أسرار السلوك الغذائي

أسرار السلوك الغذائي
        

معرفة أسرار سلوكنا الغذائي قد تدلنا على مكامن الخطر التي تجعل من ظاهرة السمنة مشكلة عربية بامتياز.

          تطرح مشكلات التغذية ونتائجها بحدة في المجتمعات الحديثة، إذ أصبح السبب الأول للوفيات في بعض بلدان الخليج العربي راجعًا إلى أمراض ناتجة عن مشكلات غذائية، مثل السكر وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين. كما تجدر الإشارة إلى أن نسبة السمنة في أحد البلدان العربية تعد من أعلى النسب في العالم.

          تدفعنا الأسباب السابقة إلى ضرورة تبصير مجتمعاتنا بأهمية هذه المشكلة، وتحفيز الباحثين للخوض في هذا الميدان، بهدف تطوير ثقافة غذائية صحيحة، لأن ذلك أصبح ضرورة تربوية وصحية واجتماعية.

عوامل مؤثرة في سلوك التغذية

          يخضع سلوك التغذية عند البشر لمجموعة من القوانين والمبادئ والعادات والقيم و المعايير. ويعتبر تنظيم هذا السلوك على درجة كبيرة من التعقيد إذ يتأثر بتداخل مجموعة كبيرة من العوامل الداخلية والخارجية، بحيث يكون من الصعب على الإنسان أن يحدد غذاء يمكنه من الحصول على حاجاته الأساسية من مختلف العناصر الغذائية، توفر له النمو والنشاط وتمكنه من التمتع بصحة جيدة. والدليل على ذلك وجود بعض الناس على درجة عالية من السمنة، في حين يعاني آخرون النحافة.

          ويعد سلوك التغذية على درجة عالية من التعقيد. إذ يتوجب على الفرد أن يأكل أغذية متنوعة لكي يلبي حاجاته الغذائية. ويحتاج الفرد إلى اختيار أغذية تحقق له التوازن الغذائي والمحافظة على صحته ونموه ونشاطه. لقد تموضعت في الدماغ، عبر التطور، بعض الطرق التي تساعد في انتخاب الغذاء الذي نحتاج إليه، وفي تجنب الأغذية التي تلحق بنا الأذى. ومن هذه الطرق التفضيل الذوقي الأساسي الذي يكون حاضرًا عند الولادة. ومنها أيضًا آليات تعلم تفضيل أغذية بعينها تلبي حاجات خاصة، أو آليات تعلم النفور من أغذية أخرى لأنها مؤذية.

          وتعد النكهة من أهم العوامل التي تؤثر في التفضيل الغذائي، وهي تتضمن العناصر الذوقية الشمية للغذاء. فالإنسان يولد ومعه برنامج يتضمن بعض العناصر الذوقية التي يحبها وتلك التي لا يحبها، وذلك استنادا إلى خصائصها الذوقية. ويتمتع المذاق الحلو بأهمية كبيرة في التفضيل الغذائي وفي تطور قدرة الإنسان للحصول على السعرات الحرارية، خصوصا وأن هذه السعرات لم تكن وفيرة في الماضي التطوري للبشر.

آلية الجوع - الشبع

          من أهم الآليات التي تتحكم في السلوك الغذائي: الفترة الزمنية الفاصلة بين الوجبات، ألا وهي التعاقب بين تناول الغذاء والشعور بالشبع من جهة، ثم الشعور بالجوع من جهة أخرى. ويمكن تعريف الشبع بأنه تلك الحالة التي لا نشعر في أثنائها بالجوع، وقد تتناسب مع الكميه المستهلكة من الطاقة في الوجبة السابقة.

          عندما يتم استنفاد الاحتياطي من العناصر الغذائية التي تم تخزينها في الوجبة السابقة، واستعمالها بشكل كامل من قبل الجسم، عندئذ نشعر بالجوع. وهذا يؤدي إلى تنشيط آليات فيزيولوجيه تعمل على المحافظة على طاقه العضوية (الفرد)، ثم يبدأ الدماغ بتلقي الإشارات التي تحمله على تنظيم سلوك التغذية والبحث عن الغذاء.

