أرقام

أرقام

بعيدا عن الوطن

قديما، هاجر الإنسان من أجل الرزق، أو من أجل الأمن.. ومازال القانون ساريا: آسيويون وأفارقة ينتقلون للعالم الأول بحثا عن فرصة عمل أفضل. وفارون من كوسوفا والبوسنة والهرسك ورواندا والصومال وأفغانستان وغيرها.. وقد فروا بحثا عن الأمن وطلبا للحياة.

الجديد سؤال يقول : وهل تزداد الهجرة مع انتشار تيار العولمة الذي يسقط الحدود، أو يدعي ذلك؟ هل يلحق تيار البشر بتيار السلع والأموال الذي فتحت اتفاقات مثل الجات الأبواب أمامه؟

ولا بد أن نبدأ الإجابة من الاعتراف بأن العولمة ليست المحاولة الأولى لفتح الحدود بين الدول، ققبلهـا كان الاستعمار الذي استهدف فتح الأسواق، وكان اكتشاف العالم الجديد الذي صحبته حركة هجرة واسعة، بل حركة نقل قسري للعبيد أيضا، ثم كانت الثورة الصناعية بما احتاجت إليه من يد عاملة انتقلت إلى كل من أوربا وأمريكا.. وتسجل الأرقام أنه بين عامي " 1860" و" 1920 " هاجر ثلاثون مليونا من البشر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. وأصبح مجتمع المهاجرين في كل من الولايات المتحدة وكندا، وربما في أستراليا أيضا.. هو المجتمع، فهم الأغلبية والسكان الأصليون تراجعوا وجرى إظهارهـم بل وذبحهم أيضا.

الهجرة إذن ظاهرة قديمة، وقد هاجر العرب من أجل الرزق ومن أجل نشر الدعوة.. وقد تبدلت أحوالهـم فالبدو الرحل يتمتعون الآن ومع نشوء الدولة الحديثة وتقدم الاقتصاد بقدر كبير من الاستقرار، بينما انتشرت ظاهرة الهجرة في مجتمعات عربية مستقرة بحثا عن الرزق كما هو الحال في السودان ومصر وتونس ولبنان.. أو بحثا عن الأمن كما هو حال اللاجئين الفلسطينيين الذين يزيد عددهم على ثلاثة الملايين نسمة.

ومجتمع المهاجرين والممتد من أستراليا إلى أمريكا اللاتينية مجتمع متحرك، ففي إحصاء لمنظمة اليونسكو "98 " أن هناك في الحالم مائة مليون مهاجر.. ولكن لأن الهجرة طوعية وقسرية.. ولأنها شرعية وغير شرعية، ولأن الحروب تطرد بشكل مؤقت أو دائم، لأن هناك كل هذه العوامل فالأرقام تختلف وتتضارب.

في عام 1995، قدر المفوض العام للاجئين بالأمم المتحدة أن هناك 18 مليون لاجئ في العالم.. ثم عادت المفوضية لتقول في منتصف عام "96" إن هناك في العالم "23" مليون لاجئ و"26" مليون نازح .. وأكدت الرقم بعد ذلك في عام "97-98" حين أذاعت أن هـناك "7، 22 " مليون شخص كانوا في دائرة اهتمام المفوضية خلال يناير "97 ".. بعضهم من، اللاجئين وبعضهم من النازحين داخل الأوطان ، والقليل منهم وبرقم لا يتجاوز "3, 3" مليون من العائدين. ..

ظاهرة اقتصادية

المأساة تبرز في مناطق التوتر: أفغانستان، رواندا، البلقان، ليبيريا، فلسطين، العراق، الصومال.. وغيرها.

ومع ذلك فالظاهرة أكثر اتساعا حتى أنها بدوافعها الأمنية أو الاقتصادية باتت قضية ذات بعد اقتصادي واضح.

كان المهاجرون عنصرا مهما في بناء صناعة الغرب ومد المرافق والسكك الحديدية والقيام بالأعمال الصعبة.. ولكن ومع تزايد أعداد المهاجرين وانتشار ظاهرة الكساد مما قلل فرص العمل، لم يعد المهاجرون موضع ترحيب.. بل إن بعض الدعوات قد ذهبت إلى أن تنتقل المصانع والأنشطة الاقتصادية إلى شمال إفريقيا ودول الجنوب.. بدلا من أن ينتقل لها أبناء الجنوب. وكان المنطق واضحا: استقرار أكثر للدول المضيفة، ووفر اقتصادي للمشروعات نتيجة الحصول على عمالة رخيصة في موطنها الأصلي.

رغم ذلك ورغم الهزات التي تشهدها أسواق العمل فإنه وفقا لتقدير اليونسكو فقد بلغت عوائد العمل التي تأخذ شكل تحويلات من المهاجرين إلى بلدانهم "67، مليار دولار سنويا.. وبالتالي- ووفقا لتقدير المنظمة- فإن عوائد العمل تأخذ المرتبة الثانية مباشرة في التجارة العالمية بعد البترول.

هي ظاهرة اقتصادية بالفعل، ومن حولها نشأت أنواع من الأنشطة وازدهرت آلاف الشركات.

أصبحت هناك شركات تتخصص في سد حاجة اللاجئين من أغذية وأدوية وخيام.

وأصبحت هناك شركات للنقل الدولي ، وبعضها سري ينقل بالزوارق .. لتيسير مهمة انتقال اللاجئين بشكل شرعي أو غير شرعي.

بل إن هناك شركات للرقيق الأبيض، تنتهز الفرصة، وتستفيد من عنصر الحاجة عند المهاجرين.. خاصة الذين يهاجرون قسرا.

الخطير ما تقوله مفوضية اللاجئين وتتحدث عنه اليونسكو، فالأولى تقر بأن " 80% " من اللاجئين من النساء والأطفال.. و"70% " من المسلمين.. أما الثانية ، اليونسكو فتتحدث عن تأنيث ظاهـرة الهجرة، خاصة في المناطق الآسيوية حيث تهاجر المرأة مرتين.. مرة في سن مبكرة قبل الزواج "بين 16- 24 سنة".. ومرة في السن المتأخرة بعد الخمسين.

وبعد انحسار الأعباء العائلية حيث ترتبط هجرة النساء بحجم الأسرة وأعبائها، وبوجود حيازة زراعية أو مورد اقتصادي ثابت من عدمه.. أما البلدان المضيفة فتفضل النساء لأنهن يحصلن على أجر وتأمينات اجتماعية ورعاية صحية أقل من الرجال.. ولأنهن الأكثر مهارة في بعض الأنشطة بل وفي بعض الصناعات الآسيوية مثل: النسيج والإلكترونيات والفندقة.

ونعود للسؤال: الهجرة والعولمة ، القوانين التي تسمح للمال والسلع بالتدفق وتضع الحواجز أمام الأفراد.. وتيار الهجرة المستمر رغم ذلك.

التوقعات، استمرار الهجرة لأسباب ثلاثة: عدم الاستقرار الأمني، وعدم الاستقرار الاقتصادي، ومناخ تصنعه العولمة يشجع على التداخل والتفاعل والتواصل ، كل ذلك يدفع للهجرة وإن كانت البلاد المضيفة باتت تفضل عمالة مؤقتة، غير مستقرة، لا تتمتع بالمواطنة.

الغريب أنهم يخشون اختلاط الثقافات بسبب الهجرة.. والسؤال: وماذا تصنع العولمة إذن؟.. أليست دعوة لثقافة مفتوحة، ثقافة عالمية تمتزج فيهـا كل الثقافات؟ أظن ذلك.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات