لمسة البهجة وعبادة وابتهال. وأمل غامض في أن تنفتح طاقة
سماوية في ليلة القدر ورجاء في رحمة ومغفرة تطهّر القلوب. هذا هو سحر ليالي رمضان
عندما يهل علينا بأيامه المباركة. تفتح «العربي» قلبها وتحتضن صفحاتها ثلاثة من
الكتّاب وهم يقدمون صورة عن أثر هذه الليالي المباركة في مدنهم. وفي نفوسهم كتابات
حية ونادرة تسجيلي حقيقة النفس المسلمة بكل ما تحمل من تراث وذكرى.
---------------------------------
رمضان في مكة المكرّمة
جلال الدين وبهجة
الدنيا
(لولا الهجرة لسكنت مكة. إني لم أرَ السماء بمكان قط أقرب إلى الأرض
منها بمكة، ولم يطمئن قلبي ببلد قط ما اطمأن بمكة، ولم أر القمر بمكان أحسن منه
بمكة).
«أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها».
لمكة المكرمة مع أشهر السنة قصص لا تكاد تنتهي، فلكل شهر وقعه، ولكل
موسم مذاقه، فهي مدينة المواسم كلها، غير أن لشهر رمضان معها قصة شائقة، حين تآلف
الزمان والمكان المقدّسان، وآذن ذلك بنزول الوحي المبارك، إعلانًا لسطوع نجم
الإسلام الحنيف، وبدء الدعوة المحمّدية، فكانت هذه البلدة المباركة بحق إلف هذا
الشهر المبارك. وفي ذلك يقول الله - تبارك وتعالى - شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من
الهدى والفرقان .
وفي هذه البلدة من صنوف الشوق والتوق وألوان الوجد ما لا حصر له، فهي
المدينة التي لا تُبليها الأيام، وإنما تزيدها إشراقًا وسطوعًا، ولا تني تبعث في
قلوب مئات الألوف من المسلمين رقة وخشوعًا، فإن اسمها على ألسنتهم هدى، وإذا هي في
أفئدتهم هوى لا تزيده الأيام إلا فتنة أي فتنة.
ولك أن تتأمل بقلبك وعقلك ذلك التاريخ الذي قطعته مكة، فهو مهوى تلك
الأفئدة التي يغلبها الهوى عن أمرها، فلا تملك من نفسها سوى أن تستجيب، من وراء
القرون، إلى نداء خليل الرحمن إبراهيم - عليه السلام - ربنا وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون . وكأن
مكة في أمسها ويومها وغدها هبة إبراهيمية مباركة، وقد شمر وابنه إسماعيل - عليه
السلام - عن سواعدهما ليقيما في الأرض تلك البنية، وجدّدا أمر التوحيد، فكان ذلك
الوادي المجدب غير ذي الزرع جاذبًا لتلك القلوب، التي لم يزدها طول السّرى إلا
اشتياقًا إلى أحب الأمكنة إلى الله، فكم من حكاية حب لا يدانيه أي حب شهدتها تلك
الأمكنة الشريفة! وكم من كلمات مباركات عرجت إلى السموات العلى من أعماق ذلك الوادي
المبارك!
وللشوق إلى مكة المكرمة تاريخ يطول، ويكفيك منها أنها أثارت شوق النبي
الكريم - صلى الله عليه وسلم - غير مرة، ولطالما عبّر الجلة من العلماء والأدباء
والمتصوّفة عن ذلك الشوق إلى تلك الأمكنة المنيفة، حيث سماؤها لا تشبهها أي سماء،
حيث جبالها لا تدانيها جلالاً أي جبال، ففي كل شعب من شعابها خير، وعند كل منحدر
فيها أثارة من نور وضوء من هدى، ولطالما لهجت الألسنة بذكرها، ولم تُسعف الكلمات من
خفّ يدوّن شيئًا من أخبارها، غير أن من الطريف أن ينشط نفر من العلماء إلى التأليف
في فن «التشويق» إلى ثراها المبارك، فهي الكلمة التي لا تزيدها الألسنة إلا جدّة
وجمالا، وحين أطلت أصداؤها، صوتًا وصورة، في أقنية التلفاز، وأثير المذياع، ألهبت
العواطف، وملكت القلوب، وأشعلت الأشواق إليها، تفعل ذلك في صدر الصباح الباكر،
وتفعل ذلك في رقدة الليل الساكن، بيد أن لها مع موسميّ رمضان والحج ما لا يكون في
سواها من الحواضر والمدن، إلا ما كان من شأن المدينة المنورة فهي حبيبة محمد - صلى
الله عليه وسلم - وهي الأخت الحنون لمكة المكرمة.
عبقرية المكان
وفي مكة المكرمة، تتجلى عبقرية المكان، تلك العبقرية التي ألقت
بآثارها على المكان ومَن حلّ فيه، وكان لصدورها عن دعوة إبراهيم - عليه السلام -
أثر في نشأتها، وجعل الحج إلى بيتها المحرّم يرسم شخصية المكان وساكنيه، فهي ألفت
الغرباء وألفوها، وانطوت منذ بداءتها، على روح المدينة، ذلك الروح الذي ما انفكّ
مطيفًا بها على مرّ القرون، وكان لذلك أثر في نفس المكّي لاتخطئه، فالمكيّون يمدّون
بسبب إلى كل عرق تجري فيه دماء الإسلام، ويتنسّم هواء كل فج انبعثت من خلاله قوافل
الحجيج إلى البيت العتيق، فكانت مكة، بحق، خلاصة العالم الإسلامي، على ما ألمح إليه
كوكبة من الرحّالين الذين لم يُنسهم الشوق إلى ترابها الطاهر أن يلمّوا بشيء من
أخلاق أهلها وطبائعهم، ولعل من أطرف ما ساقه الرحّالون، ذلك الوصف الذي صاغه
الرحّالة المصري محمد لبيب البتنوني في رحلته الشهيرة إلى الحجاز عام 1326هـ -
1908م، حيث يقول:
«ومن اختلاط هذه الأجناس بعضهم ببعض بالمصاهرة أو المعاشرة صار سواد
أهل مكة خليطًا في خلقهم، خليطًا في خُلُقهم: فتراهم قد جمعوا إلى طبائعهم وداعة
الأناضولي، وعظمة التركي، واستكانة الجاوي، وكبرياء الفارسي، ولين المصري، وصلابة
الشركسي، وسكون الصيني، وحدّة المغربي، وبساطة الهندي، ومكر اليمني، وحركة السوري،
وكسل الزنجي، ولون الحبشي... وقد وصل هذا الخلط إلى أزيائهم، التي نراها مجموعة
مختلطة من أزياء البلاد الإسلامية: عمامة هندية، وقفطان مصري، وجبّة شامية، ومِنطقة
شامية، ومِنطقة تركية فيها خنجر».
ودعك من تصنيف البتنوني الذي انطوى في أثر منه على تقاليد ثقافية
بالية، وانظر إليه من حيث كونه دالاً على شخصية مكة المكرمة وشخصية المكيين، وأغلب
الظن أن ما ساقه يضرب في تاريخ قديم من الزمان، ألف ما دعاه الإخباريون والمؤرخون
«الظرف الحجازي»، وهو ما عساه يكون أصلاً أصيلاً في الشخصية الحجازية على ما مرّ
عليها من حقب مختلفة في السياسة والاقتصاد، وعلى ما كان من أثر تلك الأمشاج التي
صيغ منها جسده وروحه، فكان التديّن الحجازي - والتاريخ خير شاهد - سمحا، وكان يصدر
عن فقه عميق بروح الإسلام الذي ولد ونشأ وترعرع في تلك الديار.
وامتاز التديّن الحجازي بأنه أشد وشيجة بالدنيا، وابحث في التاريخ عن
مظاهر ذلك تجد ضروبًا من الأخبار تثبت ما ذكرته، وانظر في أخبار عبدالله بن العباس
وعبدالله بن جعفر الطيار، وسعيد بن المسيب، وسكينة بنت الحسين، لترى ذلك الأصل الذي
قام عليه الروح الحجازي، وهو أشد ما يكون تديّنا، ولكنه ذلك التدين الذي يرى فيما
أحل الله قربى إليه - تبارك وتعالى - وانبعث هذا الروح من وراء القرون، وظل إلى يوم
الناس هذا فتيًا لا يفتر، وأبيّا لا يذوي.
ومن ذلك أن المكيين شغوفون بالمواسم الدينية، لا يكاد - فيما يروي عدد
من الرحّالين - يدعون موسمًا يمر بهم دون أن يحتفلوا به، ويتفننوا في تخصيص أصناف
من الطعام والحلوى بكل موسم يمرّ بهم، ويصوغون ألوانًا عجيبة من الإنشاد والغناء،
لا تختلف في مقاماتها اللحنية عمّا يأخذ به كبار القَرَأة هناك من فنون الترتيل
للكتاب الكريم، فهما يمتحان من معين واحد، ولا يجد المكي - في تديّنه العميق - من
حيف عليه أن يعتلي منارة الحرم الشريف مناديًا من فنون الترتيل للكتاب الكريم، فهما
يمتحان من معين واحد، ولا يجد المكيّ - في تديّنه العميق - من حيف عليه أن يعتلي
منارة الحرم الشريف مناديًا إلى الصلاة، أو أن يشنّف آذان الملتفّين حوله في إملاك
أو خطبة أو مولد بصوته العذب، منشدًا من ألوان الغناء، بأنغام حجازية تحدّرت إليهم
من خلال القرون جيلاً بعد جيل.
رمضان في مكة
أما رمضان في مكة، فذلك شأن آخر، تعجز اللغة عن الوفاء بمعانيه، ففي
تلك البطاح، تشعر بقرب ما بين السماء والأرض، وكأن رمضان يجدد العهد بأم القرى منذ
تنزلّت الآي في جبلها الأشم «حراء» على فؤاد محمد - صلى الله عليه وسلم - في ليلة
خير من ألف شهر، ويرفعان معًا نبض القلوب إلى السموات العلى، في موسم تحفّه الملائك
من كل صوب. ولك - إن رزقت المثول في تلك الأمكنة - أن تجيل بصرك في ساحات الحرم
الشريف والحارات المصاقبة له، وفي وجوه الناس، وافحص عن تلك الوجوه تر البشر
يعلوها، وأمواجًا من البياض النقي يعمر بطاح مكة وشعابها، فلرمضان في كل ديار
المسلمين طعم ومذاق، ولكن له في مكة شأنًا لا تدانيها فيه بقعة في الكون الرحيب،
ولا أحسب أن أحدًا يكابر في نكران ذلك إلا من حُرم التمييز، أو فاته النزول في تلك
الأمكنة الشريفة، فرمضان - من بين أشهر السنة كلها - نشأ في حضن أم القرى، حتى عد
من عجائب الإسلام فيها - وهي مدينة تحفل بالعجائب - هذا الشهر الفضيل. يقول
الرحّالة المقدسي وقد نزل في ساحتها الشريفة في القرن الرابع الهجري:
«واعلم أن خمسًا في خمسة مواضع من الإسلام حسن: رمضان بمكة، وليلة
الختمة بالمسجد الأقصى، والعيدين بإصقيلية، ويوم عرفة بشيراز، ويوم الجمعة ببغداد،
وأيضًا ليلة النصف من شعبان بإيليّا، ويوم عاشوراء بمكة حسن».
ابن جبير يصوم رمضان في مكة المكرمة
وفي القرن السادس الهجري، قام الرحّالة الأندلسي الشيهر ابن جبير
الكناني بسياحته في العالم الإسلامي، وقدّم وصفًا جامعًا لأحوال الديار التي نزل
بها، ومن بينها مكة المكرمة وجرّد قلمه، وهو الصوفي المولّة، لبيان ما كانت عليه أم
القرى على عهده، وكانت الأخبار التي ساقها بين يدي رحلته مصادر مهمة لتاريخ الحجاز
في تلك الحقبة، ويهمّنا هنا، وصفه العميق للتقاليد الرمضانية المكّية.
إن مَن يظهر على رحلة ابن جبير، يدهش لخصيصة مكيَّة أصيلة وهي ولع
المكّيين بالاحتفال بالمواسم الدينية، حتى كأنه ليس من شأن لهم سوى الانتهاء من
موسم والشروع فيه، وأحسب أن هذه الخصيصة مردّها إلى طبيعة الاقتصاد المكّي الذي
يقوم - منذ العصر الجاهلي المتأخر - على التجارة الموسمية، فمكة واد غير ذي زرع،
وليس من وسيلة للحد من غائلة الجفاف والصحراء، التي تفغر فاها أينما اتجهت سوى
الأشجار، وضرب الأسواق ومواسم الأدب في الأمكنة المحيطة بها، ومن ذلك موسم الحج إلى
حرمها، وهو أعظم المواسم عند العرب، فتفتّقت الحاجة إلى ما يقيم شأن المكيين وأودهم
عن تجارة الإيلاف، وتجارة التحويل، فأضحت مكة المكرمة لا تخلو من موسم طوال أيام
السنة، وأضحى أبناؤها ذوي بصر بالحياة ومشاربها، وألبس المعنى الاقتصادي لتلك
المواسم لبوسًا دينيًا، حتى شاع أمره وتنوسي الأصل الاقتصادي لها.
كان ابن جبير حفيًا بالمشاهد والآثار في أثناء رحلته، وكانت صوفيته
سببًا أصيلاً في حفول رحلته بتلك المشاهد، وقدّم وصفًا عجيبًا لمكة المكرّمة،
المدينة الكونية التي جمعت في واديها غير ذي الزرع عجائب الدنيا كلها، ففيها من
نفيس الجواهر وعجيب الذخائر ما لا يجتمع في مكان سواها، وبلغ من عظم تجارتها أيام
الموسم، في الحج، أن لو فُرقت على البلاد الأخرى «لأقام لها الأسواق النافقة، ولعمّ
جميعها بالمنفعة التجارية، كل ذلك في ثمانية أيام بعد الموسم، حاشا ما يطرأ بها مع
طول الأيام من اليمن وسواها، فما على الأرض سلعة من السلع، ولا ذخيرة من الذخائر
إلا وهي موجودة فيها مدة الموسم. فهذه بركة لا خفاء بها، وآية من آياتها خصّها الله
بها».
وابن جبير، وهو يعدد ما رآه وعاينه في رحابها، لا ينسى أن يلم
بمواسمها شهرًا فشهرًا، ويصف احتفال المكيين بتلك المواسم، لاسيما قيامهم عن كابرهم
بالاحتفال العظيم بالعمرة الرجبية - وهي مما يعتاده المكيون في عصرنا هذا، ويرجع
عهدها إلى أيام عبدالله بن الزبير - ويظهر أن ابن جبير، وقد جاب في طول العالم
الإسلامي وعرضه، قد أصابه شيء من الدهش لمبلغ احتفالهم بالعمرة الرجبية، حتى إنهم
يقرنون العمرة الرجبية بالوقفة العرفية (نسبة إلى يوم عرفة)، «لأنهم يحتفلون لها
الاحتفال الذي لم يسمع بمثله ويبادر إليها أهل الجهات المتصلة بها، فيجتمع لها خلق
عظيم لا يحصيهم إلا الله عز وجل. فمن لم يشاهدها بمكة لم يشاهد مرأى يستهدي ذكره
غرابة وعجبا، شاهدنا من ذلك أمرًا يعجز الوصف عنه، والمقصود منه الليلة التي يستهل
فيها الهلال مع صبيحتها. ويقع الاستعداد لها من قبل ذلك بأيام، فأبصرنا من ذلك ما
نصف بعضه على جهة الاختصار. وذلك لأنا عاينّا شوارع مكة وأزقتها، من عصر الأربعاء،
وهي العشية التي ارتُقب فيها الهلال قد امتلأت هوادج مشدودة على الإبل، مكسوة
بأنواع كسا الحرير وغيرها من ثياب الكتّان الرفيعة بحسب سعة أحوال أربابها ووفرهم،
كل يتأنق ويحتفل بقدر استطاعته، فأخذوا في الخروج إلى التنعيم ميقات المعتمرين،
فسالت تلك الهوادج في أباطح مكة وشعابها، والإبل قد زيّنت تحتها بأنواع التزيين،
وأشعرت (أي أعلمت) بغير هدي بقلائد رائقة المنظر من الحرير وغيره، وربما فاضت
الأستار التي على الهوادج حتى تسحب أذيالها على الأرض».
ويستمر ابن جبير في سرده العجيب لحال المكيّين مع العمرة الرجيبة،
وكأنه، لجمال وصفه، ذو عين سينمائية تحفل بالصغير والمتواري احتفالها بالكبير
والظاهر، وبدت مكة في شهر رجب مدينة تعشق الحياة، وتقبل عليها من غير ما وجل أو
تقشّف، ولك أن تجيل في خيالك صورة ما كانت عليه مكة المكرّمة في أحد أشهر رجب من
القرن السادس الهجري، وقد أخذت زينتها، واشتعلت النيران بحافتيّ الطريق المصعّد إلى
حرمها، واتقدت الشموع بين أيدي الإبل، التي تحمل عقائل النساء، ثم تأمل هذا الوصف
الباذخ الذي يسرده ابن جبير من أمر العمرة الرجبية، وتأنّق المكيين في الاحتفال
لها:
«فلما قضينا العمرة، وطفنا، وجئنا للسعي بين الصفا والمروة، وقد مضى
هدء من الليل، أبصرناه كله سرجًا ونيرانًا، وقد غصّ بالساعين والساعيات على
هوادجهن، فكنّا لا نتخلص إلا بين هوادجهن وبين قوائم الإبل لكثرة الزحام، واصطكاك
الهوادج بعضها على بعض. فعاينّا ليلة هي أغرب ليالي الدنيا، فمن لم يعاين ذلك، لم
يعاين عجبًا يحدث به، ولا عجب يذكره مرأى الحشر يوم القيامة لكثرة الخلائق فيه،
محرمين، ملبين، داعين الله عز وجل ضارعين، والجبال المكرمة بحافتي الطريق تجيبهم
بصداها، حتى سُكّت المسامع، وسُكبت من هول تلك المعاينة المدامع، وذابت القلوب
الخواشع».
تديّن مكّي مبهج
وعسى أن تدرك مما ساقه ابن جبير قرب ما بين الدين والدنيا في عرف
المكيين، وعسى أن تدرك أحد أسرار هذه البلدة المباركة التي نشأ الإسلام في شعابها،
فأهلها، كما جاء في الأثر، أهل الله، وهم من الدّين بمكان، ومع ذلك أحاطوا بشعائره
ومظاهره بألوان من الفرح والعشق، وضربوا في ذلك المثل الأعلى في التديّن الممتلئ
بهجة وفرحًا، وأحسب أن مَن لم يعرف هذه الخصيصة في أهلها، لم يعرف المكيّين إلى
موسم آخر، وأنس يختلط بأنس، لاسيما احتفالهم بليلة النصف من شعبان، وما يبذلونه
فيها من ألوان الطاعات والقربى إلى الله - تبارك وتعالى - وبذل الصدقات للفقراء
والمساكين، وقضاء تلك الليلة بتلاوة القرآن الكريم، وإحيائها بالذكر
والرواتب.
بُحيرة من نور
وحين هلّ هلال شهر رمضان المعظم، شمّر المكيّون عن ساعد الجد، وأعلنوا
احتفالهم لمقدمه بأن جدّدوا حصر المسجد الحرام، وأكثروا الشموع والمشاعل، وتحوّل
الحرم الشريف إلى بحيرة من نور، وشرع ابن جبير يقدّم وصفًا باذخًا لما كان عليه
رمضان في القرن السادس، وهو يشبه ما ساقه المقدسي في رحلته في القرن الرابع الهجري
- وبالأخص وصفه لتقاليد صلاة التراويح، وتفرّق أئمة المذاهب السنية الأربعة والمذهب
الزيديّ في أنحاء المسجد الحرام لأدائها، واختلاط الصلوات بالأضواء المتقّدة من
الشموع التي أولع المكيّون بإيقادها في ساحات الحرم وأروقته،، «وكاد لا يبقى في
المسجد زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلّي بجماعة خلفه، فيرتجّ المسجد لأصوات
القَرَأة من كل ناحية، فتعاين الأبصار، وتشاهد الأسماع من ذلك مرأى ومستمعًا تنخلع
له النفوس خشية ورقّة».
الأئمة الصغار
ولعل من الشائق أن ما اعتاده المكيّون من تقديم أبنائهم الصغار لإمامة
المصلّين في صلاة التراويح في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري (عشرينيات
القرن العشرين الميلادي) - له أصل قديم في تاريخهم، فابن جبير يسرد طرفًا من
احتشادهم لهذه الشعيرة، حيث يختم القرآن الكريم أحد أبناء أهل مكة في ليالي العشر
الأواخر من رمضان، ويحضر الختمة القاضي وجماعة من الأشياخ، وحين ينتهي الصغير من
صلاته، ويفرغ من خطبته، يُهَنَّأ والده، ويستدعيهم إلى منزله، ويحتفل بهم ويقدّم
لهم صحافًا ملأى بأطايب الطعام والحلوى.
ويسوق ابن جبير جملة من الأوصاف البديعة لتناوب الأئمة الصغار من
أبناء المكيين لصلاة القيام، وختم القرآن الكريم، ويسرد طرفًا رائعًا لذلك، ولا
يفوته أن يلمح إلى أنواع الشموع والمشاعل التي جاءت على هيئة ثريًا مغصنّة ذات
فواكه جلبها أحد الآباء الموسرين، وفيها يظهر مبلغ ترف ذوي اليسار في مكّة لذلك
العهد، وما انتهى إليه المكيّون من تأنّق وترف في الملبس والمأكل والمشرب، وتقدّم
الإمام الطفل وأضواء الشموع والمشاعل تحدق به من كل ناحية، «ثم برز من محرابه
رافلاً في أفخر ثيابه بهيبة إماميّة وسكينة غلامية، مكحّل العينين، مخضوب الكفين
إلى الزندين، فلم يستطع الخلوص إلى منبره من كثرة الزحام».(128)
وفي ليلة السابع والعشرين من هذا الشهر العظيم، حيث يترقّب المسلمون
فيها وفي الليالي الآحاد ليلة القدر - أخذ الحرم الشريف زينته، وفي هذه الليلة
الشريفة يتجلّى جلال الدين والدنيا معًا، وبلغ صحن الحرم مبلغه من الزينة والرّياش،
وتفنن المكّيون في إظهار عبقرية الحسن في حرمهم الآمن، فمن خشب عظام تتدلى منها
قناديل كبار وصغار، إلى شموع وضّاءة، إلى زجاج شفّاف، في هيئات مختلفة ينبع منها
الذوق والجمال، وتحوّل الحرم الشريف في تلك الليلة المباركة إلى بحيرة من نور،
وأحدق بشرفات الحرم كلها صبيان مكة، وقد وُضعت بيد كل منهم كرة من الخرق المشبعة
سليطًا (أي زيتًا)، فوضعوها متقّدة في رءوس الشرفات، وأخذت كل طائفة منهم ناحية من
نواحيها الأربع، فجعلت تباري صاحبتها في سرعة إيقادها، فيُخيّل للناظر أن النار
تشبّ من شرفة إلى شرفة لخفاء أشخاصهم وراء الضوء المرتمي الأبصار. وفي أثناء
محاولتهم لذلك يرفعون أصواتهم بقولهم: يا ربّ يا ربّ على لسان واحد، فيرتجّ الحرم
لأصواتهم.
فلمّا كمل إيقاد الجميع بما ذُكر كاد يُعشي الأبصار شعاع تلك الأنوار،
فلا تقع لمحة طرف إلاعلى نور يشغل حاسّة البصر عن استمالة النظر، فيتوهّم المتوهّم،
لهول ما يعاينه من ذلك، أن تلك الليلة المباركة نُزّهت لشرفها عن لباس الظلماء،
فزيّنت بمصابيح السماء».(131)
أما ما حفّ بذلك المشهد الجليل من ألوان التلاوة وأطراف الذكر، فلقد
كان ابن جبير الأندلسي منه على ذُكر، ولاسيما تلك الفقرات التي أبرزت ليلة الختم،
ثم تفرّق القرّاء في جنبات البيت العتيق يتلون آيات من القرآن الكريم فيها التذكير
والتحذير والتبشير، إلى أن انتهت ليالي هذاالشهر العظيم، والقلوب موصولة به،
والألسنة لهجة بذكره.
والذي يظهر أنّ ولع المكيين بالمواسم والاحتفال لها أضحى خصيصة لهم،
فابن بطوطة اللواتي الطنجي في القرن الثامن الهجري لم يكد يبرح ما ذكره ابن جبير في
رحلته، بل لعل مدوّن رحلته اتّبعه حذو القذة بالقذة، غير أن ذلك لا ينفي ثبات تلك
التقاليد المكّية إزاء مرّ الأيام وتبدّلها، إلى أن بلغت مكة المكرّمة مشارف عصرها
الحاضر.
على عتبات العصر الحديث
ومكّة المكرّمة هبة الحج، وعليه يقوم معاش أهلها، ولذلك فأنت تراهم
إذا ما أقبل الموسم قد شمّروا عن ساعد الجد، حتى يفوز الجسور منهم بأوفى نصيب من
خدمة الحاج، فقبل نشوء الدولة الحديثة في جزيرة العرب، لم يكن للمكيين من معاش
سواه، ومَن يعاينهم، في أثناء الموسم، يعرف قدر هذا الموسم وخطره لهم، وما إن ينتهي
الموسم ويقفل الحجيج راجعين إلى بلدانهم، وتفرغ مكة المكرمة إلا من أهلها، حتى
تجدهم وقد قطعوا صمت الجبال المحدقة بهم بالمواسم الدينية، يحوّلونها إلى مواسم
للأنس والفرح والسمر، وتجد المرء منهم وقد استبدل بالجد والجهامة، في أثناء الموسم،
أنسا ومرحا وظرفا، وتكثر اللقاءات التي يطلق عليها المكيّون مصطلح «البشكة»،
ويتفنّنون في ألوان السمر حتى كأنهم لا يعرفون الحزن والألم. ومن أمتع ما دوّنه
الرّحالون والمؤرخون عن تقاليد المكيين وأحوالهم ذلك السفر الجليل الذي وضعه
المستشرق الهولندي سنوك هرخونيه، وفيه تسجيل واف للحياة في مكة المكرمة عند منتهى
القرن الثالث عشر الهجري (أواخر القرن التاسع عشر الميلادي)، وتقييد لأساليب
التعليم والثقافة والحج وأنماط الحياة الاجتماعية عند مطالع العصر الحديث لمكة
المكرّمة.
ورمضان الذي أدركه هرخونيه في مكة المكرمة لا يختلف كثيرًا، عمّا عهده
البلد الحرام، قبل ردح من الزمن، ولاسيما أن الحارة المكية - قبل أن تعرف أصداء
الحداثة - ظلت وفية لما نشأت عليه، وانطوت على كثير من التقاليد الضاربة في القدم،
وتوارثها المكيون جيلا بعد جيل.
في انتظار الشيخ رمضان
وكان أطفال المكيين - كما يصف هرخونيه - يتصوّرون رمضان شيخًا يبدأ
رحلته إليهم من المدينة المنورة، في النصف الثاني من شعبان، ويزداد ترقّبهم لقدومه
يومًا بعد يوم، إلى أن يبقى من شعبان يوم أو يومان، نزولاً على رؤية الهلال أو تمام
شعبان ثلاثين يومًا، ثم لا يلبث الشيخ رمضان أن ينزل في ساحة المكيين فيستقبلونه
بالأناشيد والأهازيج، وقد أعدّوا لقدومه العدّة، وما إن تثبت رؤيةهلاله حتى تختلف
حياة الناس في البلد الحرام، فالمدافع تُدَوْي في كل ناحية، والعيارات النارية
يسمعها كل أحد، إعلانًا لدخول الشهر العظيم، وتخف الأسر المكية إلى الأسواق لابتياع
مئونة الشهر من الطعام والشراب والحلوى، ويتفنّن الباعة في عرض ما لديهم من تلك
الأصناف، ويحلو للمرء أن يصيخ سمعه إلى كلمات الباعة وأهازيجهم، وهم يزيّنون للناس
ما يعرضونه من لذيذ الطعام والشراب.
وفي ناحية أخرى من مكة المكرمة، يأنس المارة بإيقاع «طاسات» ماء زمزم،
وقد شرع الزمازمة في تنظيف دوارق الماء وتلميعها، ويخرج معلّمو الزمازمة وصبيانهم
من الخلاوي، «ويقومون بفرش السجاجيد والحصر في الأماكن المخصصة لزبائنهم، فوق الحصى
في صحن المسجد أو بين أروقة الحرم، وقبل مدّ السجاجيد، يضعون الدوارق التي تحوي
الماء البارد بمعدّل دورق لكل خمسة أشخاص. وقبل أن يجلس الأشخاص البارزون في
أماكنهم المخصصة لهم، توضع بعض الدوارق الخاصة التي تحوي الماء المحلّى أو ماء
المطر أو ماء العيون، وذلك حسب ذوق الجالس ورغبته».(149 - 150)
ويسهب هرخونيه - الذي أعلن إسلامه وتسمّى عبدالغفار - في وصف التقاليد
الرمضانية في مكة المكرمة، وبخاصة ترقّب المصلين في أروقة الحرم وساحاته، أن يرفع
الرّيس أذان المغرب معلنًا انتهاء يوم من الصوم، في تقليد مكّي مهيب يصفه بهذه
الكلمات:
«إن جميع القادمين إلى المسجد قد أخذوا أماكنهم بانتظار لحظة الإفطار،
وذلك حين يصعد الرّيس إلى الطابق العلوي الذي يحيط ببئر زمزم ويلوّح بعلم إلى
القلعة، التي ينتظر فيها بعض الجنود لإطلاق المدافع إيذانًا بالإفطار. ويسمع المرء
الآن من كل أرجاء المسجد دعاء خاصًا، كما يسمع أصوات شرب الماء من الدوارق الخاصة،
وكذلك قرقعة صحون الطعام وما إليها. وفي هذه الأثناء، يرتفع الأذان من على المنارات
السبع الموجودة في المسجد، يؤدي بعدها الناس صلاة المغرب».(150)
وبعد أداء صلاة العشاء وسنة التراويح، ينتشر المكيون في أنحاء بلدتهم
المقدسة، ويبدأ البرنامج الرمضاني بالتسوّق أو زيارة الأهل والأصدقاء، ويحلو لزمر
منهم عقد «البشكات»، يقطعون بها أوقاتهم بطيب الأحاديث وألوان السمر، وتتناهى إليك
أصوات باعة المأكولات الرمضانية الشهية كالبليلة والكبدة، والمقليات، وتعلو جلبة
الصبية وقد تجمّعوا، هنا وهناك، يلهون ويلعبون ويعبثون، ويطيب لكل امرئ منهم أن
يؤدي العمرة، أما طلبة العلم، فلا أعظم ولا أجمل من أن يلتفّوا حول أحد أشياخهم في
رواق من أروقة البيت الحرام يتتلمذون له في القرآن الكريم أو الحديث الشريف أو
النحو أو البلاغة، ثم لا يلبثون أن يعودوا إلى بيوتهم ويخلدوا للنوم حتى يحين
السحور.
وتحفل المائدة المكية بأصناف من الطعام والحلويات، وألوان من العصير،
فإلى مكة المكرمة يجبى ثمرات كل شيء، وفيها من الأطعمة والأشربة ما لا يخلو منه
موسم، وهذا الشأن ليس من آثار العصر الحديث، وإنما هو مزيّة أدركها، قديمًا، ابن
جبير الأندلسي، وهو ابن الأندلس جنّة الله في الأرض، وحديثًا الأمير شكيب أرسلان،
نزيل أوربا، فلكل موسم من الطعام والحلوى والشراب ما يختلف عن الموسم الذي يليه،
أما شهر رمضان، فللمائدة المكية نكهتها التي لا تخطئها الأذواق، ومن أشهرها
«السمبوسك»، و«القطايف»، و«الفول»، و«اللقيمات»، و«المقلقل». أما المشروبات، فسيّد
المشروبات الرمضانية في مكة المكرمة ومدن الحجاز «السوبية»، وعادة ما ترى باعتها
منتشرين في الشوارع والحارات، وهناك «الخشاف»، و«قمر الدين»، و«الحمرة». أما
الحلويات، ثمة «الكنافة»، و«القطايف»، و«المهلبية»، و«الكريمة»، و«التطلي». وفي عيد
الفطر، يحلو لهم أكل «الديبازه» التي لايكاد يخلو منها بيت في مدن الحجاز لطيب
مذاقها.
السحور والمسحِّرون
ويصف هرخونيه ما كان عليه الأمر في مكة المكرمة، لعهده، وهو ما كانت
عليه عند منتصف القرن الرابع عشر الهجري - ومن ذلك أن المذكّرين يعتلون منائر الحرم
السبع، بعد منتصف الليل، «لقوموا بالتذكير أ والتغفير المكوّن تارة من الشعر
(المدائح النبوية)، والآخر من النثر، ولمدة ساعتين: إن الله سيغفر لأمة محمد ولكن
الله حذّر المؤمنين، والليل الآن في نهايته، ويجب أن يُستغل ما تبقى منه بذكر الله
والعبادة».(156)
وللتسحير تاريخ عريق في مكة المكرمة، ولقد كان المسحر مظهرًا من مظاهر
رمضان الاجتماعية، حتى زمن قريب، ولعل أقدم مظهر له في أم القرى ما ذكره المقدسي في
القرن الرابع للهجرة، في إشارة عابرة إليه، ثم ما ذكره ابن جبير الأندلسي في رحلته،
حيث يقول:
«والمؤذن الزمزمي يتولى التسحير في الصومعة، التي في الركن الشرقي من
المسجد بسبب قربها من دار الأمير، فيقوم في وقت السحور فيها داعيًا ومذكّرًا
ومحرّضًا على السحور، ومعه أخوان صغيران يجاوبانه ويقاولانه، وقد نُصبت في أعلى
الصومعة خشبة طويلة في رأسها عود كالذراع، وفي طرفيه بكرتان صغيرتان يُرفع عليهما
قنديلان من الزجاج كبيران لا يزالان يَقِدان مدة التسحير. فإذا قرب تبيين خيطي
الفجر، ووقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، حط المؤذن المذكور القنديلين من أعلى
الخشبة، وبدأ بالأذان، وثوّب المؤذنون من كل ناحية بالأذان.
وفي ديار مكة كلها سطوح مرتفعة، فمن لم يسمع نداء التسحير ممن مسكنه
من المسجد، يبصر القنديلين يقدان في أعلى الصومعة، فإذا لم يبصرهما علم أن الوقت قد
انقطع».
ويحلو للمسحر أن ينقر على طبلة ويهزج بأهازيج ذوات عدد، أو أن يقول:
«أبرك الليالي والأيام عليك سيدي فلان»، ويطيب له أن يذكر أسماء ربّ البيت وأبنائه
الذكور، ويجد الأطفال في صوت المسحِّر واختلافه إلى حارتهم ألوانًا من الفرح
والسرور، وفي الليالي الأخيرة من هذا الشهر الفضيل يزور هؤلاء المسحّرون بيوت
المكيين، وهناك ينفحون بما يجود به القادرون من مال أو كساء.
وللظّرف الحجازي، وهو ذو نسب أصيل في مكة المكرمة، سلطانه على قلوب
المكيّين، وكأنهم قد أخذوا على أنفسهم عهدًا أن يحيطوا حياتهم ومعاشهم بشيء من
الفكاهة والمرح، فرمضان حبيب إليهم، وهم شغوفون بالمواسم ينتهزونها، ولا يفوّتون
على أنفسهم متعة ممّا أحلّ الله - تبارك وتعالى - ولكنّ شهر رمضان يبهظهم بالإنفاق،
ولأنهم أهل ظرف، فقد قسّموا أيامه إلى ثلاثة أقسام: فعشرة للجزّارين في أوّله،
وعشرة للقمّاشين في منتصفه، وعشرة للخيّاطين في آخره، وفيها يتهيّئون لمقدم العيد
السعيد.
ما الذي بقي من تقاليد رمضان؟
قد تكون الحضارة الحديثة أتت على كثير من تقاليد رمضان في العالم
الإسلامي، وفي قلبه مكّة المكرّمة، وأضحت تلك التقاليد، التي كانت في يوم ما جزءًا
من حياة الناس - ضربًا من الموروث الشعبي الذي يُتفكّه به، ولكن الذي يبقى ذلك
الروح الذي يصدر منه المكيّون إلى يوم الناس هذا، وهو حبّهم لمدينتهم التي أعطت
للبشرية نور الإسلام الحنيف، وظلت مدينتهم، كما شاء لها الله - تبارك وتعالى
-موئلاً للتنوّع والتعدّد والتعارف، أما روح هذا البلد الحرام، فإنه خالد ما بقي
قلب ينبض بالإسلام، وكأن لسان كل مسلم يهفو فؤاده إلى حرَمها الشريف وبطحائها
المباركة.