عبدالتواب يوسف ومحمد المنسي قنديل

  • أول كتاب أطفال يعود للعصر الفرعوني وكان ملونا موجود بالمتحف البريطاني
  • نصيب الطفل 8 كتب في أمريكا كل عام، ونصيب الطفل العربي لا يتجاوز سطرين
  • أزمة أدب الأطفال أنه تسيطر عليه نغمة التعليم والوعظ والإرشاد
  • لقد خسرنا الكثير جدا عند ما توقفت مجلة "العربي الصغير"
  • نطمح لوجود منظمة عربية قومية تقوم بتقديم برامج جيدة للطفل العربي

وجها لوجه قالت عنه سبيلا باكوش رئيسة قسم مكتبة الأطفال بمكتبة الكونجرس "إنه أكثر شخص في العالم يعرف كتب الأطفال ومؤلفيها.." ونظرة إلى البيت الذي يعيش فيه تجعلنا ندرك مدى صدق هذه الكلمات. فهو يمتلك أكبر مكتبة للطفل يمكن أن توجد داخل بيت من البيوت بشهادة ريان رول رئيس الهيئة الدولية لكتب الأطفال العالمية. لقد وهب نفسه خالصا لهذا الفن، مؤلفا ودارسا ورائدا. ولد عبدالتواب يوسف عام 1928 في إحدى قرى بني سويف. وظلت في أعماله آثار ابن القرية المحروم الذي حاول أن يثري عالمه من خلال الكلمات. وما زال هذا الطفل حيا في أعماقه حتى بعد أن ألف نحو 200 كتاب طبع منها 20 مليون نسخة وحصل على العديد من الجوائز أولها جائزة الدولة التشجيعية عام 1975 وآخرها جائزة الملك فيصل عام 1991. إنه كاتب نذر حياته لأدب الأطفال مبدعا ودارسا وقدم لهم بالإضافة إلى كتبه الكثيرة بضع مئات من البرامج الإذاعية على مدى أكثر من ثلاثين عاما على حد تعبير الدكتور عز الدين إسماعيل. إنه رائد حقيقي لهذا الفن. ولعله هو الذي أوجد له مكانا في خريطة الثقافة العربية. وقد تحمل عبء الريادة من تأليف ودراسة إلى دعوة واسعة للاهتمام بهذا الأدب من خلال عشرات المؤتمرات والندوات التي أشرف عليها. وقد أجرى الحوار الزميل محمد المنسي قنديل المحرر بالمجلة والقصاص وهو أيضا أحد كتاب أدب الأطفال.

الطفل بين الإبداع والدراسة

  • أنت كاتب أطفال. ولكنك لم تترك نفسك للإبداع كاملا. لقد انشغلت كثيرا بالكتابة حول الطفل وليس للطفل هل هي محاولة لتأصيل هذا الأدب الذي يعد فرعا جديدا في العربية.. أم هي متاعب الريادة التي التهمت جزءا من طاقتك الإبداعية وحولته إلى عالم الدراسات؟.

- لقد بدأنا الكتابة للأطفال دون قواعد معروفة. أو بالأحرى وفق طريقة اكتب وأغلط. لم يكن هناك ما يسمى قاموس الكلمات المناسب للطفل، ولا المرحلة العمرية، وكل هذه القواعد التي أصبح على أدب الأطفال أن يراعيها الآن. ومن خلال الخبرة والدربة الناجمة عن الكتابة المستمرة وصلنا إلى الصيغة المناسبة للكتابة للطفل.

وإنني أتساءل الآن.. كيف تسلل الاهتمام بدراسة الأطفال إلى مشاغلي؟ لقد كتبت للطفل أكثر من عشرين عاما دون أن أفكر في كتابة دراسة واحدة. وفي منتصف الستينيات عقدت في مصر أول دورة لتدريب الكتاب على الكتابة للطفل. كانت صاحبة الفكرة هي الدكتورة سهير القلماوي وضمت معظم الكتاب الذين كانوا معروفين في ذلك الوقت. وقد ألقى علي الشاعر صلاح جاهين سؤالا غريبا.. قال لي "لقد كتبت مسرحيتين للأطفال. "الليلة الكبيرة" والأخرى هي "صحصح لما ينجح". لقد نجحت الأولى وفشلت الثانية.. لماذا كان النجاح.. ومن أين جاء الفشل؟.. وقد حاولت الإجابة بأنه قد توجه بالخطاب إلى مراحل عمرية مختلفة. وأنه لا يوجد طفل واحد ولكن يوجد أكثر من طفل وأكثر من عمر. وهتف بي صارخ مدهوشا: مراحل عمرية من أين جئت بهذا الكلام؟..

لقد خرجنا من هذه الندوة بحصيلة كبيرة لكل هذه الأسئلة الحائرة.. وخرجنا أيضا بتكوين أول جمعية لكتاب الأطفال. ومن خلال هذه الجمعية اشتركنا في المؤتمر الذي عقدته وزارة الشئون الاجتماعية عن خدمات الطفولة عام 1969. وكان الجديد الذي قدمناه هو البحث عما يمكن أن نقدمه للطفل من خدمات ثقافية. وكان بحثا طويلا وعميقا شمل كل مناحي عالم الطفولة. بعد ذلك اقترحنا على مؤتمر وزراء الثقافة العرب الذي عقد في الكويت عام 1970 الاهتمام بثقافة الطفل وتبنوا اقتراحا من عشر نقاط وتقرر عقد حلقة دراسية في بيروت لمناقشة ثقافة الطفل العربي وقد خشيت أن نذهب إلى هذه الحلقة ونحن لا نحمل دراسات مناسبة فبادرت بالدعوة إلى المؤتمر الأول لأدب الأطفال وناقشنا العديد من قضايا الطفل. ومن هنا بدأت فترة البحوث والدراسات في حياتي.

لقد أثرت كثيرا على حياتي ولكني فعلت ذلك مضطرا، لأنه في ذلك الوقت لم يكن هناك أي أستاذ جامعي يقوم بإجراء بحوث على الأطفال بل إن مذيعة كانت تعمل في التلفزيون قدمت رسالة حول علاقة الطفل والتلفزيون وقد رفضها مجلس الجامعة.. إلى هذا الحد. نحن الآن نملك باحثين وأساتذة وأكثر من 20 رسالة دكتوراة وماجستير في أدب الأطفال.

أزمة الكتابة للطفل

  • ولكن ألا ترى أنه على الرغم من كثرة المؤتمرات التي تعقد في العالم العربي. والدراسات والبحوث التي تتراكم كل عام، فلا يوجد أدب عربي حقيقي؟.

- المؤتمرات لا تصنع أدبا. إنها مكان مناسب لتبادل الخبرات. ولكن الأهم من ذلك أن هذه المؤتمرات تخلق رأيا عافا للاهتمام بقضايا الطفولة والثقافة. لقد تحولت التربية الآن إلى مادة تدرس في الكليات والجامعات. بل إن هناك الآن مدارس تعلم الآباء كيف يربون أولادهم، لأن الأبوة والأمومة أصبحت أكبر بكثير من مجرد الرابطة البيولوجية.

أما إنتاج أدب الأطفال فهو نوع من العملية الإبداعية. لا أحد يقول المبدع كيف يبدع ولا متى يبدع، ولا بد أن نعود بذلك إلى تاريخ إبداع أدب الأطفال في العالم العربي. وأنا أرى أنه يعود إلى الشاعر أحمد شوقي كما أنه يبدأ في الغرب بهانز كريستيان أندرسن 1805. وقبل ذلك كان الأطفال عالة على مائدة الكبار. مع أن هناك كتابا للطفل يعود إلى العصر الفرعوني وما زال موجودا في المتحف البريطاني وهو مكون من لونين: أحمر وأسود، ومترجم ويوضع في كتب المطالعة المدرسية منذ زمن. وبالتالي فإن هناك بذورا لأدب الأطفال، ولكن المؤلف الأول الذي أمسك القلم وفي نيته أن يكتب للأطفال فقط هو هانز كريستيان أندرسن. أما ما حدث لأحمد شوقي فهو مختلف بعض الشيء. لقد ذهب إلى فرنسا كي يدرس فوقع في غرام الشاعر الفرنسي "لافونتين". وهكذا قرر أن يضع أشعارا على غراره. وكانت تجربة شوقي خليطا من تأثره بهذا الشاعر الفرنسي وحكايات إيسوب القديمة. والغريب أن شوقي حين أراد أن يطبع ديوانه "الشوقيات" أسقط منه أشعار الأطفال كأنه يريد أن يعتذر عن تأليفها. ولكن من حسن الحظ أنه حين أعيد طبع هذا الديوان كان المشرف على إعادة الطبع هو محمد سعيد العريان وهو أيضا كاتب أطفال. لذا فقد أعاد هذه الأشعار للديوان مرة أخرى.

