البداية لي والنهاية لن

البداية لي والنهاية لن
        

شعر

نريدُ طعامًا لسيّدةِ الدارِ، ثوبًا لأمِّ البناتِ اللواتي هنالك يلعبن تحت خيوطِ النهارِ وأمِّ البنينْ.
ونريدُ مياهًا لشمسِ الظهيرةِ، عاصفةً للحقولِ، وأسيجةً للحدائق، قبوًا لعمرو وليلى، وصهريج زيتٍ لمروان، أغطيةً لصديقتِه، وشتاءً طويلاً لأُمهما، ونريدُ شطائر خبزٍ طرىٍّ وفاكهةً وقوارير، نحتاجُ بعض هواءٍ نقىٍّ، وبعض حنانٍ، ونحتاجُ خوفًا وغيمًا وأسرى ونافذة لا تطلُّ على غير أوديةٍ وسراديبَ، غير مراعٍ وبعض سماءٍ، ونحتاجُ بعض جنونْ.
ونحتاجُ أن نرقب العابرين، نراهم، نرى بينهم ذلك المستريبَ كأيّةِ أغنيةٍ تتساقطُ منها الحصونُ التي لاتزالُ تُقامُ، الحصون التي كلّها من ترابِ السنينِ ومن أرجوان السنينْ.
ونحتاجُ أنْ ندخل البهوَ، أن نسألَ الخدمَ الذاهلين إذا جاء سيّدُنا كيف نلقاهُ، كيف نكلّمُه قبل أن تتولاّه أيدي الرعاةِ، وقبل انسدالِ الظلامِ عليه، وقبل انسرابِ الرؤى والظنونْ.
هل صحيحٌ سنوقفُه ونقول له: أيُّها من تكونْ؟
نحن منذ تركنا المنازلَ، منذ مشينا إلى النورِ، منذ حملنا السماءَ القريبةَ، منذ رأينا سواك ومنذ رأيناكَ، منذ استربنا بمن يحبسون الطيورَ على حافةِ الملكوتِ، ومن يحبسون الأنينْ.
ولا صوت غير دبيب عصاكَ، ولا ضوءَ غير الذي يستقرَّ بعيدًا عن الجسرِ، يجلوه ماءُ العيونِ، ويخفيه ماءُ العيونْ.
أيُّها من تكونْ؟
أنت سيّدنا، أنت يا صاحب الوقتِ والموتِ والسعي ما بين هذين، تعرف كيف تصير على هيئة الحملِ المستبدِّ فنخشاكَ، كيف تصيرُ على هيئةِ الدلو، كيف تصيرُ قريبًا بعيدًا ونسألك العفوَ، خذنا نداماك، خذنا ولا تسقنا الماءَ من جرّةِ  الزمهرير الذي يملأ الأرضَ، لا تسقنا الماءَ من جوف صحراء غامضةٍ لم يطأها الحَنينْ.
فلسنا نريدُ لك النومَ فوق سماءِ من الطينِ، لسنا نريدُ لك الخوف من ظلّك المتعلّق بك، إنها ساحةٌ تتكاثرُ فيها ظلالُ الذين يخونون أنفسَهم، والذين يخونهمُ الآخرونْ.
فهل نستطيعُ إذا لم نجاهرْ بأحلامنا، أن ننام قليلاً من الليلِ، أن نتسارر مثل المحبين والمفعمين، وهل نستطيعُ إذا عاد بعد انتهاء وصاياهُ سيِّدُ غبطتِنا، الفِطن المستعينُ بخفّتِه، والذي قدماه على النهرِ، تستسلمان لغير الهدوءِ وغير الأنينْ.
هل نستطيعُ إذا كان ما كان، ألاّ نكون الذي لا يكونْ.

 

عبدالمنعم رمضان