أزمة المياه في العراق.. الأمل في تقنيات الري الحديثة

أزمة المياه في العراق.. الأمل في تقنيات الري الحديثة

أدت ثلاثة عقود من الحروب والنزاعات المسلحة والعقوبات وإهمال البنية التحتية- فضلًا عن محدودية الوعي البيئي- إلى تقويض نظام إدارة الموارد المائية في العراق. وسيكون لإدخال تحسينات على إدارة الموارد المائية في البلاد تأثير عميق على جهود العراق المبذولة للقضاء على الفقر المدقع والجوع (الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية)، وتخفيض معدل وفيات الأطفال (الهدف الرابع من الأهداف الإنمائية للألفية)، وضمان الاستدامة البيئية (الهدف السابع من الأهداف الإنمائية للألفية).

ووفقا لدراسة لـ «Iau Inter-agency Information and Analysis Unit»، فإن العراق يواجه صعوبات في تحقيق الهدف المتمثل في إتاحة إمكانية الحصول على إمدادات مياه الشرب الآمنة لـ 91 في المائة من الأسر بحلول العام 2015.

وحسب دراسة لفريق الأمم المتحدة القطري وحكومة العراق والأهداف الإنمائية للألفية في العراق (2010)، فإنه في الوقت الراهن، يستخدم 20 في المائة من الأسر في العراق مياه الشرب من مصادر غير مأمونة. بينما كشف «المسح العنقودي متعدد المؤشرات» (الذي أجرته اليونيسيف والجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات وهيئة إحصاءات إقليم كردستان في العام 2006) أن 16 في المائة آخرين أفادوا بمواجهة مشكلات يومية في الحصول على إمدادات المياه. أما في المناطق الريفية فالوضع أسوأ بكثير، فحسب «المسح العنقودي متعدد المؤشرات»، يحصل 43 في المائة فقط من الأسر على مياه شرب آمنة، وغالبا ما تتسم المياه المستخدمة لأغراض الزراعة بشحها وسوء نوعيتها، الأمر الذي أدى إلى جلاء العديدين عن مجتمعاتهم المحلية إلى المدن بحثًا عن المياه وسبل العيش، وبالتالي ارتفاع نسبة التحضر.

الكمية

تشير التقديرات الراهنة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إلى أن كمية المياه المتوافرة لكل فرد في العراق سنويا هي 2400 متر مكعب. وبمنأى عن تركيا، فإن كمية المياه المتوافرة للعراقيين تفوق تلك المتوافرة لجيرانهم.

وتحذر وزارة الموارد المائية العراقية من أن كميات المياه في الخزانات والبحيرات والأنهار قد وصلت إلى مستويات منخفضة للغاية، كما تناقصت مستويات المياه في نهري دجلة والفرات، وهما المصدران الرئيسيان للمياه السطحية في العراق، إلى أقل من ثلث القدرة العادية. ويعتمد المزيد من الناس على مصادر المياه الجوفية بالرغم من وجود أدلة تظهر انحسارها.

أما إدارة وإعادة تغذية طبقات المياه الجوفية فلا تتعدى الحد الأدنى، مما يؤثر على مستوى ونوعية إمدادات المياه الجوفية. وحسب «نظام المعلومات العالمي عن المياه والزراعة» لدى الفاو، فإن العراق يعتمد في الحصول على أكثر من نصف احتياجاته على مياه الأمطار التي تهطل خارج حدوده، ما يجعله عرضة لمخاطر التغير المناخي ومشاريع التخزين التي تقوم بها تركيا وسورية وإيران.

وفي حوار له مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، حذر عبد الرزاق جاسم حسون، رئيس إدارة الإحصاء الزراعي في وزارة التخطيط العراقية من أن مستويات المياه غير المستقرة في نهري دجلة والفرات، المصدران الأساسيان للمياه السطحية في العراق، سوف تستمر في إعاقة التنمية الزراعية ما لم يتم الاتفاق مع البلدان المجاورة على ضمان فرص أكثر عدلًا للوصول إلى المياه، واتباع تقنيات الري الحديثة على نطاق أوسع للحد من الهدر، حسب مسئول حكومي.

وأضاف: «يجب على العراق اتخاذ خطوة قانونية بمساعدة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والمجتمع الدولي لتحديد حقوقه المائية مع هذه الدول ... كما يجب أن نبدأ في استخدام تقنيات الري الحديثة لأننا لا نزال نستخدم الطرق التقليدية القديمة التي تتسبب في هدر كبير للمياه».

وتشجع وزارة الزراعة على استخدام نظم الري الحديثة، خصوصًا تقنية الري بالتنقيط والرش. وحسب نائب وزير الزراعة، رياض القيسي، يحتاج هذا النظام إلى ما بين 4 و6 سنوات للاستكمال، ويمكنه أن يوفر 3.6 مليار متر مكعب من المياه سنويًا.

وحسب تحليل لإيرين، فقد حاول العراق منذ العام 2003 التوصل إلى اتفاق مع تركيا وسورية وإيران بشأن حصص المياه، ولكن لم يتم الاتفاق على أي شيء حتى الآن. وترى الدول الثلاث أن حاجتها المتزايدة للمياه بسبب الجفاف تجعل من المستحيل التوصل إلى اتفاق، وتحث العراق على اعتماد تقنيات الري الحديثة بدلًا من طلب تعديل حصص المياه.

ومن الجدير بالذكر أن مجلس الوزراء العراقي فوض وزير الشئون الخارجية في شهر ديسمبر الماضي لقيادة المفاوضات مع تركيا وسورية من أجل التوصل إلى اتفاق لتقاسم المياه، ولكن حتى الآن لم يتم عقد أي اجتماعات، وفقًا لتصريحات المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، علي هاشم، الذي ذكر أن العراق قام في 20 فبراير بالتوقيع على مذكرة تفاهم غير ملزمة مع إيران لتفعيل اللجان المشتركة المعنية بقضايا المياه. وأضاف «إننا نأمل أن يؤدي هذا إلى اتفاقات في المستقبل»، كما يخطط الوزير أيضًا إلى زيارة تركيا «في القريب العاجل».

تشييد السدود

ويقول حسون إنه: «من الواضح الآن أن الموارد المائية في العراق، التي تأتي من نهري دجلة والفرات بشكل رئيسي، تتناقص باستمرار بسبب السدود الضخمة التي يجري بناؤها في تركيا وسورية».

ووفقًا لوزارة الموارد المائية، تم بناء 22 سدًا و19 محطة طاقة كهرومائية على نهر الفرات في تركيا، بينما شيدت سورية 5 سدود، ويملك العراق 7 سدود على النهر نفسه.

وأشارت وزارة التخطيط في تقرير أصدرته أخيرًا إلى أن معدلات تدفق المياه في نهري دجلة والفرات تفاوتت بشكل كبير منذ العام 2003. ووصل أعلى معدل تدفق في نهر الفرات، الذي يبلغ طوله 2700 كيلومتر، إلى 27.4 مليار متر مكعب في العام 2003، قبل أن ينخفض إلى أدنى مستوى له، وهو 14.7 مليار متر مكعب، في العام 2008، ثم ازداد إلى 19.3 مليار متر مكعب في العام 2010.

أما في نهر دجلة، الذي يبلغ طوله 1900 كيلومتر، فقد بلغ متوسط تدفق المياه 49.48 مليار متر مكعب في العام 2003، ثم انخفض إلى أدنى مستوى له، وهو 20.37 مليار متر مكعب، في العام 2008، قبل أن يرتفع مرة أخرى إلى 47.7 مليار متر مكعب في العام 2010. وللنهر رافدان يدخلان العراق من إيران.

نوعية المياه

إن نوعية المياه المستخدمة لأغراض الشرب والزراعة رديئة وتخالف معايير العراق الوطنية وإرشادات منظمة الصحة العالمية. ويسهم تسرب المياه من أنابيب وخزانات الصرف الصحي في تلوث شبكة مياه الشرب بالنفايات السائلة.

وحسب «المسح الاقتصادي والاجتماعي للأسرة العراقية» الذي أجراه لا يقوم 80 في المائة من الأسر بمعالجة المياه قبل شربها، كما تتم معالجة 18 في المائة فقط من مياه الصرف الصحي، أما الباقي، فيتم طرحه مباشرة في المجاري المائية، كما أن كمية كبيرة من المياه الجوفية الموجودة على طول مناطق السهول الوسطى غير صالحة للاستخدام بسبب ارتفاع نسبة الأملاح فيها أو لتلوثها، ورغم ذلك يستخدم 8 في المائة من سكان القرى الآبار الضحلة المالحة في قراهم كمصدر رئيسي لمياه الشرب.

ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية الأسبوعي عن حالة الأمراض الشبيهة بالإنفلونزا والإسهال والكوليرا في العراق (الأسبوع 52 من العام 2010)، فإن الافتقار للصرف الصحي الآمن للأسر يعرض السكان لخطر الإصابة بالأمراض، ولاسيما الأطفال، حيث يمكن أن يتسبب الافتقار لخدمات الصرف الصحي في الانتشار السريع للإسهال والكوليرا، وبالتالي تفاقم المشكلات الصحية الأخرى التي يعانيها الصغار. وشهد العام 2010 حدوث حوالي 884.000 إصابة بالإسهال نتيجة تلوث مياه الشرب وغياب ممارسات النظافة الصحية، وكان 57 في المائة من الحالات بين الأطفال دون سن الخامسة.

ويشار إلى أن حوالي 41 طفلا من بين كل ألف طفل في العراق يموتون قبل بلوغ سن الخامسة، حسب بيانات اليونيسيف. ويمثل تحسن أنظمة الصرف الصحي جزءا مهما من جهود العراق المبذولة تجاه تقليص هذا العدد ليبلغ 21 طفلا بحلول عام 2015 (الهدف الرابع من الأهداف الإنمائية للألفية).

من جهتها، ذكرت الأمم المتحدة أن مستويات المياه في النهرين قد انخفضت إلى أقل من ثلث قدرتها الطبيعية منذ العام 2003، وأن 20 في المائة من الأسر العراقية تستخدم مياه شرب غير مأمونة المصدر، بينما يقول 16 في المائة من السكان إنهم يواجهون مشكلات يومية في الحصول على المياه.

وأضافت الأمم المتحدة في تقريرها الصادر في 2011 بشأن المياه في العراق أن 43 في المائة فقط من سكان المناطق الريفية يحصلون على مياه شرب مأمونة، وأن المياه المخصصة للزراعة تبقى نادرة وذات نوعية رديئة في كثير من الأحيان، وهو الوضع الذي تسبب في مغادرة العديد من القرويين لمجتمعاتهم الريفية بحثًا عن المياه وسبل العيش، ما أدى إلى زيادة التوسع في المناطق الحضرية.

التنافس على الموارد

تستنزف الزراعة معظم استهلاك المياه في العراق، إذ تستهلك نسبة تبلغ 92 في المائة من إجمالي المياه العذبة في الري وإنتاج الغذاء. وحسب «معهد الموارد المائية»، أسفر عدم كفاءة استخدام المياه في العام 2005 عن تحقيق المزارعين نسبة 20 في المائة فقط من الإنتاج المحتمل من المحاصيل الزراعية المروية بالأمطار (تقرير الأمم المتحدة الثالث المعني بتنمية المياه في العالم 2009).

وقد أثر انخفاض مستويات المياه في النهرين، وقلة الأمطار، وارتفاع مستويات ملوحة التربة إلى حد كبير، على الزراعة والثروة الحيوانية في العراق، حسب القيسي، والذي أضاف أن العراق اضطر منذ عام 2007 إلى خفض عدد الهكتارات المستخدمة في زراعة القمح والأرز والخضراوات بسبب نقص المياه. ومنذ عام 2008، تم حصر المنطقة المزروعة بالأرز في محافظات النجف والديوانية والمثنى.

ووفقًا لإحصاءات وزارة التجارة، يستهلك العراق ما يزيد قليلًا على 1.2 مليون طن من الأرز في السنة، ولكن إنتاج العام الماضي بلغ 83,000 طن فقط. كما يستهلك العراق أيضًا 4.4 مليون طن من القمح سنويًا، لا ينتج منها سوى حوالي 1.75 مليون طن على المستوى المحلي.

وسيؤثر النمو السكاني على إمدادات المياه، حيث تضاعف عدد سكان العراق ثلاث مرات ليصل إلى 30 مليون نسمة من العام 1970 إلى العام 2007، مما وضع بالنتيجة مزيدًا من الضغوط على فرص الحصول على المواد المائية، وستؤدي خطط التخزين والتنمية الزراعية في مناطق المنبع إلى عجز سنوي في منطقة المصب بمعدل 18 كم مكعب سنويا للزراعة المروية و26 كم مكعب سنويا للأهوار العراقية بين عامي 2007 و2040 وقد ينضب نهرا دجلة والفرات بحلول العام 2040، حسب وحدة تحليلات المعلومات بمنظمة الفاو.

تغير المناخ والجفاف

سيبقى تغير المناخ سببًا يجعل العراق أكثر عرضة للكوارث الطبيعية والتحديات البيئية. ورغم انحسار الجفاف خلال العام 2009، فإن العراق لا يزال يبذل الجهود للتعافي من آثاره، فخلال الفترة بين العامين 2007 و2009، شهدت حوالي 40 في المائة من الأراضي الزراعية في جميع أنحاء العراق انخفاضًا بمقدار تغطية المحاصيل وهلاك الماشية، وقد تسبب هذا الوضع في جلاء 20 ألفًا من سكان الريف بحثًا عن مصادر أكثر استدامة لمياه الشرب وسبل العيش، حسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة. وسيؤدي تكرار حدوث ذلك في المستقبل إلى زيادة الضغط على أنظمة المياه والاقتصاد في المناطق الحضرية.

الأهوار

تمثل الأهوار أكبر الأراضي الرطبة في جنوب غرب آسيا وتعتبر واحدة من أكثر النظم الإيكولوجية تفردًا في العالم. وعلى مر التاريخ، ساهمت الأهوار في تعزيز الرفاه البشري لسكان جنوب العراق من خلال توفير المياه العذبة وسبل العيش لنصف مليون عراقي تقريبا.

وأكد التقرير أن مستويات المياه غير المستقرة، إلى جانب التنمية النفطية والخطط الزراعية، قد أثرت سلبًا في انتعاش الأهوار في جنوب العراق. حيث كانت الأهوار (التي تقع في محافظات الناصرية وميسان والبصرة) تغطي 8350 كيلومترًا مربعًا في بداية سبعينيات القرن الماضي، ولكنها تقلصت بنسبة 90 في المائة بحلول العام 2003 بعد هجمات صدام حسين الانتقامية على المجتمعات الشيعية في المنطقة. وأضاف التقرير أن الأهوار استعادت 63.4 في المائة من مساحتها في العام 2006، ثم ارتفعت النسبة إلى 70.1 في المائة من مساحتها في العام 2008، ولكنها عادت وانخفضت إلى 45 في المائة بحلول العام 2010.

استجابة الأمم المتحدة والحكومة

يعتبر التنسيق بين المصالح الوزارية والإقليمية المتباينة في العراق واحدًا من التحديات الرئيسية التي تواجه إدارة المياه. ويدرك صناع القرار العراقيون جيدا مدى نضوب الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية في العراق، ولكن لا تزال الإجراءات المملوسة على المستويين المحلي والوطني محدودة وتفتقر للتنسيق.

وتقدم الأمم المتحدة الدعم لحكومة العراق على نحو متكامل لإصلاح إدارة موارد المياه، ومن خلال تحديث القطاع العام، سيقدم برنامج الأمم المتحدة المستوطنات البشرية، واليونيسيف الدعم لحكومة العراق في تحديث وإصلاح قطاعها العام مع التركيز على المياه والصرف الصحي ويشكل ذلك تقديم الدعم في وضع سياسة وطنية للمياه والصرف الصحي.

لقد قدمت اليونيسيف المساعدة لمليون طفل وما يزيد على 200 مدرسة منذ عام 2009، وتواصل المنظمة كذلك تقديم الدعم لإنشاء وإدارة طيف واسع من مشاريع توفير المياه ومعالجتها ومراقبة جودتها مع التركيز بشكل خاص على المجتمعات المحرومة.

وتقود منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) جهود فريق الأمم المتحدة القطري وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) لوضع إستراتيجية متكاملة لدعم عملية إحياء الأهوار، كما أطلقت اليونسكو مسحًا علميًا للمياه الجوفية في العراق لتحسين قدرة الحكومة على معالجة شح المياه وتحسين التخطيط الزراعي.

وتقدم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) دعمها لوزارة الموارد المائية ومحافظة أربيل في إعادة تأهيل البنى التحتية لتعزيز إمدادات المياه والصرف الصحي في ثماني محافظات. وتعمل منظمة الصحة العالمية واليونيسيف مع حكومة إقليم كردستان في السليمانية لتعزيز كمية ونوعية المياه التي توزع على المناطق السكنية التي تفتقر للخدمات.

 

أحمد خضر الشربيني