وقد قمت بجمع هذه الأشعار وتلك الأخرى التي لم تنشر أو نشرت في صحف ومجلات متفرقة. وبلغ عددها 150 قصيدة وقدمتها في كتاب واحد هو "ديوان شوقي للأطفال" قد نجح هذا الكتاب نجاحا كبير وأعيدت طباعته أكثر من مرة. وقد كتب شوقي في مقدمة هذا الديوان يقول إنه قد أعد هذه الأشعار للأحداث أي الأكبر سنا بعض الشيء. وقد ناشد كل شعراء العربية أن يوجهوا اهتمامهم لشعر الأطفال فاستجاب له الشاعر العراقي "معروف الرصافي" وكتب كتاب "تمائم التربية والتعليم" وقد أعيدت طباعته مرة أخرى. كذلك استجاب له الشاعر "محمد الهواري" الذي كان موظفا بدار الكتب وألف كتابا في شعر الأطفال اسماه "سمير التلميذ" كذلك كتب كامل الكيلاني الذي يعد هو أيضا أحد رواد أدب الأطفال وكذلك محمد فريد أبو حديد. وهو يمثل مرحلة النقل والاقتباس. ولم يكن مؤلفا. وأزعم أن الجيل التالي له وهو جيلي هو الذي بدأ التأليف.

يجب أن نعرف أن هناك حجما ضخما لإنتاج كتب الأطفال في العالم. حتى عام 1988 كانت أمريكا تنتج حوالي 2500 كتاب في العام، وقد قفز الرقم بعد ذلك إلى 5000 كتاب. والمبالغ التي تستثمر في هذه الكتب تزيد على 260 مليون دولار وهو رقم يقارب ميزانية إحدى الدول. هذا في مقابل 250 كتابا فقط تنتجها كل الدول العربية في العام. وهكذا نجد أن نصيب الطفل في الولايات المتحدة من الكتب قد وصل إلى 8.7 كتاب بينما لا يتجاوز نصيب الطفل العربي سطرا من السطور.

وإذا عدنا للإبداع مرة أخرى فسوف نجد أن الجيل الذي سبقنا قد اكتفى بالنقل والاقتباس. وكل روايات الأطفال التي كتبت كانت على نسق ألف ليلة وليلة، وقد كتبت في عام 1964 روايتي الأولى "خيال المآتة" وأزعم أنها الرواية الوحيدة المؤلفة من الألف إلى الياء. وقد انتشرت انتشارا كبيرا وقررت على المدارس. وكانت الرواية الثانية هي "العم نعناع"، وهي قريبة مما يسمى بالقصص المدرسية وقد حولت إلى مسرحية للأطفال.

خصائص أدب الأطفال

  • هل يمكن القول إذن إن هناك خصائص معينة للكتابة للطفل يجب أن تتوافر لكل كاتب ويجب أق يأخذها الكاتب في اعتباره؟

- بالتأكيد.. كاتب الأطفال رونالد داهل تحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل. وسوف أستعرض معك من خلال كتابه الشروط الثمانية التي يجب أن تتوافر في كاتب الأطفال والتي توصل إليها من خلال كتاباته وتجربته:

1 - لا بد أن يتمتع كاتب الأطفال بنوع من الخيال الحي والواسع.

2 - أن يكون قادرا على القيام بالكتابة الجيدة بمعنى أنه لا بد أن يكتب مشاهد حية تتجسد في عقل وذهن القارئ وهي مقدرة لا يمتلكها الكثيرون.

3 - أن يركز في عمله.. وأن يعمل لأوقات طويلة في الحذف والإضافة حتى يخرج عمله مركزا ووافيا في الوقت نفسه.

4 - أن يسعى للمثالية وألا يرضى على الإطلاق بما فعله وأن يعاود الكتابة أكثر من مرة حتى يجوده بقدر ما يستطيع.

5 - أن يكون منظما وأن يكون حرا طليقا لا يكتب أشياء تفرض عليه.

6 - أن يتمتع بروح الدعابة والمرح وهي ليست مهمة في الكتابة للكبار ولكنها غاية في الأهمية عند الكتابة للصغار.

7 - يجب أن يمتلك قدرا من التواضع.. الإحساس بالعظمة يمكن أن يقوده إلى الارتباك والتعثر في توصيل أفكاره.

8 - يجب أن يكون محبا للأطفال بشكل كبير.

لماذا لا يجود كاتب الأطفال أعماله؟

  • ورغم ذلك فإن الجيل الذي تمثلونه لم يتجاوز كثير أزمة "الإعداد" وقد وقع في أسر التراث سواء كان التراث المحكي أو الخرافي في ألف ليلة وليلة أو التراث الديني. كيف تفسر هذا الطابع الغالب على أعمال هذا الجيل؟.

- أولا نحن مازلنا رغم ذلك في بداية الطريق. ولا يمكن أن نصل إلى مرحلة قبل أن نتم المرحلة التي سبقتها. ودعني أتحدث معك بصراحة. الحياة صعبة وظروف العيش ترغم الإنسان أحيانا على عدم تجويد أعماله. وأذكر عندما جاء المؤلف الأمريكي داني فوستر عندما زار القاهرة وسألنا "هل تفسد كثرة المال الكتاب عندكم؟.." وضحكنا جميعا.. فهو يعتقد أن كتب الأطفال تدر ربحا وأن دور النشر تدفع ما يسمى نقودا. نحن في حاجة إلى إنتاج مستمر كي نغطي ضرورات الحياة. والكاتب الجيد هو الذي يستطيع أن يشق طريقه بين ثلاثة دروب مختلفة هي طريق البحوث وطريق الكتابة للأطفال والطريق الثالث هو التأليف للأطفال. وأزعم أنني أقيم نوعا من التوازن بين الطرق الثلاثة خاصة في السنوات الأخيرة عندما أصبحت أكثر ميلا لتأليف القصص القصيرة للأطفال. لقد كتبت كتابا كاملا عن طفولة الرسول عليه السلام.. ورغم أن هذه الطفولة لا تتجاوز في كل كتب السيرة إلا عدة صفحات إلا أنني ألفت كتابا فيه نوع من الإبداع الخالص اعتمادا على هذه القيمة الدينية. ورغم حساسية الموضوع إلا أن مجال الإبداع يمكن أن يكون كبيرا. وقد حصلت بسبب هذا الكتاب على جائزة المنظمة العربية للثقافة والعلوم. وهكذا تجد أننا جميعا نمتهن الكتابة للأطفال وليس التأليف للأطفال لأن الكاتب عندنا لا يستطيع أن يعيش حياته دون أن يقوم بعدة مهن مختلفة ولن يرتقي أدب الأطفال عندنا بدون التفرغ الكامل لهذا النوع من الكتابة.

إنها أزمة حقيقية. ومما يزيدها أن الكتاب تسيطر عليهم نغمة التعليم والوعظ والإرشاد ولا يكتبون أدبا خالصا يثري حياة الأطفال ويثير فكرهم. نجيب محفوظ لم يكتب ليعلم الناس بالمعنى الحرفي للتعليم. ولقد انقرض الأديب المعلم في كل أنحاء العالم ماعدا عندنا. وعندما تقدم كتابا لأي ناشر يقول لك.. لماذا لا تضيف في النهاية عدة سطور للوعظ والإرشاد. لأن كل ناشر همه أن يوضع كتابه في قائمة وزارة التربية والتعليم لأن هذا هو سبيله الوحيد للتوزيع.

وهكذا نجد أن معوقات تقدم كتابة أدب الأطفال يسيطر عليها عاملان مهمان.. هما عدم التفرغ لهذا الأدب.. والفهم الخاطئ لدور هذا الأدب.

أين "العربي الصغير"؟

  • يقودنا هذا إلى الشق الثاني من الحديث وهو أزمة مجلات الأطفال في العالم العربي. وهي قليلة جدا تقوم في معظمها على الارتجال والترجمة من المجلات الأخرى. كيف ترى هذه الأزمة؟.

- مجلات الوطن العربي قليلة جدا.. تظهر فجأة وتموت فجأة أيضا. وعددها لا يتجاوز أصابع اليد. ويوجد الآن ثلاثة منها هي التي يمكن أن ينطبق عليها صفات المجلة هي "ماجد" التي تصدر في أبي ظبي. و "باسم" التي تصدر في السعودية. و "سمير" التي مازالت تصدر في مصر. في مقابل هذا هناك 7 مجلات تطبع يوميا في بيروت مترجمة وهي مجلات لا يمكن أن تحسبها في صالحك.. بل إنها تمنع مجلاتك المحلية من الانتشار، لذا فنحن نعاني من مجاعة مجلات خاصة بعد أن توقفت "العربي الصغير".

ويهمني في هذا المجال أن أتحدث عن تجربة مجلة "العربي الصغير" وهي في رأيي أهم تجربة لإصدار مجلة أطفال شهدها الوطن العربي. فلأول مرة يكون هناك تخطيط علمي للموضوعات التي تظهر على صفحاتها. وكيف يمكن أن تتوازن نسبة الفن إلى الأدب إلى العلوم وكل الموضوعات مصاغة بشكل فني بحيث يكون هناك نوع من التكامل بين كل أبواب المجلة. لذلك كانت هذه هي المرة الأولى التي نلجأ فيها إلى المنهج العلمي في إصدار مجلة. وهذا ما نفتقده في العديد من المجلات. وقد خسرنا كل ذلك بتوقفها، لأنها كان من الممكن أن تصبح مدرسة لمجلات الأطفال في الوطن العربي.

وبالطبع فنحن لا ننسى أكثر هذه المجلات عراقة وهي مجلة "سمير" التي يبلغ عمرها الآن 35 عاما. وهي تقدم - خاصة في السنوات الأخيرة - مادة تتجاوز كل المواد التحريرية في بقية مجلات الوطن العربي. فقد استطاعوا أن يضعوا كل ما في أمهات الكتب العالمية على صفحات المجلة وقد أصبحت "سمير" الآن تمثل نوعا من التحدي لكل مجلة تريد الظهور. أقول هذا وأنا لم أكتب في حياتي سطرا في مجلة "سمير".

ولكن.. ما لا شك فيه أن هناك فقرا مدقعا في المجلات التي تتوجه إلى الطفل. وإذا ضربنا مثلا بالولايات المتحدة التي يقارب عدد أطفالهم من أطفالنا فإن عدد المجلات التي تصدر تبلغ حوالي 400 مجلة. هناك طبعا بضع مجلات منها معروفة أكثر من الأخريات. بل إن هناك مجلة تصدر فقط 10 مرات في السنة لأنها تدقق كثيرا في اختيار المواد التي تنشرها. وهذا هو الإشكال.. نحن لسنا في حاجة فقط إلى مجلات.. ولكننا في حاجة إلى أن نعرف جيدا ماذا نقول من خلال هذه المجلات.

الطفل والتلفزيون

  • نأتي إلى وسائل الإعلام الأخرى غير الكتاب خاصة ونحن نعيش عصر التلفزيون. لقد تمت ترجمة برنامج "افتح يا سمسم" الأمريكي المعروف وأعيدت صياغته بحيث يوافق الطفل العربي. ترى هل نجحت هذه التجربة وألا نستطيع نحن كعرب أن نقدم برنامجا بديلا لهذا البرنامج؟.

- علاقة الطفل بالتلفزيون علاقة مهمة جدا وجديرة بالدراسة. ويكفي للتدليل على ذلك أن الطفل يجلس أمام التلفزيون كل عام حوالي 1000 ساعة بينما يجلس في المدرسة 300 ساعة فقط. وقد كان تلفزيون موسكو يقدم برامج للطفل لمدة سبع ساعات يوميا. لذلك يجب الانتباه إلى دور التلفزيون في تنمية الوعي المعرفي عند الطفل. وعلينا أن نضع في اعتبارنا أن اتحاد الإذاعات الأوربية هو الذي يقوم بإنتاج 70% من برامج الأطفال نظرا لارتفاع نفقات هذه البرامج ولا تستطيع أي دولة أن تقوم وحدها بإنتاج هذه البرامج إلا في حدود 30%. إن أوربا تصنع هذه البرامج وتقوم بترجمتها إلى عشر لغات. ونحن في الوطن العربي الذين نتحدث بلغة واحدة عاجزون عن تقديم مثل هذه البرامج.

أما من ناحية "افتح يا سمسم" فقد كانت تجربة مهمة جدا، وأنا شاركت في كتابة الجزء الأول منها. نحن لم نترجم "افتح يا سمسم" لأنه لا يترجم ولكن أخذنا منه بعض الفقرات وأضفنا إليه فقرات أخرى تناسب طفلنا العربي. وقد كانت هذه التجربة مفيدة جدا. مفيدة للطفل الذي لم يعد يحس بحالة من الغربة والإحباط أمام البرامج الأجنبية الجيدة الصنع. ولأنها خلقت جيلا من كتاب الأطفال الذين شاركوا في كتابة الجزء العربي. والخطوة التالية هي أن نقوم بعمل برامجنا الخاصة، ولو أن النقود التي أنفقت على برنامج "افتح يا سمسم" قد رصدت لبرنامج عربي آخر محلي الصنع لاستطعنا إنتاجه على درجة عالية من الجودة. إننا نطمح إلى وجود منظمة عربية تهتم بتقديم مثل هذه الأعمال للطفل مثل منظمة الثقافة العربية أو المجلس القومي للطفولة. إن هناك مبالغ كبيرة في التلفزيونات العربية مرصودة لبرامج الأطفال ولكنها تنفق جميعا في السعي من أجل شراء برامج أجنبية من المؤسسات التجارية. نحن نحتاج إلى مؤسسة ثقافية أدبية تربوية عربية.

المسرح والطفل

  • بجانب اهتمامك بالكتابة للطفل والبحوث فقد اهتممت أيضا بمسرح الطفل وقمت بنفسك بترجمة عدة مسرحيات مأخوذة عن هانز كريستيان أندرسن.. ما هي أهمية دور المسرح بالنسبة للطفل؟ وكيف يمكن النهوض بالمسرح المدرسي؟.

- أول دراسة قدمتها إلى مؤتمر بيروت للطفل كانت عن "المسرح والطفل". وأنا الآن أسأل نفسي. كم مسرحية يشاهدها الطفل في مرحلة الطفولة؟. أحيانا تمر كل هذه المرحلة دون أن يشاهد مسرحية واحدة على الطبيعة. وربما كانت الدولة العربية الوحيدة التي عندها مسرحا دائم للأطفال هي الكويت. لقد ترجمت 5 مسرحيات عن الأدب العالمي، وألفت 7 مسرحيات مستوحاة من نوادر جحا. ولكن إحساسي أن كل ذلك تم أحيانا بلا جدوى، لأن السؤال الذي طرحته على نفسي كانت إجابته هي النفي.

إن لدينا أربعة أنواع من المسارح: المسرح البشري مسرح خيال الظل ومسرح العرائس والمسرح المدرسي. ومع ذلك تمر كل مرحلة الطفولة دون أن يشاهد الطفل أي نوع من هذا. إن سر فشلنا المسرحي للكبار هو أن الطفل لا يتذوق الدراما المسرحية في طفولته. المسرح هو أبوالفنون، لأنه يتذوق فيه الأدب والشعر والموسيقى والملابس والتمثيل والإضاءة.

دور الخيال

  • الخيال مادة أساسية من مواد الكتابة للطفل.. كل كاتب يحرص على أن يترك مسافة بينه وبين الواقع الجامد.. لماذا يلجأ كاتب الطفل دائما إلى الخيال؟

- إذا كان استخدام الخيال عند الكبار هو ضرورة.. فإن استخدامه للكتابة للطفل حتمي. وربما يعود ذلك إلى أن عقل الطفل الصغير أشبه بالبالونة التي ساهم الخيال في جعلها منتفخة وبذلك نستطيع أن نزيد من قدرته على الاستيعاب والمعرفة. إن كل شيء يبدأ بالخيال. ولو أننا ضربنا مثلا لذلك بنوع من الأنواع الأدبية المحببة لدى الأطفال وهو الخيال العلمي. لقد تنبأ الكاتب الفرنسي جول فيرن بتسعة عشر اختراعا تحقق منها سبعة عشر حتى الآن. إن كل مهنة في حاجة إلى خيال. والإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يملك خيالا. ويتوقف على قوة هذا الخيال قدرة الإنسان على تحقيق منجزاته. والخيال عند الأطفال يمر بمراحل مختلفة. ويجب أن نفرق بين الخيال وأحلام اليقظة. لأن هناك خوفا دائما من أن يستهلك الطفل طاقته الذهنية في أحلام اليقظة. إن الخيال رغم كل ما في هذه الكلمة من جنوح يجب أن يكون له بعض من المبررات. لأن الطفل دائما ما يلح علينا في السؤال.. هل حدث هذا حقا؟ أم لم يحدث؟. ويكون ردي عليه هو المراوغة من الإجابة. لا أستطيع أن أهدم له كل شيء وأقول له إنه لم يحدث. ولا أستطيع أيضا أن أكذب عليه وأقول له إن ما حدث هو الحقيقة. إنني أترك عنده مساحة الخيال كي تقوم بعملها في توسيع المخيلة.

