأة سيكون مؤثراً في مجلس الأمة فالمرأة حازمة في قراراتها وترفض التهاون مع ما فيه مصلحة العمل.

وسيكون لهذا القرار أكبر تأثير إيجابي في توجيه النقاشات إلى الأهداف المبتغاة.

تضيف الحميضي قائلة: من خلال تجربتي ومعرفتي لزميلات قياديات فإنني واثقة من أن دور المرأة في المجلس سيكون فاعلا وسيساهم في خدمة قضاياها وقضايا الوطن.

مفاجأة التوقيت

ومن جهتها قالت الدكتورة فريدة العوضي- عضو هيئة تدريس بقسم الكيمياء الحيوية الطبية بجامعة الكويت ورئيسة تحرير مجلة الأسس الطسة- إنه كان لديها شعور بأن حقوق المرأة السياسية آتية لا محالة، كما هو الحال في كثير من الحقوق الأخرى كالتعليم وتبؤ المناصب القيادية وغيرها. وإن توقيت إصدار المرسوم كان مفاجأة رائعة لها اختصر بهـا سمو أمير البلاد الوقت والحوارات العقيم ليتوج القرارات الحضارية بالكويت لهذا القرن. وهذا القرار هو أحد القرارات المهمة التي تجعل الجميع يفخر بأن الكويت أهل للدخول في القرن الواحد والعشرين بخطى واثقة.

وتضيف الدكتورة العوضي أنها على ثقة من وجود عدد كاف من النساء الكويتيات المؤهلات ليبدأن خوض هذه التجربة، ولهن خبرتهن في مجالات علمية واجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها واحتكاكات على المستوى المحلي والعالمي بما سيمنح النساء قاعدة قوية كبرلمانيات. ويجب أن يكون هناك تحضير جيد ومنسق من الآن إلى أن يحين الوقت لدخول الانتخابات، كما تمنت الدكتورة العوضي أن يساند النساء والرجال أفرادا ومؤسسات في الكويت في إنجاح هذه الخطوة الحاسمة في تاريخ الكويت السياسي، كما ترى أن دور المرأة لن يكون داخل البرلمان مقصورا على النظر في قوانين الأسرة بالرغم من أن دخولها ربما يعطي تلك القوانين دفعة أقوى، إلا أنها تعتقد وبكل ثقة ، أن هؤلاء اللواتي سينجحن بخوض التجربة ستكون لديهن القدرة على إثبات وجودهن في معظم المجالات التي تتطرق لها أعمال مجالس الأمة سواء على الصعيد التعليمي أو الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي وغيرها.

وتجزم الدكتورة فريدة العوضي أنه بالنسبة لتجربة انتخابات المرأة فإن كثيرا من هؤلاء الذين أعلنوا رفضهم للقرار أو ترددوا في قبوله سيكونون من أوائل من سيطلبون صوت المرأة، عندما يكتشفون اختلال ميزان نجاحهم أو مؤيديهم لدخول المجلس.

مؤتمر جدة

قرار إعطاء المرأة حق الانتخاب والترشيح جاء تجسيداً لرغبة تضمنها البيان الختامي للمؤتمر الشعبي الكويتي الذي استضافته مدينة جدة في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 13 إلى 15 أكتوبر عام 1990 في أعقاب الغزو العراقي لدولة الكويت، والذي ورد فيه ما يلي نصه بشأن المرأة:

" نؤكد أننا بعد أن يتحقق نصر الله على الفئة الباغية ونحرر أرضنا من رجس احتلال النظام العراقي الآثم ، سنقوم بعون الله وتوفيقه بإعادة كويتنا الحبيبة.. كويت المستقبل.. كويت الأسرة الواحدة.. أرض المحبة والوفاق والسلام والأمن والأمان.. نبني صرحها على أسس راسخة من وحدتنا الوطنية لنظامنا الشرعي الذي اخترناه وارتضيناه لحكمنا معززين الشورى والديمقراطية والمشاركة الشعبية في ظل دستورنا الصادر العام 1962، ملتزمين بمبادئ الحقوق والتعاضد وسائر المبادئ التي نشأ عليها مجتمعنا مؤكدين أن للمرأة الكويتية دوراً إيجابياً وإسهاما فعالاً في كويت المستقبل التي سيتعاون جميع الكويتيين رجالاً ونساء في بنائها.. إسلامية العقيدة ملتزمة بقيم الإسلام ومبادئه وأحكامه، عربية الانتماء بالتاريخ والمشاعر والمصالح العليا، إنسانية النزعة ترفض الظلم وتدينه، وتؤيد الحق وتنتصر له".

كما جاء هذا القرار أيضا ليؤكد رغبة أميرية وردت في خطاب صاحب السمو أمير الكويت بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك 1441 "عام 1991م" والذي جاء فيه:

"أثبتت النساء الكويتيات خلال فترة الاحتلال جدارتهن وثباتهن وتحملهن لكافة المتاعب والشدائد، وأنهن لسن مترفات كما يحلو للبعض أن يقول، بل شديدات على أعداء بلادهن سواء اللواتي كن داخل البلاد أو خارجهـا ".

وفي نفس هذا الخطاب الذي حدد فيه موعد عودة الحياة النيابية الكويتية بعد تحرير البلاد ذكر سموه أن " موضوع مشاركة المرأة في الحياة النيابية سوف يدرس لتقوم بكامل دورها في بناء المجتمع والنهوض به" وأمام مؤتمر جدة أيضا قال سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح "لقد أثبتت المرأة الكويتية أما وأختا وزوجة وابنة كمقاومة في الداخل وكرافضة للاحتلال في الخارج أنها "أخت الرجال" فإليها وباسمكم التحية والإكبار، وإنني على يقين من أنها سوف تقوم بدور أكبر ومساهمات أجل في الكويت المحررة".

مستجدات الحياة

خديجة المحميد الباحثة والكاتبة الصحفية تعلق على القرار قائلة: "لم يكن القرار الأميري بإعطاء المرأة حقوقها في الترشيح والانتخاب مفاجئا لي لأن كون المسألة خلافية شرعاً فمن حق الأمير أن يختار ويعايش مستجدات الحياة اليومية، ولذلك فإن هذا القرار كان لا بد آت .. إلا أنني كنت استغرب فقط من تأخيره وليس صدوره.

وأرى أن مثل هذا القرار سوف تتغير به أساليب ونمط العمل البرلماني، وأتوقع للمرأة النجاح بالرغم من الصعوبات التي تواجهها. فالكويت لا ينقصها نساء كويتيات متعلمات على مستوى مشهود من الخبرة والثقافة والعمل. وأرى أن فترة أربع سنوات كافية كي تخوض الميدان بكفاءة علمية أكبر.

نسبة أكبر للنساء

تشير الإحصائيات التي أعلنت في الكويت إلى أن عدد النساء اللواتي يحق لهن المشاركة في انتخابات مجلس الأمة عام 2003 وهو العام الذي حدده المرسوم الأميري لبدء ممارسة الحقوق السياسية للنساء، نحو 233875 فتاة وامرأة من سن 20 إلى 70 عاماً، في حين أن عدد الذكور سيكون 122811 فرداً ، كما سيكون عدد النساء اللواتي سيلتحقن بسوق العمل اعتبارا من العام 2005 نحو 84793 امرأة، في الوقت الذي تزيد فيه نسبة الإناث في التعليم العالي "بعد الثانوية" عن نسبة الذكور، وتبلغ 54% في المعاهد والكليات والدورات التدريبية، وقد ازدادت نسبتهن عن 64% في جامعة الكويت عام 1997.

ولهذه الأسباب ترى نبيلة العنجري مديرة العلاقات العامة والإعلام في شركة المشروعات السياحية أن المرسوم التاريخي اختصر بشكل تلقائي الزمن ونحن على مشارف القرن العشرين، فصدور مرسوم صاحب السمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وضع الكويت وهي على مشارف القرن الواحد والعشرين في عداد الدول المتحضرة، واختصر الزمن بهذا الإنجاز وساهم في ترسيخ دعائم الديموقراطية في الكويت. كما أكد على أهمية دور المرأة في كل المراحل وفي كل المجالات. تضيف العنجري قائلة إن هذا المرسوم دفعني ومجوعة من الزميلات إلى السعي لتكوين فريق عمل أسميناه "كويتيات القرن الحادي والعشرين" ويشمل جميع نساء الكويت طالبنا من خلاله بإقامة نصب تذكاري يؤرخ ليوم 16 مايو 99 لتخصيصه كيوم للمرأة الكويتية.

انتخابات غير برلمانية

وتخوض المرأة الكويتية منذ سنوات انتخابات الجمعيات التعاونية وكل المنتديات غير السياسية من النقابات العمالية واتحادات الطلبة وجمعيات النفع العام، وقد أصدر وزير الشؤون الاجتماعية والعمل هذا العام "1999" قرارا عين بموجب مجموعة من السيدات في مجالس إدارات إحدى الجمعيات التعاونية.

والتجربة الطويلة التي خاضتها المرأة الكويتية دفعت رئيسة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية شيخة النصف إلى القول: "إن الديمقراطية تعني حرية إبداء الرأي، ولذلك رحبنا بهذا القرار ومعنا قاعدة عريضة من النساء والرجال، رغم أن هناك أيضا من النساء والرجال من يعارضونه، ولكن ليس لأحد الحق في رفضه، إن لهم حرية عدم ممارسة هذا الحق، ولكن ليس من حقهم رفض صدوره".

تضيف: "هناك من يتساءل ماذا تريد المرأة من مجلس الأمة؟ ونقول إن الحق السياسي وهو الذي يخول للمرأة دخول البرلمان سيساعدها على عرض قضايا كثيرة شائكة وحقوق كثيرة ضائعة وقوانين ظلمت المرأة وتحتاج إلى إعادة النظر فيها".

تستطرد النصف قائلة: نأمل أن يصوت نواب مجلس الأمة المقبل لصالح مبدأ الإقرار بحقوق المرأة الكويتية، متطلعين بشغف وشوق إلى ذلك اليوم الذي تمارس فيه نساء الكويت حقوقهن الدستورية الكاملة غير المنقوصة، وأن تكون بينهن النائبة والوزيرة لتسهم المرأة جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل في بناء كويت المستقبل والتقدم والديمقراطية".

قضية مجتمع

أما المحامي والبرلماني الكويتي السابق د. يعقوب حياتي فيري أن القضية الخاصة بحق المرأة السياسي في دولة الكويت لا ينبغي النظر إليها على أنها تخص فئة الإناث فقط، بل هي قضية كل المجتمع بكل قطاعاته وانتماءاته دون تجزئة.

ويضيف: إنه يترتب على ذلك أن الدفاع عن قضية الحق السياسي للمرأة هو شأن عام وليس شأنا خاصا بالمرأة الكويتية وحدها وفي هذا الإطار يؤكد د. حياتي أن المرسوم بالقانون بإعطاء المرأة حقها السياسي ليس مرسوما عاديا، بل هو تعديل تشريعي يتضمن حكما قانونيا بتصحيح حكم المادة الأولى من قانون الانتخاب رقم 35 لسنة 1962، وإرجاعها إلى جادة احترام الدستور وعدم مخالفة أحكامه، فهي مرسوم بقانون يحظى مضمونه بحماية دستورية واردة في المواد 7 و 8 و 29 من الدستور .

ويشير د. حياتي إلى أن المرسوم بالقانون بإعطاء المرأة الحق السياسي قد جذب إلى دولة الكويت مزيدا من الثناء الإنساني الحضاري والاحترام العالمي مشددا في الوقت نفسه على أن مسيرة المرأة الكويتية طوال العقود الأربعة المنصرمة وهي تنادي بحقوقها السياسية، وقد اتسمت بكل أنواع الصبر والأناة وتحمل المشاق من أجل نبل الهدف وروعة المسعى، كانت فيها المرأة الكويتية دءوبا وصبورا وحانية وعاتبه ومتحاوره بشكل لم يفقدها الإخفاق المرحلي وقارها الثابت وحياءها الجم وعزمها المتجدد، فجاءت الخاتمة بالنسبة لها مفرحة.

من جهتها، تعتبر الناشطة في مجال حقوق المرأة لولوة القطامي أن يوم " 16 مايو 99 هو يوم عودة الروح قوية وخلاقة لتدب الحياة في المادة 29 من الدستور الكويتي، التي تؤكد أن الناس سواسية في الحقوق والواجبات والكرامة الإنسانية بعد أن ظلت هذه المادة جثة هامدة لمدة ستة وثلاثين عاما".

تضيف القطامي أن "هذا القرار أعاد الحق لأصحابه وأسعد الآلاف داخل الكويت وخارجها، وأعاد لنصوص دستور الكويت هيبتها، ذلك أن الديمقراطية الكويتية كانت قبل هذا القرار بقلب غير معافى لأن الشريان التاجي للديمقراطية لا يعمل بكامل طاقته إلا بالوريد والشريان أي الرجل والمرأة، فيتدفق نبض الكويت معافى قويا معبراً عن آمال وأحلام شعب كامل وليس نصف شعب، انتظمت دقات قلبه الآن بعد أن تدفق نبض جناحيه رجاله ونساءه".

نساء الكويت استعددن لممارسة حقوقهن السياسية اعتبارا من العام 2003، وأعلنت بعض الناشطات في هذا المجال تأهبهن لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستشهدها الكويت في ذلك العام، مما يعني أن قفزة نوعية تنتظر الحياة الديمقراطية في تلك الدولة الخليجية، التي يمثل برلمانها أحد اللآلئ المضيئة، يحمي الممارسة الديمقراطية فيه إيمان عميق حكومي وشعبي بأهمية تبادل الرأي والتشاور وتوظيف الاجتهادات- وإن تباينت- في مصلحة الوطن وقضاياه.

 

 

وفاء جوهر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات