أول طائرة في سماء المريخ: د. علي حسين عبدالله

أول طائرة في سماء المريخ: د. علي حسين عبدالله

العنوان لا شك مثير, ولأن الموضوع يشمل طائرة وسماء والمريخ، إذن لا بد من إعطاء فكرة عن كل كلمة في العنوان. بدءاً من المريخ نأخذ فكرة ولو سريعة عن مميزات هذا الكوكب الذي تعلق به الإنسان منذ القدم. أما الموضوع الثاني فهو سماء المريخ، فهل تختلف سماء المريخ عن سماء الأرض، وهل تمكن الإنسان من معرفة سماء المريخ؟ أما عن الطائرة وهو الموضوع الرئيسي فيجب أن نأخذ فكرة سريعة عن الطيران وعلاقته بالإنسان، ثم موضوع أول طائرة في سماء الكوكب الأحمر أو المريخ.

كوكب المريخ: يمكن مشاهدة كوكب المريخ بوضوح في السماء بالعين المجردة، ولهذا يعتبر من الكواكب التي عرفها الإنسان قديمًا وهذا الكوكب كان ولايزال مثار فضول الناس لاحتمال وجود الحياة فيه أكثر من أي كوكب آخر. عرفه البابليون من حوالي 3600 سنة بالنجمة التي تدور واعتبره قدماء اليونان إله الحرب، وسماه الرومان مارس، وهو أيضا إله الحرب عندهم, وذلك بسبب احمرار لونه وهذا ما يذكر الناس بلون الدم.

مواصفات المريخ: معدل المسافة من الشمس يساوي حوالي 228 مليون كيلومتر. يوم المريخ يساوي يوم الأرض تقريبا, أما سنة المريخ فهي تساوي 697 يومًا من أيام الأرض تقريبا. للمريخ قمران وكتلة المريخ 10 في المائة من كتلة الأرض وجاذبيته 38 في المائة من جاذبية الأرض. له تغير فصول مثل التي للأرض وتتفاوت درجة حرارة السطح من -125 إلى 25 والجو بشكل عام تحت الصفر.

الجبال والبراكين والوديان على المريخ

للمريخ أطول الجبال في المجموعة الشمسية، إذ تصل إلى 3 أضعاف ارتفاع قمة إفرست ويوجد فيه أكبر الوديان في المجموعة الشمسية, التي تم اكتشافها بواسطة مارينر 9. الوادي في الصورة طوله 4000 كيلومتر وبعرض 120 كيلومترًا وبعمق 7 كيلومترات.

تاريخ بعض الرحلات إلى المريخ

كان العالم الألماني الأصل Wernher von Braun فيرنر فون براون (1912-1977) أول من قدم اقتراحاً لرحلة للمريخ وذلك في سنة 1952. لقد كان هذا العالم من أول المساعدين على تطوير التقنية الصاروخية في ألمانيا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، وبعد انتهاء الحرب تم تعيينه في الولايات المتحدة، ولهذا العالم دور كبير في وصول الولايات المتحدة إلى القمر. أول رحلة إلى المريخ كانت في سنة 1965 وبعدها في 1976 فايكنج. وفي العام 2004 هبطت مركبة روفر على سطح المريخ وجمعت معلومات جيولوجية وبعثتها إلى الأرض. في سنة 2008 هبطت مركبة أخرى في الشمال للبحث عن الماء، بالإضافة إلى ذلك هناك 3 مركبات تدور حول المريخ.

ماذا نعرف عن سماء المريخ؟ يتألف الغلاف الجوي للمريخ من 95 في المائة ثاني أكسيد الكربون، 3 في المائة نيتروجين، 1.5 في المائة آرجون، 0.03 في المائة بخار ماء وآثار من الأكسجين والميثان. الضغط الجوي للمريخ هناك يعادل 1 في المائة من الضغط الجوي على الأرض.

قطرات ماء مجمدة: أعلنت ناسا في يونيو 2008 عن اكتشاف قطرات ماء مجمدة بواسطة فوينكس على أرض المريخ. قطع من الثلج ولكنها تتبخر خلال بضعة أيام، وهذا يعطي قوة على أنها ثلج فعلا. (الانتقال من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية)، وذلك بسبب انخفاض الضغط الجوي على المريخ.

