ما بعد النفط: هل ينقذ الهيدروجين العالم? محمد الدنيا

ما بعد النفط: هل ينقذ الهيدروجين العالم?

بات ما يتردد عن نفاد الاحتياطيات البترولية المبرمج, من العام 2050, يشكل تهديدًا حقيقيًا للمستقبل. لكن بيدو أنه يوجد لدى العالم الصيغة الطاقية السحرية التي يحتاج إليها: الهيدروجين, الذي لا ينضب, وغير الملوّث! الحلم... الذي لايزال على الورق, وإن كانت لليابان وايسلندا تجربة في (اقتصاد الهيدروجين).

في العام 1766, اكتشف الكيميائي البريطاني (هنري كافنديش) مادة غازية نقية غريبة يعطي احتراقها العنيف الماء, هذا (الهواء اللهوب) أسماه الكيميائي الفرنسي (لافوازييه) بعد ذلك بوقت قصير (الهيدروجين), من اليونانية hydro (الماء) وgene (أوجد أو أنتج), أي الغاز الذي ينتج الماء. هل كان يعرف أن هذه الأحرف التسعة ستغدو أساس أكبر حلم طاقي داعب البشرية? على كل حال, بعد ذلك بقرن, وصفه الروائي العلمي الفرنسي (جول فيرن) قائلاً:(.... الهيدروجين والأكسجين المستخدمان على نحو منعزل أو معًا سيكونان مصدرًا لا ينضب للحرارة والضوء مع شدة لا يضاهيها الزيت فيها...). وينبغي القول إن الهيدروجين كان قد أصبح في نهاية القرن التاسع عشر وقودًا لا غنى عنه, يحوي غاز الاستصباح منه 50% (الباقي أحادي أكسيد الكربون بشكل خاص), ويضيء الهيدروجين على هذا النحو الشوارع والصالونات, ويستخدم أيضًا في التدفئة...

غاز (مفصّل) للاستعمال

يتيح التحليل بالكهرباء (الكهرلة), منذ عام 1800, تفكيك الماء إلى هيدروجين وأكسجين, وبالنتيجة إلى طاقة, بينما يولّد اختراع الخلية الوقودية H2/O2 (1839) تفاعلاً كهروكيميائيًا يشكل الهيدروجين والأكسجين فيه الماء, منتجيْن تيارًا كهربائيًا, باختصار, تتقدم معارف البشرية بالتدريج مع هذه الذرة العجيبة. الهيدروجين خفيف جدًا, ويظهر في الطبيعة على شكل غاز, وقد أتاحت له قابلية تطايره الاستخدام في المناطيد منذ نهاية القرن الثامن عشر. وهذا الغاز هو بشكل خاص عالي الطاقة, ويبدو تفاعله مع الأكسجين مفصلاً لاستعمالاتنا, يساعد - على شكل وقود - في دفع الطائرات النفاثة وحتى الصواريخ الحديثة, وله اليوم استخدامات واعدة في مجال السيارات الكهربائية وتوليد التدفئة والتيار الكهربائي, كل ذلك دون تلويث, تقريبًا: لا يطلق التفاعل في الواقع سوى الماء والحرارة, مع أكاسيد الآزوت أحيانًا. هذا فضلاً عن أن الهيدروجين هو العنصر الأوفر في الكون (72% منه), ويمثل الهيدروجين 15% من ذرات كوكبنا, ولا يوجد قط بمفرده في الطبيعة, بل مرتبطًا بعناصر أخرى, خصوصًا الكربون والأكسجين. ويحتفظ اقترانه مع الكربون بقدرة طاقية مهمة, وتلك هي حال الهيدروكربونات, والميتان. بالمقابل, عندما يكون الهيدروجين مرتبطًا بالأكسجين, لا يعود هنالك ما يمكن استخلاصه منه, والمؤسف هنا أن الماء H O يمثل الاحتياطي الأضخم من هيدروجين الأرض (1,3 مليار كم3), ومن هنا للحصول على جزيء الهيدروجين يجب صنعه.

هنا يتأرجح تاريخ الهيدروجين, لأن إنتاج هذا الجزيء على الأرض يعادل تخزين الطاقة (الحرارة, والكهرباء), في تجميع كيميائي, التجميع الذي يمكن نقله ومعالجته حتى تفكيكه من جديد لإرجاع الطاقة التي اختزنت فيه... بعبارة أخرى, جزيء الهيدروجين هو (متجه) vecteur طاقي, وهذا يغير كل شيء, حتى أنه لا يمكن عندئذ مقارنته بالغاز الطبيعي ولا بالبترول بشكل خاص, إذا كان البترول, هو الآخر, متجهًا طاقيًا فإن له ميزة كبرى هي أن الطبيعة قد وفرته جاهزًا للاستهلاك, خلافًا للهيدروجين الذي هو طاقة أولية أيضًا.

(الأكسير الطاقي) ليس مجرد حلم, فعلماء الفيزياء النووية يسعون اليوم, من خلال إدماج ذرات الهيدروجين فيما بينها, إلى استغلال نار الشمس (غير النضوية) على الأرض, وهو ما من شأنه رفع الهيدروجين إلى مرتبة الطاقة الأولية, ويتعزز هذا السعي مع تفاقم القلق, في بداية هذا القرن الجديد, من التلوث واحترار المناخ وطيف نضوب الاحتياطيات البترولية.

في الواقع, تشير سيناريوهات مجلس الطاقة العالمي إلى أن قدرة العالم الطاقية ستكون قد تضاعفت عند حدود العام 2050, وسيبقى البترول الطاقة المفضلة, وسيرتفع استهلاكه السنوي إلى 5 مليارات طن على الأرجح, مقابل 3.5 مليار طن اليوم, مع هذا المعدل, وفي غضون خمسين سنة, يكون نصف الـ 420 مليار طن من البترول الخام, التي أحصاها المعهد الفرنسي للبترول حديثًا, قد استهلك, منذئذ, ستبدأ الإزعاجات, ستحلق أسعار البترول تلقائيًا وسيغدو استعماله ترفًا.

وستفرض ضرائب إضافية على الطاقات الأحفورية (البترول, والفحم, والغاز), بنتيجة إطلاق احتراقها لثاني أكسيد الكربون, غاز ظاهرة البيت الزجاجي الرئيسي, أو لدواعي التقاط هذا الغاز المنبعث, لاشك أن البترول, طاقة البشرية المفضلة, سيفقد حظوته, وقد يغدو الهيدروجين البديل الأهم. كيف? من المعروف أنه ستظهر مشكلتان إذا ما اختفى البترول: تتعلق الأولى بضرورة تعويض نقص الطاقة الحاصل, وهو كبير. في بلد مثل فرنسا مثلا, تستهلك وسائط النقل من الطاقة ما يعادل الإنتاج الطاقي لمجمل المحطات النووية الوطنية. هنا, لا يستطيع الهيدروجين فعل شيء, مادام لم يتم التوصل إلى الإدماج المضبوط. إذن, التعويض سيقع على عاتق الطاقات التقليدية (المائية, والنووية, والفحم والغاز...), مع تركيز قوي على الطاقات المتجددة. رهان لم يُكسَب بعد.

المشكلة الثانية هي اختفاء البترول ذاته. ما العمل حينئذ لتسيير السيارات, ودفع الطائرات والبواخر وتخزين فوائض الطاقات المتجددة لإعادة توزيعها خلال ذرى الاستهلاك, وتبادل الطاقات بين المناطق أو الأمم وفقا للطلب? هنالك الغاز الطبيعي, إلا أنه آيل إلى الزوال هو الآخر (في غضون ستين عاما). ماذا عن الوقودات الحيوية المنتجة من الزراعات? لن تفي بالطلب. والوقود التركيبي الميثانولي السائل? مشكلته أنه متعلق بمصادر كربون نضوبة وملوِّثة. إذن, أكثر أنواع الوقود الجدية المرشحة تتمثل في الكهرباء, والهيدروجين, الغزير على الأرض. ويمكن تحويله إلى وقود تركيبي غازي H2 من خلال أي نمط من المحطات (نووي, فحمي, غازي, متجدد), ومن هنا إمكان إنتاج الكهرباء أو تخزين الفوائض على شكل هيدروجين.

عدا ذلك, يفيد الهيدروجين من سلاح بمستوى ما هو مرجو منه: نُسَخ جديدة من الخلايا الوقودية, هذا الجهاز الكهروكيميائي الذي ينتج التيار الكهربائي باستهلاك جزيئات الهيدروجين H2 وإطلاق الماء والحرارة. النتيجة: اكتسبت هذه الخلايا اليوم كفاية جيدة (45%) وأصبحت مدمجة بشكل يؤهلها للتثبيت في سيارة كهربائية أو وضعها في منزل لإنتاج التيار والماء الساخن. ومن شأن ذلك أن يغير كل شيء. منذئذ, سيمكن استخدام الهيدروجين بتقتير وفعالية أكبر بكثير من السابق. كل ذلك مطلوب حتى الآن إثباته على أرض الواقع. من هنا, قررت ثلاث شركات صناعية كبيرة (رويال دوتش شل, وديملر كرايزلر, ونورسك هيدرو) واتحاد مؤسسات محلي ترأسه جامعة ايسلندا أن تجعل من الجزيرة الايسلندية مختبرا لـ (اقتصاد الهيدروجين).

في العام2030, كحد أقصى, سيتم تشغيل الحافلات والسيارات الخاصة وأسطول الصيد الضخم بالهيدروجين والخلايا الوقودية. في هذه الجزيرة, الواقعة شمال المحيط الأطلسي, وعدد سكانها 280000 نسمة, 65% من الطاقة المستهلكة هي من منشأ متجدد وهناك هامش لإنتاج المزيد منها. وليست ايسلندا هي الوحيدة في هذا المضمار, فهناك منشآت مماثلة تستكشف الطاقة الجديدة, قيد الاستثمار, في النرويج, وهاواي, واليابان واسكتلندا.

العقبات

أولى العقبات في طريق هذه المزدوجة, الخلية الوقودية - الهيدروجين, هي: أين نجد الهيدروجين الثمين المخصص للخلايا الوقودية? لا بد من استخراجه, إذ إن هذا العنصر غير موجود على الأرض إلا مقترنًا بغيره, الأكسجين أو الكربون, مثلاً. إذن, كما أشرنا, فهو ليس طاقة أولية, كما هو البترول أو الشمس, بل متجه طاقي, أي وسيلة لتخزين ونقل الطاقة (الحرارة أو الكهرباء), التي تسترجع بعدئذ على شكل حرارة بسيطة (في محرك صاروخي مثلاً) أو مترافقة بالكهرباء (في خلية وقودية). ظاهريًا, استخلاص الهيدروجين عملية غير معقدة, بل إن عدة شركات تمارسها منذ فترة , غير أنها لا تستخدم هذا الهيدروجين الآن كمتجه طاقي: يدخل نصف إنتاجه العالمي في صنع الأسمدة النشادرية, ويذهب الباقي لصنع أنواع من الوقود وصناعة الفولاذ, والزجاج والمرجرين (سمن نباتي صناعي). ولكن, أيا كانت طريقة استهلاكه, فإن أسلوب استخراجه هو نفسه. ويقوم على جعل ميتان الغاز الطبيعي يتفاعل مع بخار الماء من خلال مادة حفازة أساسها النيكل بحرارة عالية (900 درجة تقريبا) لتحرير الهيدروجين منه. التقنية قائمة, ولكن يكلف الهيدروجين المضخة غاليا إذا ما حل فيها محل الـ (سوبر): (إذا اعتبرنا أن ألف لتر من الهيدروجين تعطي من الطاقة الميكانيكية في خلية وقودية قدراً يساوي طاقة نصف لتر بنزين في محرك انفجاري, يمكننا أن نعلن بذلك أن كلفة مكافئة, أي 0.5يورو, ستكون واقعية بين عامي 2005 و2010), على حد عبارة أحد الخبراء في هذا المجال. وإذا كانت الصناعة موجودة, والأسلوب مثبتا, والسعر مقبولا.. فلن يبقى, نظريا, إلا مضاعفة الإنتاج الحالي خمسًا وعشرين مرة حتى يلبي الهيدروجين المتجه 20% من حاجات الكوكب إلى الطاقة عام 2050, وفقا للهدف الذي حددته غالبية السيناريوهات. أين العثرة إذن? إنها ناتجة عن عدد من العوامل المتضافرة. أولا الرهان المذكور سلفًا, مضافا إليه ثلاثة شروط: ازدياد الطلب العالمي لتبرير الاستثمارات, واستقرار أسعار الغاز الطبيعي, والتشجيع الضريبي الحكومي.

عربات وأجهزة ستعمل بالهيدروجين

من المقرر أن يظهر الهيدروجين, المستخدم في الفضاء منذ الستينيات, في العام 2005 على نطاق واسع في ميدان الإلكترونيات الصفرية. كما ستظهر في الوقت نفسه أولى عرباته في مراكز المدن.

بالمقابل, يبدو ميدان الطيران غير متطور كثيرًا في هذا الإطار. وتدرس شركة (إيرباص) الفرنسية النموذج (كريوبلان), وهو طائرة تسير بدفع محركات نفاثة معدلة لتتوافق مع الهيدروجين. كما ستعرض شركة (بوينج) قريبا مشروع طائرة خفيفة مجهزة بخلية وقودية. من جهتها, تصنع شركة (ديملر كرايزلر) الآن ثلاثين نسخة من حافلتها (سيتارو) للعمل بالهيدروجين, ومخصصة للخدمة في عشر مدن أوربية. ويمكن لخلية وقودية بقدرة 200 كيلو واط تأمين نقل 60 راكبًا لمسافة 200كم.

وستكون (الموجيتو إف سي), من نوع (سكوتر), أول دراجة نارية تعمل بخلية وقودية, بسرعة قصوى 56كم/س ولمسافة 200كم. ومن الآن وحتى عشر سنوات قادمة, ستحل الخلايا الوقودية محل المراجل وسخانات الماء في عمليات التدفئة في فرنسا, وستطلق شركة (سمارت فويل سل) مجموعات توليد كهرباء مدمجة على أساس الخلايا الوقودية, وتتغذى بخراطيش من الميثانول. وتعطي كل خرطوشة عشر ساعات عمل للكمبيوتر المحمول. أخيرًا, ستسوق (توشيبا), قبل العام 2005, شاحنًا مستقلاً ذاتيًا يرتكز إلى الخلية الوقودية التي تغذيها خرطوشة ميثانول.

إلا أن الضوء المسلط على الهيدروجين يجب ألا ينسينا مواصفات متجه طاقي آخر سيكون له دور رئيسي في ميدان طاقة الغد, أي الكهرباء, التي تضاهي الهيدروجين في مزاياها: نظيفة, وصامتة, وتنقل بالجملة, وتنتج بسهولة مع كفايات ممتازة. وقد دخلت حياة الناس منذ زمن طويل, خلافًا للهيدروجين, ولا رغبة لأحد في التخلي عنها. ولا شك أنها تعاني من مشكلة التخزين, الذي يجب تحسينه.

 

محمد الدنيا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




الاندماج مصدر طاقة الشمس





باستخدامها طاقة حرارة الارض الجوفية, لانتاج الهيدروجين, تعتبر ايسلندا من بين أوائل المراهنين على هذا الغاز





سيارة ستعمل بالهيدروجين





هواتف





حواسيب





مراجل





دراجات نارية..





مخطط جهاز لتوليد الكهرباء من الهيدروجين ولا يتخلف عنه غير الماء





حافلات ..





عربات فضائية ..





طائرات .. مجهزة ستعمل بالهيدروجين





 





مجمع ( برونسبوتل) الألماني الذي يعمل على استخراج الهيدروجين من الغاز الطبيعي