التعددية الإعلامية في العالم العربي التحديات والبدائل

التعددية الإعلامية في العالم العربي التحديات والبدائل
        

يخضع الإعلام الآن في مجمله لطغيان الثقافة الاستهلاكية التي تمارسها القوى العالمية المسيطرة عليه، وتساندها بعض الحكومات العربية التي لاتزال تحكم قبضتها على السياسات الإعلامية ومصادر المعلومات وملكية وسائل الإعلام، من خلال ترسانة قانونية شديدة الصرامة.

          في ظل هذا المناخ تتصاعد الأصوات التي تدعو إلى إنهاء عصر الاحتكار الإعلامي وضرورة تبني سياسات جديدة تتأسس على التعددية الإعلامية باعتبارها آلية أساسية لتحقيق الإصلاح الديموقراطي، كما يبرز التناقض ساطعًا بين خطاب الإصلاح الذي تتبناه الحكومات العربية وتروج له المؤسسات الإعلامية الموالية لها وبين الإصلاح الحقيقي الذي أصبح مطلبًا اجتماعيًا يجسد ضرورة وطنية ملحة. فإذا كان الإصلاح الذي تتباه الحكومات العربية وتروج له المؤسسات الإعلامية الموالية لها وبين الإصلاح الحقيقي، الذي أصبح مطلبًا اجتماعيًا يجسد ضرورة وطنية ملحة. فإذا كان الإصلاح الديمقراطي يعني من وجهة نظر النخب الحاكمة وسيلتها لاستكمال سيطرتها على المجتمع من خلال تعددية شكلية تضم تنظيمات سياسية ومؤسسات إعلامية تستقل رسميًا عن الحكومات فلا قيمة لهذه التنظيمات في حد ذاتها، ما لم تعززها - بل تسبقها - سياسات ومواقف تؤكد التزام السلطات الحاكمة باحترام حق المواطنين في التنظيم والاجتماع والتفكير وحرية الرأي والتعبير.

          وأيضًا إذا كان من الصعب للديموقراطية كبنية وآليات وقواعد أن تتضح وتترسخ على مستوى الممارسة السياسية إلا في ظل بنية مجتمعية تقوم على المساواة والعدالة وحرية العمل السياسي لكل القوى والشرائح الاجتماعية والسياسية فإن وسائل الإعلام باعتبارها أبرز أدوات العمل السياسي والاستنارة الثقافية لايمكن أن تكون فاعلة في سياق العملية الديمقراطية دون إطار اجتماعي - ثقافي يساعد على ترسيخ قيم الممارسة الديموقراطية ومبادئها وهذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه التعددية الثقافية الإعلامية، إذ يشير المشهد الثقافي في العالم العربي إلى وجود ثلاثة أنواع من الثقافات التي تتداخل وتتشابك وتتمثل أولاً: في ثقافة الخضوع الناتجة عن طبيعة المجتمع العربي البطريركي (الأبوي السلطوي) والتي نمت في إطار مؤسساته التعليمية والدينية والسياسية ويسود هذا النمط في جميع الدول العربية دون استثناء أما النمط الثاني: فهو يتمثل في ثقافة التبعية التي تكرس التقليد للثقافة الغربية بشقيها الفرانكوفوني والإنجلو أمريكي. ويشيع هذا النمط ويتكرس من خلال وسائل الإعلام العربية والأجنبية حيث يسود بين النخب السياسية والثقافية والإعلامية في العالم العربي. ويتمثل النمط الثالث في ثقافة المشاركة التي تعد ركيزة الممارسة الديموقراطية وتشهد تراجعًا ملحوظًا في العالم العربي في ظل هيمنة البنى الثقافية والسياسية وسيادة ثقافة الاستتباع للسلطة. وهذا يعني أن أنماط الثقافة السائدة في معظم المجتمعات العربية تسير في اتجاه لا يشجع الممارسة الديموقراطية الحقيقية بل يساند الممارسة القاصرة الشكلية الراهنة، أي الممارسة التي تقوم على التعددية الشكلية التي لا تحقق التنوع ولا تسعى إلى ترسيخ حقوق المواطنة السياسية والثقافية والإعلامية.

الفجوة الرقمية لها جذور اجتماعية

          ولعل من أبرز التحديات التي تواجه الإعلام العربي في عصر المعلومات ظهور ما يسمى بالفجوة الرقمية والتي تتمثل في الخلل الإعلامي والمعلوماتي بين من يملكون التكنولوجيا الاتصالية المتقدمة والمحرومين منها، خصوصًا في الدول العربية غير النفطية التي تنتشر فيها الأمية والبطالة وتفتقر إلى وجود البنية التحتية للاتصالات.

          وهناك إجماع على أن الفجوة الرقمية تجمع بين جوانبها كل أشكال التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ولا يمكن اعتبارها مشكلة تكنولوجية فحسب فالتكنولوجيا كانت دومًا منتجًا اجتماعيًا ثقافيًا سواء في نشأتها أو استخداماتها وتوظيفها، ولذلك يرتبط إلغاء الفجوة الرقمية بإلغاء الفجوات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سواء على المستوى العالمي أو داخل البلدان العربية.

          وعلى الرغم من أن بعض الدول العربية تستخدم أجزاء من منظومة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات المتقدمة مثل أنظمة النشر المكتبي والأقمار الصناعية وطباعة الأوفست مثل مصر والسعودية وليبيا والجزائر والإمارات، ولكن يعتمد العالم العربي في مجمله على نقل التكنولوجيا الاتصالية الجاهزة.

          أما التحديات الثقافية التي تواجه التعددية فهي تتجسد في تسخير الإعلام الفضائي في ترويج الثقافة الاستهلاكية ذات الطابع التجاري من خلال المسلسلات والمنوعات والإعلانات والتي استهدفت ترويض العقل الجمعي وقولبة أنماط السلوك والقيم لصالح أيديولوجية ومصالح السوق. وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة التنبيه إلى ضرورة حماية الثقافة ذاتها من سطوة السوق وأيديولوجية الاستهلاك ومقاومة المحاولات الدءوب من جانب المستثمرين ورجال الأعمال، والتي تسعى إلى تسليع الثقافة وأمركتها وتهميش الثقافات الجادة القومية، فضلاً عن المحاولات التي تسعى إلى تفتيت الثقافات القومية من خلال برامج البث الوافد عبر الفضائيات الأمريكية والإسرائيلية والواقع أن الثقافة العربية لم تكن مستهدفة بصورة مباشرة كثقافة في مرحلة الصراع الأيديولوجي شرق/غرب، بل كان هذا الصراع يخدمها على نحو ما باعتباره صراعًا ضد الأجنبي سواء كان شيوعيًا أو رأسماليًا، الأمر الذي يعزز الهوية الوطنية ويخدم الثقافة القومية، أما العولمة فقد حملت بعض المخاطر الثقافية، التي تهدد المنظومة العربية التراثية والمعاصرة، وأخطر آلياتها البث التلفزيوني الوافد المباشر من خلال القنوات الفضائية الأجنبية الأوربية والأمريكية والصهيونية، وأيضًا من خلال الصحف والمجلات الأمريكية، التي تصدر باللغة العربية وتستهدف الترويج للسياسة الأمريكية مثل نيوزويك وهي فضلاً عن المشروعات الإعلامية العربية الأمريكية، التي تصدر باللغة العربية، وتستهدف الترويج للسياسة الأمريكية مثل نيوزويك وهاي، فضلاً عن المشروعات الإعلامية العربية الأمريكية المشتركة في بعض العواصم العربية.

ما العمل؟

          تقودنا التحديات السابقة إلى طرح السؤال الجوهري، ما العمل لمواجهة هذه التحديات، التي تحاصر الإعلام العربي وتحول دون تحقيق المواطنة الإعلامية الحقيقية؟

          هناك مستويان للمواجهة المستوى الاستراتيجي، ويشمل السياسات والخطط التي تتبناها الهيئات والمؤسسات القومية ومنظمات المجتمع المدني في العالم العربي، حيث تسعى بجدية لوضع تصور استراتيجي شامل يتيح لها تحقيق هدفين رئيسيين، أولهما تحديد كيفية الاستفادة المثلى من منجزات الثورة التكنولوجية، التي تخضع حاليًا لهيمنة الشركات المتعدية الجنسية، ومجلس إدارة اقتصاد العالم وأباطرة السوق العولمية، ولن يتحقق ذلك دون الاستناد إلى بحوث وطنية تحدد الأولويات والأفضليات في نقل التكنولوجيا الاتصالية إلى العالم العربي مع التعجيل بتوظيف رأس المال العربي لإقامة مشروعات عربية مشتركة لتوطين التكنولوجيا الاتصالية، ويتمثل الهدف الثاني في ضرورة توظيف الجوانب الإيجابية للتراث الثقافي العربي المشترك في إطار مشروع حضاري يستند إلى بنى اقتصادية واجتماعية مناهضة تمامًا للبنى التقليدية الرسمية السائدة حاليًا.

          ولا يتحقق ذلك إلا بنشر العقلانية كإطار فكري وكأسلوب للعمل في العلاقات السياسية بين الحكام والشعوب والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد وبين الدول العربية على المستوى القومي ثم مع العالم الخارجي على المستوى العالمي، كما ينبغي التأكيد على ضرورة احترام حقوق الإنسان العربي واعتباره قيمة حضارية في حد ذاته، وليس رقمًا مهملاً في خانة الطوائف والقبائل وأقبية السجون والاعتراف من جانب الحكومات بحق جميع القوى الاجتماعية والسياسية والأقليات الثقافية في المشاركة في إدارة شئون أوطانها والتمتع بعوائد ثرواتها القومية.

          ويضاف إلى ذلك ضرورة العمل على تدعيم دور المجتمع المدني في مواجهة المحاولات الدائبة من جانب الحكومات، وشبكات المصالح الدولية والمحلية لتحويل العالم العربي إلى مركز للتخديم على السوق العالمية، التي تسيطر عليها القيم التجارية وتحكمها قوانين العرض والطلب، حيث يتحول المواطن العربي في إطارها إلى كائن استهلاكي عالمي، وتتوارى سماته الحضارية وتمايزه الثقافي.

          أما المستوى الإجرائي للمواجهة، فهو يتضمن الأساليب والوسائل التي تتبناها الأحزاب والنقابات والاتحادات الإعلامية والمنظمات الأهلية، في كل قطر عربي على حدة لتفعيل التعددية وتحويلها إلى ساحة حقيقية للتنوع السياسي والفكري والثقافي والاجتماعي.

قُل لِلَّذي يَهوى تَفَرُّق بَينِنا بِحَبل وِدادي أَيَّ ذَلِك يَفعَلُ
فَوَيلُ أمِّها أُمنِيَّةً لَو تَفَهَّمَت مَعانِيَها أَو كانَت اللُب تُعمِلُ
أَغَيظي تَمَنَّت أَم أَرادَت فِراقَها إِلَيَّ فَلا حاشاي بَل أَنا أَقبَلُ
أُؤَمِّنُ فَاِدعُ اللَه يَجمَع بَينَنا بِحَبل شَديد العَقد لا يَتَحَلَّلُ


عمر بن أبي ربيعة

 

عواطف عبدالرحمن