الأقليات الثقافية هل هي مهددة بالاختفاء؟.. د. أحمد أبوزيد

  الأقليات الثقافية هل هي مهددة بالاختفاء؟.. د. أحمد أبوزيد
        

تواجه كثير من الجماعات الأصلية، وبخاصة في العالم الثالث، خطورة احتمال اندثارها واختفائها من الوجود ككيانات عرقية لها هوياتها وثقافاتها وتقاليدها أمام زحف تيارات العولمة الهوجاء.

          تعتبر هذه الجماعات الأصلية مجرد أقليات تعيش في شبه عزلة، بحيث أصبحت تؤلف ما هو أقرب إلى المحميات البشرية المتخلفة المهمشة التي لايكاد يسمع لها رأي ولا تشارك مشاركة فعلية في اتخاذ القرارات التي يتعين عليها الالتزام بها، كما يسهم في هذا التهميش التقدم التكنولوجي الذي يتطلب توافر إمكانات مادية وفكرية غير متاحة لتلك الجماعات في أغلب الأحيان.

          وقد يكون من الصعب الوصول إلى تعريف موحد عن «الأقلية» نظرا إلى تعدد أنواع الأقليات بتعدد وتنوع الأسس والمبادئ التي تقوم عليها واختلاف العناصر التي تميزها عن بقية سكان المجتمع الذين يؤلفون الأكثرية العددية سواء أكانت هي عناصر سياسية أو اقتصادية أو لغوية أو دينية أو عرقية تنفرد بها عن كل ماعداها. ولكن بعض علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا المعاصرين يعرفون «الأقلية» بأنها جماعة تختلف في تكوينها العرقي أو الدينى أو اللغوي عن بقية سكان المجتمع الذي تعيش فيه، بل وقد تختلف في بعض الحالات عنهم بانتمائها في الأصل إلى جنسية أخرى غريبة، كما هي الحال في المجتمعات التي يعيش فيها نازحون بأعداد كبيرة من المهاجرين أو اللاجئين السياسيين الذين يعتبرون أنفسهم، كما يعتبرهم الآخرون، جماعة مختلفة ومغايرة ولها مواقف سلبية واتجاهات وسلوكيات مخالفة لما هو سائد في المجتمع الذي يعيشون فيه. كذلك يرى بعض المؤرخين أن شعور الأقلية هو في الأغلب شعور بعدم الانتماء سياسيًا إلى المجتمع أو الدولة التي يعيشون فيها، وأنهم لايؤلفون جزءًا من الأمة التي ترتبط بهذه الدولة ولا يخفف من ذلك طول الإقامة وأنهم يشعرون دائما بأنهم أغراب عن المجتمع ويعاملون معاملة الأغراب بكل ما يرتبط بذلك من تمييز في الحقوق والواجبات. ويذهب هؤلاء العلماء إلى أن العامل الأساسي في تكوين تلك الأقليات ليس هو قلة العدد بالنسبة إلى المجموع الكلي للسكان ولا هو اختلاف اللغة عن اللغة السائدة أو اللغة الرسمية ولا هو اختلاف الدين أو العقيدة عن التي يعتنقها أغلب السكان وإنما المحك الرئيس هو مدى الشعور بالانتماء والولاء أو الإحساس بالغربة والاغتراب، وتصور أن المجتمع يفرق في المعاملة بين الفئات المختلفة وحرمان فئة معينة من حقوقها، بل والشك في بعض الأحيان في ولائها للدولة واتهامها بالخيانة أو على الأقل بالتواطؤ مع الغير. فالأقلية هى في آخر الأمر شعور وإحساس بالغربة وعدم الانتماء بكل ما يترتب على ذلك من سلوك وتصرفات كثيرا ما تكون ناشئة عن إخفاق الحكومات في اتخاذ سياسات ملائمة تؤدي إلى اندماج تلك الفئات اندماجا كاملًا في البناء الاجتماعي والثقافي العام. ولكن يقابل ذلك على الجانب الآخر إصرار تلك الفئات على التمسك، بشدة، بخصائصها وقيمها وسلوكياتها المميزة ورفض التنازل عنها، ومناوأة كل محاولات التغيير والتقارب مع الآخرين ما يجعل من الصعب تحقيق الاندماج في نسيج المجتمع. ولقد لعب الاستعمار دورا كبيرا في مجتمعات العالم الثالث للإبقاء على الأقليات بل وتشجيعها على التمسك بهوياتها العرقية واللغوية وإيقاظ النعرات الثقافية الخاصة وإبراز التعارض والتضارب بينها وبين بقية أعضاء المجتمع الذين يؤلفون أغلب السكان، وتشجيع الحركات الانفصالية بحيث تطالب الأقليات وبخاصة إذا كانت كبيرة العدد نسبيا أو موزعة على المناطق الحدودية لعدد من الدول المتجاورة بأن يكون لها حق الاستقلال الذاتى أو حتى تكوين دولة مستقلة خاصة بها، وبذلك تنسلخ عن كيان الدولة، أو الدول، التي تعيش فيها منذ أزمان طويلة وهو الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى توسيع الفجوة والجفوة بين الطرفين، بل ونشوب الصراع المسلح في كثير من الأحيان.

غرباء داخل الوطن

          وعلى أي حال، فإننا حين نتكلم عن الأقليات فإنه ينبغى التفرقة بين «الأقليات الوطنية» - إن صح التعبير - التي تنتمي تقليديا ومنذ عصور طويلة إلى المجتمع الذي تعيش فيه ولذا تعتبر من مواطنيه الأصليين وإن كانت تنفرد عن بقية السكان بخصائص لغوية أو دينية كما قد تحافظ في بعض الحالات على نقائها العرقي بالحرص على عدم التزاوج مع الغير والفخر بهذا النقاء ولذا تعامل بغير قليل من الشك بل ومن التخوف الذي يدفعها إلى الشعور بالغربة داخل الوطن وبأنها فئة مهمشة ومحرومة من كثير من حقوقها الوطنية والإنسانية، وبين «الأقليات الدخيلة» أو الغريبة والأجنبية الطارئة على المجتمع والوافدة من الخارج بسبب الهجرات والتحركات السكانية التي ازدادت حدتها في العقود الأخيرة بشكل خاص نتيجة للتغيرات السياسية والاقتصادية الهائلة. وتختلف هذه الأقليات اختلافا جذريا عن السكان الأصليين في أصولها العرقية والسلالية وفي تكوينها الثقافي العام سواء من حيث اللغة أو التراث التاريخي أو العادات والتقاليد وأحيانًا العقيدة الدينية وأنساق القيم ولذا تعامل كجماعة أجنبية دخيلة ومصدر تهديد اقتصادي وثقافي للمجتمع الذي نزحت إليه من الخارج. وربما كان أشد وأقسى أنواع الصراع الثقافي المرتبط بوجود أقليات في المجتمع هو الصراع الناشئ عن الاختلافات في الدين والعقيدة أو الذي ينشب في بعض الأحيان بين أتباع الديانة الواحدة نتيجة وجود أقلية لها قراءة معينة للتعاليم وأصول ومبادئ تلك الديانة تختلف عن القراءة والفهم السائدين أو المتفق عليهما داخل ذلك المجتمع الذي يرى في تلك القراءة وذلك الفهم أو التفسير والتأويل خروجا على الجماعة يقتضي الرفض الذي قد يصل إلى حد النبذ مما يولد لدى تلك الأقلية الدينية الشعور بالمرارة التي قد تؤدي إلى العنف.

          ولقد ظهرت الصراعات والخلافات الحادة مع الأقليات العرقية / الثقافية مع ظهور مفهوم الدولة / الأمة، وبدا ذلك واضحا في أسلوب التعامل معها والتردد الشديد في الاعتراف بحقوقها الاجتماعية والقانونية. وزاد من حدة هذه الخلافات التغيرات التي حدثت خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضى وبخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة مما اقتضى ضرورة البحث عن حلول عادلة لتلك الخلافات حتى يمكن المحافظة على التماسك الاجتماعى. وأثيرت بهذا الصدد تساؤلات كثيرة حول المواقف التي يحتمل أن تتخذها تلك الأقليات من الدولة وردود الفعل المحتملة التي قد تلجأ إليها الدولة حيال تلك المواقف. ومن هنا جاء الاهتمام بالبحث عن الأسباب التي تدفع الأقليات إلى مناهضة الدولة من ناحية والأسباب التي تدفع الدولة من الناحية الأخرى إلى اعتبار وجود الأقليات مشكلة خطيرة يجب التعامل معها بحزم، لم يكن يخلو في كثير من الأحيان من العنف، واتخاذ إجراءات قمعية لامبرر لها. وعلى أي حال فإن ثمة إدراكًا عامًا في الوقت الحالى لطبيعة المشاكل التي تواجه الأقليات حتى في الدول التي تقف من أقلياتها الوطنية أو الدخيلة موقفا عدائيًا وعدوانيًا، كما أن ثمة وعيا متزايدا بخطورة التجاهل المتعمد وعدم الاعتراف بتلك الأقليات وما يسببه ذلك من ألم وتمرد على الوضع القائم ورغبة في تغييره بشتى الوسائل بما فيها اللجوء إلى العنف.

العولمة وإذابة الفوارق

          وقد يرى بعض المفكرين في الخارج أن التطورات التكنولوجية وازدياد وطأة العولمة جعلا من مفهوم الدولة / الأمة التي تقوم على التجانس العرقي والثقافي واللغوي والديني شيئا من تراث الماضى الذي عفى عليه الزمن، وأن عالم اليوم تتنازعه قوتان متضادتان تعمل إحداهما لتحقيق التقارب والتماسك وإذابة الفوارق والاختلافات (كما تنادي به مبادئ العولمة) بينما تعمل القوة الأخرى على ترسيخ الخلافات وإبراز الفوارق وتوكيد الهويات الثقافية الخاصة والدعوة إلى الاستقلال السياسي والثقافي للأقليات عن مجتمع الدولة/الأمة لإقامة كيانات مستقلة سياسيًا وثقافيًا، وهو الأمر الذي ترفضه الدولة بطبيعة الحال وترى فيه تهديدا لوجودها كوحدة عضوية، ولكنه يفرض عليها في الوقت ذاته مراجعة سياستها من تلك الأقليات بحثا عن طريقة تضمن استمرار وحدتها ومكانتها في المجتمع الدولى. بل إن هناك من المفكرين من يرون أن العولمة التي تبشر بإمكان إنهاء الخلافات وسد الفجوات بين مجتمعات العالم، التي تعيش فوق هذا الكوكب، كانت هي ذاتها من أهم العوامل المساعدة على ظهور النزعات الانفصالية وبالتالي إبراز مشكلة الأقليات وتأجيج الصراعات بينها وبين المجتمعات التي ارتبطت بها لعهود طويلة، مثلما كانت وراء ظهور مايطلق عليه الآن في بعض الكتابات اسم الأمم العرقية أو القوميات العرقية ethnic nations.

          وقد تكون القوميات العرقية حالات فردية أو استثنائية ولكن ظهور الدعوة لها يعتبر مؤشرًا واضحًا على تفاقم مشكلة الأقليات التي تقاومها كثير من الدول والمنظمات الدولية، وذلك عن طريق الدعوة إلى اتباع وتطبيق سياسة الاندماج والتكامل التي تواجه على أي حال كثيرًا من الرفض من جانب الأقليات ذاتها وترى فيها استمرارا لسياسة الكبت والقهر والتهميش بل ونوعا من الإبادة العرقية والثقافية المستترة.والواقع أن معظم الدول تمارس سياسة تعتمد على القهر ضد الأقليات وتلجأ إلى العنف لتنفيذ سياسة الاندماج. ففى دراسة مهمة أصدرها تد جور Ted Gurr عام 1993 تحت عنوان «أقليات في خطر» وجد أن هناك 233 جماعة عرقية / ثقافية تعاني من الاضطهاد والقمع في أكثر من مائة دولة في مختلف القارات، وأن بعض تلك الدول كانت تزعم أن اتباع تلك السياسة هو أفضل وسيلة لتحقيق التجانس المفقود وإقرار مبدأ الاندماج، وترى في ذلك الرفض مبررا أخلاقيا كافيا للجوء إلى العنف الذي قد يصل أحيانا إلى حد الإبادة العرقية الجماعية باعتبار الرافضين للاندماج أعداء للمجتمع.

الاندماج والتكامل

          والواقع أن الهيئات الدولية المهتمة بمشكلة الأقليات في العالم تعطي أهمية بالغة لمسألة الاندماج، ولكنها تأخذ في الاعتبار في الوقت نفسه مسألة التكامل القائم على الحفاظ على الذوات الثقافية المتمايزة والظروف والأوضاع الخاصة بكل حالة على حدة، فالمشكلة معقدة ويصعب الوصول فيها إلى حل واحد ينطبق على كل الحالات وفى كل المجتمعات والثقافات، ولذا فإن معالجة وضع الأقليات المتمركزة في مجتمع واحد أو في دولة واحدة لابد أن يختلف عن أسلوب التعامل مع وضع الأقليات المبعثرة أو المنتشرة في عدد من الدول المستقلة. ويزيد من تعقد الوضع حين تكون هناك أكثر من أقلية عرقية/ثقافية متناحرة داخل المجتمع، ولكل منها مقوماتها الثقافية الخاصة بها بحيث يصعب التوفيق والتقريب بينها للمحافظة على وحدة المجتمع الوطني ومنع الصراعات الداخلية التي قد تؤدى إلى تدخل القوى الأجنبية لسبب أو آخر تحت ادعاء الرغبة في إحلال السلام العالمي، ثم إن هناك من المفكرين من يرون أن اندماج هذه الأقليات مع احتفاظها في الوقت نفسه بثقافاتها من شأنه أن يثري الثقافة الوطنية ككل ويساعد على التجديد الإبداعى، ولذا تسود الآن في بعض الأوساط نغمة ضرورة تطبيق سياسة الاعتراف بالآخر وقبوله واحترام ثقافته وهويته الثقافية ، بل إن الأمر يصل إلى حد الدعوة إلى الاعتراف بالحق في الاختلاف حتى لا ينشب صراع وتطاحن يسيء إلى جميع الأطراف. وأهم مظهر لهذا الحق هو إطلاق حرية التعبير بكل الطرق عن المقومات الثقافية الخاصة كمبدأ معترف به وليس فقط كقيمة مثالية، يسترشد بها في توجيه العلاقات بين أعضاء المجتمع.

          فليس من الضروري أو المحتم إذن أن يقتضي الاندماج محو وإزالة كل المقومات الثقافية الخاصة بجماعات الأقلية وهو ما بدأت بعض الدول الغربية تعترف به بحيث نجد الآن، من بين مفكريها، من يؤمن بأن جهود الاندماج بهذا المعنى وبهذه الأبعاد سوف تحقق نتائج باهرة في المجتمعات الأوربية التي تضم أقليات أجنبية عديدة بقدوم عام 2020 بعد ظهور أجيال جديدة تنشأ على مبدأ التعايش والاعتراف بالآخر وتتقبل مبدأ التعدد الثقافي كحقيقة واقعية لابد من التسليم بها، بدلا من النظرة القاصرة التي ترى أن التعدد الثقافي يؤدي إلى الصدام بين الأقليات ونظام الدولة/الأمة الذي يتطلب توافر حد أدنى من التجانس على مختلف المستويات وفي كل المجالات.

أبعاد متشابكة

          والمشكلة التي تواجه الجميع هي كيف يمكن حماية تلك الأقليات على أرض الواقع وضمان حقوقها وتحقيق تقبلها في المجتمع ككل، على الرغم من مشاعر العداء والرفض التي يصعب القضاء عليها.

          ولقد اهتمت مفوضية حقوق الإنسان بهيئة الأمم اهتماما بالغًا بهذا الموضوع وأصدرت في فبراير 2002 تقريرا يتضمن توصيات الدول الأعضاء لحل الإشكال. وقد أبرز التقرير أهمية الاندماج من ناحية والتمايز الثقافى من ناحية ثانية والاستقلال الذاتي من ناحية ثالثة، باعتبارها الأبعاد الثلاثة المتشابكة التي تتخبط مشكلة الأقليات في شباكها مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الأوضاع من حالة لأخرى وبخاصة في ما يتعلق باختلاف ظروف ونظم المجتمعات التي تعيش فيها تلك الأقليات ونوع العلاقات مع بقية السكان وطبيعة تركيب الأقلية ومدى تمركزها أو انتشارها وتوزعها، سواء في نطاق دولة واحدة أو إقليم جغرافي محدد، أو تبعثرها بين دول أوحتى أقاليم عديدة، نتيجة للهجرات العشوائية، ونوع المطالب التي تتمسك بها تلك الدول وشروطها في التعامل مع أقلياتها الوطنية الأصيلة أو الأقليات الناشئة عن النزوح البشرى من مناطق وثقافات أخرى غريبة، ومدى استعداد تلك الأقليات للاستجابة لتلك المطالب والاشتراطات والالتزام بها، وما قد يترتب على القبول أو الرفض من نتائج إيجابية أو سلبية، وتأثير ذلك في التماسك الاجتماعي في كل حالة. بل إن التقرير تعرض لبعض المشكلات التي قد تبدو فرعية في نظر الكثيرين مثل مدى قدرة تلك الأقليات على تكوين دولة/أمة في حالة انفصالها عن المجتمعات التي ارتبطت بها تقليديًا عبر عصور طويلة، وهل يمكن أن يكون لها كيان سياسي مستقل ومؤثر دون أن يؤدي ذلك الاستقلال والانفصال إلى قيام صراعات دولية ونشوب حروب مدمرة، أم أنه يمكن استيعاب تلك الأقليات داخل النسيج الاجتماعي للدولة/الأمة مع الاعتراف بمبدأ التنوع الثقافي، بما في ذلك حق استخدام اللغات الخاصة المتمايزة بتلك الأقليات وتشجيع النشاط المتعلق بالتعبير الثقافى المتنوع وتعدد وتنوع نظم التعليم، واعتبار ثقافات الأقليات ثقافات فرعية للثقافة العامة السائدة في المجتمع مع قبول مبدأ استشارة تلك الأقليات قبل إصدار القوانين والتشريعات التي تؤثر في حياة المواطنين ككل، وهكذا، بحيث تتمتع تلك الأقليات بكل الحقوق والواجبات والالتزامات المرتبطة بمبدأ المواطنة. والأمر الذي لاشك فيه هو أنه إن لم يسارع المجتمع الدولى باتخاذ إجراءات سريعة وفعالة للمحافظة على بقاء هذه الأقليات في الوجود فسوف تندثر ليس فقط كجماعات بشرية ولكن أيضا كتراث ثقافي ضخم هو ملك للإنسانية في آخر الأمر.

لا توجد حلول جاهزة

          وقد تكون هذه كلها دعاوى وشعارات تتردد بشكل مستمر على الألسنة وتعبر عن مبادئ وأفكار مثالية لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الأقليات بأنواعها المختلفة وبقية سكان المجتمع مع مراعاة حقوقهم كبشر وكأعضاء في المجتمع الذي ارتبطوا به تقليديا أو نزحوا إليه تحت وطأة ظروف معينة. وقد تكون هذه كلها توصيات معروفة وشائعة ومتفقا عليها في كثير من الدوائر والأوساط المهتمة بوضع الأقليات ومستقبلها في عالم الغد المتغيرالذى تتجاذبه أمواج التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يصعب التحكم فيها أو حتى التنبؤ بما سوف يترتب عليها. ولذا يقوم السؤال المهم الذي لم يجد له حتى الآن إجابة شافية: هل هناك آلية يمكن أن تتولى تنفيذ هذه التوصيات ويكون لها سلطة المتابعة والرقابة والتوجيه وتوقيع الجزاءات؟

          إن الصعوبة الكبرى التي تواجه المهتمين بشئون الأقليات هى أنه لايوجد حل واحد جاهز يمكن تطبيقه على كل الحالات، بل إنه لاتوجد استراتيجية واضحة يمكن الاسترشاد بها وإنما هناك فقط - كما سبق أن ذكرنا - أفكار عامة ومبادئ مثالية أغلب الظن أنها سوف تصطدم بحقائق الواقع التي يصعب تغييرها، ما يعني أن المشكلة سوف تظل قائمة لعدة أجيال مقبلة إلى أن تؤمن الشعوب والدول والأفراد بمبدأ التنوع الثقافى بكل متطلباته ومقتضياته. ومن الصعب في ضوء الأوضاع والظروف الحالية أن يتحقق ذلك بقدوم عام 2020 كما يؤمل بعض المفكرين في الغرب.

 

أحمد أبوزيد