إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي
        

التطهير العرقي للنفايات!

          ليست هذه مجرد سطور في  قصة من الخيال العلمي، وإنما هي إحدى حقائق الحياة التي نعيشها كل يوم: الغربُ يرسل نفاياته إلى أقصى الشرق! فما هو مصنوع في بريطانيا، يُدفن في الصين، ومن دون بلاغة، فإن الشركات البريطانية التي اكتشفت أن نفايات مواطنيها أكثر مما يمكن أن تدفنه أو تعيد إنتاجه - وتدويره - على التراب البريطاني، وجدت لها ترابا آخر تلوثه، وسماء أخرى يخفي سحابها الكثير، في الصين.

          ففي حين يلقي أحد البريطانيين علبة ورقية أو بلاستيكية أو ماشابه في حاوية القمامة، تقوم ماكينة بتجميعه في أحد الأفنية المحلية، بعد أن تأخذ منه ما يفيد من معادن وزجاج! وهنا يظهر وسيطٌ مُصَدِّر وجد في ازدهار الصناعات الآسيوية، وخاصة في الصين، فرصته في أن يُصدر لها أطنانا من نفايات ما تبقى من النفايات، تنقل على بعد ستة آلاف ميل عبر البحر المتوسط، مرورا بقناة السويس، وبحر العرب، وصولا إلى ليناجياو في بحر الصين.

          الحاوية البحرية الأضخم في العالم التي جاءت بالبضائع الصينية إلى الشواطئ الإنجليزية لن تعود خاوية خالية الوفاض، فالقمامة تنتظر. وسنجد أن حاوية تزن محتوياتها 26 طنا من النفايات، تنقل بحرا إلى الصين، تكلف أقل من نقلها برا من لندن إلى مانشستر!

          وهكذا يتم تصنيف مغلفات الشطائر البريطانية المصنوعة من رقائق الألمونيوم والبلاستيك على أيدي عمالة رخيصة تعيش وتعمل في ليناجياو، وتقدم سنويا 200 ألف طن من البلاستيك، جاء معظمه بشكل غير قانوني. هناك تتحول هذه المغلفات إلى حقائب بلاستيكية، أو ورق تغليف لمواد غير غذائية، أو تدفن في باطن الأرض بعد حرقها، ومن يدري! فالقرية التي تقع في جنوب الصين تعد سماؤها ونهرها الآن الأكثر تلوثا في العالم! لن يسمع أحد شكوى الأهالي الذين تصيبهم أمراض غريبة، أو هؤلاء الذين يدفنون صحتهم مع نفايات النفايات. حيث يتم رش هذه النفايات حين تصل بمواد كيماوية تسهل من عملية إعادة التدوير. وقد نمت هذه الصناعة الملوثة بشكل كبير خلال العقد الماضي، بل إن 70 بالمائة من إنتاج البلاستيك العالمي سنويا يجد طريقه بشكل غير قانوني إلى الصين.

          وحتى لا نظلم بريطانيا، فدول الاتحاد الأوربي تتنافس على استغلال تلك الوسيلة الأرخص للتطهير العرقي لنفاياتها، وعمل هولوكوست قمامة في أفران بعيدة عن ترابها الوطني الطاهر. وبالإضافة إلى ميناء ليناجياو هناك موانئ أخرى تستعد وتسعد لاستقبال هذه النفايات في هونج كونج، ويانتيان، وشنغهاي.

          ويُقال إن هناك عددا محدودًا من الشركات مما يسمح لها بإرسال نفايات خضراء (راجع جريدة الإندبندنت 26 يناير 2007). وإن وكالة البيئة تسمح بذلك لتلك النفايات التي يعاد تدويرها. وهكذا ففي حين تحمل الحاويات الصينية الملابس والإكسسوارات فإنها تعود بالذهب الملوث، وأسرع الصادرات البريطانية نموا: النفايات.

 

أشرف أبو اليزيد