عزيزي القارئ

عزيزي القارئ
        

نزيف عربي آخر

          في منتصف القرن الماضي، كنا نحتفي كثيرًا بأدباء المهجر نقرأ كتاباتهم وأشعارهم، ونتحدث عن الظروف الصعبة - خاصة في المشرق العربي - التي دفعتهم لتلك الهجرة البعيدة إلى قارة كانت لاتزال بكرًا هي أمريكا الجنوبية، وكان الاضطهاد العثماني وضيق أسباب العيش، والبحث عن حياة أفضل هي دوافع هذه الهجرة. في ذلك الوقت من خمسينيات القرن الماضي، كان العالم العربي ينعم بتباشير الاستقلال، ويحلم بمستقبل زاهر ومستقر، ولكن نصف قرن من الزمن حوّل هذا الحلم إلى كابوس، وأصبح بعض الأنظمة أكثر قسوة واستبدادًا من النير العثماني، وضاقت أسباب العيش، وتدنت فرص الحياة الكريمة، وتحولت الهجرة إلى نوع من الهروب والنزوح المستمر إلى أي مكان وبأي وسيلة، وأصبح العديد من البلاد العربية مناطق طاردة - طاردة لأبنائها وعقولها وثروتها البشرية - وأصبح المواطن العربي يعرض نفسه للسجن والموت الرخيص للهروب إلى بلاد لاتريده أصلاً ولا تقبل بوجوده، لقد أصبحت مآسي الهجرة والاغتراب قضية لايمكن السكوت عنها، لذلك يخصص لها رئيس التحرير افتتاحيته لهذا العدد، تحت عنوان «نزيف الاغتراب»، وهو نزيف عربي آخر، نعاني منه الآن، وسنعاني منه أكثر في المستقبل القريب.

          وترحل «العربي» في هذا الشهر إلى لبنان، البلد الذي شهد أولى موجات الاغتراب والذي مازالت تؤرقه حتى الآن قضية مغادرة أعداد كبيرة من أولاده وبناته المؤهلين جيدًا له وتفضيلهم للإقامة خلف حدود أخرى، ولكننا لا نتعرض لهذه القضية بقدر ما نتعرض لرمز لبنان وأكثر معالمه ثباتًا ورسوخًا على الأرض، شجرة الأرز العتيقة، الشجرة السامقة، التي ميزت القمة الثلجية لجبل لبنان على مدى آلاف السنين، واحتلت مكانها على رايته. إن مجلة «العربي»، تعلن من خلال هذا الاستطلاع تضامنها مع الشعب اللبناني الذي يتعرض للعديد من المؤامرات والصراعات، التي تكاد تعصف به، ولكنها متأكدة أن ذلك البلد الصغير الذي يعد ركنًا أساسيًا من عالمنا العربي قادر أيضًا على اجتياز هذه المحنة.

          وتسافر «العربي» أيضًا إلى شاطئ البحر الأحمر لتقدم رؤية معمارية متميزة لواحدة من القرى، التي طالتها يد التجديد وهي قرية الجونة، وقد سجلت هذه الرؤية حدقة حسّاسة للفنان الكويتي المبدع جعفر إصلاح، كما تنشر «العربي» حوارين مهمين، أحدهما مع الكاتب والمؤرخ المصري صلاح عيسى والآخر مع الكاتب التركي أورهان باموق الفائز بجائزة نوبل في أول إطلالة عربية له بعد زيارته للقاهرة.ويحفل عدد «العربي» أيضًا بعدد من القضايا المهمة الأخرى نترك لك عزيزي القارئ مهمة اكتشافها.

 

المحرر