الجوع

          يتوزع تناول الأطعمة المختلفة على وجبات زمنية محدده استنادا إلى حاجة الفرد في أثناء النهار. ويميل هذا الانتظام إلى الاستقرار فنحن نشعر بالجوع في أوقات محدده ونميل لتناول الطعام في هذه الأوقات، لقد اعتاد الناس في حضارتنا تناول الطعام ثلاث مرات في اليوم تفصلها فترات زمنية محدده ومنتظمة. فهذه الرتابة تفرضها الحاجات الجسدية والظروف الاجتماعية.

          وهكذا يحدث تناول الطعام عند الناس العاديين بحسب إيقاع زمني محدد.

          أما المصابون بالسمنة، فغالبًا ما يكون لديهم اضطرا بات مهمة في هذا الإيقاع، فانتظام تناول الطعام عندهم يكون على درجه من الصعوبة، ويختلف بشكل واضح مقارنه بالناس العاديين.

كيف يحدث الجوع؟

          من المحتمل أن تكون هناك عدة عوامل تؤثر في حدوث الجوع، إلا أنه يصعب تحديد دور كل منها، لأنها تعمل متداخلة ومتآزرة، ومن أهم هذه العوامل :

          تزداد تقلصات المعدة عندما تكون خاوية, كما يرتفع التوتر العصبي - النفسي، ويميل الناس إلى النزق والعصبية عند شعورهم بالجوع وهذا يظهر في الكثير من مناسبات الحياة اليومية، عند الصغار وعند الكبار. هذه الأعراض سرعان ما تزول عند تناول الطعام. إلا أن أهم الإشارات الفيزيولوجية المرتبطة بالشعور بالجوع هي انخفاض السكر والأحماض الأمينية.

انخفاض نسبة السكر في الدم

          أشارت بعض البحوث إلى انخفاض طفيف (7%) في نسبة السكر في الدم عند الشعور بالجوع. يبدو أن ذلك له صلة ما بالجوع، ويمكن أن يساهم هذا العامل في حدوث الجوع.

          كانت طبيعة الإشارات التي تنبه الدماغ إلى ضرورة البحث عن الطعام موضوعا للكثير من البحوث والدراسات. لقد أوضحت هذه البحوث أن الحيوان داخل القفص، أو الإنسان المحروم من أية علامات تشير إلى الوقت، يبدأ البحث عن الغذاء أو يطلبه في حالة انخفاض مستوى السكر في الدم.

          عندما لا يتمكن الإنسان في أثناء التجربة في شروط مخبرية، من تحديد الوقت أو معرفة تعاقب الليل والنهار، يطلب وجبته بعد عدة دقائق من هذه الإشارة المتعلقة بانخفاض السكر. إلا أن الإنسان في حياته اليومية يخضع لمتطلبات الحياة الاجتماعية والمهنية فهو لايستطيع الاستجابة الأتوماتيكية لهذه الإشارة (انخفاض السكر ) وكذلك فإن آلية الجوع والشبع التي تدفع الفرد بانتظام إلى تناول الغذاء استجابة لانخفاض السكر, لا يمكن أن تعمل عندما تكون أوقات الطعام محدده بقواعد اجتماعيه.

          لقد حددت الكثير من المجتمعات أوقات الوجبات، وغالبا ما تكون ثلاث وجبات في اليوم، وأحيانا توجد وجبة إضافية بين هذه الوجبات. وتشير الكثير من البحوث إلى أنه يمكننا أن نفترض أن الإنسان تعلم، كما تعلم الجرذ الذي أخضع لنظام ثلاث وجبات في اليوم، أن يأكل مايكفيه بحيث لا يشعر بالجوع حتى قدوم موعد الوجبة المقبلة.

