البرمجيات: البعد الثقافي نبيل علي

البرمجيات: البعد الثقافي

بعد نصف قرن من عمره يمكن القول إن الكمبيوتر قد تأهل للقاء الثقافة, فلم يعد هو ذلك الكمبيوتر (الغشيم) الذي يعوض عن (غبائه) بسرعته الفائقة وسعة تخزينه الهائلة. لقد حاز الكمبيوتر جدارة التعامل مع الثقافة بعد أن أصبح قادرا على التعامل مع اللغات الإنسانية, ومناطحة وسائل الإعلام التقليدية, ومشاركة المعلم ومساندة المتعلم ومؤازرة المبدع وتنمية ذائقة المتلقي. لقد اكتملت للكمبيوتر عناصره التي يمكن من خلالها التعامل مع جميع أنساق الرموز التي يفرزها حصاد الإنتاج الثقافي, وامتدت شبكات اتصالاته لتنقل نبض حياة الجماعات وهم يمارسون حياتهم اليومية وطقوسهم الثقافية.

إن كانت التكنولوجيا على مدى التاريخ هي محركا أساسيا للتغيير الثقافي والحضاري وإفرازا له في الوقت نفسه, فإن تكنولوجيا المعلومات هي التي جعلت من الثقافة صناعة قائمة بذاتها لها مرافقها وسلعها وخدماتها, وأضافت إلى قاموس الثقافة مفاهيم جديدة مثل: الرأسمالية الفكرية - فنون الوسائط المتعددة - صناعة الأخلاق - أمية الكمبيوتر - الطبقية المعلوماتية - القوى اللينة - الإيماجولوجيا imagology - الموسيقى الرقمية - الفيديو التجاري, وهي - أي تكنولوجيا المعلومات - لم تستحدث مفاهيم جديدة فقط, بل أضفت صفات ومضامين جديدة على مفاهيم ثقافية سابقة في مجالات الأدب والنقد والتذوق الأدبي, وكذلك فيما يخص دور الأديب والناقد والقارئ وذلك على سبيل المثال لا الحصر, ومن المنطقي أن تزداد علاقة الثقافة بالتكنولوجيا وثوقا كلما اقتربت هذه التكنولوجيا من المناطق الغائرة في الكيان الإنساني, لذا فلا وجه للمقارنة بين علاقة الثقافة بتكنولوجيا آلة البخار التي حلت مقام عضلات الإنسان بتكنولوجيا آلة المعلومات (الكمبيوتر) التي تسعى لمحاكاة ذهنه وحواسه.

خلاصة, فإن الثقافة سواء كانت تواصلا أو إبداعا, أو حصادا أو توجها أو قيما وتقاليد ومعتقدات, سواء كانت أيّا من هذا, فالثقافة أصبحت ذات صلة وثيقة بتكنولوجيا المعلومات بصفتها وسيلة للتواصل وأداة للإبداع وحفظ التراث, ودعوة لتجديد القيم ومنظارا يرى به إنسان اليوم عالمه من خلال وسائل إعلامها ولوحات تحكمها ونماذج محاكاتها.

سنتناول في حديثنا الراهن العلاقة التبادلية المتمثلة في:

- برمجيات الثقافة

- ثقافة البرمجيات

أولا: برمجيات الثقافة

تغطي برمجيات الثقافة حاليا معظم عناصر منظومة الثقافة والتي تشمل: اللغة والتراث والإبداع ونظام القيم والمعتقدات علاوة على الفكر الإنساني بصفة شاملة.

(أ) برمجيات اللغة:

تم تطوير عدة برمجيات لمعالجة الفروع اللغوية المختلفة: الصرفية والنحوية والدلالية والمعجمية. فعلى جبهة الصرف, يقوم المعالج الصرفي الآلي بتفكيك الكلمة إلى عناصرها الأولية الاشتقاقية والتصريفية, والإعرابية, واللواصق السابقة واللاحقة (مثال: تحليل كلمة (وإيجادهم) إلى حرف العطف (و) وساق الكلمة (إيجاد) والضمير المتصل (هم), ثم تحليل ساق الكلمة (إيجاد) إلى الجذر (وجد) على صيغة (إفعال), وعلى جبهة النحو, يقوم نظام النحو الآلي بتفكيك الجمل (إعرابها) إلى عناصرها الأولية من أفعال وأسماء وأشباه جمل وظروف وما شابه, وتحديد الوظائف النحوية لكل عنصر (فاعل, مفعول, خبر, صفة, حال....) وربط الضمائر بمراجعها والتعويض عن المحذوف, وذلك تمهيدا لتمثيل بنية الجملة بصورة تفصيلية سافرة: أما برمجيات التحليل الدلالي للغة فمازالت في مهدها, وهي تمثل تحديا قاسيا نظرا لضرورة تصديها لمعضلة منظومة اللغة ألا وهي معضلة المعنى. إن الهدف الأسمى لمعالجة اللغات الإنسانية آليا هو الوصول إلى نظام أتوماتي لفهم السياق اللغوي في صورته المنطوقة والمكتوبة, بكل ما ينطوي عليه ذلك من تحديات لغوية وبرمجية ومعجمية.

(ب) برمجيات التراث:

لم تعد وسائل الأرشفة التقليدية (الورقية أو المصغرات الفيلمية على حد سواء) قادرة على مواجهة انفجار المعلومات التي تتضخم يوما بعد يوم, ولابد من الاستعانة بنظم الأرشفة الإلكترونية التي يمكن تقسيمها بصورة عامة إلى نوعين رئيسيين:

- نظم الأرشفة للمحفوظات الورقية.

- نظم الأرشفة للتراث السمعصري Audia -Visuals

تقوم نظم الأرشفة الآلية للمحفوظات الورقية بتسجيل صور الوثائق على وسائط ضوئية, وتتضمن هذه النظم آليات لفهرسة الوثائق واسترجاعها, بل والبحث في متن نصوصها أحيانا, مع تنامي تسجيل المعلومات إلكترونيا. وبرز التراث السمعصري كأحد العناصر المهمة لمكونات التراث الثقافي في القرن العشرين ونقصد بها رصيد التسجيلات الإذاعية والأفلام وشرائط الفيديو وخلافه, وقد استحدثت وسائل مبتكرة لرقمنة الأنساق الرمزية المختلفة لهذا التراث وحفظه: نصوصا وأشكالا وأصواتا.

(ج) برمجيات الإبداع:

لـ(فازريلي), الفنان المجري الشهير رائد فن التجديد الهندسي, مقولة شهيرة مفادها: (إنني لا أرسم ولكني أضع معادلة اللوحة), وليس هناك خير من البرمجيات لتحويل هذه المعادلات إلى أشكال ومجسمات ومتحركات, وهناك تجارب بالفعل قامت فيها البرمجيات بتوليد روائع الزخرفة العربية بصورة تفوق جميع الوسائل اليدوية. لقد أسقطت تكنولوجيا المعلومات كثيرا من القيود التي تكبل الفنان, فحررت فنان التشكيل من قيود إطار اللوحة وثنائية أبعادها, حيث أصبح بإمكانه أن يرسم أشكاله في فراغ غير محدود ثلاثي الأبعاد, وحررت فنان الموسيقى من سطوة الآلات, حيث أصبح بإمكان المؤلف الموسيقي أن يصمم ألحانه بحيث تسجل مباشرة على الشرائط دون الحاجة إلى عازفين, بل بإمكانه أيضا أن يصمم باستخدام البرمجة آلات عزف جديدة, كما يؤلف ألحانه الجديدة, وحررت النحات من صلابة مادته, واستاتية كتله, من خلال آليات التحريك, وبرمجيات توليد الأشكال المجسمة إلكترونيا, وكان للمبدع السينمائي نصيبه الوافر من دعم تكنولوجيا المعلومات, حيث أصبحت كل الخدع السينمائية والمناظر الخلفية والنماذج الخيالية, كمركبات الفضاء وخلافه, قابلة للتنفيذ, وطوع بنان المخرج, وما عليه إلا أن يقوم بوصفها ووضع مواصفاتها لتقوم البرمجيات بتوليدها وتحريكها.

(د) برمجيات خدمة الدعوة الدينية:

تمر الدعوة الدينية, أسلوبا وتوجها, بتغيرات جذرية بفعل المتغير المعلوماتي والعولمة, ومن المتوقع,, أن تصبح الإنترنت أداة الدعوة الأساسية (التبشير عن بعد), ولن يكون التركيز على هداية الفرد, كما كانت عليه الحال في السابق, بل ستحل محلها التوعية الاجتماعية, وذلك بجعل الفقير والمحروم والمقهور أكثر وعيا بحقائق المجتمع, والآثار السلبية لظاهرة العولمة, وإظهار المساندة لهم من أجل التحرر والعدل. إن التركيز سينتقل من العقائدي إلى الأخلاقي, وسيكون من مهام الدعوة الإبقاء على الروح النضالية في عصر المعلومات, وتتطلب هذه التوعية - هي الأخرى - دعما من البرمجيات لإقامة حلقات التواصل مع هذه الفئات المستضعفة, والتي تشمل على سبيل المثال لا الحصر:

  • استخدام برمجيات الوسائط المتعددة, في تصميم برامج متقدمة للإرشاد الديني متعددة اللغات.
  • بناء قواعد بيانات للفتاوى والتشريعات.
  • استخدام قواعد ذخائر النصوص, لحفظ نصوص التراث الديني.
  • إقامة بنوك مصطلحات دينية متعددة اللغات.
  • إقامة قواعد البيانات البيبلوغرافية لموارد المعلومات اللازمة لدراسات الدين المقارن.

(هـ) برمجيات تنمية الفكر:

من المتوقع أن تساهم برمجيات الواقع الخائلي (Virtual Realty) مساهمة فعّالة في تنمية الفكر الإنساني وذلك من خلال:

  • تعميق معرفتنا بذاتنا وبغيرها.
  • تعميق معرفتنا بعالمنا.
  • تنمية القدرات الذهنية.
  • سرعة اكتساب الخبرات.
  • المساهمة في سبر أغوار المخ البشري.
  • تعميق معرفتنا بذاتنا وبغيرنا: تعمّق الخائلية معرفتنا باللاوعي نتيجة ممارستنا الحياة في عوالم الواقع الخائلي بلا خوف وبلا خجل, فتطفو خبايا اللاوعي على السطح وقد تحرر من قيود النفس والجسد وضغوط المجتمع, إن الواقع الخائلي سيدعونا إلى إعادة اكتشاف ذاتنا من خلال العلاقات التي تربط بيننا وبين ما هو خارجنا من كائنات واقعية وخائلية, وهي العلاقات التي ستبرز وتتكشف من خلال وسائل التفاعل العديدة التي توفرها التكنولجيا الخائلية.
  • تعميق معرفتنا بعالمنا: بفضل أساليب المحاكاة, سيقدم الواقع الخائلي العالم, بصورة يسهل علينا تمثلها. سيضخم لنا الصغير الذي يصعب على عيوننا المجردة التمعن في دقائقه, ويقلص لنا الكبير الذي يتعذّر علينا احتواؤه, إن أساليب المحاكاة تمكننا من التعامل بمرونة مع ثنائية الوجود: الزمان والمكان, مع متناهيات الكبر من الفضاءات الكونية والأزمنة الجيولوجية, وكذلك مع متناهيات الصغر من الجسيمات المادية والبيولوجية (والزمينات) (جمع زمين صيغة التصغير من زمن - إن جاز الاشتقاق) من وحدات الناتو ثانية والفمتو ثانية.
  • تنمية القدرات الذهنية: مما لاشك فيه, أن الإنسان يفضل - أو لنقل تسهل عليه - الرؤية والتجسيد والتعامل مع المحسوس, ومهما قيل عن الأرقام والرموز, وروعة مرونتها ومزايا تقطعها وقدرتها على الاختزال والتجريد, فستظل العين ترى معظم الأشياء متدرجة ومستمرة ومنسابة في غير تقطع أو تغيرات فجائية وتفضل رؤية المجسمات وتجسيد المجردات, لقد فرض علينا تعقد العالم أن نجرده في هيئة أرقام ورموز وعلاقات, ولكننا نظل في حاجة إلى أن نتمثل مضمون هذه الأرقام الجافة, نراها أمامنا تنمو وتنزوي وتتراكم وتتلاشى, ونريد أن ندرك مغزى الرموز, نراها مقرونة بمعناها ودلالتها داخل أسيقتها, ونريد أن نرى المعادلات الرياضية والعلاقات المنطقية مجسمة ومجسدة بصورة محسوسة.
  • سرعة اكتساب الخبرات: لم يعد لدى إنسان هذا العصر الذي تتهالك فيه الخبرات بمعدل يفوق سرعة اكتسابها, لم يعد لديه رفاهية الوقت لاكتساب هذه الخبرات عن طريق الأسلوب النمطي لثلاثية: اكتساب الخلفية النظرية, ثم التدريب العملي, فإتقان المهارات من خلال التكرار والممارسة في الواقع العملي, بالإضافة إلى ذلك, فإن تعقد الخبرات واتساع نطاق فاعليتها, يجعل من ممارستها على أرض الواقع مباشرة أمرا لا يخلو من المجازفة في كثير من الأحيان, ناهيك عن الكلفة المباشرة وغير المباشرة, إن الواقع الخائلي سيوفر لنا مجالا عمليا لسرعة اكتساب الخبرات, وتضييق الفجوة بين المعرفة وتطبيقها, وبالتالي بين حقائق الواقع والوعي بها. فعلى سبيل المثال, سيسمح التدريب الخائلي بأن يكتسب الجراح خبرة إجراء الجراحات الدقيقة, والراقص خبرة القيام بالحركات الصعبة, والمدير خبرة اتخاذ القرارات السريعة والحرجة, وذلك في بيئة تجريبية سمحة يقومون فيها ببروفاتهم إلى أن يصلوا إلى درجة المهارة الواجبة.

ثانيا: ثقافة البرمجيات

تنطوي ثقافة البرمجيات على العديد من القضايا الساخنة والأسئلة المحورية التي مازالت أبعد ما تكون عن الحسم, إن لم يكن الفهم, سنكتفي هنا ببعض منها وهي:

  • فكر البرمجيات
  • قيم البرمجيات
  • الآلية والإنسانية

(أ) فكر البرمجيات:

كما هو معروف قامت تكنولوجيا البرمجيات على (ثنائية الصفر والواحد) التي تصاغ من خلالها تعليمات البرمجة وجميع أنواع البيانات التي تتعامل معها البرمجيات: دخلا وخرجا, وعلى ما يبدو فإن البرمجيات قد استقطبت الثنائية بداخلها لتنشر الفكر غير الثنائي فيما هو دونها. إنه فكر جديد يرى الظواهر في مسار متصل, يستطيع أن يميز مناطق التدرج بين أطراف الثنائيات التي رسخت في أذهاننا, من قبيل: ثنائية المثالية والمادية - ثنائية الذاتية والموضوعية - ثنائية العلوم والفنون, ويزعم الكاتب أن الفارق الحاسم بين تكنولوجيا المعلومات, وغيرها من التكنولوجيات, يكمن في قدرتها الفائقة على تحطيم كثير من الثنائيات الراسخة والتي من أهمها:

  • ثنائية المادي وغير المادي المتمثلة في الاندماج بين العتاد المادي والبرمجيات اللامادية وسهولة التنقل بينهما ( انظر مقالة البرمجيات: البعد التكنولوجي المنشورة في العدد السابق ).
  • ثنائية العضوي وغير العضوي والمتمثلة في التقاء التكنولوجيا الحيوية مع تكنولوجيا المعلومات القائمة على العناصر الفيزيائية غير الحيوية.
  • ثنائية الجمهري واللاجمهري والمتمثلة في الإنترنت التي تجمع بين التواصل بين الأفراد, وبث المعلومات جماهيريا على مستوى الشبكة.
  • ثنائية الواقعي والخيالي والمتمثلة في تكنولوجيا الواقع الخائلي وسكنى عوالم الفضاء المعلوماتي.

وهناك العديد من الثنائيات الأخرى التي يمكن إدراجها كفروع لهذه الثنائيات الأربع الحاكمة, أو كنتائج مترتبة عليها, نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ثنائية الرمز والمدلول, ثنائية المجازي والحرفي, ثنائية المكتوب والمنطوق, ثنائية البشري والآلي, ثنائية التعليم والتعلم, ثنائية التعليم والتربية, ثنائية المدرسة والعمل, ثنائية الفرد والجماعة. لقد سيطرت هذه الثنائيات, ومثيلاتها, على فكرنا في الماضي, وسواء كانت قيدا أو منطلقا, مدخلا أو مخرجا, فقد كان لهذه الثنائيات أثرها البالغ على صياغة غاياتنا. إن هذه الثنائيات ذات قدرة اختزالية خادعة, تحصر التفكير بين بديلين لا ثالث لهما, تطمس الطيف المعرفي الذي يربط بين طرفيها ليتعذّر بالتالي فهم طبيعة العلاقة الجدلية بينهما.

وأخيرا, تجدر الإشارة هنا إلى أن البرمجيات في مسعاها لمحاكاة الذهن البشري تريد - هي الأخرى - أن تتخلص من ثنائية المنطق الأرسطي القاطع الذي يقوم على الحكم على صواب, أو خطأ, المقدمات والنتائج دون بدائل أخرى تغطي المساحات الرمادية التي تفصل بين طرفي الصواب والخطأ, وذلك من أجل استيعاب المحتمل والممكن وغير المحدد وغير المكتمل.

(ب) قيم البرمجيات:

قد أوشكت التكنولوجيا, في غمرة نجاحها, أن تستقل بذاتها, تفرض علينا منطقها وقيودها. لقد قامت حياتنا المادية على تكنولوجيا غاية في النجاح, في حين تئن حياتنا الروحية تحت وطأة الخواء, فقد ألهتنا هذه التكنولوجيا بقدرتها الفائقة على إحداث التغيير, فنسينا ما بقي - وسيبقى دوما - ثابتا بداخلنا دون تغيير, لقد نسينا مطالبنا الوجدانية, وحاجتنا الدائمة إلى المثل العليا وإلى الألفة والتآخي والإحساس بالذات وبالهوية.

وتأتينا تكنولوجيا المعلومات, وعولمتها, لتنذرنا بعالم جديد مليء بالاحتمالات وعدم اليقين, وكأننا مساقون إلى مصير لا ندري عنه شيئا, فنحن نعيش عالما تاهت فيه - من فرط تعقده - المعالم الفاصلة بين النظام والفوضى, وبين الخاص والعام, وبين الذاتي والموضوعي, وبين الحياة في عالم الواقع, وسكنى الفضاء الرمزي. لقد بات الإنسان في حاجة إلى تجديد نظام قيمه بما يتفق وهذا العصر وأن يوازن بين المادي والروحاني.

إن البرمجيات بعد أن أصبحت نشاطا إنسانيا أساسيا فرضت نوعا جديدا من القيم وتقاليد المهنة نذكر منها على سبيل المثال:

  • قيمة الأمانة المهنية حيث يمكن أن يتستر مخططو البرامج على أخطاء لا تظهر إلا بعد مرور الوقت.
  • قيم احترام الملكية الفكرية التي ترفض قرصنة البرامج ونسخها بدافع الالتزام الشخصي أكثر منه بدافع الإلزام القانوني.
  • نظرا للطبيعة اللامادية للبرمجيات وزيادة سطوتها على العتاد ذي الطبيعة المادية من المتوقع ارتقاء القيم اللامادية عن القيم المادية.

(ج) الآلية والإنسانية:

إن التطور التكنولوجي المذهل قد جعل الإنسان يقدس ما أبدعه عقله وما صنعته يداه. لم تكن نزعة التقديس تلك أقوى مما هي عليه الآن بالنسبة لآلة الكمبيوتر التي صنعها الإنسان أقرب ما تكون لصورته, فجعل لها مخا صناعيا وذاكرة صناعية وشبكة أعصاب صناعية, وزوّدها بأطراف كهربية وميكانيكية وعيون وآذان إلكترونية, وعلمها الحركة والكتابة والقراءة ومنحها لغته ووضع في برامجها عصارة فكره, واستأنس رفقتها في مصنعه ومتجره ومكتبه وقاعة درسه وغرف معيشته. وكلما زاد الإنسان تلك الآلة النهمة قدرة أفاض عليها مزيدا من التقديس كاد ينقلب إلى حد الرهبة. لقد نضحت الآلية من خلال البرمجيات الذكية بصورة باتت تناطح إنسانية البشر أنفسهم, وكادت عوالم الفضاء المعلوماتي صنيعة البرمجيات أن تكون ملاذا للهروب من الواقع, واقترب الحوار بين الإنسان والآلة من أن يكون بديلا عن الحوار بين الإنسان وأخيه, والتواصل عن بعد من أن يكون عوضا عن فقدان التواصل مع الجار والقريب.

وسؤال الختام الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن أن تتآلف الإنسانية والآلية في مزيج (إنسالي) إن جاز التعبير بالمزج, حتى يمكن لإنسان اليوم مواجهة زخم المشكلات التي تحيطه من كل صوب. لقد بات ضروريا على الإنسان - كما قيل - أن يصلح بعقله ما أفسدته يداه, والأمل معقود على البرمجيات وليونتها ومرونتها في أن تقيم عالما يسوده سلام رمزي قائم على التنوع الثقافي وحوار الحضارات والتكاتف الإنساني في مواجهة المصير المشترك لعصر مجتمع المعلومات الزاخر بالتحديات الجسام, والحافل بالفرص العديدة في الوقت نفسه?.

 

نبيل علي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات