قصص على الهواء

قصص على الهواء

قصص لأصوات شابة تنشر بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية
لماذا اخترت هذه القصص?
-------------------------------------------

يتفاوت المستوى الفني للقصص التي وصلتني. البعض منها ينطبق عليه وصف القصة بكل معاييرها الفنية، والبعض الآخر، هو نصّ يشكل نواة قصة فنية، عابها بعض الارتباك وغياب عناصر أخرى متممة، أو حشر عناصر أساءت لمستوى فنية القصة، فكانت سويّتها الفنية أقل من السابقة، وإن كان بعض العمل عليها، وتشذيبها، يصنع منها نصًا ناجحًا. القصص الأربع التي اخترتها، للأسباب التي سترد مع ذكر عناوينها هي التالية:

  • «باب الوداع»: لؤي ياسر - مصر

أعتبر هذه القصة من أفضل قصص المجموعة، لاحتوائها على جميع العناصر التي تحتاج إليها القصة القصيرة. وإن اختلفت الآراء النقدية حول هذه العناصر، التي لا تشكّل بكل الأحوال، وصفة جاهزة للقصة القصيرة. تبدأ القصة بضمير الغائب، بوصفه مطّلعًا على الحكاية، فيحدثنا الراوي عن «جاد الرب»، مقدّمًا لنا بعض مواصفات شخصيته الرئيسية للقصة، بأنه تجاوز المائة عام، ودون شك، هو أكبر شخص في مصر القديمة كلها. ثم ينتقل الراوي ليحدثنا عن «باب الوداع» وهو البيئة أو المكان في القصة، حيث يعرّفنا على المكان بوصفه «ذلك الشارع الذي يطل مباشرة على جبانة باب الوزير الشهيرة في مقام الإمام الشافعي، بالتحديد خلف القلعة». يصف لنا القاص باب الوداع، وهو مكان واقعيّ، ولكن ثمة قصصًا تقول إنه من أبواب القاهرة القديمة المسورة، وكان يفتح على مدينة الموتى، إلا أن هذا الكلام غير مؤكد في القصة، وهنا يُدخل القاص عنصرًا جديدًا من عناصر القصة، وهو التشويق. إذ يترك القارئ تتنازعه الشكوك، عن مدى واقعية هذا المكان، الذي يقدم له القاص وصفًا واقعيًا دقيقًا، يسهل العثور عليه في القاهرة، تاركًا بعض الالتباس في كونه مطلًا على مدينة الموتى. يرتفع مستوى التشويق في القصة، ونحن نتابع غياب جاد الرب الغامض، طيلة الليل، وعودته في النهار ليجلس على المصطبة. ذروة القصة، والتي نجح القاص في تقديمها بيسر، تكمن حين لا يصدق أحد ما يرويه جاد الرب، ولا هو نفسه، الذي يشكّ في معلوماته (أحيانًا يظن في نفسه كما يعتقدون هم أنه مجنون، أو أنه يحلم).

  • «تبدلت الرؤية»: ألحان الجردي - لبنان

تستخدم القاصة هنا ضمير المتكلم، لتضعنا أمام حكاية، توهمنا فيها بأن الراوي هو صاحبها، وهذا النوع من القص يتّسم بالذاتية، وبالكثير من الشعرية اللغوية. ولأننا لا نعرف جنس الراوي، من ذكر أو أنثى، فإن ما يخطر في بال القارئ، أن المتحدث ذكر، إلا أن القصة مذيلة باسم قاصّة امرأة. تتّصف القصة إذن بالذاتية، تتحدث عن شخصية كاتب، يذهب إلى أماكن معينة ليعثر على أفكار لكتاباته، وهو في هذه القصة موجود في مطعم، في ليلة مزدحمة بزينة عيد السنة الجديدة. منذ المقطع الأول من القصة، تضعنا صاحبتها في الزمان والمكان وتقدم لنا الشخصية. بما أن هذا النوع من القصص غالبًا ما يلجأ إلى اللغة الشعرية، ويبتعد عن السرد المباشر، فإنه يتطرّق لتيمات شخصية، تشبه التداعيات أو الأحلام أو الذكريات، فهاهو البطل الغائب الذي لا نعرف اسمه، يحدّثنا عن مشاعر الحنين التي تنتابه، عن سفراته الكثيرة، عن غيابه عن بلده الأم، دون أن نعرف، كقراء، أين أمضى حياته؟ وأين يعيش الآن؟ يتحول الحنين إلى إحساس بالكآبة، سرعان ما يفسّرها البطل بعد طرح عدة أسئلة منقّبًا عن أسباب كآبته، ليصل إلى الوحدة. شعوره بالوحدة في المطعم، بينما الآخرون مصحوبون بأصحاب وعائلات. يتذكّر أنه وحيد، لا عائلة، ولا أقارب، ولا أصدقاء، يقضي ليلة السنة وحيدًا. تصل القصة إلى ذروتها، عبر المفاجأة وقطع التوقع، إذ نقع على شخص سعيد في بداية القصة، مستمتع بالعيد، يتحول بغتة إلى شخص كئيب، لاكتشافه أنه وحيد.

  • «الشجرة»: يونس محمود يونس - سورية

الضمير المستخدم في هذه القصة هو الغائب. يقدم لنا القاص شخصيتيّ «أبو ماهر»، و«جمانة»، حيث يلتقيان في الصباح الباكر لممارسة الرياضة الصباحية في تلك المدينة الجبلية. يتناوب أسلوب القاص هنا، بين السرد المباشر، والحوار، كما يقدم القاص وصفًا بديعًا للمكان، حيث تصف جمانة الصباح بأنه (قطعة من الجنة). يصف لنا سنابل القمح الخضراء والطبيعة الساحرة في ذلك الصباح الربيعي. تتخلل جولة الرياضييَن، حوارات عميقة، عادة تفرزها هذه الصباحات الخالية من تلوث الطبيعة، وتلويث نفوس وأفكار البشر. تلجأ القصة إلى طرح بعض الأفكار الفلسفية، القصة ثرية بالحوار والوصف الجمالي والسرد المباشر. في ذروة القصة، يصلان قرب شجرة، ويريان شخصًا نائمًا عند جذع الشجرة. تنتمي القصة إلى نوع من الكتابة غير العالِمة، المفاجأة بانقلاب موقف البطل. إذ تُنهي جمانة جولتها في الجبال، وتعود بتغيير رأيها في الأشياء ومواقفها من الحياة، إذ كانت لديها قناعات ثابتة، شككت بها أثناء الرحلة، مما يوحي بأن القصد من الرحلة، ليس الرحلة الخارجية، بل السفر الداخلي للإنسان، وطرح الأسئلة من خلال الطبيعة والمكان. قصة تحرّض على التفكير وكسر الثوابت، وإن كانت خاتمة القصة مباشرة وفيها الكثير من التقريرية.

  • «المنور»: عبد الله السالم - قطر

في هذه القصة يلجأ القاص إلى ضمير المتكلم، باعتبار القاص عنصرًا من عناصر الحكاية، شاهدًا عليها، وعالمًا بها، وهو أحد أبطالها. منذ الجملة الأولى في القصة، تتبدّى مهارة القاص في جذب القارئ، عبر جملة غير تقريرية، جملة تحمل معلومة تشدّ الاهتمام «كان لزميل لي نظرية حاسمة في الإعلانات». تقوم هذه القصة على بذرة رئيسية هي «الحكاية» أو الحدوتة. إذ الحدث هو مركز القصة. المكان هو المنور، في بناية يسكن فيها الراوي. والحكاية تبدأ من سماع الراوي لأغانٍ وموسيقى وتسجيلات مهمة متنوعة، يحاول معرفة مصدرها، تثير فيه فضولًا لاكتشاف الشخص الذي يسمع هذا النوع من الأغاني. تتميز القصة بعناصر التشويق والتركيز على الحدث وتتبّع نمو الحدث وتسلسله والاختزال اللغوي الذي نجح به القاص، رغم بناء القصة عبر حدث يتصاعد، بطريقة بوليسية أحيانًا، ترافق البطل، أو الراوي، للعثور على الشخص المثير لاهتمامه، يسكن في عمارته، ويحاول اكتشافه.

----------------------------
باب الوداع
لؤي ياسر - مصر

يقسم جاد الرب كل صباح بأنه يراهم قبل الفجر، يحكي للشارع كله ولكن لا أحد يصدقه.

يعتقد الكثير أنه تجاوز المائة عام، والبعض يرجح أنه تجاوزها، لا يعلم أحد عمره الحقيقي.

يتركونه جالسًا طوال النهار على مصطبته على رأس الشارع في هدوء، بقامته الفارعة وشعره الأبيض المجعد، فإذا أظلمت السماء وقلت الخطوة في شارع باب الوداع، تراه ينزوي ثم ينزوي حتى يختفي تماما عن الأنظار.

لا يعلم أحد أين يختفي ولا أين يقضي ليلته، ولكن إذا أشرقت الشمس في الفجر التالي فسوف تجده ينتظر أول شخص على مصطبته ليحكي له.

باب الوداع هو الشارع الذي يطل مباشرة على جبانة باب الوزير الشهيرة في مقابر الإمام الشافعي، يمتد في خط مستقيم ولكن بانحدار شديد من سكة المحجر مرورًا بالدفتر خانه وانتهاء بشارع قرافة باب الوزير. يقال إن باب الوداع باب من أبواب القاهرة القديمة المسورة كان يفتح على مدينة الموتى، وآخرون يقولون إنه لا توجد أي آثار لباب في تلك المنطقة وأنه مجرد اسم الطريق الذي كان يسير فيه المشيعيون إلى الدار الآخرة.

أجيال من الناس تربت هنا في هذا الشارع لا يشغل بالهم البحث في اسم شارعهم، بعضهم يعمل والآخر يكسب عيشه بطرقه الخاصة، يسكنون بعض البيوت المنخفضة أو المقابر التي هجرها أصحابها من الأحياء، كلهم ولدوا تقريبًا ووجدوا عم جاد الرب يجلس دائمًا على مصطبته بجانب مدفن إبراهيم باشا عزت طوال النهار، وربما تمشى قليلا إلى أصحابه من أصحاب المحلات ليشرب «الشاي» أو «يشحت» سيجارة.

جاد الرب كان من خدم الباشا المقربين أيام عزه، وحتى بعد الثورة، وبعدما مات الباشا ودفن هنا في مقابر عائلته، قرر أولاده الذين هاجروا كلهم خارج البلاد أن يعيّنوا جاد الرب حارسا للمقبرة. لم يتزوج جاد الرب، وعاش وحيدًا.

جاد الرب في الليل يعيش في عالم آخر، يحكي دائمًا عندما يصعد باب الوداع إلى آخره، ويبحر يسارًا في المقابر طويلا، لا يستطيع منع نفسه من التوقف حتى يجد الباشاوات كلهم مجتمعين في صالون راقٍ بأثوابهم السوداء الفارهة، ولمعان الجواهر والذهب.

ينادي له إبراهيم باشا بإشارة من إصبعه، يحس يد الباشا وهو يعطيه الجنيهات كي يجلب له دخان (البايب)، فيهرول مسرعًا ليخرج من باب السراي ويودع النجف الفرنسي على الأسقف الشاهقة، والأعمدة المرسومة والسجاد الفارسي والتحف الهندية. يسير في طريق طويل إلى محل فيشتري منه الدخان ويعود مرة أخرى، وهو في طريقه يجد الشمس أشرقت والضوء ملأ المكان، فيندهش مصدومًا وكأنه كان في حلم عندما لا يجد الباشاوات ولا السرايات، مجرد بيوت فقيرة ومدافن وفقراء.

أحيانًا في الصباح يأتي يونس يجر جاد الرب من جلبابه، ويرميه بعنف على مصطبته، يصيح فيه، ويقسم لو رآه مرة أخرى هناك سوف يتركهم يحبسونه.

يونس من أشهر رجال الأمن في مصر القديمة، تنتشر أفلامه على الهواتف المحمولة، وهو وزملاؤه في القسم يمسكون بأحد سائقي الأجرة وينهالون عليه بالصفعات، أو أحد الشهود في قضية ما... يعلم أن أهل باب الوداع سوف يعلقون العيب عليه إذا ترك واحدًا ممن ربوه وهو صغير في باب الوداع.

بعد أن يأتي يونس بجاد الرب، يجلس على مقهى عبده ويقول: «دا الموت مش شايفه! ما بيأثرش فيه حاجة».

الناس تسمعه وتهز رأسها، ويأتي صوت حسين ابن صاحب المقهى من الداخل: «يا باشا الموت بيشتغل على الناس اللي برّا، إيه اللي يجيب الموت جوه المدافن؟!».

يغتاظ يونس منه لأنه لم يكن يمزح، ولكنه ينصرف عنه بكوب الينسون الساخن، ويؤرجح عينيه بعد دفقة من دخان الشيشة في رئتيه، تقع عيناه على شرفة حسين البناني وامرأته البدينة وصبحي المحامي يتناول قهوته في النافذة، ويلمح يدي سهير مرفوعتين تصب الماء على جسدها.

وسهير هي ابنة «عزيزة» من أشهر راقصات مصر القديمة في السبعينيات، في السنوات السابقة كانت للراقصة مكانة مختلفة في النفوس سواء بالتعظيم أو الإعجاب، ولكن من منتصف الثمانينيات تغير كل شيء.

تركت الرقص وفتحت دكانًا تحت بيتها، ربت ابنتها وحيدة دون أن يعلم أحد في باب الوداع من هو أبوها. حرصت هي أن تبعد سهير عن كل ذلك.

في باب الوداع يجد الشباب بعض العزاء في السكن بجوار الباشاوات الذين ربما لو كانوا أحياء لن يروهم ولو حتى مصادفة. توفر المدافن بصفة عامة الهدوء والانعزال المناسبين لتعاطي المخدرات، أو ارتكاب جريمة. لكن نادرًا ما تجد شارع باب الوداع نفسه هادئًا، هو صاخب بالمارة والأغاني الشعبية وأصوات محركات عربات الأجرة، بينما اختفت جدرانه الأثرية خلف ملصقات الإعلانات التجارية وصور مرشحي الانتخابات.

عصمت الغزالي من أشهر الوجوه على الحوائط، وهو مرشح الشعب ونائب المجلس المحلي أيضًا.

اشتهر أبوه كفتوة من فتوات مصر القديمة أصيب في مقتبل الأربعينيات من عمره ببتر في ساقيه أقعده باقي حياته.

عصمت واحد من ثلاثة أبناء، تعلم في مدرسة الحياة وتنقل بين الصناعات المختلفة. في أوائل التسعينيات بدأ كموزع بسيط للمخدرات الكيميائية بين العمال والحرفيين، وفي بداية الألفية الثالثة أصبح من رجال المخدرات وبعد عشر سنوات اتجه إلى العمل السياسي، وبدأت اللوحات القماشية والبلاستيكية تغطي أحجار الحوائط وقباب الشيوخ وشرفات المنازل، وعربات الدعاية تمر واحدة بعد الأخرى تزعق باسم الغزالي في عمق المدافن.

***

كل هذه الحياة تعيش معًا في باب الوداع، يعج ذلك الأسفلت بالناس والقصص والفضائح والأفراح، وشخص واحد فقط يعاصرها كلها نهارًا ويعيش في عالم آخر في الليل، يعيش وسط الباشوات كما عاش سابقًا ليس مثل هؤلاء الرعاع، إنه جاد الرب. في الصباح يحكي للناس، فلا يصدقونه ولو أقسم لهم بصوته المبحوح بأغلظ الأيمان، يبتسمون ويشيرون لبعضهم البعض أن العجوز يخرف. يظل طوال اليوم هكذا كالمحاصر بين الأرض والسماء، أحيانًا يظن في نفسه كما يعتقدون هم أنه مجنون، أو أنه يحلم. ولكن كيف لا يصدق علبة الدخان وباقي الجنيهات التي يجدها في جيبه كل صباح؟!.

----------------------------
تبدلت الرؤية
ألحان الجردي - لبنان

خرجتُ من المنزل لأستمتع بالأمسية الجميلة، نزلت إلى الشوارع المُزيّنة بحلّة العيد ودخلتُ مطعماً إعتدتُ زيارتهُ في كثيرٍ من الأحيان كي أشاهد حركة الناس فألتقطُ من مظاهر الحياة أفكاراً لِكتاباتي، ذلك لأنّ لي متعةً خاصّة بمُراقبة تحرّكات البشر في الشوارع كما يسهل عليّ الكتابة في الأماكن العامّة، طلبتُ عشائي ورحتُ أتأمّل معالمَ الترحيب بالعام الجديد، أبهرني ذلك الجمال وفكّرتُ كم أنّ بلدي يتمتّع بالسحر رغم كلّ السيّئات.

عندما رجعتُ إلى الوطن بعد سفر طويل، كنتُ كلّما تحدّثت مع شخص وعلمَ أنني تركتُ ذلك البلد الرائع الذي عشتُ فيه بهناء لسنوات، وعدتُ إلى هنا، أحسستُ بنظرات الإستغراب تملأ عينيه.

في أعماقي علمتُ أنّ الأمر غريب، ولكن يوجد في داخل كلّ إنسان نبتة تُدعى الحنين، رغم أنني في الماضي كنتُ تواقاً للرحيل من هذا المكان الضيّق الذي لم يكن يتّسع لأحلامي، وسعدتُ بالسفر، إنّما في السنوات الأخيرة لم يُراودني سوى حلم العودة إلى وطني وتأسيس مشروع كان بإمكاني إنجازه في أيّ مكان آخر، لكنني قرّرتُ العودة لأنّ بي حنيناً إلى الوطن الذي ليس سوى أشلاء وطن، وطنٌ لم أهنأ يوماً بالعيش فيه ونعمتُ بالسعادة لسنوات طوال بعيداً عنه.

بعد أن زرتُ أجمل البلدان ونعمتُ بالإستقرار في أروع مدينة في العالم، عدتُ وأنجزتُ مشروعي، بالنسبة إليّ المسألة كانت حنيناً لمكانٍ أبصرت فيه النور، وها أنا أنعم أخيراً بالحياة في بلدي.

مَنَحني النظر إلى جمال الإضاءة والألوان سعادةً لذيذةً، وتوقعتُ قضاء ليلة ساحرة، لكن ما الذي حدث؟ لماذا تنتابني فجأةً الكآبة؟ لم يحدث لي شيء كي يتملّكني الحزن، كنتُ أتلذّذ بتناول طعامي، أراقب الناس وكيف بدا الفرح والحماس على وجوههم، كيف راحوا يتسامرون ويضحكون وقد توافدوا عائلات وأصدقاء وأقارب للإحتفال بليلة رأس السنة، كانت تلك مشاهد جميلة ومُفرحة، إذن ما المُشكلة التي عكّرت صفوَ مزاجي؟

مع مرور الدقائق تفاقم الحزن بداخلي، فجأةً أدركتُ السبب، علمتُ أنّ منظر أولئك الناس مُجتمعين جعلني أشعر بالوحدة، لكن ذلك لم يحصل لي يوماً، لقد كنتُ أنشدُ والإستقلالية وأستمتع بمشاهدة أشخاصٍ سعداء، لطالما تلذّذت بصفاء ذهني فكتبتُ الشعرَ والنثر وحقّقتُ ذاتي في المجال الذي أهواه، حرّيتي كانت سرُ سعادتي، لم يحرمني القدرُ من شيء، إمتلكتُ لفترة طويلة من الزمن حبّاً جميلاً لم أشأ تعكير صفاء مثاليّته وعظمتهِ بالإرتباطات الرسميّة والمظاهر المُزيفة التي تخدع الناس وتسمّم عقولهم، لكنّ الموت سلبني ما امتلكت، وأخرجت من أعماق ألمي ديواناً كتبتهُ تكريماً لذكرى حبّي الكبير، ومع مرور الزمن عدتُ وحظيتُ بسلام النفس وأكملتُ مسيرتي، فلِمَ الشعور بالأسى الآن، في هذه الأمسية التي كان من المُفترض أن تكون ممتعة؟

تلك الليلة جعلت منّي شخصاً بائساً إذ رأيت نفسي ولأوّل مرّة في حياتي وحيداً في هذا العالم، لا عائلة ولا أقارب أو أصدقاء مُقرّبين أجتمع بهم ليلة رأس السنة.

ليلة واحدة جرّدتني من سعادة سنين طويلة وأسقطَت على سعادتي الزاهية وشاحاً من الظلام فأوضحت لي أنني في النهاية صرتُ رجلاً عجوزاً وحيداً، بعد أن أمضيتُ عمري كما رغبتُ وتمنّيت، تحوّلت خلال لحظات إلى إنسانٍ في خريف عمره ولا يوجد بجانبهِ شخصاً يؤنس وحشة شتائه، ليلة واحدة زلزلت فرح أعوامٍ طوال وحوّلتني إلى صحراء قاحلة جرداء حلّ عليها الظلامٌ فأثلجَ رمالها.

----------------------------
الشجرة
يونس محمود يونس - سورية

جريا وراء عادته . استيقظ أبو ماهر عند الرابعة صباحا ، ثم غادر منزله بخفة الشبح . فقد كانت جمانة ـ الهاوية الجديدة ـ تنتظره عند زاوية الشارع ، وعندما بلغ ذلك المكان . بادلها تحية الصباح ثم انطلقا معا.

وحيث أنّ هذا الرجل كان معروفا لدى كل هواة الرياضة الصباحية في تلك المدينة الجبلية فإنّ جمانة بدت وهي تسير إلى جانبه مثل تلميذة فخورة بصحبة معلمها . علما أنّ هذا المعلم ورغم أعوامه السبعين فقد كان يبدو مثل شاب في العشرين من عمره . وزنه لا يزيد عن ستين كيلو غراما ، ووجهه يشع بابتسامة لا تفارق ثغره ، وما قد يكون أهم من كل ذلك هو التزامه بهذه الرياضة الصباحية منذ ما يقارب الخمسين عاما . لم يتخلف عنها يوما واحدا . حتى عندما يكون الطقس ماطرا فلا بد أن يغادر منزله في الرابعة ثم يعود إليه في السادسة.

عندما أصبحا خارج المدينة . قالت جمانة:

ـ كأنّ هذا الصباح قطعة من الجنة !

فعلق أبو ماهر على قولها :

ـ الصباح دائما قطعة من الجنة .

ـ لكنه الربيع !؟

ـ طبعا إنه الربيع ، ولكن من قال لك إنّ الربيع أجمل من الخريف . الفصول كلها جميلة .

سكتت جمانة لاعتقادها أنّ معلمها صعب المراس . في حين كان الصباح آسرا وبخاصة إحساسها بعطر ذلك النسيم الأخاذ . علما أنّ الربيع كان قد فرش بساطه الأخضر على الجبال والوديان ، وعلى جانبي الطريق بدت ألوانه رائعة التكوين .

في تلك الأثناء توقف أبو ماهر ليسأل جمانة إذا ما كانت قادرة على السير إلى قمة الجبل المقابل :

فأجابته قائلة :

ـ طالما أنك تسير أمامي فأنا جاهزة حتما .

فقال مازحا :

ـ إذا هيا تدحرجي وإياك أن تتشبهي بصخرة سيزيف .

ـ إذا كنت أنا سيزيف فكيف أتشبه بصخرته ؟

ـ آه . . ! أنتِ سيزيف !؟ كيف ذلك ؟

قالت :

ـ أنا الآن في الأربعين من عمري ، ومنذ عشر سنوات وأنا أعتني بأمي المريضة ، وقد أُضطر للاعتناء بها عشرين سنة أخرى . من يدري ؟

فتأوه أبو ماهر على طريقته ثم انطلق يهرول تاركا لجمانة فرصة اللحاق به ، وحيث كان الطريق أشبه بخط أسود ينحدر بشدة نحو قاع الفجر فإنهما تابعا الهرولة حتى بلغا ذلك القاع الأبيض

الساحر ، ثم ابتدأا من هناك الصعود من جديد .

في ذلك الوادي كان بياض الفجر يصعد من الأرض ويهبط من السماء ، وكانت سنابل القمح الخضراء تتماوج على إيقاع أصوات الطيور المغردة . بل إنّ تلك البريّة الساحرة كانت تستيقظ على وقع خطوات ذلك الكهل ورفيقته الشابة .

هذا ما أفصح عنه أبو ماهر حين قال :

ـ أؤكد لك أنّ أحدا لم يستيقظ بعد ، وهذا الاعتقاد يجعلني سعيدا .

ـ هل أنت أناني ؟ ليتك تفصح عن نبرة روحك ؟

ـ إنّ ما تقولينه يضحكني . لأنني وبعد كل هذه السنين التي عشتها لا أعرف شيئا عن نبرة

روحي ، ولكن لعلك تفتقدين تجربة الزواج ؟ هل تفتقدين هذه التجربة ؟

ـ لا أعرف ، ولكن أعتقد أنّ المرأة المتزوجة تعرف الرجل أكثر مني .

ـ يؤسفني ذلك ، ولو كنت قادرا الآن على جعلك تفهمين ما هو الرجل لما تأخرت . لكن وكما تعلمين فإنّ الرياضة الصباحية هي من المقدسات التي أحترمها .

ـ ما تقوله لا يعجبني .

ـ ألم أقل لك إنك لا تفهمين الرجل .

ـ وهل تعتقد أنّ هناك رجلا يفهم المرأة ؟

ـ يقال أنّ النبي داوود كان يفهمها . لأنّ روحه كانت موزعة بين الذكورة والأنوثة ، ومن هنا جاءت نجمته السداسية . مثلثان متداخلان . أحدهما يمثل العضو الذكري ، والآخر يمثل العضو الأنثوي .

ـ قرأت عن هذا الأمر .

ـ أنا لا أقرأ ، ولكن أحدهم أخبرني بذلك .

ـ لماذا لا تقرأ ؟

ـ لأنني أعتبر أنّ ما أقوم به أهم من كل بواطن الكتب ، وعموما ما هي الكتب ؟ ولماذا يحتفظ البعض بتلك الكتب الصفراء ؟ أظن أن من يستيقظون باكرا يستطيعون التعرف على الحياة بصورة

أفضل .

ـ يا لهذا الصباح ؟!

ـ هل تعبتِ ؟

ـ لا . ولكن ربما أنا خائفة قليلا .

ـ ممّ أنت خائفة ؟

ـ إنني أشعر بالفراغ ، وأظن أنّ تعلقي بالكتب يؤثر بشكل سيء على علاقتي بالمكان .

ـ هذا رأيي على كل حال .

سكتت جمانة لاعتقادها أنّ الخروج من مأزقها لا يتحقق بالرد على معلمها ، وبماذا ترد طالما أنها ليست واثقة من رأيها . خاصة وأنّ الحياة بالنسبة إليها مليئة بالألغاز ، ورأسها يضج بالكثير من الأفكار ، وعندما تفكر في الطرق والتفاصيل التي تاه فيها البشر تصبح أكثر اضطرابا . غير أنها ولسبب ما نظرت إلى ساعتها وقالت :

ـ الساعة تقترب من الخامسة . فهل تعتقد أننا سنصل إلى قمة الجبل ؟

ـ ذلك ليس ضروريا . لأنني أريد أن أكون في منزلي عند السادسة تماما .

ـ في هذه الحالة يمكننا أن نقف بضع دقائق تحت تلك الشجرة .

قالت ذلك وهي تشير إلى شجرة بلوط كبيرة جدا ، وللوهلة الأولى خيّل لجمانة أنّ تلك الشجرة قد تكون واحدة من الأساطير التي عاندت الزمن وتحدت الفناء ، أو هي امتلكت سر الخلود الذي منع الطامعين من العبث بها .

فقال أبو ماهر :

ـ إنّ هذه الشجرة هي واحدة من رموز هذا المكان ، وعندما كنا صغارا . كنا نأتي إليها لنحمل إلى أهالينا بعض ثمارها . في تلك الأيام كانوا يشوونها على المواقد . لكن ألا ترين ما أراه ؟

ـ ماذا تقصد ؟

لم يجب على سؤالها . لأنّ ما رآه أثار فيه شكوكا مرعبة ، وهذا ما جعله يتسمر في مكانه . بل إنه توقف مركزا حواسه على ذلك المشهد ، ولعل تلك البرهة من الزمن كانت كافية لتفسير ما رآه . فالتفت إلى جمانة ليرى كيف هي ؟ وعندما رآها تحدق في الرجل الجالس عند جزع الشجرة وقد جف حلقها وانعقد لسانها . بادر إلى القول :

ـ يبدو أنّ هذا الرجل يغط في نوم عميق ؟!

فقالت جمانة في محاولة منها للتأكد من بقاء صوتها :

ـ هل تظن ذلك حقا !؟ انظر إليه جيدا . إنّ منظره يثير الريبة . فجذعه متكئ على كعب

الشجرة ، وساقاه ممتدتان ، ويده اليمنى وُضعت على بطنه بعناية . أما يده اليسرى فهي تتدلى كالمشلولة . لعل من جاء به إلى هنا فوجئ بأصواتنا فلم يجد الوقت الكافي ليضعها بجانب يده

الأخرى !؟

ـ لا بدّ أنك تتخيلين ؟!

فقالت جمانة تسأله :

ـ ماذا جرى لك ؟ إنّ كلماتك باردة جدا !

غير أنه ظل صامتا :

فقالت جمانة :

ـ مهما يكن الأمر فنحن لا مصلحة لنا في معرفة كل الحقيقة ، والأفضل لنا أن نعود . إنّ الساعة تشير إلى الخامسة تماما .

وحيث ظل أبو ماهر على حاله صامتا وهادئا فإنّ جمانة حاولت أن تقلده أيضا . لكنها سرعان ما وجدت نفسها تتكئ عليه ، ثم تقبض على ساعده بيديها الاثنتين . بحيث بدت وكأنها تهمس في أذنه :

ـ الصباح ليس دائما جميلا ، والرياضة ليست أهم من بواطن الكتب ، وفي اعتقادي فإنّ من أبدع أسطورة سيزيف لم يمت . بل إنّ روحه الهائمة في فضاء هذا الكون تعرف أكثر مما نعرف ، وربما هي ترانا وتهزأ بنا أيضا !

----------------------------
المنور
عبد الله السالم - قطر

كان لزميلٍ لي نظرية حاسمة في الاعلانات، تتعلق بالقيمة التي يبرزها و يؤكد عليها المعلن. فاذا رأيت في اعلانٍ ما: الالتزام مصدر تميزنا، فالمعلن يعاني مع الالتزام و هو مصدر قلقه. و بالتالي فالتزامه غير مضمون.

كان من الممكن ان اتقبل النظرية لو اقتصرت على الاعلانات. لكنه و انا بدأنا نعممها على كل شئ في الحياة. من اطرف ما امتد اليه ذلك تسميات الاشياء. مثلاً المنور في البنايات السكنية الكبيرة. من المعروف انك عندما تسأل عن جودة شقة تنوي اتخاذها فانك تقصد ان لا تكون غرفها على "منور". و هو فراغ ضيق ممتد عمودياً على ارتفاع البناية. لتفتح عليه الغرف الداخلية التي لم يستطع تصميم الشقة ان يوجد لها منفذاً على الانارة الخارجية.

هذه الغرف تكون عادةً المطابخ و الحمامات و المستودعات و غيرها من غرف غير مهمة. و المنور على كل حال هو نقطة ضعف اي بناية، فهو مكان عام قذر تنفث عليه مراوح الشفط للحمامات و المطابخ روائحها الجهنمية. و تتجمع فيه الحشرات القذرة و البعوض.

الحقيقة فان نظرية زميلي لم تجد افضل من المنور مثالاً يؤيدها. فالمنور هو المكان الذي تفتح عليه نوافذ تريد النور فلا تجده. فهو ربما "مظلم" بفتح الميم و اللام. و هو ربما "مروح" ايضاً بفتح الميم و الواو. و هو ايضاً "مغبر" نسبةً للغبار الذي يتسرب منه. و هو "موسخ" نسبةً للوساخة و الحشرات التي تأتي منه عبر النوافذ و الفتحات.

لكن هناك صفة للمنور معروفة و لا ادري كيف تصنف ايجابياً او سلبياً هي كونه "مسمع". فالمنور يحقق تسرباً كبيراً للاصوات عبره قادمةً من نوافذ غرف الشقق الاخرى المطلة عليه او فتحات مراوح الشفط و غيرها. في المبدأ هو سلبي ايضاً. لكن المزعج بطبيعته يختلف عن المزعج فقط بحسب ما يحمله.

اعتدت على سماع شئٍ من طربٍ مميزٍ قديم. في كل مرةٍ ابقى في المطبخ دقائق لعمل كوب قهوتي. كان الصوت القادم من المنور الذي يفتح عليه المطبخ قريباً واضحاً. أغانٍ محلية شعبية لا يمكن الا ان يكون هناك من تعمد اذاعتها من الستيريو الخاص به. اذ لا تبث مثل هذه الاغاني عادةً عبر التلفاز او الراديو. على الاقل ليس بهذا التتابع و الكثرة. كذلك كان في بعضها عبث. كان بعضها "مسرَعاً"، و هي تقنية معروف استخدامها لدى مستمعي الاغاني الشعبية لتعطي تسارعاً للايقاع اكثر و تنعيماً للصوت. كما تضفي نوعاً من الغموض و الغرابة من بعد.

قلت في نفسي هذا مراهق شعبي يعيد و يزيد في السماع و لا شئ آخر يستطيع عمله. و لكن اليس له مدرسة او شيئاً يخرجه من البيت؟ هي مراهقة اذن؟ لا فليس هذا ذوق المراهقات. ربما مراهق متأخر. و لا ادري ما يبقيه في البيت؟

كنت استمع لدقائق ثم اخرج. قبيل الظهر او العصر او المساء المبكر احياناً. ثم لما صرت آتي في اوقات مختلفة قليلاً سمعت اشياء مختلفة تماماً. ليلى مراد "ليه خليتني احبك" مثلاً. كم احببت جلستي الهادئة معي كوب قهوتي على كرسي صغير بجانب نافذة المنور. استمع للاغنية. من اهم عناصر السماع الجميل طريقته و مكانه وتوقيته. و أتت اغان اخرى قديمة و جميلة. في اوقات اخرى سمعت اسمهان و فريد. يبدو ان المراهق الشعبي الكهل بدأ يدافع عن نفسه و ينوع الذوق. و الذوق الذي توضح امامي بدا بعيداً عميقاً و يتخطى محدودية الذوق الشعبي بكثير.

بعد فترةٍ من السماع الهانئ الذي يلفه السحر و الغموض و الطرب المتمهل. بدأت في البحث الحقيقي عن مصدر هذه التسجيلات الملهمة. كان المرشح الاول الجار الاقرب الذي يشاركني المنور في الدور الارضي. عائلة غامضة رأيت مرةً الرجل الذي يدخل و يخرج من شقتهم، رجل ملتحٍ قليل الظهور. بينما وجدت ان العوائل الاخرى صوتها بعيد في اعلى المنور و لا يمكن ان يصل بهذا الوضوح الى نافذتي.

و لم اعرف لهذا الجار اي تحركات او نشاطات تحدد طبيعة عمله. لكنني فقط بعد ان بدأت في التفكير فيه انتبهت الى الباب الخارجي في الجهة الاخرى من البناية المنفذ الى شقته الارضية. و بشئ من المتابعة عرفت سيارته التي يوقفها بعيداً عن بقية سكان البناية، و يدخل منعزلاً عنهم مستخدماً ذاك الباب الخارجي.

لم احقق تقدماً فيما يتعلق بالتحري عنه بعد ذلك، الى ان اتيح لي في احدى المرات التي اقف فيها مع احد الجيران للحديث على مدخل البناية التي نسكنها. ان سحبت الحديث الى وضع جاري الملاصق لي و استخدامه للباب الخلفي و انعزاله. فابدى هذا الجار اندهاشه لعدم معرفتي السبب ثم استدرك بأن ما حدث كان قبل مجيئي للبناية. قال بأن انعزاله هذا بسبب الشرطة و ان.. قلت: الشرطة؟ قال نعم بسبب خلاف السكان معه حول اخيه المجنون و قد.. قلت: مجنون؟ قال نعم اخوه الذي يسكن معه في الشقة لوحدهما، و كان يضايق السكان احياناً بالخروج و الوقوف بباب البناية و الغناء بصوتٍ عال و.. قلت: الغناء؟ قال بتضايق هذه المرة من مقاطعاتي نعم، و هو مما كان يثير حفيظة السكان و يحرجهم مع عوائلهم. كلموا اخاه عدة مرات و كان يعدهم خيراً لكن لا يفعل لاخيه شيئاً.

لم يكن من السكان الا استدعاء الشرطة فأتوا و استمعوا للشكوى و فرضوا على الأخ ان يتعهد بعدم ظهور اخيه اطلاقاً خارج الشقة و ان ظهر هو او اخيه فيكون ذلك عن طريق الباب الخلفي من الجهة الاخرى للبناية.

أسقط في يدي تجاه هذا المجنون الطروب. و حيث انني لم اسمع صوت شخصٍ يغني آتياً عبر المنور بل أغان متكاملة جميلة. و بعد البحث و التحليلات لهذا الوضع الغريب جالساً بجوار نافذتي المفضلة مستمعاً. عدت الى الأسماء التي سبق ان اطلقتها على المنور. و وجدت ان اسماً مهماً بقي للمنور في هذه الحالة هو "الستيريو" او "الفرقة الماسية". فاذا كانت هذه الاغاني التي تصلني هي من غناء شخص مجنون واحد بصوته فقط. فلا بد ان في المنور استوديو كبير متخصص ملئ بعازفي الفرقة الماسية في جهة، للاغاني العربية، و فرقة الوادي الشعبية للاغاني "المسرعة" في الجهة الاخرى. و منسق دي جي متخصص او عدة منسقين يتولون مهمة تنسيق ادخال هذا الصوت الجنوني الجميل الخارق القدرات مع الموسيقى المناسبة له. أما صفة هؤلاء العازفين و لاعبي الدفوف و منسقي التسجيل و اين يجلسون في هذا المنور الضيق فهو مما انتفض عظمي لما حاولت التفكير فيه فتركته.
----------------------------
* كاتبة من سورية.

 

مها حسن*