السكر المر أحمد راسم النفيس

السكر المر

مرض السكر لدى الكبار صار من الانتشار إلى درجة اعتباره من طبائع الأمور, برغم خطورته, لكنه لدى الصغار يمثّل رعبًا يجتاح الوداعة, ويترك لدى الأهل كثيرًا من مشاعر المرارة والألم.

صار مرض السكر عند الأطفال واليافعين إحدى المشاكل الصحية التي تسبب انزعاجًا وقلقًا بالغين لدى كل أسرة يصاب أحد أبنائها بذلك المرض, ومن هنا تبدو أهمية تنمية الوعي الاجتماعي والأسري بأبعاد هذه المشكلة ووسائل التعايش السلمي معها من أجل الحفاظ على الحالة الصحية والنفسية لرجل أو لأم المستقبل خاصة بعد أن وفرت التقنيات الطبية الحديثة الفرصة لمثل هذا التعايش.

تبلغ نسبة الإصابة بهذه الحالة بين تلاميذ المدارس الأمريكية تحت سن الثامنة عشرة واحدًا إلى أربعمائة وربما إلى ستمائة وهي ليست بالنسبة القليلة ولا النادرة.

أسباب ظهور المرض

مازالت الأسباب الحقيقية لإصابة بعض الأطفال واليافعين بمرض السكري غير محددة بصورة قاطعة, ولكن يبقى أن العوامل الوراثية والمناعية هما من المتهمين الرئيسيين وراء ظهور هذه الحالة المرضية, ولايزال الدور الذي تلعبه بعض الفيروسات في حاجة إلى مزيد من الفحص والتدقيق.

تتسبب هذه العوامل - بعضها أو كلها - في ظهور حالة من النشاط المناعي المرضي الذي ينتهي بتدمير خلايا البنكرياس التي تفرز الإنسولين وهو ما يتمثل بظهورالأجسام المضادة لجزر لانجرهانز أو للإنسولين في مصل هؤلاء المرضى وربما في مصل أقربائهم, وفي كل هذه الحالات ينتهي الأمر بتدمير هذه الخلايا وانعدام إفراز الإنسولين أو نقصه بصورة بالغة وهو نمط مغاير لما يحدث في حالات السكري عند الكبار, وإذا تم قياس كمية الإنسولين في مصل هؤلاء المرضى تكون نسبته معدومة أو مضمحلة بدرجة شديدة.

كيف يعلن عن حضوره لدى الصغار?

إنها في الغالب المظاهر المرضية نفسها التي يعلن بها ذلك الضيف غير المرغوب به عن نفسه عندما ينزل بساحة الكبار... التبوّل الزائد أثناء الليل أو بالليل والنهار... الإحساس غير الطبيعي بالعطش...فقدان الوزن, الإحساس بالإرهاق والتعب, ويتحول الشك إلى يقين عند اكتشاف السكر في البول. ويمكن أن يأتي ذلك الزائر الثقيل ومعه أحد مضاعفات المرض الحادة مثل ظهور الأجسام الكيتونية في البول, وربما يصاحب هذا غيبوبة حامضية سكرية مصحوبة بارتفاع كبير في نسبة السكر ولتحصيل اليقين التشخيصي يتم قياس نسبة السكر في الدم أكثر من مرة لنجد أنها تتجاوز 200 مجم لكل مائة سنتيمتر.

إنها مشكلة حقيقية ولكنها أبدا ليست نهاية الكون فالذي خلق الداء خلق الدواء.

وما إن يعلم الوالدان بإصابة الصغير بهذه الحالة المرضية حتى تنتابهما حالة من القلق والتوتر وعلى الطبيب أن يستخدم كل قدراته وخبراته في تهدئة هؤلاء الذين أزعجتهم تلك المفاجأة غير المتوقعة, وكما قلنا من قبل إنها ليست نهاية الكون وسبحان الذي خلق الداء وخلق الدواء, وهناك الكثير من النماذج التي أصيب أفراد فيها بمثل هذه الحالة التي لا تعوق الإنسان عن مواصلة حياته على الإطلاق, ولا تمنع من أن يصبح مريض السكر واحدًا من أشهر أطباء السكر في العالم أو أن يكون من الناجحين أو الناجحات في عمله وحياته الاجتماعية المستقبلية مثل أي إنسان طبيعي مائة بالمائة.

فور أن تهدأ الأعصاب يبدأ الطبيب في شرح ما يتوجب على المريض وأهله القيام به, وما الأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال العلاج:

- إنه لا بديل عن العلاج بحقن الإنسولين.

- إن التطور العلمي قد وفر لمرضى السكر أنواعًا من أدوات الحقن بالغة الرقة تكاد أن تكون من دون ألم موصولاً إلى الحقن من دون إبرة.

- إن العلاج ينبغي له أن يضمن عدم حدوث اختلالات سكرية مرضية حادة مثل الغيبوبة السكرية الحادة أو انخفاض نسبة السكر بصورة غير طبيعية.

- أهمية الحفاظ على الحالة الصحية العامة بالإضافة إلى معدل النمو العقلي والجسماني الطبيعي.

- منع حدوث مضاعفات السكري بعيدة المدى مثل اختلالات شبكية العين والكليتين والأعصاب الطرفية والأوعية الدموية.

عناصر العلاج الأساسية:

- الإنسولين.

- النظام الغذائي.

- مراقبة الحالة المرضية.

- التعليم الطبي فيما يتعلق بمرض السكر.

- الرعاية النفسية والاجتماعية للمريض والأسرة.

الإنسولين

يحتاج أهل المريض لمعرفة بعض المعلومات عن الإنسولين الذي يتوافر منه في الأسواق نوعان رئيسيان:

- النوع الأول سريع الامتصاص ويبدأ عمله بعد نصف ساعة من الحقن ويكون في قمة نشاطه بعد ساعة واحدة إلى ثلاث ساعات على حقنه ويستمر في عمله إلى 5 ساعات ويغطي مرحلة امتصاص الطعام.

- النوع الثاني متوسط أو طويل المفعول ويكون في قمة عمله بعد 4-6 ساعات ويغطي ما بعد مرحلة امتصاص الطعام ويبدأ مفعوله في التلاشي بعد 12 ساعة تقريبًا.

- ينبغي حقن الإنسولين تحت الجلد قبل بدء تناول الطعام بنصف ساعة تقريبًا.

- يمكن مزج النوعين في حقنة واحدة.

كيف يمكن تنظيم تعاطي الإنسولين??

حقنة واحدة أم اثنتان أم أكثر???

إنها إحدى القضايا المثيرة للجدل بين الطبيب والمريض, فالطبيب يسعى لتحقيق أهدافه العلاجية ولو بحقن المريض مرة أو ثلاث مرات, بينما يسعى المريض لتجنب زيادة عدد مرات الوخز ولابد من التفاهم والاتفاق على خطة العلاج التي ستفيد المريض وليس الطبيب.

1- وخزة واحدة من الإنسولين متوسط المفعول صباحًا وهو ما يمكن الاعتماد عليه لفترة من الوقت في تحقيق ضبط السكر المطلوب لفترة لاتزيد على عام واحد.

2- وخزتان من الإنسولين المخلوط واحدة قبيل تناول الفطور والثانية قبيل تناول العشاء على أن تقسم الجرعة اليومية قسمين, ثلثا الجرعة صباحًا والثلث في المساء.

كيف يمكن حساب جرعة الإنسولين??

لابد أن يدرك المريض وذووه أن حساب جرعة الإنسولين يعتمد على استجابة المريض للحقن وظروفه الصحية ووزنه, ومن هنا فإن كل مريض له جرعته الخاصة به وتقدر هذه الجرعة ما بين 0.60-0.75u/kg وحتى 0.1u/kg وهكذا فقد تقضي بعض الاعتلالات الطارئة بزيادة كمية الإنسولين المقررة كما تزداد هذه الاحتياجات أثناء فترة البلوغ وطفرة النمو المصاحبة لها.

تعليمات مهمة:

1- ينبغي تعاطي جرعة الإنسولين سريع المفعول قبل تناول الطعام بنصف ساعة على الأقل حتى تصل إلى قمة امتصاصها ونشاطها مع مرحلة قمة الامتصاص الغذائي.

2- كلما ازدادت نسبة السكر في الدم قبل تناول الطعام تعين تعاطي حقنة الإنسولين قبلها بوقت يزيد على نصف الساعة.

إنسولين بشري أو حيواني??

كثيرًا ما يطرح هذا التساؤل على الطبيب عن حقيقة الإنسولين البشري ومصدره, وهل هو مستخلص من البشر وبالتالي هل يسبب للمريض أمراضًا وحساسية... إلخ??

والحقيقة أن هذا النوع من الإنسولين مصنع من خلال ما يسمى بالهندسة الوراثية من خلال استخدام بعض الخلايا الأحادية مثل الخميرة الغذائية ويسمى بالإنسولين البشري لتطابق تركيبته مع تركيبة الإنسولين البشري وحسب, ومن هنا فهو لا يسبب أي نوع من الحساسية بخلاف الإنسولين الحيواني المستخلص من الأبقار.

وماذا عن نظائر الإنسولين??

إنها أيضًا إنسولين بشري معدّل وراثيًا حتى يحقق سرعة عالية من الامتصاص تغني عن فترة الانتظار التي تفصل بين حقن الإنسولين وبدء تناول الطعام وفقًا لما ذكرنا من قبل.

وماذا عن العلاج المكثف بالإنسولين ولماذا نلجأ إليه??

ذكرنا سابقًا أن العلاج بالإنسولين يمكن أن يبدأ في صورة جرعة واحدة في الصباح إلا أن تطور الحالة المرضية وفقدان ما تبقى من إفراز داخلي للإنسولين سرعان ما يتغير الموقف ويجعل من الحفاظ على نسبة السكر في الدم في إطار المعقول أمرًا صعب التحقيق, ومن ثم تزيد من احتمال الإصابة بمضاعفات المرض خاصة بعيدة المدى منها, وهكذا يصبح اللجوء إلى نظام العلاج المكثف بالإنسولين أو نظام الجرعات المتعددة أمرًا واردًا وربما يحتاج الأمر إلى مضخة الإنسولين (البنكرياس الصناعي).

النظام الغذائي

تختلف استراتيجية النظام الغذائي التي يتعين على الطبيب اتباعها بالنسبة لمرضى السكر من الأطفال أو اليافعين عن تلك الاستراتيجية بالنسبة لمرضى السكر الكبار, حيث يتعين أن يلبي هذا النظام الاحتياجات الغذائية اللازمة للنمو والنشاط الجسماني لهؤلاء الأطفال.

إلا أن هذه القاعدة تختلف قليلاً بالنسبة للمصابين بالسمنة.

ووفقًا لتوصيات الجمعية الأمريكية للسكري فإن خطة الغذاء الموضوعة لهؤلاء ينبغي لها أن تتضمن تلك الاحتياجات:

15-20% من احتياجات الغذاء اليومية في صورة بروتينات.

30-35% في صورة دهون.

45-65% في صورة نشويات أو كربوهيدرات.

والملاحظ أن إجمالي ما يحتاج إليه هؤلاء من طاقة لا يختلف عن احتياجات أقرانهم من الأصحاء.

النشاط الجسماني

يعد النشاط الجسماني مكونًا مهمًا من مكونات النظام العلاجي ولدى قيام مريض السكر بنشاط رياضي يتعين عليه زيادة كمية النشويات في الوجبة التي تسبق ذلك النشاط حتى لا يعاني انخفاض نسبة السكر في الدم.

المتابعة الشخصية

عن طريق الأجهزة الشخصية الصغيرة ويستحسن قياس السكر مرتين على الأقل يوميا وتدوين القياس في كتيب المتابعة الذي يحتفظ به المريض.

التعليم الطبي

ينبغي توجيه انتباه المريض وعائلته لما يلي:

- علامات ارتفاع نسبة السكر في الدم.

- علامات انخفاضه عن المعدل الطبيعي.

- الطريقة المثلى للحقن بالإنسولين.

- علاج نوبات انخفاض السكر عن طريق تعاطي حقن الجلوكاجون.

- تنبيه المريض لمضاعفات المرض بعيدة المدى وتأثيراته في شبكية العين والكلى والأعصاب الطرفية.

الوقاية

أصبح الحديث عن الوقاية من مرض السكر عند الأطفال إمكانا حقيقيا نتيجة للفهم الأفضل لطبيعة المرض ولكونه حالة مرضية ناجمة عن حالة من المناعة الذاتية التي تؤدي إلى تدمير خلايا بيتا وجزر لانجرهانز, وهي رحلة تبدأ قبل ظهور المرض بمدة ليست بالقصيرة, ناهيك عن إمكان التعرف على أصحاب القابلية العالية للإصابة بالمرض من خلال اكتشاف الأجسام المضادة لجزر بيتا والتعرف على البطاقة الشخصية الجينية التي تثبت القابلية العالية لهؤلاء الأطفال للإصابة بالبول السكري.

الرضاعة الطبيعية

تبدأ الوقاية من هذا المرض من اللحظة الأولى لولادة الصغير فقد أثبتت البحوث والتجارب العلمية أن الرضاعة الصناعية من تلك الخلطات الجاهزة المركبة من ألبان الأبقار تحمل معها خطرًا عاليًا للاستثارة المناعية لخلايا البنكرياس لدى الصغير وكما لو كان الأمر يعد نوعًا من الإهانة لخلايا بنكرياس الرضيع تدفعها للرفض والاشتباك مع ما يحمله لبن الأبقار من خلايا أجنبية غازية, تلك المعركة المجنونة التي ربما تنتهي بتدمير الخلايا المنتجة للإنسولين.

عقاقير الوقاية

- الإنسولين عن طريق الفم: ذلك الأسلوب الذي ظهرت فائدته في فئران التجارب ولم تظهر بعد في الإنسان حيث تبين أنه يقلل من عدد الخلايا الالتهابية اللمفاوية في البنكرياس المهدد بالدمار وفقد خلاياه المنتجة للإنسولين بسبب هذا الالتهاب.

- الإنسولين عن طريق الحقن الوريدي المكثف: حيث يمكن استخدام هذا الأسلوب في الأطفال الذين ثبتت لديهم قابلية الإصابة أو الذين ظهر لديهم المرض حديثًا, وقد ثبت أن هذه الطريقة تقلل بالفعل من حدة الالتهاب وتزيد من طول مدة الشفاء وربما الاختفاء المؤقت أو الدائم للمرض.

- العلاج بمضادات المناعة (السيكلوسبورين): تلك العقاقير التي تستخدم في علاج الأمراض المناعية النشطة مثل الذئبة الحمراء, ويمكن استخدامها لدى المصابين حديثًا بالمرض, وقد أدى هذا النوع من العلاج إلى انخفاض الحاجة للحقن بالإنسولين وربما اختفاؤها لفترة من الوقت يمكن أن تطول لمدة عام وربما أكثر أو أقل.

- صالحقن الوريدي بالنيكوتيناميد: إنه أحد مكونات فيتامين ب المركب وهو عنصر غذائي رئيسي يحتاج إليه الجسم بصورة يومية طبيعية بكمية تتراوح بين 5-20 مجم يوميا عن طريق الفم - بالطبع - وقد أثبتت الأبحاث والتجارب أن إعطاءه عن طريق الوريد للمعرضين إلى الإصابة بالبول السكري أو المصابين يؤدي لاستعادة البنكرياس لنشاطه الطبيعي في كثير من الحالات.إذن فمن الواضح من خلال ما سردناه سابقًا أن كل هذه التدخلات لابد لها أن تتم إما قبيل ظهور المرض أو خلال الأيام الأولى التالية لحدوثه حيث يصبح التدخل الوقائي بعد ذلك أمرًا عديم القيمة.

البقدونس في مطابخنا

ذكره ابن سينا باسم البطراسليون, وسمي أيضا بالكرفس الرومي وبالإنجليزية parsley. وهو عشب مطبخي يستعمل في سلطة الخضار والتبولة وتزيين الأطباق, وقد يضاف إلى الشوربات, وهو مصدر طبيعي للكاروتين - مولد فيتامين أ - وغني بفيتامين ج, ويحتوي على عناصر معدنية كالبوتاسيوم والصوديوم والفسفور والحديد خاصة. قال عنه ابن سينا في كتابه (القانون في الطب): جيّد للمثانة ويسكّن النفخ العارض ونافع في أدوار الحمّى). ويعزى تأثيره المحلل للرياح للزيت العطري الموجود في أجزائه الخضراء كما في مغلي بذوره. وفي الطب الشعبي يستخدم لتشجيع إدرار اللبن لدى الأم المرضع, كما لزيادة الشهية وتسهيل الهضم ويُزعم أنه يوضح الرؤية عند الشيوخ ويقوّي أجسام الأطفال والرياضيين ويقوي الذاكرة ويهدئ الأعصاب ويساعد في علاج فقر الدم والكساح وجفاف العين والتسمم وتجديد الشعيرات الدموية.

الزواج والحب

عن الحب

الرغبة للاندماج مع شخص آخر هي أكبر توقان لدى الإنسان. إنها أشد عواطفه جوهرية, إنها القوة التي تبقي الجنس البشري متماسكًا وكذلك القبيلة والأسرة والمجتمع. والفشل في تحقيق هذا الاندماج يعني الجنون أو الدمار - الدمار للذات أو الدمار للآخرين. دون حب ما كان يمكن للإنسانية أن توجد يومًا واحدًا, ومع هذا, إذا نحن سمّينا تحقق الوحدة بين الأشخاص (حبا), فإننا نجد أنفسنا واقعين في إشكال خطير. فالاندماج يمكن أن يتحقق بعدة طرق - والفروق ليست أقل في الدلالة مما هو شائع لأشكال الحب المختلفة. فهل تسمى كلها حبا? أم أنه ينبغي علينا أن نحتفظ بكلمة (الحب) فقط لنوع خاص من الوحدة, للنوع الذي هو الفضيلة المثلى في كل المذاهب الدينية والفلسفية الإنسانية الكبرى في أربعة الآلاف سنة من التاريخ الغربي والشرقي?

به تتجمل

للوحدة التكافلية أنموذجها البيولوجي في العلاقة بين الأم الحامل والجنين. إنهما اثنان ومع ذلك فهما واحد. إنهما يعيشان (معا) متكافلين, إن كلا منهما يحتاج إلى الآخر. إن الجنين هو جزء من الأم, إنه يتلقى كل ما يحتاج إليه منها, الأم هي عالمه كما هو حادث بالفعل, إنها تطعمه, إنها تحميه, ولكن حياتها أيضا تتجمّل به. في الوحدة التكافلية النفسية يكون الجسدان مستقلين, ولكن النوع نفسه من التعلق يوجد سيكولوجيا.

فرح العطاء للآخر

أهم مجال للعطاء ليس هو مجال الأشياء المادية, بل هو المجال الذي يكمن في العالم الإنساني بصفة خاصة. فماذا يعطي الإنسان للآخر? إنه يعطي من نفسه, من أثمن ما يملك, إنه يعطي من حياته. وليس هذا بالضرورة أنه يضحي بحياته للآخر - بل يعني أنه يعطيه من ذلك الشيء الحي فيه, إنه يعطيه من فرحه, من شغفه, من فهمه, من علمه, من مرحه, من حزنه - من كل التعابير والتجليات لذلك الشيء الحي الذي فيه. وهكذا بإعطائه من حياته إنما يُثرى الشخص الآخر, إنه يعزز شعور الآخر بالحياة وذلك بتعزيزه لشعوره هو بالحياة. إنه لا يعطي لكي يتلقى, العطاء هو في ذاته فرح رفيع.

المسئولية والحب

إن الرعاية والعناية تتضمنان جانبًا آخر للحب, هو جانب المسئولية. المسئولية اليوم تعني في الغالب الإشارة إلى الواجب, الإشارة إلى شيء مفروض على الإنسان من خارج. ولكن المسئولية في معناها الحقيقي هي فعل إرادي تمامًا, إنها استجابتي لاحتياجات إنسان آخر سواء عبّر عنها أم لم يعبّر. أن تكون (مسئولا) يعني أن تكون قادرًا ومستعدًا لأن (تستجيب).

 

أحمد راسم النفيس

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات