إلي أن نلتقي

الصحافة والمرأة

يبدو لي أن ثمة تشابها بين الصحافة والمرأة، وهو تشابه يؤرق الكثيرين من الذين يعملون بالصحافة أو الذين يقتربون من المرأة. فالذين يعملون بالصحافة يدركون معنى هذا العشق لهذه المهنة، وعبثية الخلاص منها أو الابتعاد عنها، والذين يقتربون من المرأة يعانون عذاب محاولة الفرار من أسرها، فما أشد عذاب رجل يقترب من امرأة ولا يستطيع الفكاك من أسرها. والصحافة كالمرأة في هذا التزين الجميل للآخر في بيتها شعر وورق متناثر، وألوان وأخبار، وصور وملابس، ولكنها في لحظة تجمع كل هذا وترتبه لتخرج للآخر رائعة ملونة ذات حضور وبهاء. وتماما كما أن المرأة تمل زينتها بعد أن يراها الآخرون، تموت الصحيفة أو المجلة بالنسبة للعاملين فيها فور خروجها للقراء، ويبدأون في عمل جديد، لعدد جديد، لمولود جديد.

والتشابه الأكثر قربا هو تشابه الصبا والكبر، فكلاهما- الصحافة والمرأة- في صباها فتية، باهرة، لاتحتاج إلى كثير من التجميل أو مواراة لآثار الزمن، أو تخفيف للترهل، ولكن مع الزمن تبدأ التساؤلات والجهود، كثير من تخفيف الوزن، كثير من الحفاظ على الرشاقة، بعض من الحيوية.

وهنا يتساءل البعض إذا كانت الصحيفة ناجحة ومستمرة أليس هذا كافيا لأن نتركها تستمر كما هي؟ في رأي هذا خطأ حقيقي، فالنجاح لا يمكن أن يستمر معتمدا على قانون الدفع الذاتي فقط، وكما تشعر المرأة فجأة أنها وقعت في براثن الكبر، وأن المحبين ينفضون عنها يوما بعد يوم، كذلك هي الصحيفة تكتشف أنها تفقد قارئا إثر قارئ، وأنها أصبحت عجوزا ثقيلة الحركة، ثقيلة الظل، منفصلة عن عصرها وزمانها.

ولكن التجديد والتطوير في الصحافة- والذي ينبغي أن يكون مستمرا - هو تجديد محسوب بدقة، لكيلا ينفر القارئ القديم والمنتظم، وفي نفس الوقت يكون من القوة بحيث يكسب قارئا جديدا.

والصحافة مثلها كمثل الكائن الحي يعيش الصبا والشباب والنضج، ولكنها تقاتل وتبذل الجهد كي لا تقع في بئر الشيخوخة الباردة وما يتبعه من نسيان، فموت الصحيفة ليس جميلا، ولا نبيلا، وكم من الصحف مازالت تطل علينا صباح مساء وهي غارقة في بئر الشيخوخة وتنتظر فقط مجرد شهادة إعلان وفاة.