انخفاض الأحماض الأمينية

          هناك فرضية أخرى تتعلق بطبيعة الإشارة المحدثة للجوع وهي انخفاض الأحماض الأمينية. عندما تصل هذه الإشارة إلى الدماغ، سرعان ما يبدأ النشاط الذي يفضي إلى البحث عن الطعام وتناول الغذاء. ويعد انخفاض الاحتياطي من الأحماض الأمينية، وحدوث بعض التغيرات الاستقلابية الأخرى من الإشارات التي تثير سلوك التغذية.  وأخيرا يميل علماء اليوم إلى عدم الاكتفاء بفرضيه واحدة لتفسير آلية الجوع والشبع، وإنما يجب أن ننظر إلى السلوك الغذائي كشكل معقد من أشكال السلوك يتأثر بمجموعة من العوامل التي تتفاعل لتؤثر في تنبيه بعض المراكز الدماغية التي تطلق سلوك التغذية وتحمل الكائن الحي على البحث عن الغذاء، لأن الجوع لا يعتمد على عامل واحد أو على إشارة واحدة، بل تتدخل في حدوثه عدة عوامل، تعمل بشكل متداخل ومتآزر.

الشبع

          يتناول الإنسان غذاءه في عدد محدد من المرات، وخلال فترات قصيرة تستمر خلالها الوجبات اليومية، فما الآلية التي تعمل على وقف تناول الغذاء؟ وما آلية وصول الفرد إلى الشبع؟

          يعتبر الشبع على درجة من الأهمية لأن آليته قد تتعرض للاضطراب عند بعض الناس. فالكثيرون منهم يرغبون في التخلص من الوزن الزائد إلا أنهم يجدون ذلك على درجة كبيرة من الصعوبة. والمشكلة ليست مشكلة سلوكية، لأن الكثير من الناس يعانون زيادة الوزن بالرغم من أن كمية وجباتهم عادية أو أقل من عادية، إلا أن أجسامهم تحرق الطاقة ببطء شديد.

          ويمكن توضيح مشكلة المبالغة في تناول الطعام بالنظر إلى اضطراب آلية الشبع، فما العوامل التي تؤثر في ذلك؟

          لقد سبق أن عرفنا أن انخفاض السكر في الدم (7%) ينتج إشارة يحللها الدماغ على أنها انخفاض في العناصر الغذائية الضرورية للعضوية (الكائن الحي ). هذه الإشارة تستدعي استجابة عن طريق الاستقلاب (التمثل الغذائي) من جهة، أو استجابة عن طريق السلوك من جهة ثانية.

          عندما تبدأ الاستجابة السلوكية (أي تناول الغذاء) فذلك يستمر خلال مدة زمنية قد تطول أو تقصر، وتنتهي هذه الوجبة بعد تناول كمية من الغذاء قد تزيد أو تنقص، وذلك يخضع لعوامل عديدة، فهناك مثيرات تعمل على كف سلوك التغذية والتوقف عن تناول الغذاء عند الشعور بالشبع. هذه العوامل تحدد المدة الزمنية للوجبة كما تحدد كمية الغذاء لهذه الوجبة، ومنها:

          1 - العوامل المتعلقة بالمثيرات الغذائية:   في بداية الوجبة، يكون التأثير الأساسي للمثيرات الغذائية هو الأقوى في تناول الطعام وهذه المثيرات تتمثل في مجموعة الخصائص الحسية للأغذية التي تتضمنها الوجبة، خصوصا ما يتعلق منها بطعمها، ورائحتها، ولونها، وجمال تقديمها،ومنظرها الخارجي ودرجة حرارتها . إن تعدد الخصائص الحسية وتنوعها يؤثر في تنشيط سلوك التغذية، وتظهر هذه الإثارة في سرعة إيقاع تناول الغذاء (التكرار) الذي يكون سريعا في بداية الوجبة.

          وتكون الوجبة المتناولة عند تقديم عدة عناصر غذائية، ذات خصائص حسية متنوعة، تكون أكبر من الناحية الكمية، مقارنة بوجبة تقتصر على نوع واحد من الغذاء حتى ولو كان هذا الغذاء محببًا ومفضلاً. وعند تناول وجبة متنوعة العناصر الغذائية والحسية يظهر ما نسميه آلية الشبع نحو عنصر محدد أي نحو عنصر غذائي بعينه مما يؤدي إلى انخفاض تأثيره في سلوك التغذية. أما العناصر الغذائية الأخرى التي لم نبدأ باستهلاكها بعد في أثناء الوجبة فتفعل فعلها في إثارة السلوك الغذائي، في حين نتوقف عن تناول الغذاء السابق تحت تأثير الإشباع النوعي. وهكذا يبقى للعناصر التي لم نتناول منها بعد تأثير مهم في تنشيط سلوك التغذية نحوها.

          ومع تقدم استهلاكنا أو تناولنا لعناصر غذائية أخرى يحدث نوع من الإشباع الحسي المحدد نحو كل نوع من هذه الأنواع. ويتبع ذلك الإشباع العام الذي يؤدي إلى نهاية الوجبة وإلى التوقف عن الغذاء.

          في نهاية الوجبة نشعر بأن الخصائص الحسية للعناصر الغذائية التي نتناولها في أثناء الوجبة تميل إلى الانخفاض ويقل تأثيرها مقارنة بما كان عليه الأمر قبل تناول الطعام. إلا أن العناصر الغذائية التي لم نتناول منها في أثناء الوجبة تحافظ على قوتها في إثارة الشهية أي في تنشيط السلوك الغذائي.

          إن التأثير الذي يحملنا على الشعور بالإشباع النوعي يعتمد على الخصائص الحسية للغذاء وليس على قيمته الغذائية. فالغذاء الذي له طعم مختلف مقارنة بما كانت عليه الوجبة، يمكن أن يثير الشهيّة مجددا بعد التوقف عن الطعام وبعد الشعور بالشبع بشكل عام.

          وهكذا يكون للحلوى فعالية في إثارة الشهية (تنشيط السلوك الغذائي) لتناولها عند معظم الناس بعد الشبع.

          إن الوفرة الاقتصادية، وتوفر المأكولات المتنوعة، التي تأتينا من كل أصقاع الأرض، وضغوط الدعاية للمزيد من الاستهلاك، في مجتمعات حيث تكون الثقافة الغذائية والصحية محدودة، تظهر أبعاد هذه المشكلة الخطيرة، أي مشكلة الإفراط في تناول الغذاء وما تتركه من نتائج صحية واجتماعية واقتصادية خطيرة، على الفرد وعلى المجتمع.

          2 - المستقبلات الحسية المتخصصة: لقد أظهرت بعض التجارب أن تذوق الطعام، ومروره عبر المريء، يلعب دورًا مهمًا في آلية الشبع.

          فالغذاء الذي يوضع مباشرة في المعدة عبر أنبوب مطاطي دون تذوق أو دون مرور طبيعي في الفم والمريء لا يزود الفرد إلا بقليل من الشعور بالشبع.

          كما تسهم رؤية الغذاء وتذوقه في آلية الشبع، فبعض الناس من أصحاب الوزن الزائد يعانون قصورًا في عمل هذه الآلية. إذ أصبح من المعروف أنهم يأكلون بسرعة أكبر من الناس العاديين، فالمدة الزمنية لتذوقهم مضغة من الطعام تكون أقصر من نظيرتها عند الآخرين. إضافة إلى ذلك يحتاج أصحاب السمنة إلى إحساس أعلى بتذوق الغذاء، مقارنة بالآخرين، لكي يصلوا إلى درجة الشبع.

          عند متابعة تناول الغذاء هناك مجموعة من الإشارات الهضمية التي تصبح أكثر فأكثر وضوحا كلما تقدمنا تدريجيا في تناول الطعام، فهناك مستقبلات حسية متخصصة توجد في مستوى المريء والمعدة، هذه المستقبلات تعلن للدماغ مرور الغذاء إلى المعدة. وكلما كان مضغ الطعام متأنيا، كان عمل هذه الآلية أكثر فعالية. إذ يزداد تأثير هذه الإشارة بشكل تدريجي متصاعد، في أثناء الوجبة، ومع التقدم في تناول الغذاء يمكن لهذه الآلية أن تعمل بفعالية عالية إذا أتيح لها الوقت المناسب، وذلك بتجنب المبالغة في سرعة تناول الطعام.

          وخلاصة القول فالشخص الراغب في تخفيض وزنه ينصح أن يأكل ببطء وهدوء، لكي يرفع من الاستجابة الحسية الراجعة، ويعطي الوقت لآلية الحس الفميّة كي تعمل، بحيث يكون دورها فعالاً في آلية الشبع.

          3 - الإفرازات الهرمونية: تبدأ المعدة بالتضخم، مع التقدم في تناول الغذاء، تحت تأثير كمية الطعام التي نتناولها، وعندها يتم إفراز بعض الهرمونات خصوصا هرمون (الغلوكوجين).

          تمارس هذه الإشارات الهرمونية المختلفة نوعًا من التأثير المتصاعد في كف سلوك التغذية الذي يؤدي إلى التوقف عن تناول الغذاء, ويظهر هذا التأثير في الكف تدريجيا عبر التباطؤ في تكرار تناول الغذاء مع التقدم في تناول الوجبة, وفي نهاية المطاف يظهر التوقف التام عن تناول الغذاء أي نهاية الوجبة وهذا ما نسميه الوصول إلى الشبع.

          إذا كان من الواضح أن الإثنى عشري (العفج) duodenum يؤثر في الشبع والتوقف عن الطعام.

          إلا أنه من غير المعروف كيف تحدث إشارة الشبع هذه، بالرغم من أن بعض التجارب بينت أن حقن الحيوانات بهرمون cck الذي تطلقه العفج (الإثنى عشري) يؤدي إلى انخفاض كمية الغذاء التي تتناولها هذه الحيوانات.

          4 - تقدير السعرات الحرارية: يرى العالم الفرنسي لومانيان أننا نتعلم كم من الغذاء يلزمنا عن طريق المحاولة والخطأ.

          وعندما نتناول غذاء غير معروف يتم تحديد كميته عبر تمدد المعدة والاستجابة الراجعة من الغذاء وغيرها من العوامل الفيزيولوجية. أما عندما نتناول غذاء معروفا، فنحن نتعلم كثافة السعرات الحرارية في كل مضغة (لقمة) من الوجبة، وبالتالي نتعلم مقدار الكمية اللازمة للوجبة التي يجب تناولها.

          لقد أوضحت التجارب المختلفة صعوبة تحديد كمية السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص في وجبة غذائية غير معروفة، وبالتالي صعوبة تنشيط آلية الشبع استنادا إلى السعرات الحرارية المستهلكة.

          5 - القدرة على الهضم: يأكل الفرد من الغذاء ما يمكنه هضمه في وقت محدد. فالبعض يتمكن من هضم كمية من الغذاء اكبر بكثير من البعض الآخر ويمكن أن تكون السمنة نتيجة للفعالية العالية للجهاز الهضمي، فالبعض يستهلك الكثير من الغذاء غير الضروري قبل أن يصل إلى الحد الأقصى من قدرته على الهضم.

          تشير نتائج البحوث في هذا الميدان إلى أن استجابة الشخص نحو الغذاء تتحدد استنادا إلى قدرة الجهاز الهضمي على تمثل العناصر الغذائية المختلفة. إن فرقًا مهمًا بين الأفراد العاديين والأفراد الذين يعانون السمنة يكمن في أن أصحاب السمنة لديهم جهاز هضمي مرتفع الكفاءة، باستطاعته أن يتمثل كمية كبيرة من الغذاء.

          7 - العوامل الاجتماعية: تخضع كمية الوجبة ومكوناتها للمعايير الاجتماعية للبشر الذين يعيشون في مجتمع له خصوصية في العادات الغذائية والتقاليد والمعتقدات.

          فبعض الأغذية التي تكون مستحبة ومرغوبة في مجتمع ما، تكون منفرة وغير مرغوبة في مجتمعات أخرى.

          كما تختلف مكونات الوجبة الغذائية في المجتمع نفسه إذ إن العادات الغذائية تتفاوت بتفاوت البيئة الجغرافية (المناطق الجبلية أو الصحراوية أو الحضرية). وتختلف هذه المكونات باختلاف المستوى الاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الواحد.

          وكذلك الأمر بالنسبة لأوقات تناول الطعام فكل وجبة محددة في ساعة معينة من ساعات النهار.كما تختلف كمية الوجبة باختلاف المجتمعات فوجبة الصباح غالبا ما تكون وجبة خفيفة وسريعة في حين يختلف الأمر بالنسبة لوجبتي الغداء والعشاء, كما أن التنوع الغذائي والخصائص الحسية للأغذية يتم تحضيرها بتأثير من المجتمع وتختلف باختلاف المجتمعات والإمكانات المادية المتوفرة.

          إن سلوك التغذية هو سلوك اجتماعي يتأثر، إلى حد بعيد، بالإطار الاجتماعي الذي ينشأ فيه الفرد، ويتأثر بالعادات والتقاليد وتخضع مكوناته وعناصره المختلفة لتأثير اجتماعي كما أن الناس لا يتناولون الطعام بمفردهم إلا نادرا, فتناول الغذاء يحدث في إطار اجتماعي. فالبعد الاجتماعي هو من أهم العوامل التي تؤثر في السلوك الغذائي.

          يتضح مما سبق التأثير العميق للعوامل الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية والبيئية في السلوك الغذائي عند البشر، فهذه العوامل تعمل متداخلة في التأثير في هذا السلوك، وفي ضبط إيقاع الجوع والشبع، وفي تحديد كمية الغذاء المتناول ونوعيته. إن التعرف على هذه العوامل يساعد في إلقاء الضوء على هذا الشكل المعقد من أشكال السلوك البشري.

أهمية الثقافة الغذائية

          يهدف التثقيف الغذائي إلى تشجيع الناس على اتباع ممارسات غذائية صحية، وتجنب العادات الغذائية الخاطئة. وهذا يستوجب التأثير في السلوك وتعديله بهدف ترسيخ العادات الغذائية المناسبة، وليس ذلك دوما بالأمر اليسير.

          تأخذ مشكلات التغذية أبعادًا خطيرة، إذ يخضع الفرد لتأثير الدعاية والإعلان، وتطرح كل يوم أشكال جديدة من الأغذية مما يزيد من تعقيد المشكلة ويطرح مشكلة الثقافة الغذائية وأهميتها في عالم يتغير بسرعة، فلا بد من مقاومة الدعاية والإعلان والنفوذ الواسع للشركات المصنعة للأغذية والساعية نحو الربح دون مراعاة بعض الجوانب الصحية والآثار المترتبة على الإفراط في بعض الأغذية الغنية بالدهون والملح والسكر والكوليسترول. ولا بد من وضع برامج للتوعية الاجتماعية يشرف عليها متخصصون في الإعلام والتغذية وعلم النفس، كما يجب تضمين البرامج الدراسية في مختلف المراحل المعلومات الغذائية وتشجيع السلوك المناسب بما يساهم في المحافظة على الصحة العامة ويجنب الوقوع في الكثير من المشكلات الناجمة عن الغذاء والتغذية.

          فالوعي الغذائي والعادات الغذائية الصحيحة يشكلان الضمان لتكوين جيل صحيح بدنيا وعقليا.

 

فايز نايف القنطار