مفهوم جديد لأدب الأطفال

  • يبدو أننا على أبواب منعطف جديد من أدب الأطفال.. لم يعد الطفل يقنع بمفردات الأساطير القديمة من جزر غامضة.. وجنيات.. وساحرات.. إن الأطفال لم يعودوا يتقبلونها كثيرا.. وهناك رغبة عارمة عند عديد من الكتاب لتحطيم هذه الأساطير؟.

- هناك طبعا ثورة في أدب الأطفال، ولكنها ليست على الأساطير، لأن الأسطورة مازالت تستخدم ولكن تعاد صياغتها بمفهوم آخر. لقد جاء التحطيم في إطار التغيير الذي طرأ على مفهومنا للطفل، واكتشافنا أن عالم الأطفال يختلف عن عالم الكبار وأن الجسور الموجودة بين العالمين ليست كافية للتفاهم. الآباء يتصورون أنفسهم أباريق يسكبون ما في داخلهم في أكواب صغيرة هي الأطفال. ولكن الأطفال ليسوا أكوابا صغيرة. إنهم أنفسهم، غير قابلين لوضعهم في قوالب وفق مقاييس الكبار. فالطفل له معاييره وخبراته الصغيرة التي يكتسبها يوما بعد يوم. هناك انعطافات كبيرة مر بها أدب الأطفال. فقد حدثت انعطافات في الشكل كما حدث سنة 1928 عندما ابتكرت الكتب المصورة وفيها تمزج الصورة بالكلمة امتزاجا عضويا بحيث إذا فصلتهما عن بعضهما لا يفهم كل واحد بمفرده. هذه التجربة لم تنجح كثيرا في تطبيقها في الوطن العربي إلا تجربة وحيدة في "صندوق الدنيا" التي أصدرتها دار المعارف، رغم أن العالم يمتلئ سنويا بمئات الكتب في هذا المجال. الانعطافات ذات الطابع الأدبي حدثت مع "أليس في بلاد العجائب" عندما تخلص من نصائح علم النفس، لأن أدب الأطفال وجد قبل علم النفس ويجب ألا يخضع لمقاييسه. الانعطاف الحاد هو محاولة تخليص أدب الأطفال أيضا من الوعظ والإرشاد وأن يصبح فعلا أدبا وفق كل المقاييس من ناحية بناء الأحداث ورسم الشخصية، وأن تطبق كل قواعد النقد لا المقياس التربوي فقط.

تقول الكاتبة جوان إيكن "إن الطفل في البلاد المتقدمة يقرأ في مرحلة طفولته حوالي 600 كتاب ولكي تجعل كتابك مقروءا يجب أن تزاحم هذه الكتب حتى تجد لك مكانا وسطها" وهكذا فإنه يجب أن تكون مؤلفا على درجة عالية من الجودة كي تضع كتابا كلاسيكيا وسط هذه الكتب.

وبين كل هذه الانعطافات هناك تجربتان مهمتان.. الأولى من فنلندا وقامت بها "توف يانس"، والثانية من أمريكا قام بها "توبكن" وهي خلق مخلوقات لا تنتمي لبشر أو حيوانات أو أي شيء. هذه المخلوقات يمكن أن تجد جذورها عندنا في "ألف ليلة وليلة" ولكنها هنا تأخذ طابعا عصريا وتخلق من حولها عالما متكامل التفاصيل. إن طاقة الابتكار لا تهدأ في أدب الأطفال. وعليك أن تعلم أن جائزة هانز كريستيان أندرسن تمنح كل عامين لفرد واحد. وهناك جائزة شرفية لمن كان عمله جيدا ولكنه لا يرتقي لمستوى الجائزة.

وهكذا نرى.. إن كتب الأطفال يجب أن تتحول إلى نوع من الفن الخالص.. ورغم أنني رجل تربية في الأساس إلا أن إخلاصي للفن يحتم علي أن أقف ضد تحويل كتب الأطفال إلى منابر للوعظ والإرشاد.