السفن العربية.. أشرف أبواليزيد

 السفن العربية.. أشرف أبواليزيد

ظل العرب أهل سفر وترحال، عرفتهم البراري مثلما عرفتهم البحار. في الكتاب الذي نعرض له صورة حية لصفحات أخيرة من كتاب أنيق أصدرته (الوراقون) عن «السفن العربية». يقول في مقدمته محمد بوحسن وميساء الأنصاري: إن العرب الآن لم يعودوا يملكون من سفنهم الخشبية إلا القليل، نظرًا لتطور صناعة السفن ودخول وسائل نقل أخرى أكثر فاعلية، حتى تكاد تطوى أشرعتها، لولا اعتناء بعض الدول بالحفاظ عليها كمعلم تراثي.

الكتاب / الألبوم يضيء أيقونات السفر العتيقة هذه، لتقف على قصتها وتتأمل جماليات إبداعها، مع التعريف ببعض الوسائل القديمة والآلات التي كان يستخدمها القلافة (صُنَّاع السفن) في صناعة السفن الشراعية.

مقدمة الكتاب تشير إلى إبحار العرب انطلاقا من شبه الجزيرة عبر خطوط ملاحية عدة، انطلقت من موانئهم نحو مراكز تجارية محلية ودولية، حتى تواصلت من جهة أخرى مع موانئ الهند والصين وشرق إفريقيا، لتكون صلة وصل بينها وبين موانئ البحر المتوسط، حتى أصبحت يمثل كل منها شريانا رئيسيًا في الاتصالات بين الشرق والغرب.

قد يبدأ خط الرحلة في الأبلة (قرب ميناء البصرة) على مصب شط العرب، باتجاه الجنوب عبر البحرين في وسط الخليج، مجتازًا مضيق هرمز نحو دايبول (Daibul) الواقعة على مصب نهر السند، ومنها يتجه جنوبًا ليمر ببرواتش (Broach)، ثم إلى قالون (Quilon)، ومنها عبر جزائر نكوبار (Nicobar) وسري لانكا، إلى كانتون وتشيوانتشو ويانغتشو وهانغتشو ومينغشتو (نينغبو حاليًا) وغيرها من موانئ التجارة الخارجية الصينية.

وقد عرفت خطوط المواصلات البحرية بين الصين وبلاد العرب بأسماء عدة منها، طريق البخور، وطريق الخزف الصيني أو طريق الحرير البحري أيضًا.

كما امتد خط آخر من شط العرب باتجاه الجنوب ليصل إلى صحار الواقعة على شاطئ عمان، حيث يمتد باستمرار باتجاه الجنوب مع الشاطئ الشرقي من جزيرة العرب حتى عدن، التي تقع على الطرف الجنوبي من الجزيرة، ومن صحار امتد خط آخر إلى شواطئ زنجبار في شرق إفريقيا.

وكان هناك خط يمتد من عدن صوب الشاطئ الجنوبي الغربي من شبه جزيرة الهند مباشرة، فيما امتد خط آخر من عدن شمالا مع الشاطئ الغربي من الجزيرة، في البحر الأحمر حتى يصل إلى سورية وفلسطين، أو يتجه شمالاً حتى ينتهي إلى مصر.

أنواع السفن الشراعية التقليدية

نتعرف في الألبوم المصور والأنيق والضخم (قطع مربع 32 / 32 سم) على السفن العربية المميزة بأشرعتها والمختلفة عن نظيراتها اليونانية والرومانية والصينية التي كانت مربعة الشكل، كما تتصف سفن العرب بأجسامها المقطبة، إما بالألياف أو بالحبال أو بالأطواق قبل استحداث المسامير الحديدية.

وقد تعددت أسماء تلك السفن وأنواعها تبعًا لشكلها تارة ووظيفتها تارة أخرى، فمنهم من قسم السفن حسب شكلها إلى نوعين: مدببة الطرفين، وهذه تكون كل من مقدمتها ومؤخرتها ذات زاوية حادة، والأخرى تلك التي تكون مؤخرتها ذات شكل شبه مربع أو مستطيل.

ومنهم مَن قسّم السفن بحسب وظائفها إلى ثلاثة أنواع: الأول سفن الأسفار البعيدة والنقل البحري، والثاني سفن الغوص على اللؤلؤ وصيد الأسماك، أما الثالث فهو سفن النقل الساحلي.

سفن السفر والنقل البحري والتجاري

تتسم سفن هذا النوع بسعتها وكبر حجمها بما يمكنها من نقل أكبر قدر من الحمولة، ولتتحمل قوة الرياح وتلاطم الأمواج العالية، واستخدمت في صناعتها مواد بناء خاصة مستوردة من الخارج كالهند وإندونيسيا دون سطح، ويتوسطه الصاري الطويل المشدود بفتيل من الحبال المتينة.

وللبقارة قاعدتان في الخلف تميل إحداهما ارتفاعًا عن الأخرى مما يسهل عملية جرها إلى الساحل نظرًا لارتفاع المؤخرة عن القاعدة مما يقلل من احتكاك السفينة بالرمل.

البتيل

يعد من أشهر السفن الشراعية وأقدمها وأسرعها، ويقال إن تسميتها تعود إلى أسرة هندية تسمى (باتيل) من مدينة كلكتا الهندية. ولا يختلف البتيل كثيرًا عن سفن البقارة من حيث الصنع والوظيفة - حيث استخدم للنقل البحري والغوص - سوى في شكل المقدمة والمؤخرة. ويتراوح طول البتيل بين 50 و 60 قدمًا، كما تتراوح حمولته بين 20 و50 طنًا. ويتخذ رأس البتيل شكلًا مميزًا شبيهًا بالكمان، فيما تنحدر مقدمته بسرعة نحو رافدة القص التي يبلغ طولها ثلث طول المركب بكامله، ما يعطيه شكلاً أنيقًا وانسيابية عملية في الوقت ذاته. وأحيانًا يوجه البتيل إذا كان كبيرًا بواسطة دفة متوازنة ذات عجلة، أما الصغير منها فيوجه بالمجاذيف أو الأشرعة.

وقد استخدم بعض القراصنة البتيل لسطوهم على السفن التجارية العابرة نظرًا لسرعته، كما اعتبره البحارة أمير الغوص لدوره المهم في رحلاتهم في البحث عن اللؤلؤ. وقد توارى البتيل عن الأنظار منذ حوالي سنة 1940م.

الجالبوت

ويوجد هذا النوع بكثرة في دول الخليج، وقد ذهب البعض إلى أن أصل تسميته إنجليزية نسبة إلى السفن الغربية المعروفة بـ (Jolly-Boat)، فيما رأى البعض الآخر أنه مشتق من المركب البرتغالي (جاليوتا)، وذكر آخرون أن اسمها مشتق من (دالي بوت) اسم سفينة هولندية، إلا أن ابن بطوطة ذكر في كتابه رحلات ابن بطوطة، ثم ركبنا البحر من جدة في مركب يسمونه الجبلة، وهكذا قد يكون الاسم محليًا في النهاية. ويتراوح طول الجالبوت بين 20 و 60 قدمًا، كما تتراوح حمولته بين 15 و 60 طنًا. وللجالبوت سطح له فتحات يمكن من خلاله الوصول إلى (خن) السفينة وهو مستودعها أو جوفها، ويزود الجالبوت بالمجاديف.

السنبوك

ويسمى السنبوق أيضًا، واختلف في أصله، فمنهم مَن يرى أنه يعود إلى سفن المصريين القدماء، وآخرون يذهبون إلى أنه فارسي الأصل. وقد ذكر ابن بطوطة في وصفه وصوله لميناء مقديشو الصومالي أنه «متى وصل مركب إلى المرسى تصعد الصنابيق، وهي القوارب الصغار إليه، ويكون في كل صنبوق جماعة من شبان أهلها. ويتراوح طول السنبوك بين 40 و60 قدمًا، بينما تتراوح حمولته بين 25 و60 طنًا.

وانتشر السنبوك في الموانئ الخليجية والعربية، وظهرت منه العديد من الأشكال والأحجام التي لا تختلف عن بعضها البعض إلا الشيء القليل، كالسنبوك العماني، والسنبوك اليماني الذي كان يجتاز البحار والمحيط ليصل إلى الهند وزنجبار، والسنبوك الكويتي الذي صنع خصيصًا للغوص وصيد اللؤلؤ.

ويتميز السنبوك بمقدمته ذات الزاوية الحادة، ومؤخرته التي تشبه المربع، وله قاعدة قصيرة نسبيًا، وفي مقدمته انحناء للخارج حيث ينتهي عمود المقدمة بالساطور، وقد يكون مزينًا بالنقوش الجميلة التي تزين مؤخرته، كما يكون عمود المؤخرة الذي يعلق فيه السكان بارزًا، أما سطح السفينة فله فتحات كمدخل لخن السفينة.

الشوعي

ويأتي بأحجام مختلفة، ويستخدم في رحلات الغوص وصيد الأسماك، وتشبه سفينة الشوعي السنبوك شبهًا كبيرًا، غير أنها أصغر حجمًا، كما أن مؤخرتها تخلو من الزخرفة والنقوش، وفي مقدمتها ساطور يشبه السيف، ويرتفع فوق مقدمة السفينة مضيفًا جمالاً ملحوظًا يميّز سفينة الشوعي عن غيرها من السفن الشراعية. وللشوعي صار واحد، وأحيانًا اثنان إضافة إلى المجاديف، ويسطح من مقدمته إلى مؤخرته، وله سطح يرتفع في مؤخرته يسمى (الفنه).

البغلة

من أقدم السفن الشراعية للنقل البحري، وكانت تستخدم للأسفار البعيدة وحمل البضائع، وهي تشبه السفن البرتغالية القديمة العابرة للمحيطات، وتسبق البوم تاريخًا في الإبحار بعيدًا.

وكانت تستخدم لنقل التمور والخيول العربية وغير ذلك من بضائع إلى الهند، وتتراوح حمولتها ما بين 20 و400 طن، أما طولها فيتراوح بين 120 و 150 قدمًا، وعرضها ما بين 20 و 30 قدمًا.

وتتميز بأن لها عدة سطوح، ولها ثلاثة صوار، أحدها في الثلث الأمامي من السفينة، والآخران في الجزء الخلفي، ويغطي أسفل هذه السفن برقائق من النحاس تحمي السفينة من التآكل، كما تكون مؤخرتها على شكل مربع تزينه زخارف ونقوش جميلة، ولها شبابيك في أطرافها. ومما يميزها أيضًا غرفة (الدبوسة) التي تستخدم لحفظ الحاجات أو كحمام للسفينة.

ولا يعرف أول مَن بنى سفينة البغلة في الخليج إلا أنها وجدت في موانئ الخليج والموانئ الإيرانية، وتبقى من أبدع السفن التي عرفها الخليج وأكثرها جمالاً.

القنجة

وتسمى أيضًا الغنجة، عرفت في عمان، وتشبه إلى حد كبير مركب البغلة إلا أنها أصغر حجمًا، وتأثرت في تصميمها بالأسلوب الهندي، ومركب القنجة لا يختلف عن مركب (الكوتية) الهندية سوى في النقوش والزخرفة التي في مقدمته، وتتراوح حمولة القنجة ما بين 130 و300 طن، أما طولها فيتراوح ما بين 75 و120 قدمًا، وكانت تستخدم في التجارة عبر المحيط.

البوم

وللبوم عدة أنواع تختلف باختلاف حجمها ووظيفتها، منها البوم السفار، وكانت من أفضل أنواع السفن الشراعية للإبحار في ميناء الخليج وبحر العرب ومياه المحيط الهندي، وكان نجاحها سببًا لانتشارها آنذاك، ومازالت موجودة في بعض موانئ الخليج. ويتميز البوم بسهولة التحكم أثناء الإبحار مقارنة بسفينة البغلة، وذلك بسبب مؤخرته المدببة ذات الزاوية الحادة، التي تمتص قوة ضربات الموج، ويعتقد أن طريقة بنائه جاءت تطويرًا عن البغلة، إلا أنه يخلو من النقوش أو الزخارف، وكلفة بنائه أقل من كلفة بناء سفينة البغلة.

وما يميز شكل سفينة البوم أيضًا عمود مقدمتها ذو اللونين الأسود والأبيض، وفي جزئها الخلفي يوجد (النيم)، وهو سطح مرتفع عن سطح السفينة يجلس فيه النوخذة وصاحب الدفة، وهي قوية بحيث يمكن أن ترفع سبعة أشرعة في آن واحد. وللبوم السفار قاربان صغيران، أحدهما لنقل النوخذة وتحركاته في المسافات القريبة ويسمى (الكيت)، والآخر لنقل البحارة وأمتعتهم والبضائع إلى الموانئ ويسمى (الماشوة).

وهناك البوم القطاع، ويستخدم لنقل البضائع بين موانئ الخليج، وتبلغ حمولته مائة طن من البضائع، وهو يشبه شبهًا كبيرًا البوم السفار في طريقة صنعه عدا خلوّه من السطح العلوي من السفينة (النيم).

سفن الغوص

يعتبر الغوص من أهم الحرف التي عرفتها الدول الخليجية والعربية باعتباره يمثل أحد المصادر الرئيسية التي اعتمد عليها أهل هذه البلاد في معيشتهم، ولذا نجد عدة أنواع من سفن الغوص منتشرة في كثير من سواحل الخليج وغيرها.

ومن سفن الغوص البقارة أو (البكارة) ويرى البعض بأن اسمها يرجع إلى قبيلة «البقارة» السودانية على ساحل البحر الأحمر، بينما يرى البعض الآخر أنه مشتق من البقرة، حيث إن رأس مقدمتها تشبه رأس البقرة، وهي من السفن التي لم تعد ترى في موانئ الخليج. والبقارة سفينة شراعية تطورت عن سفينة عمانية قديمة تسمى «البدن» وكانت تستخدم لصيد الأسماك، ويتراوح طول البقارة بين 30 إلى 60 قدمًا، وتتراوح حمولتها بين 10 إلى 30 طنًا. وللبقارة مقدمة تشبه الخرطوم، بينما تنتهي مؤخرتها بطرف رأسي مثلث الشكل حيث توجد دفة السفنية (السكان)، أما وسط السفينة فمفتوح.

الأدوات الملاحية

ولا يفوت على صناع الكتاب الألبوم الإشارة إلى الأدلة والأدوات الملاحية، حيث اعتمد العرب قبل اختراع البوصلة والأجهزة الملاحية علم القياس لتحديد خط العرض وذلك بقياس ارتفاع نجمة القطب عن خط الأفق. وكان الملاحون المتمرسون يقيسون خط العرض ليلاً بقياس الارتفاع من خط الأفق إلى نجم معروف في السماء ثم تقدير خط العرض بقياس بعده عن نجمة القطب. ويتم حساب ارتفاع النجم باستخدام عرض الأصبع، (حيث تشكل الدائرة ذات الـ360 درجة 224 أصبعًا)، وكان يقدّر مسير يوم كامل نحو الشمال بما يعادل عرض أصبع واحد.

كما استخدم العرب ما يعرف بالكمال وهو قطعة على شكل متوازي مستطيلات تصنع من الخشب ذات ثقب في وسطها يدخل فيها خيط ذو تسع عقد مختلفة المسافات تستفيد من حساب المثلث لحساب ارتفاع نجمة القطب باستخدام ظل تمام الزاوية أو ظل تمام زاوية الارتفاع. فيعمد الملاح إلى مسك نهاية الخيط بأسنانه في حين يضع الخط السفلي للكمال على مستوى الأفق ثم يحرك الكمال على الخيط حتى يصبح حده الأعلى في مستوى النجم المراد ارتفاعه. وبمعرفة عدد العقد يتم حساب عدد الأصابع التي يرتفع بها النجم عن ارتفاع نجمة القطب باستخدام دليل ملاحي يعرف بالرحماني.

وفي مرحلة لاحقة استحدث «الاسطرلاب» وهو جهاز استخدم لحساب خط العرض بمعرفة مطالع ومغارب خمسة عشر نجمًا. ويتم تحديد خط العرض باستخدام ارتفاع الشمس أو نجمة القطب باستخدام علم القياس. ونظرًا لعدم ثبات الخط العمودي في السفن أثناء الإبحار فقد واجه استخدام الاسطرلاب شيء من الصعوبة، ولكن شاع استخدامه على اليابسة لتحديد مواقع الموانئ.

رغم أن البوصلة كانت معروفة منذ أزمان سحيقة، فإنه نظرًا لصفاء السماء في المحيط الهندي وبحار شبه الجزيرة معظم أشهر البحار، فقد كان استخدامها قليلاً ولم تعد من الأجهزة المهمة. ولكنها اكتسبت أهمية أكبر في بحار الشمال حيث تغطي سماءها السحب في مواسم عديدة.

وألف الملاحون العرب العديد من الأدلة الملاحية والخرائط التي سجلوا فيها الكثير من المعلومات الملاحية المهمة التي تعينهم على الإبحار. ومن أشهر هذه الأدلة وأقدمها دفتر إرشادي يسمى الرحماني أو الرهماني، وكتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد لشهاب الدين أحمد ابن ماجد الذي عاش في ظفار في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي/القرن التاسع الهجري، وعمّر إلى مطلع القرن السادس عشر، وكتاب العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية، وكتاب معدن الأسرار في علم البحار للشيخ ناصر بن علي الخضوري، ومن الكتب التي ظهرت متأخرة في العام 1916 كتاب «دليل المحتار في علم البحار» للنوخذة الكويتي المشهور عيسى القطامي وهو دليل إرشادي باللهجة العامية.

 

أشرف أبواليزيد