السحب في سماء المريخ: يندر رؤية السحب نظرا لقلة بخار الماء في المريخ، ولكن مع ذلك تم أخذ صور من سماء المريخ التي تبين السحب أنها التكنولوجيا الحديثة التي تمكن الإنسان من استخدامها.

الإنسان وعصر الطيران: المدخل لموضوع أول طائرة في سماء المريخ يبدأ من أول محاولة طيران ناجحة للإنسان، والتي كانت في 17 ديسمبر من سنة 1903 وكان الهدف إثبات إمكانية الإنسان من الطيران، ولم يتوقع الإنسان أنه بعد أكثر من 100 سنة بقليل سيتمكن من إرسال طائرة إلى المريخ.

عصر الطيران بدأ من الأرض في سنة 1903

مشروع أول طائرة على المريخ: كشف العلماء عن أحد مشاريع المستقبل لوكالة الفضاء ناسا وهو عبارة عن استخدام روبوت طائر لمسح سطح المريخ وما دون السطح بواسطة مجسات موجودة على الروبوت الطائر. هذا المشروع هو من أحد 4 مشاريع مقترحة لاكتشاف المريخ على أن تكون كلفة المشروع بأقصى حد 325 مليون دولار. الطائرة الروبوت نتاج جهد 10 من خيرة الخبراء في معرفة المريخ اجتمعوا للإجابة على أسئلة لم يصلوا للإجابة عليها حتى الآن عن المريخ. بعد يومين من الاجتماعات والمناقشات خرجوا باقتراح روبوت على شكل طائرة تعتمد على صاروخ لبداية الإطلاق. المتوقع بداية المشروع بعد الموافقة عليه وتوفير الميزانية ولقد اشترك في هذا المشروع 150 عالماً!

ما هي هذه الطائرة؟ طائرة صغيرة يمكن طيها لوضعها في صاروخ لإطلاقه إلى المريخ. سوف تطير هذه الطائرة في سماء المريخ باستخدام دفع صاروخي يمكن التحكم فيه عن بعد. الطائرة بها مجسات مختلفة موزعة على جسم الطائرة وكل مجس له مهمة معينة بالإضافة إلى كاميرا وجهاز لقياس المغناطيس وجهاز المطياف لتحليل كيمياء الجو والسطح. سيتم مسح حوالي 600 كيلومتر وإرسال المعلومات إلى الأرض مباشرة.

كيف تصل الطائرة إلى المريخ؟

بداية تطلق بواسطة صاروخ لتصل بعد 9 شهور إلى المريخ! وعند وصولها إلى المريخ تُفصل وتستقل كطائرة تطير في سماء المريخ عن طريق دفعها للخارج في عملية آلية، وبعد وجودها في سماء المريخ تنفصل عن المظلة وتتحرك بالدفع الصاروخي.

كيف ستعمل الطائرة؟ سوف تطير بسرعة أكثر من 500 كيلومتر في الساعة على سطح المريخ وعلى البراكين والوديان وترسل كل الصور والبيانات إلى الصاروخ الذي أطلقها، ومن الصاروخ تنقل المعلومات إلى الأرض. ستطير خلال الغلاف الجوي للمريخ على ارتفاع 1 إلى 1.5 كيلومتر من سطح المريخ، وبهذا ستكتمل الصورة عن المريخ، لأنه بهذا الطيران سيتم سد الفجوة بين التلسكوبات التي كانت تدور حول المريخ وترصد الكوكب من بعيد وبين الروبوتات التي أرسلت من قبل، وكانت ترصد من على سطح المريخ مباشرة. إن اختيار ارتفاع الطيران 1 إلى 1.5 كيلومتر كأنه طيران من على ارتفاع 30 كيلومترًا على سطح الأرض وذلك نظرًا لخفة الغلاف الجوي، لذلك لابد أن تكون الطائرة ذات جناحين طويلين.

الهدف من هذا المشروع عمل خريطة للسطح بالطائرة التي تحمل مجسات.

اكتشاف الحياة في المريخ: الماء، فمن مستلزمات الكشف عن الحياة في المريخ اكتشاف الماء وحتى لو كان في الماضي هذا أيضا يفيد في مسألة الكشف عن الحياة. كذلك من الأمور التي لها علاقة بالحياة اكتشاف الميثان في الغلاف الجوي للمريخ، فأهمية وجود هذا الغاز له دلالة على وجود الحياة، فمثلا على الأرض نجد أن أغلب الميثان (99.9 في المائة) الموجود ناتج عن الكائنات الحية، لكن لابد من الانتباه أنه ليس بالضرورة أن تكون من الكائنات الكبيرة وإنما يمكن أن تكون من الكائنات الدقيقة حتى من تحت سطح الأرض. تم اكتشاف الميثان في الغلاف الجوي للمريخ مع العلم بأن الميثان يتدمر بسرعة في أجواء المريخ، ولكن وجود الغاز معناه أن هناك عملية تجديد للغاز بانتظام، كذلك لاحظ العلماء اختلاف مستوى الميثان خلال السنة مع تغير الفصول، لكن يحذر العلماء أنه من الممكن أن يكون الميثان نتيجة لنشاط جيولوجي، لذلك لا يمكن التأكيد بوجود الحياة فقط باكتشاف الميثان ولابد من دراسات أكثر.

الفائدة من هذا المشروع أو غيره من المشاريع أنها تكشف الحياة في المريخ، وكذلك تفتح باب التكنولوجيا والتطور التقني للباحثين (وهكذا تتطور الأمم، فلو لم يكشفوا عن الحياة في المريخ فيكفيهم أنهم طوروا أمورا تكنولوجية سبقوا فيها الأمم الأخرى)، ويؤدي ذلك إلى توليد أجيال من العلماء للمستقبل.

أعضاء الفريق مع نموذج من الطائرة - بالحجم الطبيعي لإجراء الاختبار عليها وذلك إسقاطها من الأعلى في جو الأرض

نهاية الطائرة: هي نهاية درامية فهذه الطائرة ستطير لمدة ساعة تقريبا أو أكثر وينتهي وقودها وتسقط على أرض المريخ بعد أن كانت أول طائرة غزت سماء المريخ، لكنها تسقط لتتحطم على سطحه!

مشاريع المستقبل للمريخ

إحضار عينات من صخور وأتربة من المريخ هو التحدي وهو المحك الحقيقي لمعرفة تركيبة الصخور والمواد المختلفة لسطح المريخ، لكن هذا يتطلب إرسال مركبات إلى المريخ وإمكانية الانطلاق من المريخ للرجوع إلى الأرض.

المشكلة الأهم هي في طريقة اختيار العينات المهمة من المريخ، لذلك يعكف العلماء والمهندسون على تطوير أجهزة تمكنهم من اختيار الأفضل. عن طريق اختيار لون الصخرة المناسبة (كما يحدث مع الجيولوجيين على الأرض)، لذلك يحتاج العلماء إلى أجهزة يمكنها تصوير الصخور عن بعد وبطريقة واضحة جدا. أيضا المطلوب النظر إلى الصخور ميكروسكوبيا، وبالإضافة إلى التحليل الطيفي للصخور يمكن الوصول إلى العينات المناسبة.

خاطرة

من خلال محاولتي كتابة الموضوع لفتت هذه الصورة نظري وأخذت أدقق فيها وتداخلت عندي الأفكار وقلت ماذا لو كنت فعلا وأنا على المريخ أنظر إلى الأرض بهذا الحجم؟! هل نحن نسكن هذا الكوكب؟! قطعة صخرية معلقة في الفضاء في هذا الظلام الموحش! من الذي أحضرني إلى هنا؟ والأمر الآخر الذي سرح بي هو كل هذا الصراع يتم الآن على هذه البقعة الصغيرة! كل الجبابرة والمجرمين قتلوا البشر، ورجعت إلى ما قاله الإمام علي «ألا ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار?» عزيزي القارئ أرجو أن ترجع للصورة وتركز عليها وكأنك فعلا على المريخ وتنظر إلى الأرض فماذا تقول لنا نحن البشر؟.
---------------------------
* أكاديمي من الكويت.

 

علي حسين عبدالله*