جمال العربية
جمال العربية
سعاد الصباح تشدو لـ «سّيد الحبّ» - من أنتِ؟ هذه هي سعاد الصباح، شاعرة الكويت، كما يتألق صوتها في مجموعتها الجديدة: «والورود تعرف الغضب». التي تهديها إلى: «عبدالله المبارك، زوجي ومُعلّمي، وصديق العمر الجميل، في يوم ذكراه». وتتردد كلمات هذا الإهداء ومفرداته في مقدمة كثير من قصائد الديوان، مع بعض التغيير في مواضع حبّات هذا العقد الفريد من عقود الوفاء، والإخلاص، والارتباط الحميم، الذي تتصاعد حرارته عامًا بعد عام، وديوانًا بعد ديوان، وهي تقول: «إلى رفيق البسمة والدمعة، إلى صديق سنوات العمر الجميل، إلى أبي الروحي، إلى روح زوجي عبدالله مبارك الصباح، في ذكراه التاسعة». تسع سنوات، لم يُحسّ بلذعتها وحدّة دورانها ووقع إيقاعها سواها. هي المشدودة إلى كهف الذكرى لا تفارقه، سجينة مخزون هائل من الذكريات، لا يُبارحها ولا تبارحه، تستدعي بالرؤية والرؤيا، صورًا متلاحقة، ومواقف محتشدة، وكونا تخلخل وتداعي برحيل من تُسمّيه سيد الحب، سيّد هذا العالم، رجل الكبريت والنار، الرجل المُستعمِر، الرجل البحّار، رجل التاريخ، الرجل العاصفة، تقول سعاد الصباح: أعرف بين رجال العالم رجلاً *** أعرفُ بين رجال العالم رجلاً *** أعرف رجلاً أسطوريًا *** أعرف رجلاً *** أعرفُ بين رجال العالم رجلاً *** أعرفُ رجلاً وراء كل هذه المقاطع، وبين ثناياها، حنين هائل، وافتقاد وجوديّ عاصف، ورغبة عارمة في الاحتماء من أعاصير ما بعد الرحيل، وبرودة ما بعد الفراق، ووحدة السنوات الموحشة، تتداعى واحدةً بعد الأخرى، وتهوي طرقاتها العنيفة، مع كلّ وقفةٍ وتأملٍ والتفاتة. هذا الشعور بالافتقاد، يغمر جوّ الديوان كلّه بأطياف اللون البنفسجيّ ودرجاته، وتتجلى في رسوم الشاعرة التي جاورت قصائدها، حزينة بالرغم من ألوانها الصارخة وكأنها ردٌّ على طقس الموت والرحيل، بالرغبة في تأكيد صور الحياة والنماء، يتدرج فيها اللون الأرجوانيّ كدمٍ مسكوب، ويتوهج الأخضر من تحت أقنعة العزاء والمواساة، محاولاً تأكيد حضوره في المشهدين: الشعريّ واللوني. القصائد لوحات مرسومة، واللوحات قصائد مكتوبة، والقصائد اللوحات تشكّل في عناقها الحزين، محاولة لتجسيد قامة إنسانية تشمخ في وجه المعاناة، وتنكسر في داخلها لوعةً ومشاركة. تقول سعاد الصباح: لك الشكر يا سيدي *** لكَ الشكر، يا سيّدي *** أنا امرأة صنعتْني يداكْ *** أيا سيد الحبّ *** أيا سيد الحبِّ هل يضيف هذا الديوان الجديد، جديدًا إلى ما حققته سعاد الصباح من خبرة جمالية وفنية، وما تألق به صوتها من صيحات التحرر والتمرد والغضب، وما حلمت به - في أطرٍ شعرية مُحكمة - من عالم النهضة والتغيير، والدفع بمجتمعها ووجودها الإنساني، المنغرز كالرمح، في قلب هذا المجتمع، إلى فضاء الحرية، وأفق التجاوز؟ أجل، بكل تأكيد. يضيف هذه المساحة الواسعة من ترويض الشجن، وأَنْسنة الفقْد، واستدعاء الغامض والمبهم، يأتي ولا يأتي. وهو يحمل إلينا، عبر صفحاته، لغة سعاد الصباح، في طورها الأصفى والأنقى. بسيطة من غير زينة أو تبرج أو طلاء، منسابة ناعمة، في حدّة السيف الباتر، نافذة إلى قرار القلوب والأكباد. وهو يؤكد وعي سعاد الصباح الشعري، بدورها وموقعها، في ركب الحركة الشعرية المعاصرة، وهي تشعل فيها من نارها وشجْوها وارتطامها اليومي بالكون والحياة والناس، وتُخلص لقصيدتها إخلاصها لكل ما تُقدسّه وتُحبِّه وتثق فيه وتُؤْمن به. من هنا يتألق صوتها الشعري والإنساني، عندما تكون أقرب ما تكون إلى هموم المرأة الكويتية، وسجلْ نضالها المتتابع الحلقات والدوائر، وهي تُغذي هذا الانتماء الحميم في شعرها - للأرض والوطن - بيقين لا يتزعزع وإرادة لا تلين: أريد أن أعيش تحت معطف المنون *** أُريد أن ألبس في تنقّلي *** أريد أن أصادق الريحَ *** أريدُ من يفهمني *** أريدُ أن أقول ما أقولهُ *** أريدُ أن أُفجّر الوقت إلى شظايا ولقد فجّرت سعاد الصباح الوقت، وفجّرت لغة القصيدة، وتناثر عطرها الشعري على مساحات واسعة من المكان والزمان. والذين يقرأونها يتزايدون.
|