حالة إنكار بوش محارباً
حالة إنكار بوش محارباً
مما لا شك فيه أن غزو العراق عام 2003 هو بكل المقاييس أهم حدث في هذا القرن، لذلك فليس من المستغرب أن يحظى حدث كبير بحجم غزو العراق واحتلاله باهتمام الكتاب والباحثين والمحللين السياسيين والخبراء العسكريين والاستراتيجيين وأن يفتح شهيتهم للكتابة عنه. مؤلف هذا الكتاب الذي نتناوله بالعرض في السطور التالية، بوب وودوارد، يعد في نظر الكثيرين أشهر كاتب سياسي أمريكي معاصر، وهو يعمل مساعداً لمدير تحرير صحيفة واشنطن بوست، وله خبرة طويلة في العمل الصحفي تمتد لخمس وثلاثين سنة، تناول خلالها عدة أمور خاصة بعملية اتخاذ القرار في قضايا الأمن القومي الأمريكي. وقد ذاع صيته في عالم الصحافة منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي عندما قام مع زميله كارل برنستاين بكشف ما أطلق عليه «فضيحة ووترجيت»، الأمر الذي أدى في النهاية إلى استقالة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون من منصبه في أغسطس 1974. وكتاب «حالة إنكار» - أو بالأحرى «الإصرار على النفي والإنكار»، كما سنبين فيما بعد، هو الجزء الأخير من ثلاثية، إذ سبقه جزآن تناولا أيضًا موضوع الحرب في الشرق الأوسط، وإن كان ذلك من زوايا مختلفة. فالجزء الأول الذي صــدر في 2002 كان بعنـــوان «Bush at War» (بوش محاربًا). وقد أشاد فيه المؤلف بالرئيس جورج بوش وصوره على أنه قائد حازم يحيط به فريق من المستشارين والمساعدين على أعلى درجة من الكفاءة والمقدرة. كان ذلك في وقت نجحت الولايات المتحدة فيه وبأقل الخسائر في إسقاط نظام طالبان في أفغانستان في مدة لم تتجاوز بضعة أسابيع. والجزء الثاني الصادر في 2004 جاء يحمل عنوان «Plan of Attack» (خطة الهجوم) وقد امتدح أيضا أداء الرئيس بوش والعاملين معه بعد نجاح الولايات المتحدة في إسقاط نظام صدام حسين في خلال ثلاثة أسابيع فقط. وكان موقف المؤلف من الرئيس بوش واستراتيجيتة الحربية - كما ظهر في هذين الكتابين - إيجابيًا إلى حد كبير، بينما تغير موقف المؤلف في الكتاب موضوع هذا العرض تغير جذريًا وركز علي سلبيات سياسة الرئيس بوش في العراق في مرحلة ما بعد صدام ووجه لها انتقادات حادة وشديدة، ويؤكد المؤلف أن معظم الأمريكيين يشاركونه هذا الرأي. ويرجع معظم المعلقين السبب في تغير موقف وودوارد إلى أنه عندما كتب كتابيه الأول والثاني كانت شعبية بوش في أوجها كقائد منتصر، ولكنه كتب كتابه الأخير بعد تراجع شعبية الرئيس بسبب تدهور الأوضاع في العراق وتزايد عدد القتلى من الجنود الأمريكيين، وكذلك إخفاء الحقائق عن الشعب، كما حرص المؤلف على إصدار الكتاب قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر الماضي. أكثر الكتب مبيعًا وقد صدر هذا الكتاب في آخر سبتمبر 2006 عن دار نشر Simon & Schuster الأمريكية، وهو يقع في 574 صفحة من القطع كبير المتوسط (النص الأساسي للكتاب 491 صفحة، فضلاً عن ملاحظات وتعليقات وإيضاحات وصور) ويتألف من 45 فصلا. وفور صدوره أصبح من أكثر الكتب مبيعًا في الولايات المتحدة، وظل لعدة أسابيع يحتل مركزًا متقدما في قوائم المبيعات كما كُتبت عنه عدة تعليقات وملخصات في الصحف والمجلات الأمريكية وغيرها في مختلف أنحاء العالم - بما في ذلك الدول العربية، وعلى الرغم من ذلك وجهت له انتقادات - كما سنرى فيما بعد - ويرى بعض المعلقين أنه ليس من أفضل ما كتب وودوارد، ويقولون إنه وزميله برنستاين ابتكرا شكلاً أو جنسًا (Genre) جديدًا من الأدب (Faction) يجمع بين الحقيقة (Fact) والخيال (Fiction)، وهو عبارة عن سرد لأحداث حقيقية ينسجان حولها قصة لتصوير الشخوص مع حوارات مطولة. كما يمكن في نظرهم أن يطلق على هذا النوع أو الجنس من الأدب (Docudrama) أي دراما وثائقية، ويتساءلون: كيف يمكن للمؤلف أن ينقل بالتفصيل الحوارات التي تدور وراء الكواليس وخلف أبواب مغلقة دون أن يكون حاضرًا بنفسه ؟! كما يرى بعض المعلقين أن الكتاب مجرد تسلسل زمني للأحداث دون أن يربط بينها خيط من الأفكار والآراء، كما لو كان الكتاب تقرير مخابرات، وكما لو كان المؤلف كاتبًا قصصيًا وليس صحفيًا.!. ويقول المؤلف عن مصادره إنه حصل على كل المعلومات الواردة في الكتاب تقريبا من خلال أربع مقابلات أجراها مع الرئيس بوش في أعوام 2001 و 2002 و 2003، وحاول إجراء مقابلات معه بعد ذلك ولكنه لم يوفق. كما أجرى العديد من المقابلات مع فريق الأمن القومي للرئيس بوش ونوابهم وكبار العاملين بالإدارة الأمريكية من المسئولين عن الأمور العسكرية والدبلوماسية والمخابراتية الخاصة بحرب العراق. وقد وافق هؤلاء المسئولون على إجراء المقابلات معهم والحصول على معلومات منهم شريطة عدم الإفصاح عن أسمائهم بالكتاب. كما حصل المؤلف على تقارير ووثائق عن اجتماعات وأحداث عديدة. يروي الكتاب بالتفصيل منذ أول يوم فكر فيه جورج بوش جديا في ترشيح نفسه للرئاسة الأمريكية، ثم اختياره لوزرائه ومساعديه وفريق الأمن القومي الذي سيعمل به بعد فوزه بالرئاسة، مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وإعلان الحرب على الإرهاب واحتلال أفغانستان وغزو العراق واحتلاله في إطار تلك الحرب وفقا للمبررات والأهداف المعلنة في هذا الصدد والتي تتمثل في القضاء على أسلحة الدمار الشامل في العراق، وإسقاط نظام صدام الدموي الذي يقمع شعبه ويهدد جيرانه، وإقامة نظام ديمقراطي بدلا منه، وانتهاء بالصراع من أجل البقاء سياسيًا في الفترة الثانية لرئاسته. ومنذ البداية يشن المؤلف هجومًا على بوش ويرى أنه تولى هذا المنصب الرفيع بالرغم من أنه أقل الرؤساء الأمريكيين خبرة أو تجربة في الحكومة وذلك منذ عهد الرئيس ويلسون عام 1913، فضلا عن عدم خبرته بالسياسة الخارجية. وعلى العكس من ذلك فإن نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد اكتسبا خبرة في الحكومة حيث كان الاثنان قد عملا في إدارة الرئيس فورد وبعد ذلك عمل تشيني كوزير للدفاع في إدارة الرئيس بوش الأب. (من المعروف أن رامسفيلد استقال من منصبه في نوفمبر 2006 عقب فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس وعين روبرت جيتس بدلا منه). حالة إنكار العنوان الذي اختاره المؤلف لكتابه وهو «حالة إنكار» يعتبر إشارة إلى إنكار الرئيس بوش ونفيه لوجود مصاعب ومشكلات في العراق عقب احتلاله، على الرغم من الهجمات المتواصلة التي تتعرض لها القوات الأمريكية، والعمليات الإرهابية شبه اليومية والعنف الطائفي الذي يحصد أرواح العشرات كل يوم، وعلى الرغم من الأخطاء والإخفاقات التي اعترف بها الرئيس نفسه في نهاية الأمر (كما سنشير إلى ذلك في ختام هذا العرض). ويتناول المؤلف بالشرح والتفصيل كيف تحاشت إدارة الرئيس بوش مصارحة الشعب والكونجرس الأمريكيين بحقائق الأوضاع في العراق. ففي مايو 2003 سلم البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) تقريرا سريا للبيت الأبيض ورد فيه: «المتمردون والإرهابيون لديهم الموارد والإمكانات التي تمكنهم من مواصلة المستوى الحالي للعنف - بل تصعيده - حتى العام القادم». والتنبؤ بتصاعد أعمال العنف في العراق في 2007 يتناقض مع التصريحات المتفائلة التي طالما رددها الرئيس بوش، من بينها تصريح أدلى به قبل تسلمه لتقرير البنتاجون المذكور بيومين فقط قال فيه: «إننا نمر بمنعطف مصيري سيُُذكر في التاريخ على أنه الزمن الذي بدأت قوى الإرهاب فيه تراجعها وتقهقرها الطويل» ومن الأمثلة الأخرى التي ساقها وودوارد عن «الإنكار» أنه بعد أن ثبت عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق، أجرى المؤلف مقابلة مع الرئيس بوش في ديسمبر 2003 وسأله عما إذا كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) قد ضللته بشأن هذه الأسلحة وعما إذا كان هو قد ضلل الشعب الأمريكي، رد الرئيس بالنفي على السؤالين، مضيفاً أنه لم يكن الوحيد الذي كان على قناعة بشأن امتلاك العراق لهذه الأسلحة، فقد كانت CIA تؤكد وجودها بشدة، مما جعل الأمم المتحدة تصدر عدة قرارات في هذا الشأن، كما أمر الرئيس السابق بيل كلينتون بقصف مواقع مشتبه في وجود أسلحة دمار شامل بها عام 1998. لكن بوش اعترف في نهاية المقابلة بعدم العثور على مثل هذه الأسلحة في العراق. والمشكلة في رأي وودوارد أن الرئيس بوش يرفض أن يصدق أو يستوعب الحقائق السيئة، وكل المحيطين به تقريبا يحاولون إخفاء الحقائق عنه ويحرصون على إرضائه من الناحيتين العاطفية والسياسية ونقل الأخبار التي تسر خاطره فقط، مما يدل على النفاق وعدم المكاشفة ؛ باستثناء الـ (CIA) التي حذرت بوش مرارا من أن سياسته ستقود العراق إلى هذه الفوضى والتدهور الأمني والعنف الطائفي. كما حاول بعض العاملين بالبيت الأبيض التنصل من التأكيد الذي أعلنه الرئيس في احتفال بحري كبير على متن حاملة الطائرات (لينكولن) بأن عمليات القتال الرئيسية قد استكملت وأن المهمة أنجزت في العراق. ويرى المؤلف أن موجة التفاؤل المفرطة لدى الإدارة الأمريكية تعكس حالة خداع النفس والإنكار التي كانت تمارسها على نحو مخيف بسبب تجاهل المسئولين للتحديات الكبيرة والتهديدات الخطيرة التي ستطرأ فيما بعد. تخبط وارتجال ويذكر المؤلف أمثلة عدة على التخبط والارتجال في اتخاذ قرارات على عجل، ثم التخلي عنها وكيف يؤثر ذلك في معنويات كبار المسئولين عن شئون العراق. كما يشير إلى الإهمال وعدم الكفاءة وسوء الإعداد والتخطيط لمرحلة ما بعد صدام وعدم تمكن قوات التحالف - وخاصة الأمريكية - من السيطرة على جميع أرجاء البلاد الشاسعة، ولذلك أصبحت معظم حدود العراق مع الدول المجاورة مفتوحة بعد انتهاء الحرب. كما يشير إلى إدراك القادة الأمريكيين أن قوات التحالف تواجه أمورا وتحديات خطيرة لم تكن في الحسبان وإلى غياب استراتيجية شاملة قائمة على افتراضات سليمة لمواجهة السيناريوهات المختلفة المترتبة على سقوط نظام صدام حسين. وكان بعض العراقيين المعارضين قد أوهموا الأمريكيين بأن الشعب العراقي سيستقبلهم بالزهور والترحاب، لكن ظهر فيما بعد أن العكس هو الصحيح. ويقول المؤلف إن الخطط التي وضعتها وزارة الخارجية الأمريكية في هذا الصدد وُضعت على الرف، ولم يحدث ولو مرة واحدة أن سأل بوش بوب بلاكويل أحد نواب مستشار الأمن القومي عن الأوضاع في العراق أو عما شاهده فيه وعما يجب أن يتخذ حيالها من إجراءات. وفي سياق متصل يذكر المؤلف ان جاي جارنر، أول حاكم إداري للعراق بعد الاحتلال، قال إن بول بريمر الذي خلفه في منصبه ارتكب ثلاثة أخطاء فادحة. 1- حل الجيش العراقي. 2- فصل نحو خمسين ألفًا من أعضاء حزب البعث العراقي - الذي تم اجتثاثه - من وظائفهم في الحكومة والذين تحولوا بالتالي إلى العمل السري ضد الاحتلال الأمريكي. 3- فصل مجموعة قيادة عراقية مؤقتة كانت مستعدة لتقديم المساعدة للولايات المتحدة وللحاكم الجديد للبلاد على المدى القصير. وبعد سقوط بغداد تمكن ضباط الجيش العراقي المنحل وغيرهم من نقل أجهزة الكمبيوتر والملفات من مبنى وزارة الدفاع العراقية إلى منازلهم. وعلى الرغم من ذلك منح بوش كلا من جورج تينت مدير وكالة المخابرات الأمريكية CIA والجنرال تومي فرانكس وبول بريمر ميدالية الحرية، وهي أرفع وسام مدني أمريكي، على الرغم من الانتقادات التي وجهت لكل واحد منهم عن أدائه في العراق. صراعات يتناول المؤلف بالتفصيل الصراعات التي تدور بين كبار المسئولين خلف الكواليس داخل أروقة البيت الأبيض ودهاليزه، وكيف أن اندرو كارد، رئيس هيئة العاملين بالبيت الأبيض، حاول ولمدة عام ونصف العام وبمساعدة بعض كبار المسئولين عزل رامسفيلد من منصبه كوزير للدفاع واختيار شخص آخر أكثر اعتدالا منه في البنتاجون، إلا أن الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني رفضا ذلك وتمسكا برامسفيلد. كما أن رامسفيلد نفسه كان يعتبر التنسيق بين الإدارات والأجهزة داخل البيت الأبيض فاشلا وأنه «من المستحيل تحقيق كفاءة في الأداء في ظل النظام الحالي للحكومة». وفي بداية الفترة الثانية لولاية الرئيس بوش قام ستيفن هادلي، الذي حل محل كوندوليزا رايس مستشارًا للأمن القومي - بعد تعيينها وزيرة للخارجية - بتقييم أداء إدارة الرئيس بوش وأعطاها تقدير «ضعيف» (-D) على تنفيذها لسياستها. كما أن ريتشارد أرميتاج، نائب وزير الخارجية السابق، عُرض عليه تولي منصب في إدارة بوش لفترة ولايته الثانية فكان رده: «ببساطة لا أعرف كيف أعمل في إدارة تسمح لباول (وزير الخارجية السابق) بالخروج منها وتحافظ على رامسفيلد فيها». دونالد رامسفيلد قام وودوارد بتحليل شخصيات كبار أركان الإدارة الأمريكية، مع التركيز بصفة خاصة على دونالد رامسفيلد أثناء تقلده لمنصب وزير الدفاع، والذي يصفه بأنه إنسان متعجرف ومتغطرس وشخصية بيروقراطية مترددة وتفتقر إلى الكفاءة، ويعتبر نفسه بصفته وزيرا للدفاع قائدا في زمن الحرب وليس الرئيس بوش، وأنه هو الذي يحدد الأهداف التي يتم قصفها مع القادة العسكريين. كما أنه من الصعب التعامل معه ولا يثق إلا في عدد محدود من الأفراد. كما يعامل مرءوسيه بشدة بل ويتعمد إهانتهم في بعض الأحيان، وكان يتجاهل المكالمات الهاتفية الواردة من كوندوليزا رايس ولا يرد عليها. وإذا كان وودوارد في غاية الإعجاب برامسفيلد وصوره في كتابيه السابقين على أنه داهية أو عبقرية عسكرية فإنه في هذا الكتاب ينقلب عليه مائة وثمانين درجة. هنري كيسنجر يقول المؤلف إن للدكتور هنري كيسنجر، عراب الدبلوماسية والسياسة الخارجية الأمريكية لإدارة الرئيس الأسبق نيكسون، نفوذا قويا وإن كان خفيا على السياسة الخارجية لإدارة بوش. ويقول ديك تشيني إنه يتحدث إليه أكثر مما يتحدث إلى أي شخص آخر خارج الإدارة ويلتقي به مرة على الأقل كل شهر. كما أن بوش يعتبره بمثابة مستشاره حول العراق ويلتقي به على انفراد كل شهرين. ولم يكن كيسنجر واثقًا من أن العراق مهيأ للديمقراطية، وكانت له تحفظاته على استخدام القوات الأمريكية في تدريب جيش أجنبي، ويرى أن انتماء وولاء العراقيين هو للعشيرة أو القبيلة أو المذهب أو العرق: سني، شيعي، كردي، وأهم شيء في نظره هو كيف نشجع العراقيين على قيام هوية عراقية وطنية، ويتساءل: لمصلحة من يحارب الجيش العراقي ؟ وكيسنجر معجب ببوش شخصيًا، وإن كان غير واثق من أن الرئيس يعرف كيف يدير الحكومة على أكمل وجه، إذ هو ليس محاطًا بأشخاص أو نظام جيد لاتخاذ قرارات سليمة بشأن سياسة الأمن القومي. وكيسنجر - الذي لا يزال متأثرا بـ «عقدة فيتنام» - كتب مقالاً في «واشنطن بوست» في أغسطس 2005 قال فيه إن الانتصار على المتمردين هو الإستراتيجية الوحيدة المقبولة للخروج من العراق. دولة فاشلة تلقت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية تقريرا سريا من أحد مستشاريها جاء فيه أن العراق أصبح بعد مرور عامين على الغزو «دولة فاشلة». وهناك مظاهر عدة لذلك الفشل، أهمها ما يلي: الفوضى والانفلات الأمني الذي تعيش فيه البلاد، وجاء في تقرير للأمم المتحدة أذاعته وكالات الأنباء أن عدد العراقيين الذين قتلوا عام 2006 بلغ حوالي 34000 شخص، وهو ثلاثة أضعاف العدد المعلن من السلطات العراقية. كما بلغ عدد القتلى من الضباط والجنود الأمريكيين حوالي ثلاثة آلاف في نهاية عام 2006. وفي هذا الصدد يرى الرئيس بوش أن عدد القتلى من المتمردين العراقيين أكثر من القتلى الجنود الأمريكيين، وهذا في رأيه مقياس أو دليل على كسب الحرب، إلا أن المؤلف يرى أن ذلك مقياس خاطئ، فعدد قتلى فيتنام الشمالية بلغ المليون، وعدد قتلى القوات الأمريكية كان 58000، ومع ذلك كسب الفيتناميون الحرب.!. وذكرت مجلة «تايم» في عددها الصادر في 11 ديسمبر 2006 في مقال بعنوان: «العراق: حرب بلا أوسمة» أن مدة مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية كانت ثلاث سنوات ونصف السنة تم فيها منح 464 من أرفع أوسمة وأنواط البطولة والشجاعة في ميادين القتال، بينما لم يمنح سوى وسامين فقط في العراق بعد مضي المدة نفسها. ومن مظاهر «الدولة الفاشلة» أيضا التي أشار إليها المؤلف سوء الأحوال الاقتصادية والمعيشية عموما: تراجع حجم صادرات النفط وخسارة مليارين أو ثلاثة مليارات دولار سنويا على الرغم من زيادة أسعار النفط، مع انتشار الفساد في القطاع النفطي وسرقة البترول، وكذلك انقطاع الكهرباء وعدم توفر التيار الكهربائي لأكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات في بغداد. الخاتمة في البداية كان الرئيس بوش مصرا على إنكار وجود أخطاء في العراق وكانت ثقته وتفاؤله لا يتزعزعان على الرغم من الحقائق المزعجة وكان يقول: «لن نغادر العراق حتى لو كانت زوجتي لورا وكلبي «الترير» الصغير «باربي» هما الوحيدين اللذين يسانداني ويؤيداني»، ولكنه في 11 يناير 2007، وفي ضوء الصورة القاتمة والمتشائمة للأوضاع في العراق، يعلن استراتيجيته الجديدة للخروج من المستنقع العراقي ويقول إن الوضع في العراق غير مقبول للشعب الأمريكي ولا يقبله هو شخصيًا، ويعترف بوجود إخفاقات ويعلن مسئوليته الشخصية عنها، وقرر إرسال أكثر من عشرين ألف جندي أمريكي إضافي إلى العراق، خلافًا للتوصيات التي وردت في تقرير بيكر - هاملتون. وبعد... فالأيام والأسابيع والشهور وربما السنوات المقبلة كفيلة بأن تثبت إلى أي مدى نجحت هذه الاستراتيجية في تحقيق أهدافها على أرض الواقع.
|