قلب الحامل .. والجراحة عدنان أرشيد

قلب الحامل .. والجراحة

قلب المرأة الحامل يحتمل الكثير، وعندما يكون هذا القلب مريضا فإن الخطر عليه يتزايد، وفي لحظة حرجة يصير سؤال التدخل الجراحي ملحا.

لو حدث حمل للمرأة المصابة بآفة قلبية يجب القيام بالعمل الجراحي وذلك لإنقاذ حياة الأم، مع العلم بأن موت الجنين داخل الرحم هو أمر أكيد في بعض الحالات.

ولكن يمكن القيام بجراحة القلب المغلق مثل توسيع الصمام التاجي أو جراحة برزخ الابهر أو القيام بالعمليات الملطفة حول القلب. وبصفة عامة توجد ثلاث مراحل خطورة للمرأة الحامل: في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، مرحلة المخاض، بعد الولادة (الوضع).

قلب لاثنين .. أو أكثر

يزداد العبء على عمل القلب في حالة الحمل لأسباب عدة أهمها زيادة الحاجة للأكسجين وزيادة الكتلة المائية الملحية في جسم المرأة الحامل والأهم من ذلك هو تشكل المشيمة في الرحم الذي يؤدي إلى حدوث ناسور شرياني وريدي. لذا فالقلب يؤدي عملا إضافيا لتأمين الكمية الكافية من الدم للوصول إلى أنسجة الجنين البادئ في التكوين وعلى الخصوص في الأشهر الأولى للحمل.

لكن القلب السليم يقوم بوظيفته بشكل طبيعي دون أي اضطراب لأن الحمل يخفض مقاومة الأوعية الدموية وينقص لزوجة الدم مما يسهل ويخفف العبء على القلب.

أما بالنسبة للنساء المصابات بمرض قلبي فإنهن يضعن مبكرا بسبب تقلصات الرحم القوية التي تنشأ عن نقص تروية عضلة الرحم وهذا يؤدي أيضا إلى تأخير نموالجنين أو موته داخل الرحم أو ولادته مصابا بعاهة نفسية وعصبية وظهور نسبة عالية من التشوهات القلبية الخلقية للجنين.

الإصابات القلبية للأم وتأثيرها على الحمل:

1 - تضييق الصمام التاجي : يمكن أن تظهر أثناء الحمل نوبات رئوية حادة (النزلة التنفسية) وبالأخص في بداية الشهر الثالث للحمل وفي مرحلة المخاض وذلك ناتج عن زيادة في كمية الدم في جسم المرأة الحامل (يضاف إليها كمية دم الجنين) والذي يسبب ارتفاع ضغط الدم في الشعيرات الدموية الرئوية، ومن الممكن أن يتم الحمل والولادة للمصابات بتضييق الصمام التاجي بشكل جيد دون أي عوارض. وإذا ظهرت العوارض التنفسية بشكل مستمر أثناء الحمل فإن العلاج الجراحي لتوسيع الصمام التاجي له استطباباته. ويفضل في هذه الحالة التوسيع التاجي المغلق (أي توسيع الرسام دون استعمال المضخة القلبية (القلب المفتوح).

2 - قصور التاجي وقصور الصمام الأبهري : ففي إحدى هذه الحالات لا تظهر أي عوارض وإذا ظهرت فإنها تكون بسيطة فالمرأة يمكن أن تحمل دون أي مخاطر.

3 - تضييق الصمام الأبهري: هذه الإصابة تؤدي إلى نسبة عالية لموت الجنين والأم معا، فيجب التدخل الجراحي لإنقاذ حياة الأم في عملية القلب المفتوح وتبديل الصمام بأحد الصمامات المعدنية أو الحيوية.

4 - تشوهات القلب الولادية : يمكن أن يتم الحمل دون أي مضاعفات، ومن الممكن أن يؤثر الحمل على القلب مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم في الشعيرات الدموية الرئوية (تناذر أزينمينجر) فإذا وصلت إلى هذه الحالة فإن نسب الوفيات تصبح عالية وذلك بشكل فجائي وبالأخص عند المخاض أو ما بعد الوضع والسبب غير معروف حتى الآن.

5 - تضييق برزخ الأبهر : لا يوجد أي سبب لمنع الحمل ويمكن للمرأة أن تحمل دون أي عوارض ولكن ربما تحدث بعض المضاعفات مثل حادث عصبي أو تمزق الأبهر أو تسلخه فإن العلاج الجراحي لتضييق برزخ الأبهر أثناء الحمل ممكن ودون أي مخاطر.

6 - ارتفاع ضغط الدم : المرأة المصابة بارتفاع ضغط الدم يمكن لها أن تحمل دون أي صعوبة فالحمل يزيد في ارتفاع الضغط ولهذا يجب تناول الأدوية ذات التأثير المركزي المخفضة للضغط ويضاف إليها جرعات بسيطة من الأسبرين (100ملجم يوميا) فهذا يقي من حدوث التسمم الحملي، وتبلغ نسبة الوفيات للجنين داخل الرحم حوالي 5% من الحالات.

7 - تناول مميعات الدم : إن ضرورة استعمال المميعات الدموية لأسباب مرضية مثل الحادث الخثري والصمامة الدموية يعتبر مخاطرة، لأن تناول مميعات الدم عن طريق الفم (مضادات فيتامين K) يهدد بحدوث ورم دموي خلف المشيمة أو بتشوه الجنين، أما مميعات الدم المستعملة عن طريق الحقن (الهيبارين) فإنه مستحسن لأنه لا يصل إلى المشيمة وعندها لا داعي للقلق على الأم الحامل.

ماذا يفعل الحمل بالقلب؟

تأثير الحمل على القلب يمكن تلخيصه في ثلاثة محاور هي:

1 - اعتلال العضلة القلبية : في بعض الحالات يظهر في أواخر الحمل أو بعد الوضع وحتى الأشهر الخمسة الأولى منه ضخامة قلبية ويظهر قصور القلب الاحتقاني لسبب غير معروف. في هذه الحالة يجب التفكير بالإصابة باعتلال العضلة القلبية الحملى. وفي معظم الأحيان تصادف هذه الحالة عند النساء كثيرات الإنجاب وعمرهن يتعدى الثلاثين عاما وسيئات التغذية، ففي بعض الأحيان نرى عند هؤلاء النساء سوابق في ارتفاع الضغط الشرياني. لكن من الممكن أن يعود القلب إلى حجمه الطبيعي وعندها يكون ممكنا للمرأة أن تحمل مرة أخرى وبشكل طبيعي ولكن إذا بقي القلب بحجمه الكبير فسيصل إلى حالة من القصور الحاد تتسبب في وفاة أكيدة. وتصل نسبة الوفيات في هذه الحالة إلى 50% في السنوات الخمس الأولى من الإصابة.

2 - تسلخ الأبهر وتسلخ الشرايين الإكليلية : إن نسبة 50% من النساء اللواتي لم يبلغن سن الأربعين عاما واللواتي توفين بسبب تسلخ الأبهر كن حوامل. وهذا يعني أن الحمل يلعب دورا في تسلخ الأبهر. وهناك نظريات عدة لحدوث ذلك ولكن جميعها متفقة على أن التبدلات الهرمونية أثناء الحمل تؤدي إلى إيذاء الألياف المرنة في الأبهر، وإن المصابات بتناذر مارفان فيهن نسبة عالية من الخطورة لحدوث تسلخ الأبهر أثناء الحمل. وأما تسلخ الشرايين الإكليلية فهو كثير الحدوث للنساء في مرحلة ما بعد الولادة خاصة إن كانت المرأة تتناول حبوب منع الحمل لفترة طويلة.

3 - التسمم الحملي : يعرف التسمم الحملي بارتفاع ضغط الدم وازدياد الوزن مع ظهور وذمات في الأطراف السفلية وظهور البروتين في البول الزلال وغالبا ما يرافق الثلث الثالث للحمل عند المرأة الشابة وفي أول حمل لها. لكن هذه الظواهر لا تتطور أبدا إلى ارتفاع ضغط الدم بشكل دائم كما لا يظهر هذا الارتفاع في الضغط أثناء الحمل التالي. ويتخلص الجسد من هذه الأعراض بعد الوضع ويعود إلى حالته الطبيعية.

وعند الوضع

إن حالة المرأة المصابة بآفة قلبية تزداد سوءا في الحمل. ويمكن أن يؤثر ذلك على حياة الجنين داخل الرحم وتمثل ساعة المخاض ذروة الخطر على الحامل لأن الجهد يزداد وتزداد معه كمية الدم العائدة إلى القلب بعد كل تقلص رحمي ويزداد النتاج القلبي بنسبة 20% في كل تقلص رحمي، لذا يجب على المرأة الحامل والمصابة بآفة قلبية ألا تبذل أي جهد في مرحلة المخاض. وفي هذه الحالة يجب على الطبيب المولد أن يستعمل الملقط لسحب الجنين أو أن تتم الولادة بعملية قيصرية. وتعادل نسبة الوفيات عند الوضع 10% في جميع الوفيات للنساء المصابات بآفة قلبية. ويجدر بالذكر أن الخطر يبقى قائما بعد الوضع لعدة أسابيع، لذلك يجب الحيطة والحذر بتناول الأدوية الضرورية. وما يتوجب عمله تجاه المرأة الحامل المصابة بآفة قلبية هو:

- الإجهاض الوقائي في حالة عدم تأقلم الجسم مع الإصابة القلبية، أما في حالة تأقلم المرأة الحامل مع الإصابة القلبية فيجب المتابعة الطبية كل ثلاثة أسابيع وتنبيهها لعدم القيام بالأعمال المجهدة وعدم تناول الأطعمة المالحة وضرورة استعمال المنشطات القلبية إذا تطلب الأمر ذلك، خاصة أنه لا يوجد أي مضاد استطبابي للحالة، وتحذيرها من استعمال مدرات البول لتعرض الحامل لالتهاب المجاري البولية وعدم نموالجنين بشكل صحيح، كما يجب متابعة وضعها بعد الولادة ومراقبة شغاف القلب والأوردة. يجدر بالذكر أيضا أن الإرضاع من ثدي الأم المصابة بآفة قلبية مسموح به إذا كانت الإصابة القلبية متأقلمة مع الجسم، أما اللواتي لم يتحمل جسدهن الحمل بشكل جيد فلا ينبغي أن يرضعن أطفالهن أبدا.

 

عدنان أرشيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات