مساحة ود

مساحة ود

وجوه

عندما يخونك جسدك، ترفض أن تصدق، ترفض الهزيمة على أرضك.

لي السماء والبحر والمروج، لي الشجر والطرقات، لي مشرق الشمس على طريق العمل وضحاها بين مرح الزميلات وأحاديثهن، ولي مغيبها سيراً مؤنساً على الشاطئ.

لي الحياة الحلوة المنطلقة التي لا أعرف ذاتي إلا بها، فجأة تقصي عن هذه الحياة، يصبح البيت هو عالمك، تقيس أيامك بالساعات والدقائق، تتناول الدواء خائفاً آملاً، تتلهف إلى وجه الطبيب يطمئنك، تضطر إلى مشاهدة التلفزيون وأنت لا تطيق النظر إليه ساعة.

يؤلمك أنك لا تستطيع حتى أن تقوم بشؤونك، أنت بحاجة لمن يحضر لك الطعام، لمن يتحدث معك.

الكل في العمل وأنت وحدك تتأمل جدران غرفتك، يأكلك الملل، تضيق بك الدنيا، لا أنت قادر على العودة إلى بلدك، ولا أنت تستطيع أن تحتمل هذه الحياة، يلح عليك السؤال المر.

- ما العمل؟

تأتيك الوجوه الرائعة، تقول:

- لا تفكري بشيء، في الغربة نحن أخوات.

تتأمل زميلاتك، فتحس بمعنى الدفء الإنساني، تعرف معنى الود الخالص.

يا الله، ما أروع هذه اللحظات التي يعدن فيها من العمل وعلامات التعب تلوح على الوجوه النضرة، ولكن وقبل أن يذهبن إلى غرفهن، يطرقن عليك الباب، يسألنك بلهفة صادقة:

- كيف أصبحت الآن؟

وتنتظر مجيئهن، تنتظر اللحظات المملوءة مودة وأنسا، تعرف مشاغلهن ومشكلاتهن ونبضات قلوبهن، ينفتح أمامك عالم جميل من الأحلام والتوقعات والمخاوف، تتمايز ولامحهن وشخصياتهن، هيفاء ذات الوجه الطفلي المشرق المعطاء دوماً، فاطمة التي تظن أن الحياة تعاكسها، فهي لا تني ترسل شكواها، وحنان المتدفقة دائماً بالحديث عن مشروعاتها وعن أصدقائها المتجددين.

تمضي الأيام رغم مرارتها حلوة بصحبتهن، لكن رياح الشوق تعصف بك، لقد حنت الروح إلى مستقرها، آن أن تطوي شراع الغربة وتعود.

تودعهن وسؤال يراودك، هذه الأيام الحلوة التي جمعتنا، هذه الصداقة التي أظلتنا، هل انتهت؟ هل أصبحت ذكرى؟ هل نلتقي ثانية؟

تعود إلى بلدك والوجوه المضيئة تسكن قلبك، تبعث في نفسك الثقة برفعة الإنسان.

بالأمس جاءها هاتفهن:

- سنأتي لنزورك

من القلب أقول لهن:

- أنا بالانتظار.

أضع سماعة الهاتف وفي قلبي ودّ... شوق... أمان...

أبتسم وأقول: مازالت الدنيا بخير، ومازالت المحبة أغلى كنوز الإنسان.

 

ملك حاج عبيد

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات